شهيد صفين هاشم المرقال (رضی الله عنه)

هویة الکتاب

مضر السيد علي خان المدني

شهيد صفين هاشم المرقال (رضی الله عنه)

إصدار

مؤسسة مسجد السهلة المعظم

الطبعة الأولى – 1435 ﻫ .

جميع الحقوق محفوظة للمؤسسة

ص: 1

الإهداء

وأيم الله .. لقد كنت قريباً منه في السني الأخيرة من حياته فلم أألف قلبا أرق من قلبه ينطق حبا وولها وشوقا إلى من أحبه .. لمساته الحانية الحنون لا زال خدرها اللذيذ يسري في أعصابي رغم تقادم السنين .. وأيم الله لقد رأيته من خشية الله يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين, ولقد ألفت فيه الشجاعة والكرم والنخوة والطيب والمرؤة والدفء والحنين وكل مكارم الأخلاق .. .. ورأيت دموعه غزارا تغسل وجهه الكريم عندما تطوف بذاكرته صور كربلاء, وأشهد أني لم أجد محبا لآل بيت المصطفى (صلی الله علیه و آله) بمثل وجدانيته .. صادق المحبة موفور الموالاة مستأنسا بالاتباع لهم .. على يقين من ربه وبصيرة أنهم الشفعاء إليه تعالى يوم الورود والفوز بالرضوان الأكبر.. اللهم فاجعل رحماتك وبركاتك ورضوانك على روح جدي (المحسن) وأسكنه فسيح جناتك مع أجداده الكرام من آل محمد (صلی الله علیه و آله) .

وإلى روحه الطاهرة المرفرفة في عليين أهدي كتابي هذا.

مضر السيد علي خان المدني

ص: 2

المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وصلاة وسلاماً على أشرف خلقه جدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

وبعد: فقد استهوتني الكتابة عن حواريّ أمير المؤمنين (علیه السلام) , بعد أن خضت غمارها فيما صدر لي, رغم ما وجدته من عقبات عدة منها إهمال التأريخ لدورهم في تثبيت ركائز الرسالة, طمساً لذلك الدور وتغييباً؛ كونهم اتخذوا خط علي (علیه السلام) .. خط التوحيد الرسالي المحمدي الأصيل, فكأن الأحاديث عنهم كانت تكتب في دواوين الحاكمين وتفصل مقاساتها طبق مزاجاتهم.

وكانت الحيرة تأخذني بعيدا وأنا أحاول البدء, فمن منهم سأختار!؟ وهم الذين (هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة, وباشروا روح اليقين, واستلانوا ما استوعره المترفون, وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون, وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى) كما يصفهم مولى المتقين (علیه السلام) ؛ فتركت للنفس أن تختار على هواها, إذ وجدت أن كل نجم من تلك الأنجم المنيرة يستحق أن يكون وهج عطاءه ملتصقا على جبين الذاكرة, عرفاناً وامتناناً وتخليداً, فكانت هذه الإطلالة على واحد من هؤلاء البررة .. شهيد صفين هاشم المرقال رضوان الله عليه.

ص: 3

الإسم والنسب

هو: هاشم بن عتبة بن أبي الوقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (1).

وأمه ابنة خالد بن عُبَيْد بن سُوَيد ابن جابر بن تميم بن عامر بن عوف بن الحارث بن عَبْد مَنَاة بن كنانة حَلِيفهم.

وهناك القليل ممن شكك في النسب المتفق عليه من معظم المؤرخين, فقد أشار أولئك إلى أن عتبة (2)...

ص: 4


1- جمهرة انساب العرب – إبن حزم :12, شرح نهج البلاغة – إبن أبي الحديد : 6/55 , الدرجات الرفيعة- السيد علي خان المدني : 375
2- عتبة والد هاشم وأخ سعد، كان شديد العداوة للنبي (صلی الله علیه و آله) وقد تعاقد مع نفر من عتاة قريش منهم والد الزهري، على قتل النبي (صلی الله علیه و آله) في معركة أحد, فرماه بأربعة أحجار، فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وشق شفته السفلى. وأما إبن قمئة فكَلَمَ وجنتيه (صلی الله علیه و آله) وغيب حَلَق المغفر فيهما، وعلاه بالسيف فلم يقطع، وسقط رسول الله (صلی الله علیه و آله) فجحشت ركبته (رُضَّت).( المقريزي : إمتاع الأسماع: 14/339) و(عتبة بن أبي وقاص ، الذي كسر رباعية رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوم أحد، وكلم شفتيه وشج وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، وهو يدعوهم إلى ربهم( شرح نهج البلاغة:6/55) قال الواقدي: دعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) على الذين تعاقدوا على قتله فقال: اللهم لا تُحِلْ أحداً منهم الحول، فمات عتبة من وجع أليم أصابه فتعذب به.

وسعدا (1) وبقية أقارب هاشم دخلاء في قريش...

ص: 5


1- سعد بن أبي وقاص(مالك بن أهيب) ويكنى أبا إسحاق، قيل أنه أسلم وهو شاب (المنتظم:5/281) وقال ابنه محمد: ( قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين). (الطبري:2/60) , (وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية ، بنت عم أبي سفيان)( إبن حجر في الإصابة:3/61). وقد عاشت طويلاً ولم تسلم (فتح الباري:7/66) .. غضبت عليه وقالت له: ( يا سعد بلغني أنك قد صبأت، فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح ، وإن الطعام والشراب على حرام حتى تكفر بمحمد ). كان سعد قصيراً غليظاً أسمر أفطس أشعر الجسد يخضب السواد( إبن الجوزي في المنتظم :5/281)وكان صاحب قوس وصيد ، وقد أمَّره النبي (صلی الله علیه و آله) على بعض سراياه. امتنع سعد عن بيعة علي (علیه السلام) ونصرته، فتركه علي (علیه السلام) ولم يجبره على البيعة. وكان سعد يتقرب اليه ليوليه فلم يوله, وأخبره أن ابنه عمر سيقتل الحسين (علیه السلام) :(كان (علیه السلام) يخطب الناس وقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا نبأتكم به. قال : فقام إليه سعد بن أبي وقاص وقال: يا أمير المؤمنين: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة؟ فقال له: والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنك ستسألني عنها! وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس! وإن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني ! وعمر يومئذ يدرج بين يدي أبيه)(أمالي الصدوق: 196). عاش سعد إبن أبي وقاص ما ينيف عن ثمانين عاماً. بعد وفاة النبي محمد (صلی الله علیه و آله) كان سعد إبن أبي وقاص من أول من بايعوا أبا بكر. أما في عهد عمر بن الخطاب فقد كان سعد في عداد جيش معركة القادسية وصار فيما بعد واليا على الكوفة. وهو أحد رجال الهيئة التي عينها عمر بن الخطاب لتعيين الخليفة بعده والذين قرروا تنصيب عثمان بن عفان بدل الإمام علي (علیه السلام) الأحق بولاية أمر المسلمين. ولما قبل الإمام علي (علیه السلام) باستلام الخلافة بعد عثمان بن عفان رفض سعد إبن أبي وقاص مبايعته. و لم يكتف بذلك بل هاجم الإمام علي (علیه السلام) علناً أحياناً مما جعل معاوية بن أبي سفيان يكافئه على ذلك بجزيل العطاء. ابنته عائشة بنت سعد تعدّ من الذين سمعت من والدها وروت حادثة غدير خُم. توفي بالعقيق على بعد سبعة أميال من المدينة المنورة، فحمل إليها، ودفن بالبقيع سنة 55 ﻫ..

وأنهم لرجل من بني عذرة (1) .

وساق المشككون بالنسب في ذلك قصة طويلة عريضة, مع استدلال بعدة شواهد تاريخية:

ص: 6


1- بنو عذرة: إحدى قبائل العرب الشهيرة، في التاريخ العربي، عاصرت ما قبل الإسلام واستمرت إلى اليوم ممثلة في بطونها التي تمتد اليوم في شمال الحجاز وسوريا وفلسطين والأردن ومصر والسودان. وإليها ينتسب طائفة من فحول الشعراء العرب أشهرهم جميل بثينة، وعرفت بالحب والغزل العفيف الذي أطلق عليه الحب والغزل العذري، وهو وصف فيه معنيان، فهو نسبة إلى قبيلة عذرة التي اشتهرت به، وأيضا وصف لهذا النمط من الشعر بالعذرية، أي العفة والبعد عن الأوصاف الحسية والغزل الفاحش. وهذا النوع من الشعر أجازه الرسول (صلی الله علیه و آله) واستمع إليه. وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني أن أحد شيوخ بني عذرة قال: (نحن من قوم إذا أحبّوا ماتوا).على إن هناك قبيلة أخرى اسمها عذرة تنتسب إلى بني كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة، فهي من قضاعة أيضا، وذكرها القلقشندي كالآتي: بنو عذرة - بطن من كلب من قضاعة .. وهم بنو عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب وكلب يأتي نسبه عند ذكره في حرف الكاف كان له من الولد عوف والعبيد بطن وفي عذرة هذا ينسب كنانة عذرة دون عذرة ومن بني عذرة الكلبيين: بنو كعب.

-هجاء حسان بن ثابت (1) ل-(عتبة) لما كسر رباعية رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوم أحد وشج وجهه وكلم شفتيه .. بقوله :

إذا الله حيا معشراً بفعالهم *** ونصرهم الرحمن رب المشارق

فهدك ربي يا عتيب بن مالك *** ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق

بسطت يميناً للنبي محمد *** فدميت فاهاً قطعت بالبوارق

فهلاّ ذكرت الله والمنزل الذي *** تصير إليه عند إحدى الصواعق

فمن عاذري من عبد عذرة بعدما *** هوى في دجوجي شديد المضايق

وأورث عاراً في الحياة لأهله *** وفي النار يوم البعث أم البوائق

ص: 7


1- حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري (60 ق.ﻫ.. - 54 ﻫ.). شاعر النبي (صلی الله علیه و آله) وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولد وتوفي في بالمدينة، عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام. وكان من سكان المدينة. واشتهرت مدائحه في الغسانيين وملوك الحيرة قبل الإسلام. لم يشهد مع النبي (صلی الله علیه و آله) مشهداً لعلة أصابته. عاش على الشعر، فكان يمدح المناذرة والغساسنة، وبالغ في مدح آل جفنة من ملوك غسان فأغدقوا عليه العطايا، وملأوا يديه بالنعم، ولم ينكروه بعد إسلامه فجاءته رسلهم بالهدايا من القسطنطينية، ولما هاجر رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى المدينة أسلم حسان مع الأنصار، وانقطع إلى مدحه والذود عنه، وأصبح الشاعر المنافح عن دين الإسلام، فاشتهر بذلك ذكره، وارتفع قدره، توفي سنة 54 للهجرة بالغا من العمر 120 سنة، وقد كف بصره في آخر أيامه.

-قول عبد الله بن مسعود (1) لسعد بن أبي وقاص, عندما اختصما في موضوع خلافة عثمان بن عفان وجرهما التخاصم الى التهاتر والسباب: أسكت يا عبد هذيل (2), فأكال له عبد الله صاعاً بصاع ورد عليه يقول: أسكت يا عبد عذرة.

-طعن عبد الله بن مسعود في أم سعد، عندما كان والياً لبيت المال في الكوفة فاستقرض منه سعد مبلغاً، وطالبه بعد مدة فلم يسدده، وأهانه فقال له: يا ابن حمنة ! (3) وهو تشكيك بنسبته إلى أبيه !.

ص: 8


1- عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي: أسلم قبل دخول رسول الله (صلی الله علیه و آله) دار الأرقم. هاجر الهجرتين، وشهد بدرا وأُحدا والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد. وقال إبن عباس: آخى (صلی الله علیه و آله) بين أنس وإبن مسعود. روى عبد الله عن النبي (صلی الله علیه و آله) أحاديث كثيرة، وروى عنه من الصحابة: العبادلة وعمر وسعد بن معاذ وأَبو موسى وعمران بن حصين وإبن الزبير وجابر وأَنس وأَبو سعيد وأَبو هريرة وأَبو رافع وغيرهم. توفي عبد الله بن مسعود وهو إبن بضعٍ وستين سنة..
2- هذيل قبيلة من قبائل خندف من العرب المضرية تسكن في الحجاز غرب الجزيرة العربية وهم بنو: هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان, وأقرب القبائل نسبا لقبيلة هذيل هم قبيلة كنانة التي من فروعها قبيلة قريش, وقبيلة بني أسد ويليهم في القرابة قبيلة بني تميم وقبيلة مزينة, وانقسمت قبيلة هذيل في الجاهلية وصدر الإسلام إلى عدة بطون (جمهرة أنساب العرب : 196) .
3- حمنة بنت سفيان بن أمية ، بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية, أم سعد بن أبي وقاص, وقد عاشت طويلاً ولم تسلم(إبن حجر في الإصابة: 3/ 61 , و فتح الباري : 7/ 66) .

-قول سعد بن أبي وقاص لمعاوية بن أبي سفيان (1)في نزاع بينهما: أنا أحق منك بالخلافة, فأجابه معاوية ساخرا: يأبى عليك ذلك بنو عذرة.

-( وقد نسبوا سعداً إلى غير أبيه وأنه من رجل من بني عذرة كان خدناً لأمه، ويشهد بذلك قول معاوية له حين قال سعد لمعاوية: أنا أحق بذلك الأمر منك، فقال له معاوية: يأبى عليك ذلك بنو عذرة ! روى ذلك النوفل بن سلمان (2)) (3).

ويبدو أن مسألة التشكيك في النسب قد أخذت مأخذها في المجتمع القرشي حتى آلمت سعد بن أبي وقاص, وسببت له موقفاً حرجاً بين القوم, فنشط البعض ممن يحمل له ولمجموعته التي شكلت الحزب القرشي الجديد الذي كان مناهضاً

ص: 9


1- روى هشام بن محمد بن السائب الكلبي: كان معاوية لأربعة: لعمارة بن وليد بن المغيرة المخزومي، ولمسافر بن عمر، ولابي سفيان، ولرجل آخر سماّه، وكانت هند أمّه من المغيلمات، وكان أحبّ الرجال إليها السودان، وكانت إذا ولدت أسودا قتلته (مثالب العرب : 72) , وكانت حمامة بعض جدّات معاوية لها راية في ذي المجاز(موضع سوق بعرفة على ناحية كبلب)(مثالب العرب : 85).
2- أورده الدارقطني في الضعفاء والمتروكين (553) وقال: (نوفل بن سليمان الهُنّائي)وقال إبن أبي حاتم في العلل (5/118ح(1582): (سألت أبي عن حديث محمد بن أمية الساوي عن نوفل بن سليمان الهُنائي عن عُبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن إبن عمر قال: وقف النبي (صلی الله علیه و آله) بِعُسْفَان فقال: (لقد مر بهذه القرية سبعون نبيًا ثيابهم العباء ونعالهم الخوص)؟ فسمعت أبي يقول: (هذا حديث موضوع بهذا الإسناد، ونوفل بن سليمان هذا ضعيف الحديث)
3- إلزام النواصب – مفلح بن راشد:171

لبني هاشم في تثبيت روايات عدة تأكيدا للنسب, وقد تكون هذه الروايات من اختلاقات الوضاعين الذين لم يريدوا لأحد العشرة المبشرين بالجنة (1)(عندهم)

ص: 10


1- العشرة المبشرون بالجنة هو مصطلح عند أهل السنة يستخدم للإشارة لعشرة من الصحابة وعدوا في بعض أحاديث النبي محمد (صلی الله علیه و آله) بدخول الجنة وهم العشرة الأكثر فضلاً وخيرةً بين الصحابة بحسب زعمهم, في الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله) : أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطَلحةُ في الجنة والزبير في الجنّة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد دفي الجنّة وسعيد في الجنة وأَبو عبيدة بن الجراح في الجنة(رواه الترمذي: 3680)وفي سنن أبي داود:عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد فذكر رجل عليا (علیه السلام) فقام سعيد بن زيد فقال: أشهد على رسول الله (صلی الله علیه و آله) أني سمعته وهو يقول: عشرة في الجنة النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ولو شئت لسميت العاشر. قال: فقالوا: من هو فسكت. قال: فقالوا: من هو فقال: هو سعيد بن زيد, فإلاسناد ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ولا يرويها غيرهما، وطريق عبد الرحمن ينحصر بعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف تارة وعن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أخرى، وهذا إسناد باطل لا يتم نظرا إلى وفاة حميد بن عبد الرحمن فإنه لم يكن صحابيا وإنما هو تابعي لم يدرك عبد الرحمن بن عوف لأنه توفي سنة 105 عن 73 عاما فهو وليد سنة 32 عام وفاة عبد الرحمن بن عوف أو بعده بسنة، ولذلك يرى إبن حجر رواية حميد عن عمر وعثمان منقطعة قطعا (تهذيب التهذيب 3: 46) وعثمان قد توفي بعد عبد الرحمن بن عوف. فالإسناد هذا لا يصح. فيبقى طريق الرواية قصرا على سعيد بن زيد الذي عد نفسه من العشرة المبشرة، وقد رواها في الكوفة فهلا مسائل هذا الصحابي عن سر إرجاء روايته هذه إلى معاوية وعدم ذكره إياها في تلكم السنين المتطاولة عهد الخلفاء وكانوا هم وبقية الصحابة في أشد الحاجة إلى مثل هذه الرواية لتدعيم الحجة وحقن الدماء وحفظ الحرمات في تلكم الأيام الخالية المظلمة بالشقاق والخلاف، فكأنها أوحيت إلى سعيد بن زيد فحسب يوم تسنم معاوية عرش الملك العضوض. ويبدو أن سعيد بن زيد لما كان لا يتحمل من مناوئي علي أمير المؤمنين (علیه السلام) الوقيعة فيه والتحامل عليه، ويجابه بذلك من كان ولاه معاوية على الكوفة، وكان قد تقاعس عن بيعة يزيد عندما استخلفه أبوه، وأجاب مروان في ذلك بكلمة قارصة أخذته الخيفة على نفسه من بوادر معاوية فاتخذ باختلاقه هذه الرواية ترسا يقيه عن الاتهام بحب علي (علیه السلام) ، وكان المتهم بتلك النزعة يوم ذاك يعاقب بألوان العذاب ويسجن وينكل به ويقتل تقتيلا، فأرضى خليفة الوقت بإتحاف الجنة لمخالفي علي (علیه السلام) والمتقاعسين عن بيعته والخارجين عليه، وجعل رؤسائهم في صف واحد لا يشاركهم غيرهم كأن الجنة خلقت لهم فحسب ولم يذكر معهم أحد من سادات أهل الجنة كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد (رضی الله عنه) .

شكوكا في نسبه, وأنه من الأدعياء, فالأدعياء لديهم من الذين تحرم عليهم الجنة.

ومن تلك الروايات:

-عن سعيد بن المسيب (1) عن سعد بن أبي وقاص أنه جاء إلى النبي (صلی الله علیه و آله) يوماً ( وقد برم بكثرة الطاعنين في نسبه) فقال له: يا رسول الله من أنا ؟, فقال النبي

ص: 11


1- سعيد بن المسيّب: أبو محمد المخزومي فقيه المدينة المنورة، وإمام أهل السنّة، ومن كبار التابعين, ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر وكان من سادات التابعين فقهاً ودينا وورعا وعلما وعبادة وفضلا (نفحات الأزهار–السيد علي الميلاني: 19/41)سمع من علي بن الحسين (علیهما السلام) وروى عنه وهو من الصدر الأول في أصحاب السجّاد (علیه السلام) (رجال الشيخ) وعدّه البرقي أيضاً في أصحاب السجّاد (علیه السلام) . وقال الكشّي: سعيد بن المسيب: (قال الفضل بن شاذان: ولم يكن في زمن علي بن الحسين (علیهما السلام) في أوّل أمره إلا خمسة أنفس: سعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب... ربّاه أمير المؤمنين (علیه السلام) وكان حزن جد سعيد أوصى الى أمير المؤمنين (علیه السلام) . وقع سعيد بن المسيّب في إسناد جملة من الروايات تبلغ أربعة عشر مورداً. توفي سنة(94)وقد نجا من الحجّاج فلم يقتله وكان هو آخر أصحاب رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) .(معجم رجال الحديث – السيد الخوئي : 9 / 5190) . -

(صلی الله علیه و آله) : أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة, من قال غير ذلك فعليه لعنة الله.

والرواية الآنفة التي تستند إلى سعد نفسه, لم يسمعها أحد من المسلمين مطلقا مباشرة من النبي (صلی الله علیه و آله) , مع أنها لو صحت لوجب أن يسمعها غيره وتكون أمام جماعة من المسلمين ليذيعوا ذلك عن النبي (صلی الله علیه و آله) حتى يكف الطاعنون في نسب سعد عن استمرارهم في ذلك .

والرواية تحمل في ذاتها تساؤلات وشكوكاً: هل كان سعد ممن بدأ الشك يساوره في نسبه فلجأ إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) ليعرف الحقيقة, أم أنه كان يريد دحضا لمزاعم الناس من الصادق الأمين (صلی الله علیه و آله) , وفي الإحتمالين كليهما فأن المنطق يستلزم أن يكون هناك شهود على حديث النبي (صلی الله علیه و آله) , بل إن سعي سعد إليه سلام الله عليه منفردا غير مبرر إذ كيف سيقنع الناس وخاصة من شكك في نسبه بصدق قوله عند نقله حديث النبي (صلی الله علیه و آله) , فمن المنطق أن سعداً حينما يفكر

ص: 12

باللجوء إلى النبي الكريم (صلی الله علیه و آله) , يكون من مستلزمات تخطيطه أن يختار الوقت المناسب الذي يضمن له وجود عدد مناسب من الصحابة حول الرسول (صلی الله علیه و آله) , أو أن يستصحب بعضهم في ذهابه إليه؛ فليس الأمر الذي يريد رأي النبي (صلی الله علیه و آله) فيه بالشيء العابر في مقومات شخصيته, و لا يمكن توقع سبب يبيح التصور بأنه آثر لقاء النبي (صلی الله علیه و آله) وسؤاله على انفراد .

-روى جابر بن عبد الله (1), قال : أقبل سعد يوماً, فلما رآه النبي (صلی الله علیه و آله) التفت إلى من كان حاضراً من المسلمين وقال مشيراً إلى سعد: هذا خالي فليرني امرؤ خاله.

ص: 13


1- جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، شهد بدراً، وأحداً، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو من أول من أسلم من الأنصار قبل العقبة الأولى. -قال محمد بن إسحاق: بالإسناد إلى عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه قالوا: لما لقيهم رسول الله، يعني النفر من الأنصار، قال: (ممن أنتم) وذكر الحديث وكانوا ستة نفر منهم من بني النجار: أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث بن رفاعة، وهو إبن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد، وجابر بن عبد الله بن رئاب، فأسلموا، فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله الحديث، روى الوازع بن نافع، عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله بن رئاب عن النبي قال: (مر بي جبريل وأنا أصلي، فضحك إلي وتبسمت إليه). أسند عن النبي (صلی الله علیه و آله) غير حديث، روى عنه إبن عباس. أخرجه الثلاثة.

وهذا الحديث الذي حمل إشارة النبي (صلی الله علیه و آله) إلى أخواله بالنسب لأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة الذي يفترض بنسب سعد أن يعود إليه أعرض عنه الكثيرون من المحدثين, واستغربه بعضهم ومنهم الترمذي الذي قال عنه: وهذا غريب, فليس من انسجام بين مفردات الحديث المنسوب, ولا اللغة لغة الصادق الأمين (صلی الله علیه و آله) , والإطلاق الصادر عن النبي (صلی الله علیه و آله) - مع افتراضه - ضعيف المحاججة, بلفظ فليرني امرؤ خاله, إذ نستطيع التصور بآن الكثيرين من غير الأدعياء يمكن أن ينهضوا ويقفوا بين يدي النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) ليقولوا: هؤلاء أخوالنا .

ويرى بعض المؤرخين أن إثبات انتساب سعد إلى بني زهرة لا يجعله في درجة تفضيل عن نسبه إلى قضاعة التي ينتمي إليها بنو عذرة, فهم يرون أن بني زهرة فرع خامل وعنصر كسول وليس فيها من عناصر الشخصية ومؤثراتها ما يمكن الافتخار به, وأن اللاحقين منهم افتخروا بانتسابهم إلى سعد وليس إلى أجداده, كما أشار إلى ذلك عمر بن الخطاب حين قال ل-(سعد) وقد أقبل عليه في الحديث فيمن أقبل عليه من أصحاب الشورى قبل وفاته بقليل فقال له: (وما أنت يا سعد, إنما أنت صاحب مقنب (1) من هذه المقانب تقاتل به, و صاحب قنص

ص: 14


1- المِقنَب : جماعة الخيل.

وقوس وأسهم لا تقوم بإدارة قرية من هذه القرى, وما زهرة والخلافة وأمور الناس!!) (1).

وذهب أبعد من ذلك في النيل من بني زهرة أبو سفيان بن حرب (2) فأرسل فيهم ما صار مثلاً يضرب للضعيف بقوله عنهم :

ص: 15


1- شرح النهج: 1 / 186 - 187
2- صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي والد معاوية وأخوته، كان رئيس المشركين يوم أحد ورئيس الأحزاب يوم الخندق أسلم زمن الفتح ولقي النبي (صلی الله علیه و آله) بالطريق قبل دخول مكة وشهد حنينا والطائف.. لعنه رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوم أحد فقال: [اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية]( سنن الترمذي: 4 /295) ولعنه وابنيه معاوية ويزيد لما رآه راكبا وأحد الولدين يقود والآخر يسوق فقال: [اللهم العن الراكب والقائد والسائق ]( تاريخ الأمم والملوك: 10 / 58 سنة 284ﻫ.، كتاب صفين: 217 و الغدير: 3 / 252.). وقال علي (علیه السلام) في حديث له: {معاوية طليق إبن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله عز وجل ولرسوله (صلی الله علیه و آله) وللمسلمين عدوا. هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين }(تاريخ الطبري: 5 / 8 حوادث سنة 37ﻫ.). وقال فيه عمرو بن الخطاب مخاطبا رسول الله: أبو سفيان عدو الله، وقد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني يا رسول الله أضرب عنقه (تاريخ مدينة دمشق: 23 / 449 رقم 2849، وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 43.)! وقال الإمام الحسن (علیه السلام) مخاطبا معاوية: (وأنك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم تسرون الكفر، وتظهرون الإسلام وتستمالون بالأموال)(شرح نهج البلاغة: 6 / 288 - 289) ومن كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية (وأنت اللعين إبن اللعين) وقول أبي ذر لمعاوية - لما قال له: يا عدو الله وعدو رسوله - ما أنا بعدو لله ولا لرسوله بل أنت وأبوك عدوان الله ولرسوله، أظهرتهما الإسلام وأبطنتما الكفر (الغدير: 8 / 446 - 447، 10 /119 ).

( لا في العير و لا في النفير) (1)، ففي أحد الأوقات أقبلت قافلة لقريش يقودها أبو سفيان، وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) قد تحين انصرافها من الشام فندب المسلمين للخروج معه، وأقبل أبو سفيان حتى دنا من المدينة وقد خاف خوفاً شديداً، فَقَال لمجدىّ بن عمرو (2): هل أحْسَسْتَ من أحدٍ من أصحاب محمد؟ فَقَال: ما رأيت من أحد أنكره إلا راكبين أتيَا هذا المكَانَ، وأشار له إلى مكان عديٍّ وبسبس عَيْنَى رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، فأخذ أبو سفيان أبْعَاراً من أبعار بعيريهما ففَتَّها فإذا فيها نوىً، فَقَال: علائفُ يَثْرب، هذه عيون محمد، فضرب وجوه عِيْرِهِ فسَاحَلَ بها وترك بَدْراً يساراً، وقد كان بَعَثَ إلى قريش حين فَصَلَ من الشام يخبرهم بما يخافه من النبي (صلی الله علیه و آله) ، فأقبلت قريش من مكة، فأرسل إليهم سفيان يخبرهم أنه قد أحرز العير، ويأمرهم بالرجوع، فأبَتْ قريش أن تَرْجِع ورَجَعَتْ بنو زهرة من ثنيَّة أجدى، عدلوا إلى الساحل مُنْصَرِفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان فَقَال: يا بنى زهرة لا في العير ولا في النفير، قَالوا: أنت أرسَلْتَ إلى قريش أن ترجع،

ص: 16


1- قال الأصمعي: يضرب هذا للرجل يحطُّ أمره ويصغر قدره( الميداني – مجمع الأمثال: 222).
2- مجدي بن عمرو الجهني, كان قد حجز بين المسلمين وقريش يوم بدر ففي أحد الربيعين بعث عمه حمزة في ثلاثين راكبا من المهاجرين إلى سيف البحر من ناحية العيص، فلقي أبا جهل في ثلاثمائة. وقال الزهري في مائة وثلاثين راكبا. وكان مجدي بن عمرو الجهني وقومه حلفاء الفريقين جميعا، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني (سير أعلام النبلاء - الذهبي) .

ومضت قريش إلى بدر، فواقعهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، فأظفره الله تعالى بهم، ولم يشهد بدراً من المشركين من بنى زهرة أحد.

وقد أشار الشعراء إلى أن بني زهرة ليسوا ممن يفتخر بهم, وأن اللاحقين منهم افتخروا بانتسابهم إلى سعد وليس إلى أجداده, ومن أمثلة ذلك قول السيد الحميري (1) في قصيدة مشهورة :

ص: 17


1- إسماعيل بن محمد الحميري من أبرز شعراء الشيعة، كان يعيش في العراق ويحظى برعاية خاصة من الأئمة (علیهم السلام) وخاصة الإمام الصادق (علیه السلام) ، نظّم أجود الأشعار في مدح أهل البيت (علیهم السلام) ورثاء سيد الشهداء (علیه السلام) وصحبه، ولد عام 105ﻫ. في أسرة غير موالية لأهل البيت (علیهم السلام) إلاّ أنه كان موالياً لآل علي (علیه السلام) ، ووقف لهم شعره ولسانه، قال له الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) : (سمّتك أمك سيّداً ووفّقت في ذلك وأنت سيد الشعراء) (بحار الأنوار 45: 52 و 53، مقتل الحسين للمقرم: 351)، وبالإضافة إلى براعته في الشعر والأدب، كان السيد الحميري شخصية بارزة في علوم القرآن والتفسير والحديث والكلام، ويذكر اسمه إلى جانب أسماء العلماء الكبار. أما شعره في مدح آل النبي (صلی الله علیه و آله) وهجاء أعدائهم فكان نافذاً ولاذعاً. وقد طبع شعره في كتاب تحت عنوان (ديوان السيد الحميري). أجلسه الإمام الصادق (علیه السلام) في داره، وعيال الإمام جالسون من وراء ستار، وطلب منه أن يرثي الإمام الحسين (علیه السلام) فقرأ القصيدة التي مطلعها: أُمرر على جدث الحسين *** فقل لا عظمه لأعظمهِ الزكيّة فبكى الصادق (علیه السلام) وارتفع صوت البكاء من الدار حتى أمره بالإمساك فأمسك (أعيان الشيعة 1: 586)، توفي عام 173 في الرميلة ببغداد.

سائل قريشاً بها إن كنت ذا عمهٍ *** من كان أثبتها في الدين أوتادا

من كان أقدمها سلماً وأكثرها *** علماً وأطهرها أهلاً وأولادا

من وحّد الله إذ كانت مكذبة *** تدعو مع الله أوثاناً وأندادا

من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا *** عنها وإن بخلوا في أزمة جادا

من كان أعدلها حكماً وأقسطها*** حلماً وأصدقها وعداً وإيعادا

إن يصدقوك فلم يعدوا أبا حسنٍ *** إن أنت لم تلق للأبرار حسادا

إن أنت لم تلق من تيمٍ أخا صلفٍ *** ومن عديٍّ لحق الله جحادا

أو من بني عامر أو من بني أسد *** رهط العبيد (ذوو جهل)وأوغادا

أو رهط سعد وسعد كان قد علموا *** عن مستقيم صراط الله صدادا

قوم تداعوا زنيما (1) ثم سادهم *** لولا خمول بني زهر لما سادا

ص: 18


1- الزَّنِيمُ الدعيُّ، وهو الملحق بقوم, و الزَّنِيمُ اللئيم المعروف بلؤْمه أو شرِّه . (المعجم الوسيط )

ولادته

أغفلت المصادر تاريخ ولادة هاشم بن عتبة ومكانها، سوى ذكر أنه من أعلام القرن الأوّل الهجري، ولم تحدد متون كتب التاريخ والمصادر المهمة كم كان عمره حين أسلم على يد الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) عام الفتح في مكة، ولم تذكر عمره حين وفاته حتّى يصبح بالإمكان تحديد شخصيّته ومسار حياته, ولكن بعض الوقائع في مصادر سيرته تشير إلى أن الولادة التقريبية له في سنة (15) قبل الهجرة النبوية المباركة ومن المحتمل أنه ولد في المدينة باعتباره مدنياَ (1). ومن تلك الوقائع ما يشير إلى أنه حين أسلم كان واقفاً على أعتاب البلوغ (2)، ومنهم من يقول جاء إلى النبي (صلی الله علیه و آله) ومد يده ليسلم ويبايعه, لكن النبي (صلی الله علیه و آله) لم يستجب له لصغر سنه، مما جعله مغموراً, ولم يذكر اسمه في غزوات الرسول (صلی الله علیه و آله) لا سيما وإنه أسلم في عام الفتح , ويذهب البعض إلى أنّ ولادته كانت سابقة على سنة 15 قبل الهجرة، كأن تكون متراوحة بين 25 - 30 قبل الهجرة النبوية, ولعل التاريخ - فيما أخفى الحاكمون من صفحاته - أخفى أيضاً مفردات حياة الرجل بعد حين.

ص: 19


1- ديوان هاشم المرقال- جمع وتحقيق وشرح قيس العطار : 9- 10
2- أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين: 10 / 250.

ويبدو أن أباه عتبة كان متأثرا جداً بشخصية جد النبي (صلی الله علیه و آله) فأطلق على وليده اسم (هاشم) تيمناً بصاحب المجد والكرم هاشم بن عبد مناف (1), وكناه ب-(أبي

عمرو) وهي كنية الزعماء والأشراف, وكني أيضاً ب-( أبي عتبة ) (2).

ص: 20


1- هاشم بن عبد مناف بن قصيّ والد عبد المطلب جد النبي (صلی الله علیه و آله) ، واسم هاشم: عَمْرو العُلى، كان يكسو العريان ويطعم الجائع، ويفرج عن المعسر ويوفي عن المديون، ومن أُصيب بدم دفَع عنه، وكان بابه لا يغلَق عن صادر ولا وارد؛ وإنّما سمّي هاشما لأنه هشم الثريد لقومه، توارث العهد الإلهيّ من لدن آدم إلى الرسول الخاتم، مقرونا بالنور الذي ظهر على غرّة النبيين والوصيين (علیهم السلام) ، وذلكم هو نور المصطفى محمد (صلی الله علیه و آله) . وقد مر ذلك العهد الإلهي المقدس بأجداد النبي (صلی الله علیه و آله) ، حتى انتهى إلى عبدالمطلب بن هاشم، ثم بلغ قبل النبوة الخاتمة أبا طالب (علیه السلام) ، فكان آخر الأمناء قبل الرسالة المحمدية الشريفة. وهاشم - وهو الجد الثاني لرسول الله (صلی الله علیه و آله) - هو أحد المؤتمنِين على ذلك العهد المقدس .. وقد تحدث الناس بجوده في الآفاق، تسيد أهل مكة بأجمعهم وشرفوه وعظّموه، وسلموا إليه مفاتيح الكعبة والسقاية والحجابة والرفادة، ومصادر أمور الناس ومواردها، وسلموا إليه: لواء نِزار وقوس إسماعيل (علیه السلام) وقميص إبراهيم (علیه السلام) ونعل شيث (علیه السلام) وخاتم نوحٍ (علیه السلام) ، فلما احتوى على ذلك كلّه ظهر فخره ومجده، وكان يقوم بالحجاج ويرعاهم، ويتولى أُمورهم ويكرمهم، فلا ينصرفون إلا شاكرين. توفّي بالشام، وقبره معروفٌ هناك.
2- أسد الغابة - إبن الأثير: 5/49, العقد الفريد - إبن عبد ربه: 5/ 88

فترة الصبا

عاش هاشم بن عتبة (رضی الله عنه) شأنه شأن كل فتيان قريش في جو مكة الذي تربطه عادات القبائل العربية ومثلها وتقاليدها ليرافق أباه في محافلها ومنها طقوس العبادة الوثنية التي كانت تلف الكعبة التي يشخص على أعلاها الأعداد الكثيرة من الأصنام, ولم يسجل التأريخ للرجل في هذه المرحلة من تأريخ حياته أية لوحة ولم يترك أية صورة .

كما لم يسجل ملامح صباه وفتوته التي من المؤكد أنها تماثل ما أعتاد عليه الناس من رعاية أبناءهم وتنشأتهم على صنوف العادات القبلية ومنها تعلم مهارات الحروب والفصاحة والأدب وغيرها, والتي ظهرت الكثير من ملامحها في شخصيته المستقبلية.

وآثرت أسرته عقد قرانه من أقرب الناس إليهم, فتزوج (دلال) ابنة عمه سعد والمكناة ب-(أم إسحق).

ويروى أنه لما حوصر النبي والهاشميون في شعب أبي طالب (علیه السلام) ، قدم هاشم بن عتبة (رضی الله عنه) ببعير محمّل بالطعام من تمر وزبيب وغيره، ولما وصل إلى مدخل الشعب، وجد رجلين من قريش يحرسان مدخل الشعب حتى لا تصل المؤونة إلى

ص: 21

سكان الشعب، فأغراهما بالمسابقة وجعل جائزة لمن يسبق صاحبه إلى مكّة ذهاباً واياباً، ليستغل فترة المسابقة فيرسل البعير المحمل إلى داخل الشعب ويرجع من حيث جاء ويتوارى عن الأنظار، وهذا ما لا يقوم به إلاّ رجل كامل ويحمل روح الإِنسانيّة والشهامة.

ص: 22

إسلام الشهيد (رضی الله عنه)

أسلم هاشم بن عتبة (رضی الله عنه) يوم الفتح عندما قيض الله عز وجل لنبيه الكريم (صلی الله علیه و آله) دخول البلد الأمين, لتمر الأيام سراعاً فيغدو من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) ، والإمام علي (علیه السلام) , وقد عدّه البعض من وجوه الصحابة أو خيار التابعين (1) .

ولا شك أن بيئته الخاصة كانت عائقا أكيدا عن اعتناقه الإسلام مبكراً, فما ورد من أحاديث عن تبني أبيه لأشد درجات العداء للنبي الكريم (صلی الله علیه و آله) , وهجومه الدنيء على سيد الرسل (صلی الله علیه و آله) بالشكل الذي رواه التاريخ, يقود إلى التفكير بأن مثل هذا الأب لا بد أن يكون شديدا في التعاطي مع أي أحد من أفراد بيته, لو فكر باعتناق الدين الجديد.

ولعل من باب التعاطف مع شخص الشهيد الكبير (رضی الله عنه) أن يقودنا الخيال - وما ندري فقد تكون حقيقة – للظن بأن هاشم (رضی الله عنه) عاش أيام الدعوة الأولى بترقب وتقصٍ وانتباه, وقد يكون أغراه هذا الترتيل غير المألوف الذي يتسلسل على

ص: 23


1- مناقب آل أبي طالب- إبن شهر آشوب: 1/291

شفاه الرسول الكريم (صلی الله علیه و آله) آيات تعبق عطرا وذوقا وفكرا وحكمة ونوراً ما له من مثيل.

ولعل قدراته الذاتية في علوم اللغة وآدابها وملكاته النثرية والشعرية التي ظهرت في أوجها لاحقا كانت عاملا في تلهفه الدائم لسماع وحي السماء المنساب من النبي العظيم (صلی الله علیه و آله) , فما حفظه لنا التاريخ من أدب رفيع يجعله في مصاف كبار الخطباء والشعراء, ومن له هذا التذوق العالي لا بد أن يكون مدهوشاً أمام الإعجاز الملكوتي الذي حملته آيات القرآن الكريم.

ولعل الشهيد عاش صراع النفس أمام الحقيقة, واستهان بدين آباءه وهم سجود أمام أحجار صماء بكماء صنعتها أيادي عابديها, ولعل نفسه حدثته بالانعتاق من تلك العبودية البائسة التي عاشها قومه, خصوصا وهو يستمع مبررات أوهى من بيت العنكبوت في رفض دعوة محمد (صلی الله علیه و آله) فهم يرون الأمر بقولهم أننا: ( تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف, أطعموا فأطعمنا, وحملوا فحملنا, وأعطوا فأعطينا, حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان, قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء, فمتى ندرك مثل هذا, واللات لا نؤمن به أبداً, ولا نصدقه), فهكذا كانت درجة الحسد عندهم لبني عبد مناف, إذ لو (كان الحسد

ص: 24

يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشار, وللناس كلها عشر واحد, بل وقريش شركاؤهم فيه أيضا) , كما يقول عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري (1).

ص: 25


1- عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري خرج ومعه خمسون نفرا من قومه من اليمن و أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينتين ورسول الله (صلی الله علیه و آله) بخيبر, وأرسله (صلی الله علیه و آله) مع معاذ بن جبل إلى اليمن.من المنافقين الأشرار والملعونين بلسان النبي (صلی الله علیه و آله) إذ نص رسول الله (صلی الله علیه و آله) على ضلالته وإضلاله .. ذكر إبن عساكر عن أبي يحيى حكيم، قال: كنت جالسا مع عمار (صلی الله علیه و آله) فجاءه أبو موسى فقال: ما لي ولك ألست أخاك ؟ قال: ما أدري ولكن سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يلعنك ليلة الجمل قاله : انه قد استغفر لي قال عمار: قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار(تاريخ مدينة دمشق 32 : 93 .)وعن عبد الرحمن بن معقل قال: صليت مع علي صلاة الغداة فقنت فقال: في قنوته اللهم عليك بمعاوية وأشياعه وعمرو بن العاص وأشياعه وعبد الله بن قيس وأشياعه (كنز العمال 8 : 82 رقم : 21989 ) ولاه عمر على البصرة حين عزل المغيرة عنها، فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان، فعزله عثمان عنها وولاها عبد الله بن عامر بن كريز، فنزل أبو موسى حينئذ الكوفة وسكنها، فلما رفع أهل الكوفة سعيد بن العاص ، ولوا أبا موسى وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقره عثمان على الكوفة، إلى أن مات. وعزله علي عنها، فلم يزل واجدا على علي (علیه السلام) ، حتى جاء منه ما قال حذيفة، فقد روى فيه الحذيفة كلام كرهت ذكره، والله يغفر له ثم كان من أمره يوم الحكمين ما كان(الاستيعاب 3 : 979 .)والذي طوى ذكره من كلام حذيفة، فقد ذكره غيره، وهو أنه وصف بعض الناس عند حذيفة أبا موسى بالدين، فقال حذيفة: أما أنتم فتقولون ذلك، وأما أنا فاشهد أنه عدو لله ولرسوله، وحرب لهما في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، ويوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار .ومن أعظم الشواهد وأقوى الدلائل على ضلاله ونفاقه وعناده وشقاقه ما صدر منه في قضية التحكيم حيث خلع أمير المؤمنين (علیه السلام) عن الإمامة وبلغ الغاية القصوى من الضلالة والجهالة والخباثة والعداوة والشقاوة والخسارة والجسارة. توفي 52 وقيل 42 وقيل 44 ودفن بمكة وقيل دفن بالثوية على ميلين من الكوفة.

والمغيرة بن شعبة (1).

لكن البيت الذي احتواه مع أب مثل عتبة كان كفيلا بوأد مثل هذا التطلع, ولو إلى حين, فقد كان هذا الأب من عتاة الكافرين.

ورغم كل هذه الأجواء الموبوءة بالحقد على رسول الله (صلی الله علیه و آله) , والإصرار على رفض دعوته في بيت عتبة, نجد(أن التاريخ لم يتعرض له بسوء, ولم يسجل عليه في تلك الفترة المظلمة زلة يد أو هفوة لسان بالنسبة للنبي الكريم (صلی الله علیه و آله) , على كثرة ما سجل على شيوخ قريش وشبابها من الهفوات والزلات ما يندى له جبين الحق وتنكره المرؤة والشهامة, ومن الخطل في التفكير أن نتصور هاشماً بما يجعله في صف العامة ورعاع الناس بحيث يصح للتاريخ أن يهمله في جملة من يهملهم من الخاملين والعامة, فقد كان من جملة أعلام العصر الجاهلي , وإن لم يبلغ في السمو ما يجعله في الصف الأول من أولئك الأعلام) (2).

ص: 26


1- هاشم المرقال- محمد رضا الحكيم :24
2- المصدر نفسه: 23

لقب ( المرقال )

ارتبط لقب (المرقال) بالشهيد الجليل هاشم بن عتبة (صلی الله علیه و آله) , وقيل أن ذلك اللقب لازمه لأن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال له: (إرقل يا ميمون) (1), أو لطريقته الخاصّة في القتال وفى هجومه على العدوّ لأنه كان يرقل في الحرب, أي يسرع, من الإرقال (2)...

ص: 27


1- العبقات : 3/ 39 عن القرطبي, و نفحات الازهار في خلاصة عبقات الانوار للسيد حامد حسين اللكهنوي – تحقيق السيد علي الميلاني: 3 / 37
2- رجال الطوسي: 84 / 852 ، وقعة صفّين: 328 , تاريخ الطبري: 5 / 44، مروج الذهب: 2 / 387 ،الإصابة: 6 / 404 / 8934 ، وفى النهاية : 2 / 253 الإرقال : ضرب من العَدْو فوق الخَبَب . قال الجوهري: الارقال ضرب من الخبب وناقة مرقل ومرقال : إذا كانت كثيرة الارقال . يقال : أرقلت الناقة تُرقل إرقالا، فهي مُرقل ومِرْقال. وأضاف في لسان العرب : 11 / 294 ومرقال: كثيرة الإرقال . وقال الأصمعي: إذا فاتت النخلة يد المتناول فهي جبارة، فإذا ارتفعت عن ذلك فهي الرقلة، وجمعها رقل ورقال. وقال إبن بري :ويقال: رقلة ورقل، ومنه المثل: ترى الفتيان كالرقل، وما يدريك بالدخل. وفي حديث علي (علیه السلام) : ولا تقطع عليهم رقلة؛ الرقلة : النخلة وجنسها الرقل وفي حديث جابر في غزوة خيبر: خرج رجل كأنه الرقل في يده حربة، والإرقال: ضرب من الخبب . وروى أبو عبيد عن أصحابه: الإرقال والإجذام والإجمار سرعة سير الإبل. وأرقلت الدابة والناقة إرقالا أسرعت. وأرقل القوم إلى الحرب إرقالا: أسرعوا . قال النابغة : إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا *** إلى الموت إرقال الجمال المصاعب وفي قصيد كعب بن زهير : ولن يبلغها إلا عذافرة *** لها على الأين إرقال وتبغيل واستعاره أبو حية النميري للرماح فقال : أما إنه لو كان غيرك أرقلت *** إليه القنا بالراعفات اللهازم وناقة مرقال مرقلة، قال طرفة : وإني لأمضي الهم عند احتضاره *** بعوجاء مرقال تروح وتغتدي (لسان العرب- إبن منظور:207 )

وهو ضرب من العدو (1), أو لأنه يرقل برايته في الحرب، أي يهرول فيها هرولة خاصة, فروي عنه أنه في معركة صفين: (حمل يومئذ يرقل إرقالاً..) (2), وفيها أيضاً أن معاوية (3)..

ص: 28


1- الإصابة في تمييز الصحابة – إبن حجر : 3/ 593, أسد الغابة – إبن الأثير: 5/49
2- وقعة صفين- المنقري:327
3- لم يكن معاوية يتحلى بشيء من خلق الإسلام أو يتأدب بأدبه كما لم ينهل شيئا من العلم كذلك كان حال من تحالف معه وكان من جنده. . وكانت رايته راية دنيا وهوى ولم يكن للدين فيها أدنى نصيب. . ولقد استعان معاوية بشرار الخلق من أجل تصفية المعارضين والقضاء على شيعة الإمام علي (علیه السلام) ومحو ذكره . . وعلى رأس الذين استعان بهم معاوية في تصفية المسلمين الملتزمين بالإسلام النبوي من أنصار الإمام (علیه السلام) بسر بن أرطأة, وزياد إبن أبيه الشخصيتان الدمويتان اللذان لم يرحما شيخا ولا امرأة ولا طفلا وارتكبا من الفظائع والمنكرات ما تقشعر له الأبدان . .وكان معاوية أول من ابتدأ بقطع الرؤوس في الإسلام. فقد قطع رأس عمار بن ياسر (رضی الله عنه) ورأس عمرو بن الحمق (رضی الله عنه) , وهو أحد الذين قادوا الثورة ضد عثمان.. كذلك فعل مع محمد بن أبي بكر (رضی الله عنه) في مصر حين دخلها عمرو بن العاص ووضعوا جثته في حمار ميت وأحرقوها. وقد أصبحت سنة قطع الرؤوس التي سنها معاوية من السنن التي التزم بها الحكام من بعده . ومن جرائم معاوية أمره بسب الإمام علي (علیه السلام) ولعنه على المنابر, ومثل هذه الجريمة لا تعد موقفا شخصيا عدائيا من الإمام (علیه السلام) إنما هي تعبر عن عدائية معاوية للإسلام النبوي الذي يمثله, وخوفه من أن تتسرب مفاهيم هذا الإسلام للمسلمين فيكتشفوا زيفه وضلاله, ولقد تصدى شيعة الإمام (علیه السلام) لهذه الحملة الإعلامية الشيطانية التي قادها معاوية ضد الإمام علي (علیه السلام) بعد شهادته وشهادة الإمام الحسن (علیه السلام) وسيطرة معاوية على الحكم . . وعلى رأس الذين تصدوا لحملة معاوية هذه الصحابي الجليل حجر بن عدي (رضی الله عنه) وعدد من أنصار الإمام (علیه السلام) في ولاية زياد بن أبيه بالعراق فكان أن قبض عليه زياد وعدد من رفاقه وأرسلهم إلى معاوية في الشام بكتاب يحرضه فيه عليهم متهما حجرا (رضی الله عنه) وأصحابه بالدفاع عن علي (علیه السلام) والبراءة من عدوه وأهل حربه. وقد طلب من حجر وأصحابه البراءة من علي (علیه السلام) ولعنه فأبوا. وقال حجر: لا أقول ما يسخط الرب. فأمر معاوية بقتله وعدد من أصحابه في مرج عذراء عام 51 ﻫ. ,ومن جرائم معاوية تآمره على قتل الإمام الحسن (علیه السلام) بالسم وتوليته ولده يزيد خليفة له فكان أن شرع للملكية في الإسلام لتذوق الأمة على يد ولده وملوك بني مروان من بعده ألوان العذاب والظلم والاستبداد . .يقول الحسن البصري: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. واستخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير. وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : الولد للفراش وللعاهر الحجر. وقتله حجرا وأصحاب حجر فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر. . وعلى يد يزيد بن معاوية وقعت جريمتان بشعتان: الأولى قتل الإمام الحسين (علیه السلام) وأهل بيته (علیهم السلام) في كربلاء. والثانية استحلاله مدينة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وذبح أهلها وهتك أعراض نساءها . .فتروي كتب التاريخ أن أهل المدينة عصوا يزيد وشقوا عصا الطاعة بعد مصرع الإمام الحسين (علیه السلام) , فكان أن سير إليهم جيشا استباح المدينة ثلاثة أيام وقتل آلاف الأنفس من الأشراف وغيرهم وهتك أعراض النساء حتى قيل أنه حملت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زواج. . روى الشيخ الصدوق (الخصال - باب الاثني عشر / ح 2 (عن أبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه، عن النبي (صلی الله علیه و آله) أنه قال: [إنّ فِرعَون هذهِ الأُمة معاوية بن أبي سفيان] .

ص: 29

قال ل-(عمرو بن العاص ) (1): (ويحك، إن اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة، وقد كان من قبل يرقل به إرقالاً، وإنه إن زحف به اليوم

ص: 30


1- نُسِب عمرو إلى العاص بن وائل بن سعيد السهمي القريشي الذي كان كبير بنى سهم وقد أنكر الدعوة الإسلامية وأذى الصحابة واستهزأ برسول الله (صلی الله علیه و آله) ووصفه بالأبتر بعد موت ولديه القاسم وعبد الله، حتى أنزل الله فيه: (إن شانئك هو الأبتر((سورة الكوثر- الآية 3), أما أمّه (سلمى بنت حرملة العنزيّة) فقد جاء عنها في السيرة الحَلبية: (... وطئها أربعة وهُم العاص وأبو لهب وأُميّة بن خلف وأبو سُفيان بن حرب، وادّعى كُلهم عمراً فألحقته بالعاص. وقيل لها: لِم اخترت العاص؟ فقالت: لأنه يُنفِق على بناتي.). لم يدخل عمرو الإسلام إلاّ بعد تردد شديد واعتزال في أرض الحبشة ليرقب الأمر, ولما أيقن أن أمر الإسلام سينتهى بالظفر وأن سقوط مكة قريب، وجد أن ليس له بد من أن يُسلِم طائعاً قبل أن يُسلِم كارهاً وأسلم قبل الفتح ، حارب ضد المسلمين بضراوة في موقعة أحد والخندق ثم قاد جيوشهم في العديد من الغزوات ثم تولى قيادة الجيش لقتال الروم وغزو فلسطين في عهد أبي بكر وأتم احتلالها بدخوله القدس في عهد عمر بن الخطاب. بعد ذلك عمل عمرو على إقناع إبن الخطاب بغزو مصر قائلاً أنها: أكثر الأرض أموالاً وأعجزهم عن القتال والحرب وتم احتلال مصر التي بهرت العرب بثروتها وفرضوا الجزية على أهلها... على كل حالم دينارين... وعلى كل صاحب أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطىّ زيت وقسطي عسل وقسطىّ خل، رزقا للمسلمين يجمع في دار الرزق وتقسّم فيهم وأحصي المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف، وبرنسا أو عمامة، وسراويل، وخفّين في كل عام أو عدل الجبة الصوف ثوبا قبطيا (المعروف بدقة صنعه وغلاء ثمنه). وكتب عليهم عمرو بذلك كتابا وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يُسبوا، وأن تقر أموالهم وكنوزهم في يدهم. وكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر فأجازه وبالإضافة إلى ذلك فُرِضت الضرائب (المكوس) على الصناعة والتجارة الداخلية والخارجية فكانت كل قرية مسئولة بالتضامن عن الضرائب المفروضة عليها. وزاد على ذلك كلّه أن اشتُرِط على المصريين أن من ينزل عليه ضيف واحد أو أكثر من العرب وجِبَت عليه الضِيافة ثلاثة أيام. وعن حال أجدادنا قال المواردي: كان على المصريين (أصحاب البلد الشرعيين) أن يغيِّرون من هيآتهم بلبس الغيار وشد الزنار وليس لهم أن يلبسوا العمائم والطيلسان وأن لا يعلّوا على المسلمين في الأبنية ويكونون إن لم ينقصوا مساوين لهم وأن لا يُسمعونهم أصوات نواقيسهم ولا تلاوة كُتبهم ولا قولهم في عزير والمسيح ولا يُجاهروهم بشرب الخمر ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم وأن يخفوا دفن موتاهم ولا يجاهروا بندب عليهم ولا نياحة وأن يمتنعوا من ركوب الخيل عِتاقا وهجانا ولا يُمنعوا من ركوب البغال والحمير ولا يركبون بالسروج ويكون أحد خفّى المرأة منهم أسود والآخر أبيض ويكون في رقابهم خواتم رصاص أو نحاس أو جرس يدخل معهم الحمام ولا يتصدرون في المجالس ولا يُبدأون بالسلام ويلجون إلى أضيق الطرق وكان من احتقار العرب للمصريين أن قال معاوية بن أبى سفيان سيّد عمرو وولىّ نعمته: وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لا ناس. فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب والثلث الذين يشبهون الناس فالموالي (من أسلم من المصريين) والثلث الذين لا ناس المسالمة (القبط). اتُهِم عمرو بن العاص بحرق مكتبة الإسكندرية وتدمير التراث الفِكري والثقافي لمصر بحجة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد قال أنه : إذا كان فيها ما يوافق كتاب الله، ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فلا حاجة إليه فتَقَدَّم بإعدامِها) وفى فتوح البلدان للبلاذري أن عثمان بن عفان لاحَظ ضعف الخراج المصري فعزل عمرو بن العاص عن مصر وعيَّن بدلاً منه عبد الله بن سعد بن أبى السرح الذي ضاعف حصيلته في العام التالي. ولم يعد عمرو إلى مصر واليا إلا بعد أن باع روحه وضميره للشيطان متجسدا في معاوية بن أبى سِفيان فكانت مصر وأهلها منحة من إبن هند آكلة الأكباد إلى إبن العاص مكافئة له على خطته الغادرة يوم التحكيم في صفين. كان عمرو من أشد المعارضين لعثمان(لخلعه عن ولاية مصر) وكان يؤلب ويحرض الناس عليه، ومهد للفتنة ثم خرج يَنتظر في ضيعته بفلسطين حتى أن جاءه خبر قتل عثمان قال: أنا أبو عبد الله، ما حككت قرحة إلاّ أدميتها . بعدها انضم إلى معاوية بن أبى سفيان مطالبا بدم عثمان وفى التحكيم الذى انتهت إليه موقعة صفين بين على بن أبى طالب ومعاوية بعد مكيدة عمرو برفع المصاحف على الحراب إتفق المتفاوضان أبو موسى الأشعري (ممثل علىّ) وعمرو بن العاص (ممثل معاوية)على أن يخلعا معا الطرفين المتحاربين ورد سلطان الأمة إليها وبمجرد إعلان الأشعري عن خلعه لعليٍّ ثبت إبن العاص معاوية فكان أن قال له أبو موسى الأشعري: مالك، لا وفّقك الله غدرت وفجرت, إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ورد عليه عمرو قائلا: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا وكان عمرو قد اشترط على معاوية أن يمنحه مصر مقابل تأييده له في حربه ضد الإمام على حتى أنه قد رد عليه عندما طالبه معاوية بعد ذلك بالعناية بخراج مصر لحاجته للمال بأنه :لم يورثه إيّاها لا لأبوه أو لأمه وإنه ما نالها عفوا ولكن شرطها لدفاعه الأشعري!! بذلك عاد عمرو غازيا مصر باسم معاوية ليقتل واليها محمد بن أبي بكر الصديق ويحرق جسده داخل جثة حمار... ولتظل مصر غنيمة من نصيب عمرو حتى آخر عمره...وقد جاء في مروج الذهب للمسعودي، أن تركة عمرو عند وفاته كانت ثلاثمائة وخمسة وعشرين ألف دينار ذهب وألف درهم فضة، وغلّة مأتىّ ألف دينار بمصر وضيعته المعروفة ب-(الوهط) وقيمتها عشرة مليون درهم...(أسامة أنور عكاشة- مقالة : صحيفة الموجز المصرية) (وينظر كتاب الخطط المقريزية : المواعظ والإعتبار - المقريزي :2/57) .

ص: 31

زحفاً، إنه لليوم الأطول لأهل الشام) (1).

ص: 32


1- وقعة صفين- المنقري:340

وورد أيضاً :(أنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) أعطاه الراية بصفّين وكان يرقل بها) (1).

وقد بلغ من التصاق صفته هذه به في الحرب وأنه يميز بها بين الفرسان أن ابنه عبد الله اندفع يرقل بالراية في صفوف الأعداء ليوهم الجيش أنّ أباه هو الذي في الميدان.

ص: 33


1- القاموس المحيط- الفيروزأبادي:3 / 386

الملامح والصفات

كان المرقال (رضی الله عنه) رجلاً ضخماً، وقد قال قبل مصرعه: أيّها الناس، إنّي رجل ضخم، فلا يهولنكم مسقَطي إذا سقطت, وكان خطيباً مفَوهاً وبطلا شجاعا مخطِّطاً حربياً ومنظِّراً عسكرياً ذا خبرات عالية، اكتسبها تلقيناً أو تجربةً.. فكان يتخذ القرار المناسب في الموقف المناسب والمكان المناسب.

وكان شيعيٌّا صلبا صاحب إيمان وتقوى.. من المحاربين ذوي التجارب والخبرات الحربيّة الطويلة، حتّى أصبح من كبار القادة وأصحاب الخطط الحربيّة.. فهو المتقدّم في الصفوف، ذو البأس والتضحية الذي لم يتزلزل في مواقفه يوماً أبداً, وخلال حروب الشام.. أثبت المرقال قدراته القتالية، حين كان يقود فرقة من فرق الفرسان في اليرموك وقد ذهبت إحدى عينيه.

و في معارك فتوح العراق، شهدت له القادسيّة تألق المقاتلين الأشداء، وكان قطب الرحى في فتح جُلولاء وأسد الكتائب في المسير لفتح حُلوان كما شهدت أذربيجان وطأ حوافر جواده، ثمّ كانت معارك قتال الناكثين والقاسطين في الجمل وصِفّين حيث ضُرب به المثل فيها شجاعة وتضحية وإقداما.

ص: 34

وليس أدل على شجاعة هذا المقاتل العنيد من شهادة أشجع الناس فيه فقد توّجه أمير المؤمنين (علیه السلام) بوسام مجد لا يضاهى بقوله عنه: أمَا واللهِ لو أنه وَلِيَها (أي وليَ مصر) ما خلّى لعمرو بن العاص وأعوانه الفَجَرة العَرْصةَ، ولمَا قُتل إلاّ وسيفه في يده (1).

وإذا تسالمنا أن الفضل هو ما شهدت به الأعداء, فيمكن أن نتلمس إقرار معاوية بشجاعة المرقال (رضی الله عنه) ، حينما تعاظمت عليه الأمور في صفيّن فدعا قادته وأصحابه قائلاً: إنّه قد غمّني رجال من أصحاب عليّ، منهم: سعيد بن قيس في هَمْدان (2) ..

ص: 35


1- تاريخ الطبري 6 : 63 , الغارات للثقفي 98
2- سعيد بن قيس بن زيد .. من عِليَة هَمْدان وكبرائها، ومن سلالة ملوكها، وكان سيِّدُها المطاع .من كبار جيل التابعين كان سعيد بن قيس رجلاً صالحاً عابداً، شجاعا محاربا صامدا، له باعٌ طويل وتجربة عميقة ناجحة في المعارك, وقد برزت قدراته العسكرية وملكاته القيادية في المواقع الحساسة وعند تسلمه للمسؤوليات التي اُنيطت به في معركتَي الجمل وصفين، وما بعدهما من المناورات التي كانت بين جيوش الإمام الحسن (علیه السلام) وجيوش معاوية, وكان سعيد (رضی الله عنه) من أعمدة القتال في تشكيلة الجيش العلوي، وكان يحرس الإمام (علیه السلام) حراسة نابهة، ويحرص على حياته المباركة أشد الحرص، ويتبعه اتباع الظل. اشترك سعيد بن قيس في فتح نَهاوَند سنة 19 ﻫ.، وكان صاحب راية همدان في معركة الجمل ، وقد شارك أيضاً في عقر الجمل كما أنه كان أَحد الخمسة الذين أيدوا أمير المؤمنين (علیه السلام) في المسير إلى صفين، وقد عُقد له اللواء على همدان وذهب هو وبشير الأنصاري رسولَين إلى معاوية إتماماً للحجة عليه قبل بدء القتال، فقال له سعيد: والله يا إبن هند ! لتَغلِبنَّ سيوفُ صاحبِنا ما تودُّ أنَّ اُمَّك لم تلدك، ولم تكن في العالمين، ولما اشتد القتال اقترب سعيد من معاوية وكاد يقتله وتقدم سعيد في همدان أمام أصحاب الصفوف من جيش معاوية، فقتل هو وجماعة بصفوفهم أكثر من ثلاثة آلاف فارس من قوات الشام في بقعة واحدة ولما أحسنت همْدان القتال في صِفِّين قال أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد أن جمعهم: يا معشر همدان، أنتم دِرعي ورمحي، يا همدان، ما نصرتم إلا الله ولا أجبتم غيره .والمرجح عند أهل الأخبار أن وفاته (رضی الله عنه) كانت بين سنة ( 41 - 45 ) ﻫ. .

والأشتر (1) في قومه، والمِرقال..

ص: 36


1- مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي ولقبه الأشتر(لإصابته برموش عينيه)، ولد في اليمن ورغم أن مالكا أسلم على يدي رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وحسن إسلامه، شهرته تقوم على كونه كان قائدا لجيش الإمام (علیه السلام) و حامل لوائه. وصفه عارفوه فقالوا: كان فارسا مغوارا، مديد القامة، مهيب الطلعة, وكان عالما، شاعرا، وكان سيد قومه بلا منازع.. أرسله أبو عبيدة الجراح إلى سعد بن أبي وقاص، مع جماعة، ليشد أزره في العراق..وكان قد اشترك في موقعة اليرموك فأبلى فيها بلاءً حسنا..ثم انحاز بعد ذلك إلى جانب الإمام علي (علیه السلام) ، فوضع نفسه تحت تصرفه, ففي معركة الجمل هز مالك الأشتر لواء الإمام (علیه السلام) مدمدماً: الويل للناكثين!..واقتحم بمن خلفه قلب جيش العدو, وعاد منها، وله في إحراز النصر سهم كبير! وفي موقعة صفين نظم الإمام (علیه السلام) جيشه، فأسند قيادة الخيالة إلى مالك الأشتر، والرجّالة إلى عمار بن ياسر. وبلغت المعركة أوجها ليلة الهرير: الأشتر في الميمنة، وعبدالله بن عباس في الميسرة، وفي القلب علي أمير المؤمنين (علیه السلام) .. وكانت ليلة طحنت من الفرسان آلافا!.. طلب فيها مالك فرسان قبيلته بني مذحج، فأتوه ملبين..ليصيح فيهم: (أنتم أبناء الحرب، وأصحاب الغارات، وفتيان الصياح، وفرسان الطراد، وحتوف الأقران! والذي نفسي بيده، ما من هؤلاء (وأشار إلى أهل الشام) رجل على مثل جناح بعوضة من دِين!)فكرُّ.. وكروا، فلم يقصد كتيبةً إلا كشفها ولا جمعا إلا حازه، وما زال ذلك دأبه حتى أوشك أن يصل إلى السرادق الذي فيه معاويةُ وعمرو بن العاص!.. ودعا معاوية بفرسه فركبها، يطلب لنفسه النجاة وعند ارتفاع ضحى الجمعة، اعتلى جواده، وصاح بمن حوله:(من يشتري نفسه ويقاتل مع الأشتر؟ شدوا شدَّةً، فدىً لكم خالي وعمي.. تُرضون بها الربّ, وتعزّون بها الدِّين), وحمل على القوم يقاتل كالأسد الهصور. فلما رأى الإمام علي (علیه السلام) تقدّمَه أمدَّه بالرجال، فتقدم بهم، لا يثنيه شيء فلاح النصر إلى جانب علي (علیه السلام) وأصحابه. وبان الانكسار في معسكر أهل الشام، وارتسمت على وجوههم علائم الخذلان المبين وإذا بالمصاحف يرفعها أهل الشام على أسنة رماحهم، قائلين: هذا كتاب الله بيننا وبينكم!.. ولا يجدُ أمير المؤمنين (علیه السلام) بُداً من الطلب إلى الأشتر بالعودة, فعاد إليه على عجلٍ عندما علم بأن الإمام (علیه السلام) أصبح بين يدي المتمردين من جيشهِ كالرهينة..وتوقفت الحرب.. وبعثه الإمام (علیه السلام) الأشتر عاملا له على الجزيرة ,ثم أمره بالتوجه إلى مصر، واليا على أهلها من قِبَله، وحمّله إليهم منه كتابا جاء فيه:{إني قد بعثت عليكم عبداً من عبادِ الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكُلُ عن الأعداء حذر الدوائر, من أشد عباد الله بأساً وأكرمهم حسباً, أضرّ على الفجّار، من حريق النار، وأبعدُ الناس من دنس وعار. وهو مالك بن الحارث الاشتر، فاسمعوا له وأطيعوا أمره في ما طابق الحق، فإنه سيف من سيوف الله }.وعهد أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى الأشتر عهدا، يحفلُ به نهج البلاغة، وكتب السير والمغازي، لا يدع شاردة ولا واردة يستقيم بهما الحكم، ويحتاجهما الحاكم، إلا ويأتي على ذكرهما، فهو برنامج عملٍ، ودستور حكم ليس لهما من نظير. ويوجس معاوية خيفةً من الأشتر المتوجه إلى مصر فيصمم على قتله بشربةٌ من عسلٍ مسمومٍ، لما شربها، استُشهد - رضوان الله عليه - لساعتِه.. وعندما علم معاوية بموت الأشتر قام في الناس خطيبا فقال:(أما بعد: فإنه كان لعلي بن أبي طالب يمينان: قطعت إحداهما يوم صفين (يعني: عمار بن ياسر)، وقطعت الأخرى اليوم ( يعني: مالك الأشتر ). ولما بلغت الإمام عليا (علیه السلام) ، شهادته، قال: {إنا لله وإنا إليه راجعون! والحمد لله رب العالمين. اللهم إني أحتسبُه عندك، فإن موته من مصائب الدهر..رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنتُ لرسولِ الله. لله درّ مالك!. وما مالك!. لو كان جبلاً لكان فنداً، ولو كان صخراً لكان صلداً. على مثل مالك فْلتَبكِ البواكي، وهل موجود كمالِك؟! لقد استكمل أيامه، ولاقى حِمامه، ونحن عنه راضون.. فرضي الله عنه، وضاعف له الثواب، وأحسن له المآب }

ص: 37

وعَدِي بن حاتم (1), وقيس بن سعد بن عُبادة (2) في الأنصار(3).

ص: 38


1- عَدِيّ بن حاتِم الطائي..ولد ما بين سنة 51 - 54 قبل الهجرة النبويّة المباركة. انتهت إليه رئاسة طيّء بعد أبيه.. كان سيّداً شريفاً في قومه، فاضلاً كريماً، خطيباً حاضر الجواب. من خُلَّص أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ومن بعده وَلدِه الإمام الحسن (علیه السلام) . وكانت له مواقف مشرّفة وكلمات صادقة تحكي مدى إيمانه بالله تعالى ورسوله (صلی الله علیه و آله) ، وشدّة انشداده إلى أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) وكان عديّ بن حاتم الطائيّ ممن اعتقدوا ورَوَوا أنّ الأئمّة بعد النبيّ (صلی الله علیه و آله) اثنا عشر إماماً، كلّهم من قريش. شهد واقعة الجمل وفيها ذهبت إحدى عينيه، وشهد وقعة صِفِّين فتأثرت فيها الأُخرى. اشترك في معركة النهروان وعاصر ما بعدها من الأحداث كان من المسارعين لبيعة أمير المؤمنين (علیه السلام) والمناصرين له والمؤازرين، وكان له الباع الأطول في تحشيد القوات من طيّء وتسييرها لأمير المؤمنين (علیه السلام) .وفي معركة الجمل أناط به أمير المؤمنين (علیه السلام) مواقع مهمّة، فجعله ومحمّدَ بن أبي بكر (رضی الله عنه) على القلب، محمّداً على الخيل وعديّاً على رجّالتها. كما جعله في موقع آخر على خيل قُضاعة ورجّالتها، ثمّ اشترك في عَقر الجمَل هو والحمُاة حتّى عقروه. وفي صِفّين أمّره الإمام عليّ (علیه السلام) على طيّء. عُرف عن عَدِيّ بن حاتِم الطائيّ كونه خطيباً بارعاً، ومِقوالاً لامعاً، ومُحاججاً بالتي هي أحسن، لا ينقطع عن الجواب بل هو حاضره, وخُطبه ومحاوراته ومناظراته شاهدة على ذلك. تراوح المؤرّخون في تحديد وفاة عديّ بن حاتم بين أربع سنين: من 66 - 69 هجريّة، وبعضهم لم يحدّد السنة وإنّما اكتفى بأنه توفّي في أيّام المختار الثقفي.
2- قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري. من كبار الصحابة، وكان شيخاً عظيما مطاعا شاعراً كريم النفس عظيما مطاعا في قبيلته. وكان مع النبي (صلی الله علیه و آله) بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. شهد مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) المشاهد كلها، وحمل راية الأنصار في بعض حروب النبي (صلی الله علیه و آله) وهو من السباقين إلى رعاية حرمة الحق والدفاع عن خلافة الحق وإمامة أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) . وكان من صحابة الإمام (علیه السلام) المقربين وحماته الثابتين في أيام خلافته (علیه السلام) . ولاه (علیه السلام) على مصر ، فاستطاع بحنكته أن يسكت المعارضين ويقضي على جذور المؤامرة. حاول معاوية آنذاك أن يعطفه إليه، بيد أنه خاب ولم يفلح. وبعد مدة استدعاه الإمام (علیه السلام) وأشخص مكانه محمد بن أبي بكر لحوادث وقعت يومئذ. وكان قيس قائدا لشرطة الخميس، وأحد الأمراء في صفين، إذ ولي رجالة البصرة فيها. تولى قيادة الأنصار عند احتدام القتال وكان حضوره في الحرب مهيبا. وخطبه في تمجيد شخصية الإمام (علیه السلام) ، ورفعه علم الطاعة لأوامره (علیه السلام) ، وحث أولي الحق وتحريضهم على معاوية. ولاه الإمام (علیه السلام) على أذربيجان وشهد قيس معه صفين والنهروان، وكان على ميمنة الجيش . ولما عزم الإمام (علیه السلام) على قتال معاوية بعد النهروان، أرسل إليه ليشهد معه الحرب. وفي آخر تعبئة للجيش من أجل حرب المفسدين والمعتدين، صعد الإمام (علیه السلام) على حجارة وخطب خطبة كلها حرقة وألم، وذكر الشجعان من جيشه - ويبدو أن هذه الخطبة كانت آخر خطبة له - ثم أمر قيسا على عشرة آلاف. كما عقد للإمام الحسين (علیه السلام) على عشرة آلاف، ولأبي أيوب الأنصاري على عشرة آلاف، ومن المؤسف أن الجيش قد تخلخل وضعه بعد استشهاده (علیه السلام) . وكان قيس أول من بايع الإمام الحسن (علیه السلام) بعد استشهاد أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ودعا الناس إلى بيعته من خلال خطبة واعية له. وكان على مقدمة جيشه (علیه السلام) . ولما كان عبيد الله بن العباس أحد أمراء الجيش، كان قيس مساعدا له، وحين فر عبيد الله إلى معاوية صلى قيس بالناس الفجر، ودعا المصلين إلى الجهاد والثبات والصمود، ثم أمرهم بالتحرك. وعد قيس أحد الخمسة المشهورين بين العرب بالدهاء. مات بالمدينة سنة 59 وقيل: 60ه. وخلّف: سالماً. يحيى
3- وقعة صفين - المنقري 426

ص: 39

وكان عمرو بن العاص - وهو وزير معاوية ومستشاره - يخاف صولة هاشم (رضی الله عنه) أشد الخوف، ويهاب حماسته العلوية، فما أن رأى الراية العظمى بيده حتّى قال لسيده معاوية: ويحك! إن اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة، وقد كان من قبل يُرقِل به إرقالاً، وإنّه إن زَحفَ إنّه لَليوم الأطول لأهل الشام (1).

وقال ابن العاص في ذلك أيضاً: إنّي لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً، لئن دام على هذا لَتَفْنينّ العرب اليوم (2) .

وهذا يفسر سر الفرح الذي غمر نفوس أبناء الطلقاء وأتباعهم عند استُشهاد المرقال (رضی الله عنه) ، حين قال إبن آكلة الأكباد مخفّفاً عن أهل الشام مرارة الهزيمة: أبشِروا؛ فإنّ الله قد قتل من القوم ثلاثة: قتل عمار بن ياسر (3)..

ص: 40


1- وقعة صفين– المنقري: 340
2- المصدر نفسه: 328
3- عمار بن ياسر بن عامر المذحجي ولد ما بين عام 53 و57 ق.ﻫ.. في مكة وكان والداه ممن تحملا الكثير على طريق الإسلام، حتى نالا الشهادة، وعندما كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يرى تعذيب قريش لأسرة عمار يعدهم بالجنة قائلا: [صَبراً آل ياسِرَ، فَإنَّ مَوْعِدكُمْ الجَنَّة],ويعد من المسلمين الأوائل الذين تحملوا أصناف التعذيب والتنكيل، من المهاجرين إلى المدينة، وأول من بنى مسجدا في الإسلام. شهد (رضی الله عنه) بدراً والخندق والمشاهد كلها، كما كان مع النبي (صلی الله علیه و آله) في بيعة الرضوان. ودعا (رضی الله عنه) إلى بيعة الإمام علي (علیه السلام) ، وهو من السابقين إلى الالتحاق به، والمدافعين عنه حين هوجمت دار الزهراء. وَلِي الكوفة، وشارك في فتح مدينة تُستر، وساهم في تعبئة الجيوش لفتح الري والدستبي ونهاوند وغيرها, وله المواقف المشهودة في الاعتراض على الأمور التي غصبت حقوق أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فكان يجاهر بنصرة الحقّ، ولم يُداهن الولاة، حتى دِيست بطنه وأصابه الفتق وغُشي عليه.. وكان من المشاركين في توديع أبي ذر (رضی الله عنه) حين نفي إلى الربذة، رغم المرسوم الصادر بالمنع من ذلك، وهو من أوائل المشاورين في حكومة الإمام علي (علیه السلام) قبيل واقعة الجمل، وقبيل وقعة صفين التي أبلى فيها بلاءً كبيرا، فقاتل فيها قتالا شديدا، ثمّ كانت فيها شهادته. ومن أقوال النبي (صلی الله علیه و آله) فيه:[إنّ عمّاراً مُلئ إيماناً مِنْ قَرنِهِ إلى قَدَمِهِ، وَاخْتَلَطَ الإيمان بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ ],[دَمُ عَمّارَ وَلَحْمُهُ حَرامٌ عَلى النارِ أَنْ تأكُلَهُ أَوْ تَمَسَّهُ], [إِنَ الجَنّةَ لَتَشْتاقُ إِليكَ - مُخاطباً عَليّاً (علیه السلام) - وَإِلى عَمّارَ وَسَلْمانَ وَأَبِي ذَرَ وَالمِقْداد ],[الحِقُّ مَعَ عَمّار يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُما دارَ],[مَنْ عادى عَمّاراً عاداهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ عَمّاراً أَبْغَضَهُ اللهُ ],[إبن سُمَيَةَ لَمْ يُخَيّرْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطْ إلا أخْتارَ أَرْشَدَهُما],[إنّكَ مِنْ أهْلِ الجَنّةِ],[يا عَمّارُ تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ وَآخِرُ زادِكَ مِنَ الدُنيا ضَياحٌ (إناء) مَنْ لَبَنٍ]. وكان (رضی الله عنه) من السبعة الذين بهم يُرزق الناس، وبهم يُمطرون، وبهم يُنصرون، فسيّدهم الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ومنهم: سلمان والمقداد وأبو ذر وعمّار وحذيفة وعبد الله بن مسعود، وهم الذين صلّوا على جثمان فاطمة الزهراء (علیها السلام) . استُشهد (رضی الله عنه) في 9 صفر 37 للهجرة وأبنه الإمام علي (علیه السلام) بقوله: { إِنّا لِلهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَاْجِعُوْنَ، إِنَّ أْمْرِئً لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ مُصِيْبَةً مِنْ قَتْلِ عَمَّارَ فَمَا هُوَ مِنَ الإسلام فِيْ شَيءٍ} وصلّى (علیه السلام) على جثمانه، ودفنه بثيابه.

وهو كان فتاهم، وقتل هاشم وكان حمزتهم (1)...

ص: 41


1- إشارة إلى أسد الله وأسد رسوله الشهيد الحمزة بن عبد المطلب الذي لاكت أم معاوية كبده في معركة أحد.

وقتل ابن بُدَيل (1)وهو فاعل الأفاعيل (2).

ص: 42


1- عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، أسلم قبل فتح مكّة، وشهد حنيناً، والطائف، وتبوك . أشخصه النبي (صلی الله علیه و آله) إلى اليمن مع أخيه عبد الرحمن, وعدّه المؤرّخون من عظماء أصحاب الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) وأعيانهم، أحد دُهاة العرب الخمسة اشترك عبد الله في الثورة على عثمان، ثمّ كان إلى جانب الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) عضداً صلباً وصاحباً مُضحّياً، وشهد معه الجمل، وصفين، وكان في صفّين قائد الرجّالة أو قائد الميمنة، وتولّى رئاسة قُرّاء الكوفة أيضاً . دافع عبد الله عن إمامه حتى آخر لحظة من حياته بكلّ ما اُوتي من جُهد, و تدلّ خُطبه وأقواله على أنّه كان يتمتّع بوعيٍ عظيم في معرفة أوضاع عصره، واُناس زمانه، ودوافع أعداء الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) ,فقد وقف في صفين بكلّ ثبات، وقال: إنّ معاوية ادّعى ما ليس له، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب، وزيّن لهم الضلالة ... وأنتم والله على نورٍ من ربّكم، وبرهانٍ مبين, ودنا من معاوية بشجاعة محمودة وصولة لا هوادة فيها، فلمّا رأى معاوية أنّ الأرض قد ضاقت عليه بما رحُبت، أمر أن يرضخ بالصخر والحجارة ويُقضى عليه، فاستشهد عبد الله سنة 37 ﻫ.، وسمّاه معاوية كبش القوم، وذكر شجاعته واستبساله متعجّباً، وأنّه لا نظير له في القتال, وعندما طلب منه رفيق دربه وصاحبه الأسود بن طهمان الخزاعي أن يوصيه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، قال: اُوصيك بتقوى الله، وأن تناصح أمير المؤمنين، وأن تقاتل معه المحلّين حتى يظهر الحقّ أو تلحق باللَّه، وأبلغه عنّي السلام. ولما بلغ الإمام (علیه السلام) قال: رحمه الله ! جاهد معنا عدوّنا في الحياة، ونصح لنا في الوفاة .
2- شرح نهج البلاغة: 8/ 91 – 92

روايته للحديث

مدح علماء السنة وأئمتهم هاشم المرقال (رضی الله عنه) وروى عنه الستة، ووثقه إبن معين (1)والنسائي (2)، وأحمد (3)..

ص: 43


1- الحافظ، شيخ المحدثين، أبو زكريا، يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام. ولد سنة 158 ﻫ.. قال النسائي: أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث ثقة مأمون. وعن إبن المديني، قال: ما أعلم أحدا كتب ما كتب يحيى بن معين. وقال إبن البراء: سمعت عليا يقول: لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب إبن معين. توفي سنة 284 ﻫ.
2- أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي القاضي وأحد أئمة الحديث النبوي الشريف صاحب السنن الصغرى والكبرى. ولد بنسا (من بلاد خراسان) سنة 215 ﻫ.، ونشأ منذ صغره على التحصيل العلمي والسعي وراء المعرفة، ورحل في سبيل ذلك إلى العديد من البلاد منها الحجاز، العراق، الشام، دمشق, الجزيرة ومصر بعد أن حدثت فتنة حول ما كان يؤلفه من كتب حول صحابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) سافر مع تلميذه إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان إلى القدس وسمع من الكثيرين بهذه الأقطار.
3- أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي المشهور بأحمد بن حنبل (164ﻫ. - 241ﻫ. ) هو ولد ببغداد ونشأ بها, حفظ القرآن وتعلم اللغة. وفي الخامسة عشرة من عمره بدأ دراسة الحديث وحفظه، وفي العشرين من عمره بدأ في رحلات طلب العلم، فذهب إلى الكوفة ومكة والمدينة والشام واليمن ثم رجع إلى بغداد ودرس فيها على الشافعي، كما تعلم على يد كثير من علماء العراق منهم إبراهيم بن سعيد وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد ويزيد إبن هارون وأبو داود الطيالسي ووكيع بن الجراح وعبدالرحمن بن مهدي. بعد ذلك برز على أقرانه فيحفظ السنة وجمع شتاتها التي أودعها كتابه المسند الذي حوى نيفًا وأربعين ألف حديث. لم يعلم عن إبن حنبل قط إستقلال رأي أو اجتهاد في مسألة علمية او فقهية ما بل كان يكره الفتوى في مسألة ليس فيها اثر، و لم يضع إبن حنبل فيها كتبا على نمط خاص به، و كل ما روي له في الفقه مسائل سئل عنها فأفتى فيها، و انما رتب المذهب وبوبه ودوّنه اتباعه (ضحى الإسلام-احمد امين: 2 /235/236 / 235 مكتبة نهضة مصر الطبعة الثامنة) و لقد كان الشافعية يعدّونه شافعيا وكان كثير الإتباع لرأي الصحابة حتى اذا كان للصحابة رأيان في المسالة الواحدة أو ثلاثة كان له فيها رأيان أو ثلاثة! و من هنا لم يعدّه بعض العلماء من الأئمّة الفقهاء كما فعل بن عبد البرّ في الإنتقاء وإبن جرير الطبري في اختلاف الفقهاء(السنة و مكانتها في التشريع الإسلامي-مصطفى السباعي: 342) كما ذكره المقدسي في المحدثين لا في الفقهاء,( احمد امين المصدر السابق ص 238) وما جانب المؤرخ الطبري الصواب في عدّ إبن حنبل محدثا لا فقيها لأجل ذلك لم يذكره في كتابه اختلاف الفقهاء وقال لمن استفسر عن ذلك انه: لم يكن فقيها و انما محدثا, و بالتالي لم يعترف بفقه حنبلي أو مذهب رابع بين مذاهب السنة، و لم يسرد اخبار محنته مثلما اسهب في سردها مؤرخو الحنابلة... حفظ الحنابلة له ذلك و تعصبوا ضده فحركوا العوام من أتباعهم, و كانوا لا يحصون كثرة ببغداد فشغبوا عليه وقالوا ما أرادوا و كان الأمر خطيرا على الطبري اذ تطلب تدخل وزير المقتدر بالله فدعا الطبري الى داره لمناظرة الحنابلة, فحضر و لم يحضروا فعاد الى منزله, و قد صاغ ابو حيان التوحيدي ما حصل بين الطبري و الحنابلة بقوله في مؤانسة الوزير ابي عبد الله العارض: فأناظرهم ( مخالفيك) -- فيك و بسببك لا مناظرة الحنبليين مع الطبريين!.. وقد طال تجاوز الحنابلة جنازة المؤرخ و المفسر إبن جرير الطبري فقد دفن ليلا لأن العامة اجتمعت و منعت من دفنه نهارا و ادعت عليه الرفض ثم ادعت عليه الإلحاد (!!) قال الوزير على بن عيسى عن جهالة محاصريّ جنازة الطبري: والله لو سئل هؤلاء عن معنى الرفض و إلحاد ما عرفوه و لا فهموه !.

والبزار (1),وحدث عن ابن المسيب (2), وعامر وعائشة ابني سعد (3)، وإسحاق بن عبد الله (4)، وغيرهم . ..

ص: 44


1- هو الحافظ أَبو بكر أَحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار صاحب المسند. ولد سنة نيف عشرة ومائتين وتوفي سنة 292، ووصفه الذهبي أيضاً بالشيخ الإمام الحافظ الكبير وسمع : هدبة بن خالد، وعبد الأعلى بن حماد، وعبد الله بن معاوية الجمحي، ومحمد بن يحيى بن فياض الزماني، ومحمد بن معمر القيسي، وبشر بن معاذ العقدي، وعيسى بن هارون القرشي، وسعيد بن يحيى الأموي، وعبد الله بن جعفر البرمكي وعمرو بن علي الفلاس، وزياد بن أيوب، وأحمد بن المقدام العجلي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وبُندار، وإبن مثنى، وعبد الله بن الصباح، وعبد الله بن شبيب، ومحمد بن مرداس الأنصاري، ومحمد بن عبد الرحمن بن الفضل الحراني حدث عنه: إبن قانع، وإبن نجيع ، وأبو بكر الختلي، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الشيخ، وأحمد بن الحسن بن أيوب التميمي، وعبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، وأحمد بن جعفر بن سلم الفرساني، وعبد الله بن خالد بن رستم الراراني وأحمد بن إبراهيم بن يوسف الضرير، ومحمد بن أحمد بن الحسن الثقفي، وأحمد بن جعفر بن معبد السمسار، وعبد الرحمن بن محمد بن جعفر الكسائي، وأبو بكر محمد بن الفضل بن الخصيب وأبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن سياه، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن عطاء القباب، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، ومحمد بن عبد الله بن ممشاذ القارئ، ومحمد بن عبد الله بن حيوية النيسابوري، وخلق سواهم.
2- مرت ترجمته .
3- إبنا سعد بن أبي وقاص.
4- إسحاق بن عبد الله بنزيد بن سهل الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، الفقيه، أحد الثقات سمع من عمه أنس بن مالك، وأبي مرة مولى عقيل، والطفيل بن أبي، وسعيد بن يسار وجماعة وعنه: عكرمة بن عمار، وهمام بن يحيى، ومالك، وإبن عيينة، وجماعة . وكان مالك يثني عليه، ولا يقدم عليه أحدا، مات إسحاق سنة 132وقيل: سنة 134..روى له الجماعة . وأخرج مسلم لوالده عبد الله يروي عن ابنه، وعن أخيه أنس.حدث عنه أبو طوالة، وسليمان مولى الحسن بن علي (علیهما السلام) توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك، عن نحو من ثمانين سنة .

ص: 45

وعنه موسى بن يعقوب الزمعي (1)، وأبو أسامة (2),وابن نمير (3)...

ومروان بن معاوية (4),وشجاع بن الوليد (5), وأبو ضمرة (6), وجماعة (7), وعقدوا لمناقبه أبواباً كالحاكم (8)..

ص: 46


1- أبو محمد موسى بن يعقوب الزمعي المدني ترجمه إبن حجر في التهذيب، فنقل ثقته عن إبن معين، وعن أبي داود: هو صالح، روى عنه إبن مهدي وله مشايخ مجهولون، وذكره إبن حبان في الثقات، وعن إبن عدي: لا بأس به عندي ولا برواياته. وقال إبن القطان: ثقة(تهذيب التهذيب 10 / 378.)
2- أبو أسامة حماد بن أسامة بن زيد، الكوفي الحافظ الثبت مولى بني هاشم. ويقال: ولاؤه لزيد بن علي (علیهما السلام) ، وقيل: بل مولى الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي . (علیهما السلام) ولد في حدود العشرين ومائة. وحدث عن : هشام بن عروة، والأعمش، وإبن أبي خالد، وإدريس بن يزيد الأودي، وأجلح الكندي، وأحوص بن حكيم الشامي، وأسامة بن زيد الليثي، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة، وبهز بن حكيم، وحاتم بن أبي صغيرة، وحبيب بن الشهيد، والحسن بن الحكم النخعي، وسعد بن سعيد الأنصاري، وحسين بن ذكوان المعلم، وسعيد الجريري، وطلحة بن يحيى، ومجالد، وعوف، وهاشم بن هاشم الزهري، ومحمد بن عمرو، وفضيل بن مرزوق، ومالك بن مغول، وإبن أبي عروبة، وشعبة وسفيان، وسليمان بن المغيرة، ومساور الوراق، وخلق كثير قال البخاري: مات سنة 201,وهو إبن80 سنة فيما قيل .
3- محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ الحجة، ولد سنة نيف وستين ومائة حدث عن أبيه الحافظ عبد الله، والمطلب بن زياد، وعمر بن عبيد الطنافسي، وإخوته، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وإبن إدريس، وأبي خالد الأحمر، وأبي معاوية، وإبن فضيل، ومروان بن معاوية، وسفيان بن عيينة، وإبن علية، ووكيع، وحكام بن سلم، ويزيد بن هارون، والمحاربي ، ومحمد بن بشر، وأبي عاصم، وأبي أسامة، وخلق كثير. قال البخاري: مات سنة 234 .
4- إبن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة، الحافظ أبو عبد الله الفزاري الكوفي ثم الدمشقي .ولد في خلافة هشام بن عبد الملك .وحدث عن: حميد الطويل، وعاصم الأحول، وسليمان التيمي، وأبي مالك الأشجعي، وعوف الأعرابي، وسعد بن عبيد، والحسن بن عمرو الفقيمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهاشم بن هاشم بن عتبة، ويزيد بن كيسان، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وبهز بن حكيم، وأيمن بن نابل، ورشدين بن كريب، وطلحة بن يحيى، وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، وعبيد الله بن عبد الله الأصم، وعطاء بن عجلان، ومحمد بن سوقة، وإبن إسحاق، وهلال بن عامر، وخلق كثير . مات سنة 193.
5- إبن قيس، أبو بدر السكوني الكوفي ،المحدث نزيل بغداد . حدث عن عطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم ، ومغيرة بن مقسم ، وقابوس بن أبي ظبيان، وسليمان الأعمش ، وهمام بن عروة ، وموسى بن عقبة ، وخصيف ، وطبقتهم . قال محمد بن سعد ، وأبو حسان الزيادي: توفي أبو بدر سنة أربع ومائتين. وقال البخاري : مات سنة 205 .
6- المحدث الحافظ أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي المدني. ولد سنة 104. روى عن أبي حازم سلمة بن دينار، وصفوان بن سليم، وربيعة بن أبي عبد الرحمان، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر، وسهيل بن أبي صالح، وهشام بن عروة، ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وعُبَيْد الله بن عمر العُمري، وغيرهم.روى عنه خلقٌ منهم: علي بن عد الله المديني، وأحمد بن محمد بن حنبل، والحميدي، وأحمد بن صالح المصري، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمد بن عد الله بن نُمَيْر، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، ومحمد بن سلام البيكندي. توفي سنة 200.
7- تهذيب التهذيب:11/20
8- أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. من كبار المحدّثين ومن أصحاب الصحاح. اشتهر بكتابه المستدرك على الصحيحين ولد سنة 321ﻫ.. في نيسابور. رحل إلى العراق سنة 341 ﻫ. وحج، وجال في بلاد خراسان وما وراء النهر، وفي سنة 359 ﻫ. ولي قضاء نيسابور، ولُقّبَ بالحاكم لتوليه القضاء مرة بعد مرة، ثم اعتزل منصبه ليتفرغ للعلم والتصنيف، تولى السفارة بين ملوك بني بويه وبين السامانيين فأحسن السفارة أول سماعه من سنة 330، سمع الكثير وطاف الآفاق وصنف الكتب الكبار والصغار، وأخذ عن نحو ألفي شخص، ومن مشايخه الدارقطني وإبن أبي الفوارس وغيرهما توفي في نيسابور سنة405 ﻫ. ، عن 84 سنة (ميزان الاعتدال3/608).

ص: 47

...في المستدرك (1) .

وروى المرقال أحاديث النبي (صلی الله علیه و آله) في فضائل أهل البيت (علیهم السلام) كحديث الغدير (2)، ومن ذلك (روى عبد الملك بن عمير (3)، عن جابر بن سَمُرة (4)، عن هاشم بن عتبَة بن أَبي وقاص قال سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول:[يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ، وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى فَارِسَ، وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْرُّومِ، وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى

ص: 48


1- المستدرك - الحاكم: 3/395
2- سيمر بنا حديث الغدير في فصل مستقل
3- عبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة القرشي، ويقال : اللخمي الكوفي الحافظ، ويعرف بالقبطي وحدث عن جندب البجلي، وجابر بن سمرة، وجبر بن عتيك، وعمرو بن حريث، وعطية القرظي، والنعمان بن بشير، وأم عطية، وجرير بن عبد الله البجلي إن صح، وحصين بن قبيصة أو إبن عقبة، وإياد بن لقيط، والأشعث بن قيس ولم يدركه، وحصين بن أبي الحر، وزيد بن عقبة، وربعي بن حراش، وإبن أبي ليلى، وقزعة بن يحيى، وعمرو بن ميمون الأودي، ووراد كاتب المغيرة، وموسى بن طلحة، وأبي بردة بن أبي موسى، وأبي الأحوص الجشمي، وخلق من الصحابة وكبار التابعين، وعمر دهرا طويلا، وصار مسند أهل الكوفة . عن أبي عبد الله البجلي قال: مات عبد الملك بن عمير سنة 136 أو نحوها.
4- جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب العامري ثم السوائي حليف بني زهرة، وهو إبن أخت سعد بن أبي وقاص سكن الكوفة وابتنى بها داراً، وتوفي في أيام بشر بن مروان على الكوفة، روى عن النبي أحاديث كثيرة، روى عنه الشعبي، وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وتميم بن طرفة الطائي، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو خالد الوالبي، وسماك بن حرب، وحصين بن عبد الرحمن وأبو بكر بن أبي موسى، وغيرهم

الْأَعْورِ الْدَّجَّالِ] (1) .

ومدحه علماء الشيعة، فوصفوه بأنه صحابي جليل، خير فاضل (رضی الله عنه) من خواص أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ، شهد معه حرب الجمل، وكان حامل لوائه الأعظم يوم صفين، واستشهد فيها هو وعمار بن ياسر فصلى عليهما علي (علیه السلام) ودفنهما بثيابهما ولم يُغسِّلهما، وأعطى لواءه لابنه عبد الله (2)، وكان زعيماً في البصرة ورئيس الشيعة فيها (3).

ص: 49


1- الاستيعاب في معرفة الاصحاب :4 / 107 وأخرجه الثلاثة إبن عبد البر، وإبن مندة، وأبو نعيم
2- سترد ترجمته في فصل أبناء الشهيد (رضی الله عنه) من هذا الكتاب.
3- معجم رجال الحديث- السيد الخوئي:15/241، والمستدركات:8/133

أقوال عن الشهيد (رضی الله عنه)

عدّ الشيخ الطوسي (1) في رجاله إبن أبي وقّاص المرقال (رضی الله عنه) ، في أصحاب الإمام علي (علیه السلام) ..

ص: 50


1- الشيخ أبو جعفر الطوسي: ولد أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي في شهر رمضان المبارك سنة 385ﻫ., وكان شيخ الطائفة على الإطلاق ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق المتقدم ذكره في أئمة الحديث والفقه وعلم تراجم الرجال، وكان إماما في كل علوم الإسلام مصنفا بكل ما يتعلق بالمذهب أصولا وفروعا. له في التفسير كتاب التبيان الجامع لكل علوم القرآن، وهو كتاب جليل في عشرة أجزاء كبار عديم النظير في التفاسير، فهو أول من جمع في التفسير جميع علوم القرآن. وقد فهرس النجاشي كل مصنفاته. وله تأليفات كثيرة في التفسير والأصول والفروع وغيرها منها كتابا التهذيب والاستبصار المشهوران في جميع الأعصار, وألف في علم الرجال كتابين: أحدهما مشهور بين العلماء ب-( رجال الشيخ ). وكان عمره يوم وروده العراق من طوس ثلاثا وعشرين سنة، إذ انه قدم العراق من خراسان سنة 408 وأقام مع شيخه أبى عبد الله المفيد خمس سنين وأقام مع السيد المرتضى نحوا من ثمان وعشرين سنة. وكان أكثر استفادته ببغداد من الشيخ المفيد والسيد المرتضى واستقل بعد الثاني منهما بإمامة الطائفة وحضر دروسه رجال العامة والخاصة, وبقي الشيخ شيخ الطائفة على الإطلاق أربعا وعشرين سنة اثني عشر سنة منها بغداد والباقي في النجف الأشرف وبها توفي . غادر بغداد سنة 448 ﻫ. بعد أن أحرق طغرل بك السلجوقي مكتبته وكرسي تدريسه إلى مشهد أمير المؤمنين (علیه السلام) خوفا من الفتن التي تجددت ببغداد فاستوطن النجف, وانتقل معه الكثير من تلاميذه إلى النجف الأشرف, فجعلها مركزا علميا توافد عليه العلماء من كل مكان وأصبحت أكبر حوزة علمية حتى اليوم, فمنذ عصر الأئمة ( حتى عصر الشيخ الطوسي(النصف الأول من القرن الخامس الهجري) وروح الاجتهاد سائدة في ذلك العهد, ولكن هذه الروح فترت بعد عصر الشيخ الطوسي وذلك لقوة الاعتقاد بآرائه, وما صار لها من قداسة ولدتها عبقريته الفذة فوقف الفقهاء عند آرائه واجتهاداته طويلا, ولعل الكثير مما يتمتع به الفقه الشيعي من روح الاستنباط هو من آثار سعيه ولما كان عليه من جليل القدر وعظيم المنزلة و المعرفة بالرجال والأخبار والفقه والأصول والكلام والأدب, وما اتسم به من جميع الفضائل و ما صنف في كل فن من فنون الإسلام وهو المهذب للعقائد في الأصول والفروع والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل وكان مرجع فضلاء الزمان ومربيهم حتى حكي أن فضلاء تلامذته الذين كانوا مجتهدين يزيدون على 300 فاضل من الخاصة, ومن العامة ما لا يحصى, وقد أعطاه الخلفاء كرسي الكلام وكان ذلك لمن لمسوه من أنه وحيد عصره وعلامة دهره . توفي في النجف الأشرف سنة 460 ﻫ. ودفن بداره قرب مسجده الذي صار فيما بعد جزءا من المسجد.

و كان صاحب رايته ليلة الهرير (1).

ص: 51


1- ذكر بعض الرواة أن مدة إقامة الجيشين في صفين مئة وعشرة أيام، وأن الوقائع كانت تسعين وقعة، لكن ذلك مبالغة، فهو لا يستقيم إلا بأن يقصدوا مجموع سفرهم من أول مقدمة الجيوش التي أرسلها الإمام علي (علیه السلام) . والظاهر أن الحرب استمرت اثني عشر يوماً فقط، من يوم الأربعاء أول شهر صفر سنة37 ، الى ليلة الهرير ليلة الجمعة الثاني عشر من صفر ، وفي صبيحتها رفع معاوية المصاحف داعياً الى وقف القتال وتحكيم حكمين. كانت ليلة الهرير خاتمة حرب صفين، وهي ليلة الجمعة الثاني عشر سنة 38 للهجرة(مستدرك سفينة البحار:6/294)، وهي ليلة تكسّرت فيها الرماح وتثلمت فيها السيوف، وانخفضت فيه أصوات الرجال، وتعبت فيها الخيل. امتشق فيها أميرُ المؤمنين (علیه السلام) سيفه ذا الفقار وامتطى فرسَ رسول الله (صلی الله علیه و آله) وراح يضرب بسيفه، ويكبّر مع كل ضربة فيجندل فيها بطلاً، وبلغ عدد قتلاه 500 قتيل، وبقي مشغولاً بالقتال حتى الصباح، وقد اعوجّ ذو الفقار بيده مراراً فقوّمه (علیه السلام) على ركبته. وفي هذه الحرب استشهد جمع من رجال أمير المؤمنين (علیه السلام) ، منهم عمار بن ياسر وأويس القرني وهاشم المرقال وابنه وخزيمة بن ثابت وصفوان بن حذيفة وعبد الله بن بديل وأخوه عبد الرحمن وعبد الله بن الحارث أخو مالك الأشتر (رحمهم الله جميعاً)، وهم كانوا خواصّ أمير المؤمنين (علیه السلام) . وهلك جمع غفير من جيش معاوية، فقد دامت هذه الحرب 14 شهراً حتى انتهت بمكر عمرو بن العاص ونفاق جماعة كالأشعث بن قيس إلى التحكيم(منتخب التواريخ: 163-166) .

و عن الشيخ الكشّي (1)، أنّ هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص المرقال (رضی الله عنه) ، كان أحد الخمسة الذين كانوا مع أمير المؤمنين (علیه السلام) من قريش (2).

واعتبره إبن شهرآشوب (3)..

ص: 52


1- الشيخ أبو عمرو، محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، نسبة إلى منطقة كش من نواحي سمرقند في آسيا الوسطى. من أعلام القرن الرابع الهجري. يعتبر من أبرز وجوه الشيعة في القرن الرابع الهجري، وقد عاصر عهد الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وبالنظر للحاجة الملحّة إلى تنقيح وتصفية الأحاديث والروايات الموضوعة من قبل الرواة المطعونين والكذّابين، فقد بدأ الشيخ الكشّي في تأليف كتاب رجالي قيّم صار مرجعاً للعلماء فيما بعد يعتمدون عليه في توثيق الرجال وصحّة الروايات. قال الشيخ الطوسي في الفهرست: (ثقة، بصير بالأخبار وبالرجال، حسن الاعتقاد). تُوفّي سنة 385ﻫ.
2- رجال الكشي- ترجمة محمد بن أبي بكر
3- أبو جعفر محمّد بن عليّ بن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش المازندرانيّ الملقّب برشيد الدّين، وعزّ الدّين(489 - 588ﻫ..)، المفسّر، المحدّث، الأديب، الفقيه الإماميّ. ويُستشَفّ من نسبة السَّرَويّ إليه، وإلى أبيه وجدّه أنّهم كانوا من مدينة ساري مركز محافظة مازندران. أمّا محلّ ولادته فلا يتسنّى لنا أن نُبدي رأياً قاطعاً فيما إذا كان مازندران أو غيرها.طلب العلم منذ نعومة أظفاره، وحفظ القرآن في الثّامنة من عمره. وأدرك درس أساتذة كثيرين منهم: احمد الغزاليّ، وجارالله الزّمخشريّ، وأبو عليّ الطّبريّ، وأبو الحسن البيهقيّ، وفريد خراسان، والخطيب الخوارزميّ، وقطب الّدين الرّاونديّ.من تلامذته ورواته: إبن إدريس الحلّيّ، وإبن البطريق الحلّيّ، وإبن أبي طيّ الحلبيّ، وإبن زهرة الحلبيّ. ومن خلال آثاره الباقية يستبين بوضوح تبحّره في علوم القرآن، والحديث، والرجال وكان له في الشّعر يدٌ أيضاً. وافاه الأجل في حلب، ودُفن في جبل الجوشن قريباً من الموضع المشهور بمشهد الحسين (علیه السلام) .

من وجوه الصحابة وخيار التابعين (1).

وقال السيد علي خان المدني (2)عنه :(هاشم بن عتبة بن أبي وقاص, من الفضلاء الأخيار, ومن الأبطال المشار إليهم.. فقئت عينه يوم اليرموك, ثم

ص: 53


1- المناقب: الجزء (2)، باب إمامة أمير المؤمنين (علیه السلام) - فصل المسابقة بالإسلام.
2- السيد علي خان المدني ،و ينتهي نسبه إلى زيد الشهيد إبن الإمام زين العابدين بن الحسين السبط إبن أمير المؤمنين (علیهم السلام) .ولد سنة 1052 في المدينة المنورة ولذا لقب بالمدني، ونشأ وترعرع فترة طفولته وصباه فيها وبجوار مكة المكرمة، وقد سافر أبوه إلى حيدرأباد في الهند، وقد اشتغل السيد إبن معصوم خلال فترة صباه بطلب العلم إلى أن سافر إلى حيدرأباد بطلب من والده. و نعم برعاية والده إلى وفاته اغترف خلالها العلم إلى أن توفى والده سنة 1086 فخرج من حيدرأباد متوجها إلى السلطان محمد أورنك زيب في(برهان بور) باستدعاء منه ولاقاه هناك، وقلده قيادة كتيبة من الجيش تعدادها 1300 فارس وأعطاه لقب (خان) فعرف بالسيد علي خان وجعله واليا على حكومة(ماهور)وتوابعها، ثم ولي رئاسة الديوان في(برهان بور)وشغل فيها منصة الزعامة عدة سنين، حتى سنة 1114 ه. حيث طلب من السلطان إعفاءه والسماح له مع عائلته بزيارة الحرمين الشريفين فأذن له، و توجه إلى مكة المكرمة، ،ثم عرج على العراق فحظي بزيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء و الكاظمية وسامراء. ثم توجه إلى إيران لزيارة مرقد الإمام الرضا (علیه السلام) ورحل بعدها إلى أصفهان ،ثم اختار مدينة شيراز مقرا لسكناه وأصبحت محط رحاله الأخير، وأقام بالمدرسة المنصورية التي بناها جده، فكان في شيراز زعيما مدرسا مفيدا، ومرجعا للفضلاء, وانصرف للتدريس والتأليف ، ولكن لم يمده الأجل إلا سنوات قليلة . مشايخه :أخذ السيد العلم عن كثير من أعلام الدين فيروى بالإجازة عن أستاذه الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني وعن السيد والده المقدس نظام الدين أحمد وعن العلامة المجلسي صاحب البحار كما أن العلامة المجلسي روى عنه ويروى أيضا عن الشيخ علي حفيد الشيخ حسن صاحب(معالم الأصول). ويروى بالإجازة عنه كثير من الأعلام منهم السيد محمد حسين الخاتون آبادي والشيخ باقر المكي والسيد عبد الله الجزائري والشيخ محمد باقر المجلسي. من مؤلفاته:- سلافة العصر- سلوة الغريب وأسوة الأديب - الدرجات الرفيعة في طبقات الإمامية من الشيعة - أنوار الربيع في أنواع البديع- الكلم الطيب والغيث الصيب - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين - الحدائق الندية في شرح الصمدية - شرحان أيضا على الصمدية- موضح الرشاد في شرح الإرشاد - رسالة في أغلاط الفيروز آبادي في القاموس- التذكرة في الفوائد النادرة-المخلاة- الزهرة في النحو – نغمة الأغان في عشرة الإخوان- رسالة في المسلسلة بالآباء- ملحقات السلافة- الطراز الأول فيما عليه من لغة العرب المعول-رسالة نفثة المصدور- كتاب محكم القريض - ديوان شعر. توفي السيد سنة 1120 ه في شيراز ودفن بحرم السيد أحمد إبن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (علیهما السلام) الملقب بالشاه جراغ( خاتمة المستدرك-الميرزا النوري:2/59) و(رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (علیه السلام) :1/6 13)

أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد كتب إليه بذلك فشهد

ص: 54

القادسية, وأبلى فيها بلاء حسناً, أقام منه في ذلك مقاماً ما لم يقم به أحد, وكان سبب الفتح على المسلمين, وكان بهمة من البهم خيرا فاضلا ثم شهد هاشم مع علي (علیه السلام) الجمل وشهد صفين وأبلى فيها بلاء حسنا وبيده كانت راية علي (علیه السلام) على الرجالة يوم صفين ويومئذ قتل (قدس سره)) (1).

وقال الشيخ القمي (2) عنه:( هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حامل الراية العظمى بصفين، لقب المرقال لأنه كان يرقل في الحرب أي يسرع. كان من أفاضل أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) وقتل (رضی الله عنه) في نصرة مولانا أمير المؤمنين (علیه السلام) بصفين يوم شهادة عمار (رضی الله عنه) . وكان عظيم الشأن جليل القدر، من أراد تحقيق ذلك فليراجع

ص: 55


1- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة - السيد علي خان المدني:376
2- ولد الشيخ عباس القمي سنة 1294ﻫ.- في مدينة قم المقدسة, فبقي هناك ايام طفولته وشبابه وبدأ بتحصيل المقدمات من العلوم الفقهية والأصولية .وفي سنة (1316ﻫ.) ذهب المحدث الى النجف الأشرف لتكميل دروسه وشارك في حلقات دروس الأعلام والمدرسين الكبار, ولكن رغبته في علم الحديث كانت أكثر من سائر العلوم فصمم على السعي في اتقانه وبذل الجهد في تعلمه؛ فلازم المحدث الشهير الميرزا حسين النوري (صاحب المستدرك) وبقي معه يقتبس من مشكاة علمه . كان المحدث ورعا مخلصا متهجدا صالحا ومؤلفا ومحدثا له اهتمام خاص بالكتب ولا سيما الحاوية من علوم آل محمد (صلی الله علیه و آله) من الحديث والدعاء وغيرهما فألف عشرات من الكتب منها: سفينة البحار, مفاتيح الجنان, نفس المهموم, الفوائد الرضوية, منتهى الآمال ,وكتاب خمسون درسا في الأخلاق. توفي في23 ذي الحجة 1359 ﻫ. في مدينة النجف الأشرف ودفن هناك.

كتاب صفين، فإنه جاهد في صفين، وقاتل قتالا شديدا، ونصح لرجل شامي، فهداه الله تعالى) (1).

ووصفه العلامة الأميني قائلا (2):هاشم المرقال الصحابي المقدس، وبطل الدين العظيم.

ص: 56


1- الكنى والألقاب - الشيخ عباس القمي : 3 / 180.
2- ولد العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني عام 1320ﻫ. في مدينة تبريز، ونشأ في بيت علمي معروف بالتقوى، شرع في الدراسة وطلب العلم وهو في الصغر، فدرس المقدمات و شيئا من مرحلة السطوح عند والده وعند جمع من علماء تبريز وقد أكمل هاتين المرحلتين وله من العمر 15 عاما. سافر إلى النجف الأشرف سنة 1336ﻫ. ، فحضر البحث الخارج عند كبار العلماء آنذاك، مثل آيات الله السيد محمد باقر الحسيني الفيروز آبادي والسيد أبي تراب الخونساري والميرزا علي الإيرواني والميرزا أبي الحسن المشكيني, وبعد سنوات من البحث الخارج عاد إلى تبريز، لينشغل بالتبليغ وإلقاء الدروس والمحاضرات، كما خصص قسما من وقته للتأليف،ثم عاد إلى النجف الأشرف وواصل دراسة البحث الخارج، حتى أجيز بالاجتهاد من السيد أبي الحسن الأصفهاني، و الشيخ عبد الكريم الحائري، والشيخ محمد حسين الأصفهاني، والسيد ميرزا علي الشيرازي، والشيخ ميرزا حسن النائيني النجفي، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء.. ومن إنجازاته المهمة: تأسيس مكتبة أمير المؤمنين (علیه السلام) في مدينة النجف الأشرف.. ويعد كتاب الغدير في الكتاب والسنة والأدب من أهم مؤلفات العلامة الأميني على الإطلاق، وقد استغرق تأليفه نصف قرن من الزمان تقريبا، ويمتاز هذا الكتاب بنوعية المضمون ومستوى الأسلوب والرعاية التي أولاها المؤلف، فهو يحتوي على مطالب كثيرة في العقيدة والأدب والأخلاق والتاريخ وغير ذلك بما يصلح معه أن يكون دائرة معارف كبرى توفي نهار الجمعة 28 ربيع الثاني 1390ﻫ. ودفن في البقعة التي اختارها لنفسه، وأمر بإنشاء بنائها قبل وفاته بأشهر، وذلك في مكتبة أمير المؤمنين (علیه السلام) .

1. قال له أبو بكر: (يا هاشم إن من سعادة جِدِّك ووفاء حظك أنك أصبحت ممن تستعين به الأمة على جهاد عدوها، وممن يثق الوالي بوفائه وصدقه ونصحه وبأسه وشجاعته, وقد بعث أبو عبيدة بن الجراح (1) والمسلمون يخبرونني

ص: 57


1- أبو عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهري القرشي، صحابي (42 ق. ﻫ.- 18 ﻫ.) أسلم على يد أبي بكر,وهو ثالث المتحالفين في السقيفة وهما: ابو بكر وعمر, والذي خطب في السقيفة فقال: (يا معشر الأنصار أنكم أول من نصر وآزر. فلا تكونوا أول من بدل وغير..) وطالب بشير بن سعد الأنصاري الذي كان حاسدا لشيخ الأنصار سعد بن عبادة قومه من الأنصار بالتخلي عن هذا الأمر لقريش ابتغاء وجه الله؛ فتحزب مع الثلاثة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة, ضد شيخ الأنصار سعد بن عبادة وقال أبو بكر: (هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا.) وفي أثناء ذلك الجدال تدخل قبيلة أسلم المدينة وتحرس الطرق والدروب لنصرة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة, وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب عندما علم بدخول قبيلة أسلم وسيطرتها على المدينة: (ما هو إلا أن رأيت أسلم. فأيقنت بالنصر),وذهب أبو عبيدة الجراح بجانب عمر بن الخطاب ليبايعا أبا بكر)) الكامل لإبن الأثير : 2 / 224( وذكرت كتب الإمامية اشتراك أبي عبيدة الجراح في الهجوم على بيت السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) (الكوكب الدرّي :1 / 194). كان أحد القادة الأربعة الذين اختارهم أبو بكر لفتح الشام وهم :يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح. عينه عمر بن الخطاب قائدا عاما على جيوش الشام. شارك في معركة اليرموك وقد أمره الخليفة عمر بن الخطاب على الجيش بدلا من خالد بن الوليد, وحين حل الطاعون بعمواس كان أبو عبيدة أمير الجند هناك, فمات بالطاعون هناك.

باجتماع الكفار عليهم، فاخرج فعسكر حتى أندب إليك الناس..) (1).

2.قال عنه أبو عبيدة بن الجراح حين أراد أن يؤمره على الرجالة في معركة اليرموك: (أُوَلِّيها إن شاء الله مَن لا يُخاف نكولُه ولا صدوده عند البأس، أُولّيها هاشمَ بن عتبة بن أبي وقّاص ).

3.قالت عنه عائشة, وهي تستفهم عمن قتل في وقعة صفّين, فأخبرت به : (ذاك رجل ما كادت أن تزلّ دابّته ) (2).

4. قال الخوارزمي (3) عنه, وعن عمار بن ياسر وعبد الله بن بديل: (كانوا فرسان العراق، ومردة الحرب، ورجال المعارك وحُتوف الأقران، وأمراء الأجناد وقد

ص: 58


1- الفتوحات - إبن الأعثم : 1/ 85
2- المستدرك على الصحيحين- الحاكم: 3/ 396
3- خطيب خوارزم ، الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخطيب الخوارزمي الحنفي (حدود سنة 484 - 568 ﻫ.). قرأ على أبيه وغيره، وأخذ علوم العربية من الزمخشري ولازمه وتخرج به حتى أصبح يقال له: خليفة الزمخشري، ورحل في طلب الحديث وطاف البلاد والعواصم الإسلامية ولقي المشايخ الكبار وسمع منهم، طوف في بلاد فارس والعراق والحجاز ومصر والشام وغيرها، ولم يشبع ذلك نهمته، فراسل بعض من لم يلقهم وكاتبهم واستجازهم فأجازوه وأجاز هو لهم. ترجم له معاصره العماد الأصفهاني في خريدة القصر - قسم شعراء إيران وقال: (خطيب خوارزم، أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي، من الأفاضل الأكابر بها فقها وأدبا، والأماثل الأكارم حسبا ونسبا.)

فعلوا بأهل الشام ما بقي ذكره على ممر الأحقاب ) (1).

5.قال عنه ابن عبد البر (2): (كان من الفضلاء الأخيار، وكان من الأبطال البُهْم (3)، فقأت عينه يوم اليرموك، ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد كتب إليه بذلك، فشهد القادسية وأبلى بها بلاء حسناً، وقام منه في ذلك ما لم

ص: 59


1- المناقب- الخوارزمي: 248
2- يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَمَرِيّ الأندلسي المعروف بإبن عبد البر (368ﻫ.-463ﻫ.)الحافظ ومحدث عصره، ولد بقرطبة ، ونشأ بها وتعلّم الفقه والحديث واللغة والتاريخ، ارتحل إلى بطليوس أيام سقوط الدولة الأموية بالأندلس، وعاش في كنف أمراء بنو الأفطس بها، وولي قضاء أشبونة وشنترين في مدة المظفر بن الأفطس ثم تحوّل إلى شرق الأندلس، فنزل ببلنسية ودانية، وطلب العلم بعد التسعين وثلاث مائة، وأدرك الكبار، وطال عمره، وعلا سنده، وتكاثر عليه الطلبة، وجمع وصنف، ووثق وضعف،، من أشهر أصحابه علي بن حزم الأندلسي، وكان في أصول الديانة على مذهب أهل السنة والجماعة، وكان في بدايته ظاهريا، ثم تحول مالكيا مع ميل واضح إلى فقه الشافعي في مسائل.له : الاستيعاب في معرفة الأصحاب, واكثر من خمسة وعشرين كتابا آخر.
3- البُهْمَة الفارس الشديد البأس(الصحاح:5/1875)وقيل : هو الفارس الذى لا يُدرَي من أين يُؤتي له من شدَّة بأسه، والجمع بُهَم(لسان العرب : 12 / 58) , ومن ذلك ما ورد في الدعاء الذي يستحب أداؤه في كل يوم من أيام شهر رجب الأصب , والذي قال عنه الشيخ (قدس سره)أنه توقيع شريف خرج من الناحية المقدسة على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد (رضی الله عنه) : [.. صَلِّ عَلَى مُحَمَدٍ وَآلِهِ, وَعَلى عِبَادِكَ الْمُنْتَجَبِيْنَ وَبَشَرِكَ الْمُحْتَجَبِيْنَ وَمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِيْنَ, وَالْبُهْمِ الْصَّافِّيْنَ الْحافِّيْنَ ..] (مفاتيح الجنان – الشيخ القمي :135 ) .

يقم من أحد، وكان سبب الفتح على المسلمين. وكان بهمةً من البَهم فاضلاً خيراً. وهو الذي افتتح جلولاء فعقد له سعد لواء ووجهه، وفتح الله عليه جلولاء ولم يشهدها سعد) (1).

6.قال عنه إبن الأثير (2) :(كان من الشجعان الأبطال، والفضلاء الأخيار) (3).

7. ذكره الذهبي (4)فقال: (من أمراء علي يوم صفين. ولد في حياة النبي (صلی الله علیه و آله) وشهد يوم اليرموك؛ فذهبت عينه يومئذ، وشهد فتوح دمشق, وكان معه راية

ص: 60


1- الاستيعاب: 4/1546 رقم2700 و الاستيعاب – بهامش الاصابة: 3 / 618
2- علي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (555 - 630 ﻫ.): المؤرخ ، من العلماء بالنسب والأدب. ولد ونشأ في جزيرة إبن عمر، وسكن الموصل. وتجول في البلدان، وعاد إلى الموصل، فكان منزله مجمع الفضلاء والأدباء، وتوفي بها. من تصانيفه: الكامل، أسد الغابة في معرفة الصحابة، اللباب، تأريخ الدولة الأتابكية, الجامع الكبير، وتأريخ الموصل. (الأعلام للزركلي)
3- أسد الغابة- إبن الأثير: 5/49
4- محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (673 ﻫ. - 748ﻫ.). التُركماني الأصل، ثم الدمشقي، المقرئ. الحافظ، المحدث، ومؤرخ الإسلام. طلب الحديث وله ثماني عشرة سنة، فسمع الكثير ورحل وعني بهذا الشأن، وخدمه إلى أن رسخت فيه قدمه. قال السخاوي عنه: إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة: المزيّ، والذهبي، والعراقي، وإبن حجر. كُفّ بصره سنة 741 ﻫ.. وتصانيفه كثيرة تقرب من المائة، منها: تأريخ الإسلام, سير أعلام النبلاء, طبقات الحفاظ, طبقات القراء, مختصر تهذيب الكمال, الكاشف, التجريد في أسماء الصحابة, والميزان في الضعفاء,المغني في الضعفاء, تلخيص المستدرك للحاكم,مختصر سنن البيهقي وغيرها. ولد وتوفي بدمشق ( الموسوعة العربية العالمية) .

الإمام علي يوم صفين، فقتل يومئذ. وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام - رحمه الله تعالى) (1).

8.كتب عنه إبن قتيبة (2)فقال: (كان مع عليّ يوم صِفّين، وكان من أشجع الناس) (3).

ص: 61


1- سير اعلام النبلاء - الذهبي 3 : 486
2- عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213 - 276ﻫ.)، عالم وفقيه وأديب وناقد ولغوي، موسوعيُّ المعرفة، ويعد من أعلام القرن 3ﻫ.. ولد بالكوفة، ثم انتقل إلى بغداد، حيث استقر علماء البصرة والكوفة، فأخذ عنهم الحديث والتفسير والفقه واللغة والنحو والكلام والأدب والتاريخ، واختير قاضيًا لمدينة الدينور، ومن ثم لقب بالدينوري. وفي بغداد اشتغل بالتدريس، فتتلمذ عليه خلق كثيرون، رووا كتبه، ونقلوا إلينا علمه مثل: إبن درستويه، وعبد الرحمن السكري، وأحمد بن مروان المالكي، وأبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان وغيرهم. مؤلفاته متعددة، وتشمل موضوعاتها المعارف الدينية والتاريخية واللغوية والأدبية، ومن أشهر مؤلفاته: تأويل مشكل القرآن, تأويل مختلف الحديث, كتاب الاختلاف في اللفظ, الرد على الجهمية والمشبهة, كتاب الصيام؛ دلالة النبوة, إعراب القرآن, تفسير غريب القرآن. ومن كتبه في تاريخ العرب وحضارتهم، كتاب الأنواء, عيون الأخبار, الميسر والقدا, كتاب المعارف.ومن كتبه الأدبية واللغوية: أدب الكاتب, الشعر والشعراء, صناعة الكتابة, آلة الكاتب, المسائل والأجوبة, الألفاظ المغربة بالألفاظ المعربة, كتاب المعاني الكبير, عيون الشعر, كتاب التقفية وغيرها.
3- المعارف: 241

9.قال إبن حجر (1): (هاشم بن عتبة بن أبي وقاص بن أهيب بن زهرة بن عبد مناف الزهري، الشجاع المشهور، المعروف بالمرقال، إبن أخي سعد بن أبي وقاص . قال الدولابي (2): لقب بالمرقال لأنه كان يرقل في الحرب أي يسرع ، من الإرقال وهو ضرب من العَدْو...قال الهيثم بن عدي: عقد له عمه سعد على

ص: 62


1- أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (773ﻫ. - 852ﻫ.، 1372م - 1448م). أصله من عسقلان بفلسطين، ومولده ووفاته بالقاهرة. عالم محدث فقيه أديب ولع بالأدب والشعر، ثم أقبل على الحديث فسمع الكثير، ورحل ولازم شيخه الحافظ أبا الفضل العراقي. رحل إلى اليمن، والحجاز، وغيرهما لسماع الشيوخ، وصارت له شهرة كبيرة. قصده الناس للأخذ عنه، وأصبح حافظ الإسلام في عصره.. كان فصيح اللسان، راوية للشعر، عارفا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، ولي قضاء مصر مرات ثم اعتزل أما تصانيفه فكثيرة جدا منها: فتح الباري في شرح صحيح البخاري, الإصابة في تمييز أسماء الصحابة, تهذيب التهذيب, تقريب التهذيب في أسماء رجال الحديث, لسان الميزان؛ أسباب النزول, تعجيل المنفعة برجال الأئمة الأربعة, بلوغ المرام من أدلة الأحكام, تبصير المنتبه في تحرير المشتبه, إتحاف المهرة بأطراف العشرة, طبقات المدلسين, القول المسدّد في الذَّب عن مسند الإمام أحمد وغيرها كثير.( الموسوعة العربية العالمية) .
2- محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري الدولابي الرازي(224 - 310 ﻫ.) مؤرخ من حفاظ الحديث .كان وراقا، من أهل الري نسبته إلى الدولاب من أعمالها. رحل في طلب الحديث، واستوطن مصر وتوفي في طريقة إلى الحج، بين مكة والمدينة. وكان يصعق.له تصانيف، منها الكنى والأسماء .

الجيش الذي جهزه إلى قتال يزد جرد ملك الفرس، فكانت وقعة جلولاء.. كانت راية علي يوم صفين مع هاشم بن عتبة) (1).

10. قال المرزباني (2): لما جاء قتل عثمان إلى أهل الكوفة، قال هاشم لأبي موسى الأشعري: تعال يا أبا موسى بايع لخير هذه الأمة علي ! فقال: لا تعجل. فوضع هاشم يده على الأخرى فقال: هذه لعلي وهذه لي، وقد بايعت علياً (علیه السلام) ، وأنشد:

أبايع غير مكترث عليا *** ولا أخشى أميراً أشعريا

أبايعه وأعلم أن سأرضي *** بذاك الله حقاً والنبيا (3)

ص: 63


1- الإصابة:6/404
2- محمد بن عمران بن موسى المرزباني إخباري ومؤرخ وأديب، خراساني الأصل، ولد عام 297 وتوفي عام 384 في بغداد. كان معتزليًّا. له عدة كتب منها معجم الشعراء والموشح وهما كتابان مطبوعان. حدث عن البغوي ، وأبي حامد الحضرمي ، وإبن دريد ، ونفطويه ، وعدة . وعنه : التنوخي ، وأبو محمد الجوهري، والعتيقي، وطائفة . مات سنة 384 عن 88 سنة . (سير أعلام النبلاء - الذهبي : 448 / 16)
3- ذكر إبن الأعثم أن موقف هاشم في قصر الإمارة كان مطلب أهل الكوفة بعد بيعة علي (علیه السلام) في المدينة ، فهو يدل على تخلف أبي موسى عن البيعة حتى ضغط عليه المسلمون: ( فقامت الناس إلى أميرهم أبي موسى الأشعري فقالوا: أيها الرجل! لم لا تبايع علياً وتدعو الناس إلى بيعته، فقد بايعه المهاجرون والأنصار؟ فقال أبو موسى: حتى أنظر ما يكون، وما يصنع الناس بعد هذا ) ! (2/438)

11.قال الزركلي (1): (هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص، صحابي، خطيب، من الفرسان، يلقّب بالمرقال، وهو ابن أخ سعد إبن أبي وقّاص، أسلم يوم فتح مكّة، ونزل الشام بعد فتحها، فأرسله عمر بن الخطّاب مع ستة عشر رجلاً من جند الشام مدداً لعمّه سعد بن أبي وقّاص في العراق وشهد القادسيّة مع سعد،

ص: 64


1- خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزِرِكْلِيّ ( 1310 ﻫ. ( 1396 كاتب و مؤرخ و شاعر وقومي سوري. تنقل الزِّرِكْلي في عدد من البلاد العربية. كان شاعراً يهاجم الاستعمار الفرنسي بشعره البديع، ويتعاون مع المجاهدين في مقاومة الفرنسيين، فما كان من الفرنسيين إلا أن يحكموا عليه بالإعدام أكثر من مرّة, نشأ في دمشق وتعلم في مدارسها الأهلية وأخذ عن معلميها الكثير من العلوم خاصة الأدبية منها.بعد الحرب العالمية الأولى، أصدر في دمشق جريدة يومية أسماها (لسان العرب)، ثم شارك في إصدار جريدة المفيد اليومية وكتب فيها الكثير من المقالات الأدبية والاجتماعية. أنشأ المطبعة العربية في مصر حيث طبع فيها بعض كتبه وكتباً أخرى أصدر في القدس مع رفيقين له جريدة (الحياة) اليومية، إلاّ أن الحكومة الإنجليزية عطّلتها فأنشأ جريدة يومية أخرى في يافا، واختير عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1930م، واختير في نفس العام عضواً في مجمع اللغة العربية بمصر.عام 1951م عين وزيراً مفوضاً ومندوباً دائماً لدى جامعة الدول العربية، وهناك باشر بطبع مؤلفه (الأعلام). كان شاعراً مجيداً، ومؤرخاً ثقة، وله: ما رأيت وما سمعت، ديوان أشعاره، عامان في عمّان، ماجدولين والشاعر, صفحة مجهولة من تاريخ سوريا في العهد الفيصلي. كتاب الأعلام ، وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات.

وأصيبت عينه اليرموك، فقيل له الأعور وفتح جلولاء، وكان مع علي بن أبي طالب في حروبه، وتولّى قيادة الرجّالة في صفّين، وقتل في آخر أيّامها).

ص: 65

المرقال (رضی الله عنه) بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله)

عاش المسلمون ضروفاً متغيرة الأحداث بعد رحيل النبي (صلی الله علیه و آله) إلى ما أعده له ربه الكريم في جنات الفردوس, وإذ كان الناس حديثي عهد بالإسلام فقد شهد المجتمع الإسلامي تكتلات بارزة أرادت الاستئثار بالحكم, حتى وإن خالفت قواعد الأصول التي ثبتها نبي الرحمة (صلی الله علیه و آله) للفترة التي تلي رحيله, وأكد عليها في كل موطن وموضع.

وكان ممن شملهم لفظ الصحابة عدد كبير استهوته الدنيا فباع آخرته بالثمن الأوكس, فالإنقلاب على خط الرسالة المحمدية الأصيل رافق سلوك وتوجه وقول العديدين, وكما قال أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو يقارن الحال قبل وبعد رحيل النبي (صلی الله علیه و آله) :{ ولقد كنّا مع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً، ومضياً على اللقم (1) وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدوّ، ولقد كان الرجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان انفسهما (2) أيّهما يسقي صاحبه كاس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا، ومرّة لعدوّنا منّا. فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا

ص: 66


1- اللقم: الطريق الواضح, وتقال أيضاً لمعظم الطريق, أو وسطه ( المعجم الرائد)
2- تخالس النَّاسُ الشَّيءَ تسالبوه( معجم اللغة العربية المعاصر)

الكبت (1)، وأنزل علينا النصر، حتّى استقرّ الإسلام ملقياً جرانه (2)ومتبوّءاً أوطانه، ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضرّ للإيمان عود } (3).

فمن أولئك الصحابة الذين انحرفوا منافقون معروفون (4),ومنافقون متستّرون (5),وضعفاء إيمان...

ص: 67


1- الكَبْتُ الصَّرْعُ كَبَتَه يَكْبِتُه كَبْتاً فانْكَبَتَ وقيل الكَبْتُ صَرْعُ الشيء لوجهه وفي الحديث أَن الله كَبَتَ الكافرَ أَي صَرَعَه وخَيَّبَه وكَبَتَه اللهُ لوجْهه كَبْتاً أَي صَرَعَه اللهُ لوجهه فلم يَظْفَرْ وفي التنزيل العزيز(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ((سورة المجادلة – الآية 5) , وفيه (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ(( سورة آل عمران – الآية 127)
2- ألقى عليه جرانَه : ألقى عليه ثِقْلَه، أو وطَّن نفسه عليه، ضرب الإسلام بجِرانه : استقرَّ وثبت( معجم اللغة العربية المعاصر)
3- نهج البلاغة، الخطبة 56.
4- ( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ( (سورة (المنافقون ) - الآية 1)
5- ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ((سورة التوبة - الآية 101)

ومرضى قلوب (1),وسمّاعون لأهل الفتنة (2), ومجموعة خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً (3) , ومشرفون على الإرتداد عندما دارت عليهم الدوائر (4), وفاسقون

ص: 68


1- ( إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً((سورة الأحزاب – الآيتان 10 - 11), ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ((سورة الأحزاب – الآية 11 )
2- ( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ((سورة التوبة - الآيات 45-47)
3- ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ((سورة التوبة - الآية 102)
4- ( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ((سورة آل عمران - الآية 154)

لا يصدق قولهم ولا فعلهم (1), وشرذمة آفكة (2), ومسلمون لم يدخل الإيمان في قلوبهم (3), ومسلمون أسلموا إسلاماً غير مستقر (4), ومؤلّفة قلوبهم يظهرون

ص: 69


1- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ((سورة الحجرات - الآية 6) , ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ ((سورة السجدة - الآية 18)
2- ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ((سورة النور – الآية 11)
3- ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ((سورة الحجرات - الآية 14)
4- ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ((سورة الحج – الآية 11)

الإسلام ويتآلفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم (1), ومولّون أمام الكفّار (2) , ومؤذون لرسول الله (صلی الله علیه و آله) (3).

وبعد فتح مكة وتصفية جيوب الشرك أدركت بطون قريش، المهاجرون منها والطلقاء، بأن النبي (صلی الله علیه و آله) قد بدأ بترتيب عصر ما بعد النبوة، وأن أجل النبي (صلی الله علیه و آله) قد دنا، وأدرك المنافقون ما أدركته البطون وأيقنوا جميعاً بأن محمدا (صلی الله علیه و آله) يخطط ليكون الإمام من بعده إبن عمه وزوج ابنته ووالد سبطيه: علي بن أبي طالب (علیهما السلام) , وأيقنت البطون بأنه إذا نجح النبي (صلی الله علیه و آله) بتنصيب علي بن أبي طالب (علیهما السلام) إماماً من بعده، فلن تخرج الإمامة من الهاشميين إلى يوم الدين، وستجمع الأمة على قيادتهم. وهكذا يجمع الهاشميون النبوة والإمامة معاً أو النبوة والخلافة معاٍ أو

ص: 70


1- ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَإبن السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(سورة التوبة - الآية 60)
2- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( (سورة الأنفال - الآيتان 15 , و16 )
3- ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً ((سورة الأحزاب – الآية 53)

النبوة والملك معاً فاذا فعلوا ذلك جحفوا الناس جحفاً (1)، وأن قلوب بني هاشم ( أبت إلا غشاً في أمر قريش لا يزول, وحقداً عليها لا يحول ), على حد تعبير عمر بن الخطاب (2) .

لذلك لملمت البطون نفسها لمواجهة نوايا النبي (صلی الله علیه و آله) ، وحدث تقارب جدي بين الذين أسلموا من البطون قبل فتح مكة وبين الطلقاء الذين أسلموا بعد الفتح. فصار عثمان بن عفان، وهو مهاجر، حليفاً حقيقياً لأبي سفيان ومعاوية ويزيد والحكم بن العاص (3)، وهم طلقاء، وتكونت وحدة حال بين التسعة المبشرين

ص: 71


1- جحَفَ يَجحَف، جَحْفًا ، فهو جاحف: جحَف فلانٌ مالَ وجارَ وظَلَمَ .( معجم اللغة العربية المعاصر)
2- شرح النهج- إبن أبي الحديد : 3 / 107
3- الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي عم عثمان بن عفان, دخل الإسلام كرها عام الفتح وسكن المدينة. ذكر ذلك جمع كبير من العلماء والمؤرخين الشيعة والسنة أنه من جملة المستهزئين برسول الله (صلی الله علیه و آله) فقد كان يمشي خلفه ويصنع الحركات المضحكة. وذات مرة فعل ذلك فالتفت إليه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال له: كن كذلك(النهاية - إبن الأثير :1 /310 ), فبقي على تلك الصورة القبيحة إلى آخر عمره مع نوبات جنونية. وأيضا كان الحكم يتجسس على رسول الله (صلی الله علیه و آله) ثم يحدث المنافقين بذلك, وغيرها من الأسباب التي دعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن ينفيه إلى الطائف(شرح النهج :6 /149 والاستيعاب :1 /316 بهامش الإصابة.)روي عن عائشة من طرق ذكرها إبن أبي خيثمة وغيره أنها قالت لمروان: أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) لعن أباك وأنت في صلبه(شرح نهج البلاغة للمعتزلي:6 /150 , وتفسير الرازي :20 /237) وكان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به رسول الله (صلی الله علیه و آله) فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال (صلی الله علیه و آله) : هو الوزغ بن الوزغ الملعون إبن الملعون(حياة الحيوان للدميري:1 /89 ) وقد ذكر المفسرون أن (الشجرة الملعونة) التي ذكرها القرآن بنو أمية أو بنو العاص(تفسير الفخر الرازي :20 /237.) ومن أجل هذا طرده رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأبعده عن المدينة ولم يجرؤ أحد من المسلمين أن يجازف ويرد الحكم وأولاده إلى المدينة في حياة النبي (صلی الله علیه و آله) وبعد وفاته, إلى أن جاء عثمان وفعل ذلك, وحتى أبي بكر وعمر على رغم الشفاعة التي شفعها عثمان لدى عمر في رد الحكم إلا أنهما أيام خلافتهما لم يوافقا على رد الحكم إلى المدينة وكانا يقولان: إنه طريد رسول الله (صلی الله علیه و آله) .إلا أن عثمان لم يكتف برده وإنما ولاه المناصب وأمور المسلمين فقد كان مروان في أول أمره كاتب السر لعثمان وأفاض عليه العطاء تلو العطاء من بيت المال مما أثار حفيظة كبار الصحابة ضد عثمان لسيرته المخالفة لسيرة النبي (صلی الله علیه و آله) .

بالجنة (1)، وبين قاده الطلقاء وأفرادهم، بمعنى أن الذين أسلموا من بطون قريش قبل الفتح شكلوا جبهة واحدة مع الذين أسلموا بعد الفتح، وصار لمنتسبي بطون قريش موقف موحد أو مشابه من كل الأحداث, أساسه مواجهة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو يخطط لإقامة إمامة يديرها اثنا عشر إماماً من أهل بيته يحكمون بالتتابع، وقد رأى هؤلاء أن الأفضل للبطون أن تترك محمدا (صلی الله علیه و آله) وشأنه, وأن تقيم تحالفا حقيقيا بينها وبين الجميع بما فيهم المنافقين، وهكذا اتحدت البطون بعد الفتح ضد علي (علیه السلام) وبني هاشم لإجهاض الإمامة، كما اتحدت ضد محمد (صلی الله علیه و آله) وبني هاشم لإجهاض النبوة؛ فكان الطلقاء وقادتهم والأعراب في المدينة وعلى رأس هؤلاء قبيلة أسلم وزعيمها المنافق أبو

ص: 72


1- باستثناء الإمام علي (علیه السلام) .

الأعور الأسلمي (السلمي) (1)ذلك الأعرابي الذي أصبح صديقاً حميماً لأبي بكر وعمر وأبي سفيان ومعاوية فشارك في السقيفة (2) لمناصرة أبي بكر في بيعته المخالفة لبيعة الإمام علي (علیه السلام) الإلهية، إذ قال عمر: ما أن رأيت أسلم حتى أيقنت بالنصر، وقد تزاحمت سكك المدينة برجال أسلم . واستمر في منهجه الأعرابي فشارك في حملة الدولة لإحراق بيت السيدة الزهراء فاطمة (علیها السلام) وعائلتها تلك الحملة التي تسببت في شهادتها (علیها السلام) ،وشارك في مناصرة بيعة عمر وعثمان (3) , ثم خالف الإمام علياً (علیه السلام) ودعم معاوية في فتنته, وشارك في صفوفه في صفين مثلما شارك في جيش أبي سفيان في بدر وأحد

ص: 73


1- عَمْرو بْن سُفْيَان بْن سَعِيد اخرج أبو نعيم بسنده قال قنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال : (اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله والعن أبا الاعور السلمي)(النصائح الكافية لمن يتولى معاوية - السيد محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحي العلوي: 29) .. وعن خضير بن عبد الرحمن ، عن أبى المفضل قال: (سمعت علياً قنت في المغرب، فقال : اللهم العن معاوية بادئاً، وعمرو بن العاص ثانياً، وأبا الأعور السلمي ثالثاً، وأبا موسى الأشعري رابعاً)( الايضاح لإبن شاذان : 63) , و(إحكام إبن حزم: 1 / 109)
2- السقيفة: الصفة، والظلة، وهي شبه البهو الواسع الطويل السقف. وكان لبني ساعدة بن كعب بن الخزرج - وهم حي من الانصار ومنهم سعد بن عبادة نقيبهم ورئيس خزرج - ظلة يجلسون تحتها هي دار ندوتهم لفصل القضايا اشتهرت بسقيفة بني ساعدة. اجتمع فيها الانصار أوسهم وخزرجهم ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) .
3- لاحظ ترجمته في كتاب الإصابة لإبن حجر وكتاب أسد الغابة لإبن الأثير وكتاب تاريخ دمشق لإبن عساكر.

والخندق !,وسار الأقرع بن حابس (1) زعيم قبيلة تميم في السير على خطى أبي الأعور الأسلمي, فشارك في دعم كفار قريش في بدر وأحد والخندق, ثم ناصر أبابكر في محاولته اغتصاب السلطة في السقيفة وكان الأقرع بن حابس صديقاً لأبي بكر (2), ولقد أستمر الأقرع في مخالفته الإسلام بعد إسلامه إذ أرسله النبي (صلی الله علیه و آله) إلى كفار الطائف المحاصرين بعد إسلامه بعدَّة سنوات فخان رسول الله (صلی الله علیه و آله) هناك وطالب أهل الطائف بالصمود في محاربة النبي (صلی الله علیه و آله) فنزل جبرائيل (علیه السلام) وأخبر رسول الله (صلی الله علیه و آله) بالخبر فاعترف الأقرع بخيانته (3).

وقد حصل زعماء قبائل الأعراب على جوائز مالية ضخمة من أبي بكر وحصلوا على أراضٍ زراعية واسعة تثميناً لجهودهم المناصرة له في السقيفة, في حين بقي الصحابة المخلصون المشاركون في العقبة وبدر وأحد والخندق وحنين فقراء محتاجين للخبز والتمر !.

ص: 74


1- الأقرع بن حابس بن عقال التميمي المجاشعي الدرامي، أبو بحر، وهو المنادي من وراء الحجرات(إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ(( سورة الحجرات – الآية 4)
2- سنن الترمذي: 5 / 63.
3- المبسوط – السرخسي: 6 / 155 .

وتزوج عثمان بن عفان أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري (1) زعيم فزارة فكان زعماء الأعراب المنافقون أصحاباً لأبي بكر وعمر وعثمان, وكانت أعداد

ص: 75


1- عن عائشة ، قالت استأذن رجل على رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال:[ائذنوا له فبئس إبن العشيرة أو بئس أخو العشيرة] فلما دخل ألان له القول قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله قلت ما قلت فلما دخل ألنت له القول فقال يا عائشة: [ إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس اتقاء شره], قال معمر: وبلغني أن الرجل كان عيينة بن حصن أخبرنا جرير عن ليث عن مجاهد عن عائشة نحوه وقال: [ إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم]( إسحاق في مسنده 725 -)وعن الكلبي في قوله تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ((سورة الأنعام- الآية 52), قَال عيينة بن حصن للنبي (صلی الله علیه و آله) : (إِنْ سرك أن نتبعك فاطرد عنك فلانا وفلانا, فإِنه قد آذاني ريحهم, يعني بلالا وسلمان وصهيبا وناسا من ضعفاء الْمسلمين, فأَنزل اللَّه تبارك وتعالى:(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ((سورة الأنعام- الآية 52)( عبد الرزاق في تفسيره 797), وعن إبن جريج، قال: أخبرت أن عيينة بن حصن قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم: لقد آذاني ريح سلمان الفارسي، فاجعل لنا مجلسا منك لا يجامعوننا فيه، واجعل لهم مجلسا لا نجامعهم فيه(الطبري في تفسيره 18/8), وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال أخبرني من نظر إلى عيينة بن حصن مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ينخسه غلمان المدينة بالجريد يقولون أي عدو الله أكفرت بعد إيمانك فيقول والله ما كنت آمنت (الطبري في تاريخه :2/362), وشهد عيينة مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) الطائف، فقال: يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) :ائذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلمهم. فأذن له، فجاءهم، فقال: أدنو منكم وأنا آمن؟ ، قالوا: نعم. وعرفه أبو محجن فقال: أدنوه. قال: فدنا فدخل عليهم الحصن، فقال: فداكم أبي وأمي، لقد سرني ما رأيت منكم، والله إن في العرب أحد غيركم، وما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد مل المقام، فاثبتوا في حصنكم، فإن حصنكم حصين وسلاحكم كثير، ونبلكم حاضرة، وطعامكم كثير، وماءكم واتن، لا تخافون قطعه. فلما خرج قالت ثقيف لأبي محجن: فإنا كرهنا دخوله علينا وخشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه منا، أو في حصننا. فقال أبو محجن: أنا كنت أعرف به، ليس منا أحد أشد على محمد منه وإن كان معه. فلما رجع عيينة إلى النبي قال له:(ما قلت لهم ؟) قال: قلت: ادخلوا في الإسلام، فوالله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا فخذوا لأنفسكم أمانا، قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم قينقاع والنضير وقريظة وخيبر، أهل الحلقة والعدة والأطام. فخذلتهم ما استطعت، ورسول الله (صلی الله علیه و آله) ساكت، حتى إذا فرغ من حديثه قال له رسول الله (صلی الله علیه و آله) :( كذبت، قلت لهم: كذا وكذا)، للذي قال، قال: فقال عيينة: أستغفر الله، فقال عمر: يا رسول الله دعني أقدمه فأضرب عنقه، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : [لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي]، ويقال: إن أبا بكر أغلظ له يومئذ وقال له: ويحك يا عيينة، إنما أنت أبدا موضع في الباطل، كم لنا منك من يوم : يوم الخندق ويوم بني قريظة والنضير وخيبر، تجلبت وتقاتلنا بسيفك، ثم أسلمت، زعمت، فتحرض علينا عدونا (إبن سعد في الطبقات 244)

رجال هذه القبائل الأعرابية كثيرة فقد حمل أربعة آلاف مقاتل منهم النار والحطب على بيت فاطمة بنت محمد (صلی الله علیه و آله) لإحراقها يقودهم عمر بن الخطاب وفيهم (عمرو بن العاص, ومعاوية بن أبي سفيان, وعثمان بن عفان, وعكرمة بن أبي جهل (1)...

ص: 76


1- عكرمة بن أبي جهل من الذين أهدر رسول الله (صلی الله علیه و آله) دمهم ، وقد أمر (صلی الله علیه و آله) بقتلهم، ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة(السيرة الحلبية :3 /81 ومجمع البيان :10 /557 والبحار :21 /105 و 131 وتاريخ الخميس :2 /83 و 90) كان في أول البعثة كبير السن، وكان من رؤساء القوم وكان يومئذٍ على ميسرة المشركين(شرح النهج للمعتزلي:14 /231 و 228 و 235 والطبقات الكبرى لإبن سعد :2 /40 وموسوعة التاريخ الإسلامي :2 /267) ويوم الأحزاب عبر الخندق مع عمرو بن عبد ود، وضرار بن الخطاب الفهري، وهبيرة بن أبي وهب، ونوفل بن عبد الله(شرح النهج للمعتزلي:19 /62 و 64 والبحار :20 /202 و 225 و 254 و:39 /4 ورسائل المرتضى :4 /117 و 122 وشرح أصول الكافي :12 /394 وشرح الأخبار :1 /296 والإرشاد :1 /99 و 102 والأمالي:3 /95 والمستجاد في الإرشاد :69 وتفسير مجمع البيان :8 /131 وكشف الغمة :1 /198) كان من المناوئين لأمير المؤمنين (علیه السلام) وظاهر أعداءه عليه ، وحين هتف الأنصار باسم علي (علیه السلام) قال: (وإن الذى هم فيه من فلتات الأمور ومن نزغات الشيطان، وما لا يبلغه المنى، ولا يحمله الأمل. أَعْذِرُوا إلى القوم، فإن أبوا فقاتلوهم. فوالله، لو لم يبق من قريش كلها إلا رجل واحد لصيَّر الله هذا الأمر فيه) (شرح النهج للمعتزلي:6 /24 ومواقف الشيعة :3 /162 والإصابة :1 /698 و 699.)

والمغيرة بن شعبة, ومعاذ بن جبل (1) , وسعد بن أبي وقاص..

ص: 77


1- عن عبد الرحمن بن غنم الأزدي ثم الثمالي ختن معاذ بن جبل وكان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهادا.. قال: مات معاذ بن جبل بالطاعون، فشهدته يوم مات - وكان الناس متشاغلين بالطاعون - قال: فسمعته حين احتضر وليس في البيت معه غيري - وذلك في خلافة عمر بن الخطاب - يقول: ويل لي ويل لي ويل لي ويل لي فقلت في نفسي: أصحاب الطاعون يهذون ويتكلمون ويقولون الأعاجيب. فقلت له: تهذي رحمك الله؟ فقال: لا. فقلت: فلم تدعو بالويل؟ قال: لموالاتي عدو الله على ولي الله فقلت له: من هو؟ قال: لموالاتي عدو الله على خليفة رسول الله ووصيه علي بن أبي طالب. فقلت: إنك لتهجر؟ فقال: يا بن غنم، والله ما أهجر هذا رسول الله وعلي بن أبي طالب يقولان: يا معاذ بن جبل، أبشر بالنار أنت وأصحابك الذين قلتم: (إن مات رسول الله أو قتل زوينا الخلافة عن علي فلن يصل إليها)،. فقلت: يا معاذ، متى هذا؟ فقال: في حجة الوداع، قلنا:(نتظاهر على علي فلا ينال الخلافة ما حيينا). فلما قبض رسول الله قلت لهم: (أنا أكفيكم قومي الأنصار، فاكفوني قريشا). ثم دعوت على عهد رسول الله إلى الذي تعاهدنا عليه بشير بن سعيد وأسيد بن حضير، فبايعاني على ذلك. فقلت: يا معاذ، إنك لتهجر؟ قال: (ضع خدي بالأرض), فما زال يدعو بالويل والثبور حتى قضى.( كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري : 346)

وأسيد بن حضير (1), وعبد الله بن أبي ربيعة (2), وبشير بن سعد (3) ) (4).

وقد وصفت سيدة النساء (علیها السلام) الواقع بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) فقالت (علیها السلام) : (فلما اختار الله لنبيه (صلی الله علیه و آله) دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهرت فيكم حَسَكة النفاق (5)، وسمل جلباب الدين (6)، ونطق كاظم الغاوين (7)، ونبغ خامل الأقلين (8), وهدر فنيق

ص: 78


1- أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأوسي الأنصاري الأشهلي كان رئيس الأوس. مات سنة 20، وهو ممن حمل الحطب إلى بيت فاطمة (علیها السلام) لإضرامه. فأصحاب الصحيفة لما يئسوا من سعد بن عبادة رئيس الأنصار أجمع تعاهدوا مع هذين اللذين كان كل واحد منهما رئيسا لنصف قبائل الأنصار.( كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري : 346)
2- أقبل المقداد بن الأسود على الناس، فقال: (أيها الناس، اسمعوا ما أقول، أنا المقداد بن عمرو، إنكم إن بايعتم علياً سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عثمان سمعنا وعصينا) ,وردّ عليه عبد الله بن أبي ربيعة المخزوم، وقال: (أيها الناس، إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم علياً سمعنا وعصينا(.فانتفض المقداد ورد عليه فقال: (يا عدو الله وعدو رسوله وعدوّ كتابه، ومتى كان مثلك يسمع له الصالحون).
3- بشير بن سعيد كان رئيس الخزرج. قتل في إمارة أبي بكر باليمن(كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - الصفحة 346)
4- تاريخ أبي الفداء: 1/164، العقد الفريد- إبن عبد ربه: 4/259، تاريخ الطبري: 3/198، انساب الأشراف- البلاذري: 1/586.
5- الحَسَكُ : نباتٌ له ثمرةٌ خشِنة تتعلَّق بأَصوافِ الغنَم وأَوبار الإِبل .
6- صار خلقاً.
7- كاظم الغاوين: الساكت، الضال، الجاهل.
8- ظهر من خفي صوته واسمه من الأذلاء.

المبطلين (1)، فخطر في عرصاتكم (2), وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه (3)هاتفاً بكم, فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين (4), ثم استنهضكم فوجدكم خفاقاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً (5), فوسمتم غير إبلكم (6), وأوردتم غير مشربكم (7), هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لمَّا يندمل، والرسول لمَّا يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم محيطة بالكافرين ، فهيهات منكم وكيف بكم ؟ وانى تؤفكون ؟ وكتاب الله بين أظهركم أُموره ظاهرة وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، وقد خلَّفتموه وراء ظهوركم ..أرغبة عنه تريدون ؟أم بغيره تحكمون ؟ بئس

ص: 79


1- هدر البعير : ردّد صوته في حنجرته . والفَنِيقُ من الإِبل : الفَحل . والجمع : فُنُق .
2- خطر : إذا حرّك ذنبه .
3- المغرز بكسر الراء : ما يختفي فيه .
4- الغرة بكسر الغين: الانخداع.
5- أحمشكم : أغضبكم .
6- الوسم : الكي ، وسمه : كواه .
7- الشرب بكسر الشين : النصيب من الماء .

للظالمين بدلا) ,﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (1).

ووصف أمير المؤمنين (علیه السلام) حال الناس ونكثهم لبيعته في مواطن كثيرة , ومن ذلك ما ورد بكتابه إلى أخيه عقيل (رضی الله عنه) : {دع عنك قريشا وخلهم وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق, ألا وإن العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب النبي (صلی الله علیه و آله) من قبل اليوم؛ فأصبحوا قد جهلوا حقه وجحدوا فضله, بادروا بالعداوة, ونصبوا له الحرب, وجهدوا عليه كل الجهد, وجروا إليه جيش الأحزاب, اللهم فاجز قريشا عنى الجوازي فقد قطعت رحمي, وتظاهرت علي, ودفعتني عن حقي, وسلبتني سلطان ابن أمي, وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من رسول الله (صلی الله علیه و آله) , وسابقتي في الإسلام.. إلا أن يدعى مدعٍ ما لا أعرف, ولا أظن الله يعرفه, والحمد لله على كل حال} (2).

وقال (علیه السلام) أيضاً وهو يستذكر فعل الناكثين والقاسطين والمارقين :{اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي, وأكفأوا إنائي, واجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري, وقالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه, وفى الحق أن

ص: 80


1- سورة آل عمران –الآية 85.
2- الدرجات الرفيعة- السيد علي خان المدني: 157

تمنعه, فاصبر مغموما, أًو مت متأسفاً, فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي, فضننت بهم عن الميتة, فأغضيت على القذى, وجرعت ريقي على الشجى, وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم, وآلم للقلب من حز الشفار} (1) .

ومنها حين قال الأشعث بن قيس (2)لعلي (علیه السلام) : (وأنت لم تخطبنا خطبة منذ كنت قدمت العراق إلا قلت فيها قبل أن تنزل على المنبر: ({والله، إني لأولى الناس

ص: 81


1- الدرجات الرفيعة- السيد علي خان المدني: 195
2- الأشعث معد يكرب بن قيس بن معد يكرب (599م- 661م) صحابي ممن أسلم عام الوفود أرتد فأرسل إلى أبي بكر موثقا في الحديد هو وعشرة فعفا عنه وعنهم و زوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة وكانت عمياء فولدت للأشعث عندهم. إسماعيل و إسحاق. تولى ولاية أذربيجان في عهد عثمان بن عفان قال أبو جعفر محمد بن جرير في التاريخ: و كان المسلمون يلعنون الأشعث ويلعنه الكافرون أيضا وسبايا قومه و سماه نساء قومه عرف النار وهو اسم للغادر عندهم. و كان الأشعث من المنافقين في خلافة علي (علیه السلام) وهو في أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) كما كان عبد الله بن أبي بن سلول في أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه .(شرح نهج البلاغة : 296 ) عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين (علیه السلام) وابنته جعدة سمت الحسن (علیه السلام) ومحمد ابنه شرك في دم الحسين (علیه السلام) (الكافي:8/167) وكان الإمام (علیه السلام) يعامله أحسن معاملة، مع علمه بنفاقه، وكان أحياناً يسب الإمام (علیه السلام) (بحار الأنوار: ج33 ص431 ب26 ح640) ومع ذلك لم يتعرض له الإمام (علیه السلام) بسوء وهو الذي ترأس حركة المؤيدين للتحكيم في جيش الإمام (علیه السلام) بترشيح أبي موسى الأشعري ليكون ممثلاً عن معسكر الإمام (علیه السلام) في مفاوضات التحكيم(تذكرة الخواص - إبن الجوزي: 79)توفي عام 40 ﻫ..

بالناس، ولا زلت مظلوماً مذ قبض رسول الله (صلی الله علیه و آله) }، فما يمنعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك)؟! قال (علیه السلام) : يا ابن قيس، اسمع الجواب: {لم يمنعني من ذلك الجبن، ولا كراهة للقاء ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها. ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وعهده إلي..} ثم ذكر (علیه السلام) : أن النبي (صلی الله علیه و آله) قال له: [إن وجدت أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم. وإن لم تجد أعواناً، فكف يدك، واحقن دمك، حتى تجد على إقامة الدين، وكتاب الله وسنتي أعواناً] (1),وهناك أحاديث أخرى تشير إلى هذا السبب في قعوده (علیه السلام) , وقد عبر عنها في الشقشقية بأروع الصور حين قال : {فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها

ص: 82


1- بحار الأنوار- الشيخ المجلسي:29 /467 و 419 وكتاب سليم بن قيس :2 /663 و 664 والإحتجاج :1 /449 و 450 و (ط دار النعمان) :1 /281 ومستدرك الوسائل :11 /75 وحلية الأبرار :2 /64 وجامع أحاديث الشيعة :13 /41 والإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) للهمداني :698 وغاية المرام :2 /105 و 197.

الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه.. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا } (1).

ولكن هناك صفوة مختارة لصحابة بررة كرام سلكوا سبيل الرضوان ليفوزوا بالنعيم الأوفر بمولاتهم لآل المصطفى (صلی الله علیه و آله) , وهم أولئك الذين أشار إليهم الإمام علي بن الحسين (علیهما السلام) , وهو يشملهم بنفحات دعاءه فيقول: (اللّهمّ وأصحاب محمّد (صلی الله علیه و آله) خاصّة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته، وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبّته، يرجون تجارة لن تبور في مودّته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظلّ قرابته، فلا تنس لهم اللّهمّ ما تركوا لك وفيك

ص: 83


1- نهج البلاغة (بشرح عبده) الخطبة رقم3 :1 /30 والإرشاد للمفيد :1 /287 وعلل الشرائع :1 /150 والأمالي للطوسي :372 والإحتجاج (ط دار النعمان) :1 /281 والطرائف لإبن طاووس :418 و 420 وكتاب الأربعين للشيرازي :167 وحلية الأبرار :2 /289 و 291 وبحار الأنوار :29 /497 ومناقب أهل البيت (علیهم السلام) للشيرواني :457 والغدير :7 /81 و9 :380 والدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني :34 ونهج الحق للعلامة الحلي :326 وبيت الأحزان :89 ومناقب آل أبي طالب :2 /48 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي :1 /151 ومعاني الأخبار :360

وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم ، اللّهمّ وأوصل التابعين لهم بإحسان, الذين يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا) (1).ولقد عانى موالو وصي النبي (صلی الله علیه و آله) الكثير الكثير من الحاكمين, فقد استعملوا معهم أقصى درجات الخشونة فتهددوا سعد بن عبادة (2)، حتى قال قائلهم: أقتلوا سعداً قتله الله. وتهددوا الأنصار ببسط اليد واللسان على معارضيهم منهم، وبقتلهم..

ص: 84


1- الصحيفة السجادية : الدعاء 4.
2- ظهر من التتبع وثاقة وجلالة قدر سعد بن عبادة وأنه لم يكن يريد الخلافة لنفسه بل طلبها لأمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) ، وقد تخلّف عن بيعة أبي بكر فكان نصيبه القتل حيث أوعز الخليفة إلى محمد بن مسلمة الأنصاري وخالد بن الوليد ليقتلاه، فرماه كلُّ واحد منهما بسهمٍ فقتلاه على طريق الشام في منطقة حوران، وأشاعت الخلافة بأن الجن قتلته . وفي كتاب الإستيعاب قال: كان سعد نقيباً سيداً جواداً مقدماً وجيهاً له سيادة ورئاسة يعترف قومه له بها، وتخلف عن بيعة أبي بكر وخرج من المدينة ولم يرجع إليها إلى أن مات بحوران من أرض الشام..وقال السيد علي خان المدني: (اختلف أصحابنا رحمهم الله في شأنه، فعده بعضهم من المقبولين واعتذر عن دعواه الخلافة بما روي عنه انه قال: لو بايعوا علي (علیه السلام) لكنت أول من بايع ومما رواه محمد بن جرير الطبري عن أبي علقمة قال قلت لسعد بن عبادة وقد مال الناس لبيعة أبي بكر: تدخل فيما دخل فيه المسلمون؟ قال إليك عني فو الله سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: إذا أنا مت تضل الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم فالحق يومئذ مع علي (علیه السلام) وكتاب الله بيده لا نبايع لأحد غيره فقلت له هل سمع هذا الخبر غيرك من رسول الله فقال معه ناس في قلوبهم أحقاد وضغائن قلت: بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلهم فحلف أنه لم يهم بها ولم يردها وأنهم لو بايعوا علياً (علیه السلام) كان أول من بايع سعد. قال المدني: وزعم بعضهم أن سعداً لم يدّع الخلافة ولكن لما اجتمعت قريش على أبي بكر يبايعونه قالت لهم الأنصار: أما إذا خالفتم أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله) في وصيه وخليفته وإبن عمه فلستم أولى منا بهذا الأمر فبايعوا من شئتم، ونحن معاشر الأنصار نبايع سعد بن عبادة فلما سمع سعد ذلك قال لا والله لا أبيع ديني بدنياي ولا أبدل الكفر بالإيمان ولا أكون خصماً لله ورسوله.(الدرجات الرفيعة –السيد علي خان المدني: 225 - 334)

وأُخذ الحباب بن المنذر (1)، ووطئ في بطنه، ودس في فيه التراب، وحطّم أنفه. ودفع

ص: 85


1- الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد الأنصاري الخزرجي السلمي، شهد بدراً، وهو إبن33 سنة, وعندما سار رسول الله يبادر قريشا إلى الماء فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه فقال الحباب بن المنذر بن الجموح : يا رسول الله منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله ) :بل هو الرأي والحرب والمكيدة ) قال الحباب : يا رسول الله ليس بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك ثم غور كل قليب بها إلا قليبا واحدا ثم احفر عليه حوضا فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله: (قد أشرت بالرأي).. وفي يوم السقيفة قال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وانتم يا معشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه وكهفا لرسوله وجعل إليكم مهاجرته وفيكم محل أزواجه، فليس احد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم، فهم الأمراء وانتم الوزراء .فقال الحباب بن المنذر الأنصاري: يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم، فإنما الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس الا عن رأيكم. وأثنى على الأنصار ثم قال: فان أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ولا نقنع بدون أن يكون منا أمير ومنهم أمير .فقام عمر بن الخطاب فقال: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد، انه لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وألو الأمر منهم، ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين، فيما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف بإثم أو متورط في الهلكة محب للفتنة .فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وان أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فاجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله أحق به منهم ، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، والله لئن أحد رد قولي لأحطمن أنفه بالسيف . (الإحتجاج– العلامة الطبرسي)

في صدر المقداد (1), وكان الناس يسحبون إلى البيعة بخشونة وقسوة.. وقال من قال: إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم..

ص: 86


1- المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهرائي، ولد عام 24 قبل البعثة في حضرموت. نشأ في ظل أبيه ضمن مجتمع ألف مقارعة السيف ومطاعنة الرمح، فكانت الشجاعة إحدى سجاياه التي اتصف بها فيما بعد, وكان إلى جانب ذلك رفيع الخلق، عالي الهمة، طويل الأناة، طيب القلب صبورا على الشدائد، يحسن إلى ألد أعدائه طمعا في استخلاصه نحو الخير، صلب الإرادة، ثابت اليقين، لا يزعزعه شيء، ويكفي في ذلك ما ورد في الأثر: (ما بقي أحد إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد) وهو أول فارس في الإسلام وكان من الفضلاء النجباء الكبار من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) سريع الإجابة إذا دعي إلى الجهاد. شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) . وذكر إبن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة، وعد المقداد واحدا منهم.. وكان الناس على فريقين بخصوص أصحاب الشورى الستة الذي عينه عمر، ففريق يريدها لعلي بن أبي طالب (علیه السلام) وهو الفريق المتمثل ببني هاشم وشيعة علي أمثال عمار بن ياسر، والمقداد بن عمرو، وفريق يريدها لعثمان بن عفان، وهو المتمثل بإبن سرح، وإبن المغيرة وبقية بني أميّة وأتباعهم . وتعالت الأصوات كلٌ ينادي باسم صاحبه، فأقبل المقداد على الناس وقال: أيها الناس اسمعوا ما أقول: أنا المقداد بن عمرو، إنكم إن بايعتم عليا سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عثمانا سمعنا وعصينا.. ولما بويع لعثمان بالخلافة، عبّر أمير المؤمنين (علیه السلام) عن عدم رضاه لهذه النتيجة، لكنه سلم بالأمر الواقع، قائلاً: (لأسلمن ما سلمت أُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة), وقال المقداد: تالله ما رأيت مثل ما أُوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، واعجباً لقريش ! لقد تركت رجلا ما أقول ولا أعلم أن أحدا أقضى بالعدل، ولا أعلم، ولا أتقى منه، أما والله لو أجد أعوانا...الخ. توفي المقداد (رضی الله عنه) سنة 33 ﻫ. ، بعد أن شهد فتح مصر، وقد بلغ من العمر سبعين عاماً، ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنوّرة .

وكان من لطف الرب الكريم أن يكون شهيد صفين من أولئك الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في النصرة.. وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت النبوّة, و كانوا منطوين على محبّة أهل البيت (علیهم السلام) ، يرجون تجارة لن تبور في مودّتهم, فهم مع بني هاشم تحصَّنوا في بيت علي (علیه السلام) معترضين على ما آل إليه أمر السقيفة, ولم يتركوا بيت الإمام (علیه السلام) إلاّ بعد التهديد والوعيد وإضرام النار في بيت سيدة نساء العالمين (علیها السلام) .

ومرّت الأيام لتقرر الخلافة إرسال الجيوش إلى الممالك المجاورة, فقد كان سيد الأنبياء (صلی الله علیه و آله) بعد استتباب الأمر في شبه الجزيرة العربية قد وطد العزم على نشر الإسلام خارجها, وباشر بإرسال مبعوثيه إلى الملوك والحكام والأمراء.

ص: 87

ولقد كان النبي (صلی الله علیه و آله) يدعو الناس في مكة إلى الإسلام و يخبرهم بأن الله تعالى وعده أن يورِّث أمته ملك كسرى و قيصر. فكل من قرأ سيرته (صلی الله علیه و آله) يجد أن فتح فارس والروم كانا وعداً نبوياً من أول إعلان الدعوة، وكان المشركون يسخرون من ذلك ! ومن ذلك قوله (صلی الله علیه و آله) : [فو الذي نفس محمد بيده ليفتحن عليكم فارس و الروم] (1) , وعن أبي عبد الله (علیه السلام) : لما حفر رسول الله (صلی الله علیه و آله)

ص: 88


1- سنن البيهقي : 7 / 283

الخندق مروا بكدية فتناول رسول الله (صلی الله علیه و آله) المعول من يد أمير المؤمنين (علیه السلام) أو من يد سلمان (رضی الله عنه) (1)، فضربها ضربة فتفرقت بثلاث فرق ، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : [لقد فتح علي في ضربتي هذه كنوز كسرى و قيصر]، فقال أحدهما لصاحبه :

ص: 89


1- أبو عبد ا لله، أو أبو الحسن، أو أبو إسحاق, ولا مجال لتحديد ولادته لكنه توفي سنة 34ﻫ.. و قيل أن عمره 300 سنة، وقيل: أقل، وقيل: أكثر, وهو من بلد جي (قرية في اصفهان). وقيل : إنه من رامهرمز، من فارس ودفن في المدائن ..قرب بغداد ،و فيها قبره.. من موالي رسول الله (صلی الله علیه و آله) وكان قد قرأ الكتب في طلب الدين. وعد في بعض الروايات هو وعلي (علیه السلام) من السابقين الأولين, وشهد بدرا وأحدا، ولم يفته بعد ذلك مشهد.وظل يسف الخوص، ويبيعه ويأكل منه، وهو أمير على المدائن, وكان عطاؤه: خمسة آلاف، يتصدق به، ويأكل من عمل يده, ولم يكن له بيت يسكن فيه، إنما كان يستظل بالجدر والشجر. وكان خيرا فاضلا، حبرا عالما، زاهدا متقشفا له عباءة يفرض بعضها، ويلبس بعضها.. يحب الفقراء ويؤثرهم على أهل الثروة والعدد, وقيل كان يعرف الاسم الاعظم, وكان من المتوسمين. نقل عن النبي (صلی الله علیه و آله) قوله فيه:[لا تَغْلّطَنَّ فِيْ سَلْمانَ، فَإِنَ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالىْ أَمَرَنِيْ أَنْ أُطْلِعَهُ عَلى عِلْمِ البَلايا وَالمَنايا وَالأَنْسابِ، وَفَصْلِ الخِطابِ] وقوله (صلی الله علیه و آله) :[لَوْ كانَ الْدِيْنُ عِنْدَ الثُرَيا لَنا لَهُ سَلْمانُ] وقوله (صلی الله علیه و آله) : [سَلْمانُ مِنِّيْ، وَمَنْ جَفاهُ فَقَدْ جَفانِيْ، وَمَنْ آذاهُ فَقَدْ آذانِيْ] .. وحين زفاف فاطمة (علیها السلام) ، ركبت (علیها السلام) بغلة النبيّ (صلی الله علیه و آله) الشهباء، وأمر (صلی الله علیه و آله) سلمان أن يقودها، والنبي (صلی الله علیه و آله) يسوقها. وكان سلمان (رضی الله عنه) أحد الذين بقوا على أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله) بعد وفاته.. ومن المعترضين على صرف الأمر عن علي أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى غيره. وعند وفاته تولى غسله وتجيزه والصلاة عليه ودفنه علي أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقد جاء من المدينة إلى المدائن من أجل ذلك. وهذه القضية من الكرامات المشهورة للإمام علي (علیه السلام) ( الاستيعاب بهامش الاصابة :2 /58 ، وسفينة البحار :1 /647)

يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلى( (1), وعندما جاءته رسالة تهديد من كسرى أخبره الله تعالى بأنه سيقتل كسرى في يوم محدد, فقد (كتب كسرى إلى باذان (2) : إنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي, فسر إليه فاستتبه، فإن تاب و إلا فابعث إليَّ برأسه، فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، فكتب إليه رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا ، فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر، و قال : إن كان نبيا فسيكون ما قال، فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) . قال ابن هشام : قتل على يدي ابنه شيرويه) (3) ,و استمر هذا الوعد عنصراً ثابتاً في مراحل دعوته (صلی الله علیه و آله) ، فكان برنامجاً إلزامياً للسلطة الجديدة بعد وفاته (صلی الله علیه و آله) ، أيّاً كانت تلك السلطة .

ووجد هذا الأمر هوىً كبيراً في نفس الحاكمين , فمضافاً إلى التخريج الشرعي لنشر الدعوة , فإن ابتعاد عدد كبير من الصحابة والتابعين عن عاصمة الخلافة

ص: 90


1- الكافي: 8 / 216, ونحوه في سيرة إبن هشام: 2 / 365.
2- باذان بن ساسان والي اليمن من قبل كسرى وكان رجلا لبيبًا عاقلا حازما يعرف مصادر الأمور أعلن دخوله في الإسلام ، وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن, بعد مقتل كسرى على يد ابنه شيرويه وأمر النبي (صلی الله علیه و آله) أن يظل باذان على ملكه .. في اليمن.
3- سيرة إبن هشام: 1 / 45

, وتكليفهم بالفتوحات قادة أو فرساناً أو مقاتلين يحمل جانباً من الأمان؛ لأن وجود هؤلاء لابد أن يكون مقلقاً, فعصر النبي (صلی الله علیه و آله) ليس ببعيد, ووصاياه يمكن أن تعود لذاكرة الناس, خصوصاً مع وجود الوصي الشرعي لرسول الله (صلی الله علیه و آله) , والذي آثر التزام وصية ابن عمه (صلی الله علیه و آله) في المهادنة والسكوت عن حقه حفظاً لرسالة السماء من الموت, كما ورد عنه ذلك في مواقف شتى مرّ بعضها علينا.

وتم اختيار هاشم ليعيش أيامه قبل تولي أمير المؤمنين (علیه السلام) للخلافة في معارك المسلمين في الشام والعراق وإيران جنباً إلى جنب مع الكثير من حواري الإمام علي (علیه السلام) ,وتلاميذه الفرسان، الذين لم تعطهم السلطة مناصب قيادية، لكنهم كانوا القادة الميدانيين الذين خاضوا غمار المعارك وحققوا الإنتصارات الواسعة، مثل حذيفة بن اليمان (1)..

ص: 91


1- حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي. ولد في مكة وعاش في المدينة, وعندما أعلن الرسول محمد (صلی الله علیه و آله) دعوته للإسلام في مكة أسلم قبل مشاهدة الرسول. كان (رضی الله عنه) من وجهاء الصحابة وأعيانهم، و من نجباء وكبار أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وصاحب سره، وأعلم الناس بالمنافقين, حيث أن الرسول (صلی الله علیه و آله) كان قد أسر له بأسماء كافة المنافقين المحيطين بهم ولم يفش هذا السر, وشارك بكل المعارك والغزوات التي قادها النبي محمد (صلی الله علیه و آله) عدا معركة بدر, حيث كان بسفر خارج المدينة. وشهد فتح العراق والشام، وشهد اليرموك 13 ﻫ.، وبلاد الجزيرة 17ﻫ. ونصيبين, و فتوحات فارس وكان فتح همذان والري والدينور على يده، وهو أحد الذين ثبتوا على العقيدة بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) . ووقف إلى جانب الإمام علي (علیه السلام) بخطىً ثابتة، وكان ممن شهد جنازة السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، وصلى على جثمانها الطاهر. وليَ المدائن في عهد عمر وعثمان، وكان مريضاً في ابتداء خلافة أمير المؤمنين علي (علیه السلام) ، مع هذا كله لم يطق السكوت عن مناقبه وفضائله، فصعد المنبر بجسمه العليل وأثنى عليه، وذكره بقوله: فو الله إنه لعلى الحق آخرا وأولا، وقوله: إنه لخير من مضى بعد نبيكم, وبايعه وأخذ له البيعة، وأوصى أولاده مؤكدا ألا يقصروا في اتباعه. وتوفّي (رضی الله عنه) سنة 36 ﻫ. بالمدائن في العراق ، ودفن فيها .

وسلمان المحمدي (1)، وعمار بن ياسر (2)، وأبي ذر الغفاري (3)..

ص: 92


1- مرّت ترجمته.
2- مرّت ترجمته.
3- أبو ذر، جُندب بن جُنادة الغِفاري. لم تُحدّد لنا المصادر تأريخ ولادته ومكانها، إلاّ أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري. رابع مَن أسلم من الرجال، من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، والإمام عليّ (علیه السلام) . كان (رضی الله عنه) أحد الأركان الأربعة الذين أثبتوا ولائهم للإمام عليّ (علیه السلام) بعد رحيل النبيّ (صلی الله علیه و آله) ، وهم: سلمان والمقداد وأبو ذرّ وعمّار وأحد الحواريين الذين مضوا على منهاج رسول الله (صلی الله علیه و آله) . وأحد المشيّعين الذين خرجوا في تشييع السيّدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، والصلاة عليها ودفنها. وأحد المجاهرين بمناقب أهل البيت (علیهم السلام) ومثالب أعدائهم، لم تأخذه في الله لومة لائم عند ظهور المنكر، وانتهاك المحارم. قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : [مَا أَظَلّتْ الْخَضْرَاءُ وَمَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةٍ مِنْ أَبِيْ ذَرَّ](الإختصاص: 13) قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : [أَبُوْ ذَرَّ فِيْ أُمَّتِيْ شَبِيْهُ عِيْسىْ بِنْ مَرْيَمَ فِيْ زُهْدِهِ]( بحار الأنوار 22/420) قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) مخاطباً الإمام عليّ (علیه السلام) : [الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَيْكَ، وَإِلَىْ عَمّارَ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِيْ ذَرَّ، وَالْمِقْدادَ](الخصال: 303) قال الإمام عليّ (علیه السلام) : { خُلِقَتْ الْأَرْضُ لِسَبْعَةٍ بِهِمْ يُرْزَقُوْنَ، وبِهِمْ يُمْطَرُوْنَ، وبِهِمْ ينصرون: أَبُوْ ذَرَّ وَسَلْمَانُ وَالْمِقْدادُ و عَمّارُ وحُذَيْفَةُ وعَبْدُ اللهِ بِنْ مَسْعُوْد... وَأَنَاْ إِمَاْمُهُمْ}، وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة (علیها السلام) (الخصال: 361) أنكر (رضی الله عنه) على أبي بكر جلوسه على عرش الخلافة، وتقدّمه على الإمام علي (علیه السلام) بقوله: (أمّا بعد، يا معشر المهاجرين والأنصار، لقد علمتم وعلم خياركم أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: [ الْأَمْرُ لِعَلِيٍّ (علیه السلام) بَعْدِيْ، ثُمَّ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (علیهم السلام) ، ثُمَّ فِيْ أَهْلِ بَيْتِيْ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ] فأطرحتم قول نبيّكم؟ وتناسيتم ما أوعز إليكم، واتّبعتم الدنيا، وتركتم نعيم الآخرة الباقية التي لا تهدم بنيانها ولا يزول نعيمها، ولا يحزن أهلها ولا يموت سكّانها، وكذلك الأُمم التي كفرت بعد أنبيائها بدّلت وغيّرت فحاذيتموها حذو القذّة بالقذّة، والنعل بالنعل، فعمّا قليل تذوقون وبال أمركم وما الله بظلاّم للعبيد)(الخصال: 463)ساءه (رضی الله عنه) ما رأى من ممارسات عثمان في المدينة، وعامله معاوية في دمشق من مثل محاباته قُرباه بالأعمال المهمّة، ودفعه الأموال الطائلة، وكنز الثروات، والتبذير والإسراف، وانتهاك السُنّة النبوية، فامتعض منهما وغضب عليهما. فنفاه عثمان إلى الشام، ولمّا وصل إلى الشام بقي هناك على نهجه في التصدي إلى مظاهر الإسراف والتبذير لأموال المسلمين، وظل صامدا بالرغم من محاولات معاوية في ترغيبه في الدنيا وتطميعه. وبعد أن عجز عنه معاوية راسل عثمان في شأنه، فطلب عثمان من معاوية أن يُرجع أبا ذرّ إلى المدينة بعنف، فأركبه معاوية على جمل بلا غطاء ولا وطاء. ولما دخل المدينة منهكاً متعباً حاول عثمان أن يسترضيه بشيءٍ من المال، فرفض ذلك، وواصل انتقاده للنظام الحاكم والأسرة الأموية، فغضب عثمان وأمر بنفيه إلى الرَبَذة، ليُبعده عن الناس. توجه (رضی الله عنه) إلى صحراء الربذة مع أهل بيته وغلامه جون، حيث لا ماء ولا كلأ، وهو مشرّد عن وطنه، وأخذ يستعدّ للمصير الذي أخبره به رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، حيث قال: [رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرَّ، يَمْشِيْ وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ](شرح الأخبار: 2/168)وتُوفّي (رضی الله عنه) عام 31ﻫ أو 32ﻫ بمنطقة الربذة، ودُفن فيها، وصلّى عليه الصحابي الجليل مالك الأشتر (رضی الله عنه) .

و الفضل بن العباس بن عبد المطلب (1)..

ص: 93


1- أختلف في وفاة الفضل بن العباس فقيل أصيب بأجنادين في خلافة أبى بكرسنة13.وفى ذخائر العقبى) أجنادين بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الدال المهملة وقد يكسر. الموضع المشهور من نواحي دمشق وكانت به الوقعة بين المسلمين والروم)وقيل قتل يوم مرج الصفر(وهو بضم الصاد وتشديد الفاء موضع بغوطة دمشق كان به وقعة المسلمين على الروم سنة 13 أيضا( وقيل مات بطاعون عمواس)وهو بفتح العين المهملة والميم وقد تسكن وتخفيف الواو وبعد الألف سين مهملة اسم بلدة صغيرة بين القدس والرملة منها نشأ الطاعون ثم انتشر في الشام فنسب إليها وهو أول طاعون كان في الإسلام بالشام سنة17).(الدرجات الرفيعة – السيد علي خان المدني : 142)

وعبدالله بن الزبير بن عبدالمطلب (1),وخالد بن سعيد بن العاص الأموي وأخويه أبان و عمرو (2)..

ص: 94


1- أدرك الاسلام وثبت مع النبي (صلی الله علیه و آله) فيمن ثبت يومئذ وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول له إبن عم و يقول له إبن أمي وروى) لما قدم من مكة على النبي ألبسه حلة وأجلسه إلى جانبه وقال هو إبن أمي وكان أبوه يحبني ويبرني ويحسن إلى وكان أبوه الزبير من اشراف قريش.وقتل عبدالله بن الزبير يوم أجنادين في خلافة أبى بكر شهيدا ووجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم أثخنه الجراح فمات بها.).(الدرجات الرفيعة – السيد علي خان المدني : 167)
2- سعيد بن العاص الأموي، من كبار أثرياء قريش والمعروف من أبنائه ابنه العاص الذي شهد بدراً مع المشركين فقتله علي (علیه السلام) ، وخالد، وعمرو، وأبان، والحكم، وسعيد، وقد أسلموا وختم الله لهم بالشهادة، وأفضلهم خالد, هاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته الخزاعية، وشهد مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) عمرة القضاء وفتح مكة وحنيناً والطائف وتبوك، وبعثه رسول الله على صدقات اليمن, أسلم خالد وأخوه عمرو، وأقنعا بالمراسلة أخاهما أباناً، فأسلم عند عودتهما من الهجرة وحسن إسلامه، وعندما توفي النبي (صلی الله علیه و آله) جاء الى المدينة، وتفاجأ ببيعة أبي بكر، فغضب، واستنكر عمل أهل السقيفة، ووقف بقوة الى جانب علي (علیه السلام) , وأوكلت اليه قيادة الكثير من معارك الشام وكان القائد الحقيقي في معركة أجنادين)( الإستيعاب: 2/422) ونكاد نطمئن بأن خالد بن سعيد مات مقتولاً بمؤامرة وليس بيد الروم ! وذلك لكثرة الروايات وتناقضها في مكان قتله وسببه! فقيل: إنه قتل في معركة أجنادين، وقيل: في معركة مرج الصفر، وقيل في معركة فحل، وقيل في معركة اليرموك. وقيل لم يقتل في المعركة، بل كان في المعسكر فخرج يستقي الماء فقتله رومي وقالوا لما قتل الرومي خالد بن سعيد، قلب ترسه وأسلم واستأمن! وقال مَن الرجل الذي قتلنا، فإني رأيت له نوراً ساطعاً في السماء ؟!(تاريخ دمشق: 16/83)

وأولاد هاشم المرقال وخاصة عبد الله و عتبة (1), و بريدة الأسلمي (2)، و عبادة بن الصامت (3)..

ص: 95


1- يراجع الفصل الخاص بأبناء المرقال (رضی الله عنه) .
2- بُريدة بن الخضيب, أو الخصيب بن عبد الله الأسلمي الخزاعي. من أعلام القرن الأوّل الهجري.من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) على قول الفضل بن شاذان (رجال الكشّي : 38 / 78)وفي الاحتجاج ما يدلّ على جلالته وإنكاره على أبي بكر، وقصّته مشهورة( الاحتجاج : 1 / 77.)ولمّا سمع بموت النبي (صلی الله علیه و آله) - وكان في قبيلته - أخذ رايته فنصبها على باب بيت أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فقال عمر: الناس اتّفقوا على بيعة أبي بكر، مالك تخالفهم!؟ قال: لا أبايع غير صاحب هذا البيت (مجالس المؤمنين: 1 / 222.) كان مع الإمام علي (علیه السلام) لمّا استلم مقاليد الحكومة الإسلامية، وذهب معه إلى العراق، وبقي فيها حتّى استُشهد (علیه السلام) ، فترك العراق وذهب إلى خراسان، وبقي فيها إلى نهاية عمره.
3- عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري, ولد (رضی الله عنه) حوالي عام 38 قبل الهجرة من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) ويعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، وكان ممّن بايع النبي (رضی الله عنه) في بيعة العقبة الثانية التي كانت تضمّ سبعين رجلاً وامرأتين من الأوس والخزرج، فبايعوه وعاهدوه بنصرته وإعانته، فواعدهم (صلی الله علیه و آله) بدخول الجنّة (إعلام الورى: 1/142.), وهو من النقباء الإثني عشر الذين اختارهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) - ليلة العقبة الثانية بإشارة من جبرائيل (علیه السلام) نقباء لأُمّته، كعدّة نقباء نبيّ الله موسى (علیه السلام) (الخصال: 492 ح70) اشترك مع النبي (صلی الله علیه و آله) في حروبه كلّها: بدر، وأُحد، والخندق... كان من السابقين الأوّلين الذين رجعوا إلى الإمام علي (علیه السلام) ( رجال الكشّي 1/185 ح78 ) تُوفّي (رضی الله عنه) عام 34ﻫ ببيت المقدس، ودُفن فيها. * وهناك (عبادة بن الصامت الغفّاري)، إبن أخي أبي ذر، من أصحاب الإمام علي (علیه السلام) (عنونه إبن داود في الباب الأول كذلك، ونسب إلى الشيخ (قدس سره)في رجاله عده من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) مضيفا إلى ما في العنوان قوله: ممن أقام بالبصرة وكان شيعيا انتهى. ولكني لم أقف على ذلك في رجال الشيخ (قدس سره)، وعندي نسخ عديدة مصححة، ليس من ذلك في شيء منها أثر وإنما الموجود فيها: عبادة بن صامت آخر ما نسبه في رجال الشيخ (قدس سره)فهو سهو من قلمه الشريف. )(رجال المامقاني: 2 / 189)

وأبي أيوب الأنصاري (1)...

ص: 96


1- خالد بن زيد بن كُلَيب الأنصاري الخزرجي النجّاري، المعروف بكنيته(أبو أيوب الأنصاري). من أعلام القرن الأوّل الهجري، من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) والإمام علي (علیه السلام) .أسلم قبل هجرة النبي (صلی الله علیه و آله) إلى المدينة المنوّرة. كان ممّن بايع النبي (صلی الله علیه و آله) في بيعة العقبة الثانية أقام النبي (صلی الله علیه و آله) في بيته حين قدم المدينة في الهجرة حتّى بنى مسجده ومسكنه. اشترك مع النبي (صلی الله علیه و آله) في حروبه كلّها: بدر، وأُحد، والخندق... كان من السابقين الأوّلين الذين رجعوا إلى الإمام علي (علیه السلام) (رجال الكشّي 1/182 ح78.)اشترك مع الإمام (علیه السلام) في حروبه كلّها: الجمل وصفّين والنهروان. كان (رضی الله عنه) من الاثني عشر رجلاً الذين قاموا في المسجد النبوي بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) ، حينما رقى أبو بكر المنبر في أوّل جمعة له، فوعظوه وخوّفوه من الله سبحانه وتعالى، ودافعوا عن أحقّية الإمام علي (علیه السلام) بالخلافة، حيث قال: (اتّقوا الله في أهل بيت نبيّكم، وردّوا هذا الأمر إليهم، فقد سمعتم كما سمعنا في مقام بعد مقام من نبيّ الله (صلی الله علیه و آله) : إنّهم أولى به منكم)(الخصال: 465 ح4.), روى أحاديث كثيرة عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) في فضائل الإمام علي (علیه السلام) , وهو ممن شهد بحديث الغدير ( أُسد الغابة 3/307.) تُوفّي (رضی الله عنه) ما بين عام 50ﻫ إلى 52ﻫ بالقسطنطينية، عندما خرج لحرب الروم، ودُفن قرب سورها، وقبره معروف يُزار، وقد أخبر عنه النبي (صلی الله علیه و آله) بقوله: [يُدفن عند سور القسطنطينة رجل صالح من أصحابي](مناقب آل أبي طالب 1/122(

و عثمان بن حنيف وإخوته (1)..

ص: 97


1- أبو عبد الله، عثمان بن حُنيف بن واهب الأنصاري. من أعلام القرن الأوّل الهجري. من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) والإمام علي (علیه السلام) اشترك مع النبي (صلی الله علیه و آله) في معركة أُحد وما بعدها من المعارك. كان من السابقين الأوّلين الذين رجعوا إلى الإمام علي (علیه السلام) ( رجال الكشّي 1/184 ح78.) عيّنه الإمام علي (علیه السلام) والياً على البصرة. اشترك مع الإمام علي (علیه السلام) في حرب الجمل. كان من شرطة الخميس، ومن أمرائهم في الكوفة. أنكر (رضی الله عنه) على أبي بكر جلوسه على عرش الخلافة، وتقدّمه على الإمام علي (علیه السلام) بقوله: (سمعنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: [أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدّموهم، وقدّموهم فهم الولاة من بعدي]، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، وأيّ أهل بيتك؟ فقال: علي والطاهرون من ولده. وقد بيّن (صلی الله علیه و آله) فلا تكن يا أبا بكر أوّل كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)(الاحتجاج: 1/103),وفي البصرة لمّا استوثق لطلحة والزبير أمرهما، خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، ومعهما أصحابهما، قد ألبسوهم الدروع، وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر، وقد سبقهم عثمان بن حُنيف إليه، وأقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان ليصلّي بهم فأخّره أصحاب طلحة والزبير، وقدّموا الزبير، فجاءت السبابجة، وهم الشرط حرس بيت المال، فأخرجوا الزبير، وقدّموا عثمان، فغلبهم أصحاب الزبير، فقدّموا الزبير وأخّروا عثمان فلما انصرف الزبير من صلاته، صاح بأصحابه المسلّحين: أن خذوا عثمان بن حُنيف، فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفيهما، فلمّا أُسر ضرب ضرب الموت، ونتف حاجباه وأشفار عينيه، وكلّ شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا السبابجة وهم سبعون رجلاً، فانطلقوا بهم وبعثمان بن حُنيف إلى عائشة، فقالت لأبان بن عثمان بن عفّان: اُخرج إليه فاضرب عنقه، فإنّ الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله. فنادى عثمان: يا عائشة، ويا طلحة ويا زبير، إنّ أخي سهل بن حُنيف خليفة علي بن أبي طالب على المدينة، وأقسم بالله إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم وأهليكم ورهطكم، فلا يبقى أحداً منكم. فكفّوا عنه، وخافوا أن يقع سهل بن حُنيف بعيالاتهم وأهلهم بالمدينة، فتركوه. وأرسلت عائشة إلى الزبير أن أقتل السبابجة، فذبحهم الزبير كما يذبح الغنم، وولي ذلك منهم عبد الله ابنه، وهم سبعون رجلاً، وبقيت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال، قالوا: لا ندفعه إليكم حتّى يقدم أمير المؤمنين، فسار إليهم الزبير في جيش ليلاً، فأوقع بهم، وأخذ منهم خمسين أسيراً فقتلهم صبرا. ًثمّ أنّهم خيّروا عثمان بين أن يقيم أو يلحق بعلي، فاختار الرحيل، فخلوا سبيله، فلحق بعلي (علیه السلام) ، فلمّا رآه بكى، وقال له: فارقتك شيخاً، وجئتك أمرد. فقال علي (علیه السلام) : {إنّا لله وإنّا إليه راجعون!} قالها ثلاثا(شرح نهج البلاغة: 9/312)

وعبد الرحمن بن سهل الأنصاري (1)، ومالك بن الحارث الأشتر وإخوته (2)، و عدد من القادة النخعيين معه ..

ص: 98


1- عبد الرحمن بن سهل بن زيد بن كعب الأنصاري، شهد أحداً والخندق والمشاهد كلها ، أحد قادة الفتوحات، الذي حلف لينفذنَّ أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله) ويقتلنَّ معاوية إن رآه على منبره ! أخرج إبن عساكر في ترجمة عبد الرحمن قال: غزا عبد الرحمن هذا في زمن عثمان ومعاوية أمير على الشام فمرت به روايا خمر فنقر كل رواية منها برمحه فناوشه غلمان حتى بلغ معاوية، فقال: دعوه فإنه شيخ ذهب عقله، فقال : كذبت والله ما ذهب عقلي لكن رسول الله (صلی الله علیه و آله) نهانا أن ندخله بطوننا وأسقيتنا، وأحلف بالله لئن أنا بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لأبقرن بطنه أولاً مرتين(تاريخ إبن عساكر : ح :7696)و(أسد الغابة : 3 / 299) وعنه أيضاً حديث النبي (صلی الله علیه و آله) : (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه).
2- مرّت ترجمته.

و صعصعة بن صوحان العبدي (1),و أخويه زيد (2)..

ص: 99


1- سيد من سادات العرب, ومن أكابر المؤمنين, وممن أثنى عليه أمير المؤمنين (علیه السلام) فمدحه بوصف: قلة المؤونة, و كثرة المعونة, عرف صعصعة (رضی الله عنه) خطيبا مفوها لسنا ,تقيا فاضلا, بليغا في الذود عن الحق والعدالة والفضيلة, وقد كان من اشد أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ولاءً, فقد جاء عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال:(وما كان مع أمير المؤمنين (علیه السلام) من يعرف حقه إلا صعصعة و أصحابه). وقد شهد (رضی الله عنه) مع الإمام علي (علیه السلام) مواقعه كلها هو وأخواه ( زيد و سيحان) (رضی الله عنه) ، وجرح في معركة (الجمل), و استشهد أخواه. سار (رضی الله عنه) في تشييع جثمان الأمير (علیه السلام) , ووقف على قبره و أخذ كفا من التراب فأهاله على رأسه(مفاتيح الجنان - الشيخ القمي: 409) صمم معاوية على النيل منه و قال:(والله لأجفينك عن الوساد ، و أشردن بك في البلاد)، فأمر واليه على الكوفة (المغيرة بن شعبة) بإبعاده عنها؛ باعتبارها معقلا لتحركه الجماهيري المعارض، ونفيه إلى جزيرة (أوال)، وهي جزيرة البحرين الحالية، وقد توفي (رضی الله عنه) فيها سنة 60 ﻫ..
2- من خلّص أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) , أدرك رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال فيه النبي (صلی الله علیه و آله) :[من سرّه أن ينظر إلى من يسبقه عضو منه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان]( فضل الكوفة و مساجدها - المشهدي:3) وقد صحب زيد بن صوحان (رضی الله عنه) الإمام علياً (علیه السلام) وكان له محباً وصديقاً, تفانى في حبه والدفاع عنه كان عالماً فاضلاً ذا بصيرة، ومن سادات قومه الموصوفين بالعبادة والزهد والشجاعة والتقوى، ومما يدل على فضله قول رسول الله (صلی الله علیه و آله) فيه. وقد اشتهر بالحديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) , قطعت يده في معركة فتح نهاوند عام 20للهجرة. اتخذ كوخاً ينعزل به في عبادته, وعلى هذا المكان.. مكان الكوخ شيد مسجده باسمه, وهو المجاور لمسجد السهلة المعظم. وزيد بن صوحان (رضی الله عنه) أحد الذين هجرهم عثمان من المدينة إلى الشام. أعطاه الإمام علي (علیه السلام) الراية يوم الجمل. واظهر شجاعة فائقة حتى سقط شهيداً سنة 36 ﻫ. .

و سيحان (1),والأحنف بن قيس (2)..

ص: 100


1- كان أحدَ الأمراء في قتال أهل الردة.. وهو ثقة معتمد(تنقيح المقال- الشيخ المامقاني) كان في الكوفة حينما أرسل الإمام علي (علیه السلام) ولده الحسن (علیه السلام) وعمار بن ياسر ليستنفرا ويستجيشا أهل البصرة لمواجهة الناكثين، وكان سيحان خطيبا بليغا خطب (رضی الله عنه) خطبة طويلة من جملتها: (أيها الناس لابد لهذا الأمر ولهذه الأمة من والٍ يدفع الظلم والظالم, ويعز المظلوم ويجمع كلمة الناس، أيها الناس هذا واليكم ووليكم يدعوكم لتنظروا فيما بينه وبين صاحبيه، وهو المأمون على الأمة, الفقيه في الدين، فمن نهض اليه فأنا سائرون معه، وفي يوم الجمل سقط أخوه زيد مضرجاً بدمائه واستشهد بعد لحظات.. فواصل سيحان مواجهة الخصوم واستمر وهو يقتص لأخيه، وتقول الروايات أنه أردى قاتل أخيه وهو لم يزل في أصيل الحياة, وكان الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) يشعر بالنشوة بالسرور لمواقف هذا البطل ولدفاعه عن الحق, رغم أنه شاهد بنفسه أخاه مضرجاً بدماء الشهادة فلم يفلل عزمه ولم يقل ثباته، فقاتل وامتلأ بدنه بالجراح فسقط على الارض جريحاً.. ووقف أمير المؤمنين (علیه السلام) ليعطيه جرعة من الماء وتأثر (علیه السلام) حينما شاهده يلفظ أنفاسه الأخيرة, وظهر التأثر والحزن عليه.. أستشهد (رضی الله عنه) في شهر جمادي الأولى عام 36 ﻫ..(أعيان الشيعة – السيد محسن الأمين)
2- روي أن النبي (صلی الله علیه و آله) أرسل جماعة يرأسهم رجل من بني ليث إلى البصرة ليدعو أهلها إلى الإسلام والتمسك بفضائله، لكنه لم يجد أذناً صاغية، فقال الأحنف للناس: والله أن الرجل يدعو إلى خير، ويأمر بالخير، وما أسمع إلا حُسناً، وأنه ليدعو إلى مكارم الأخلاق وينهى عن رذائله أدرك الأحنف عصر النبي (صلی الله علیه و آله) ولكنه لم يراه، وكان يُعد من دُهاة العرب، وكان رجلاً عالماً حكيماً وشجاعاً وصاحب رأي .وقد تميز بصفة الحلم حتى صار العرب يضربون به المثل فيقولون: (أحلم من الأحنف) . شهد جميع حروب الإمام علي (علیه السلام) ، إلا حرب الجمل ، إذ قال لأمير المؤمنين (علیه السلام) قبل الخروج : يا أمير المؤمنين، إِختَر مني واحدة من اثنتين، إما أن أقاتل معك بمئتي محارب، وإما أن أكف عنك ستة آلاف سيقاتلون مع طلحة والزبير، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) : أكفف عنا الستة آلاف أفضل، فذهب الأحنف إليهم ودعاهم إلى القعود واعتزل بهم، وكان ذلك سبباً في عدم ذهابه إلى حرب الجمل .دخل الأحنف وجماعة من أهل العراق يوماً على معاوية، فقال له معاوية: أنت الشاهر علينا السيف يوم صفين، ومخذل الناس عن أم المؤمنين [عائشة] ؟ ، فقال له: يا معاوية لا تذكر ما مضى منا، ولا تردّ الأمور على أدبارها، والله إن القلوب التي أبغضناك بها، يومئذٍ لفي صدورنا، وإن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، والله لا تمدّ إلينا شبراً من غدر، إلا مددنا إليك ذراعاً من ختر (غدر) توفي الأحنف بن قيس (رضی الله عنه) سنة 67 ﻫ. في الكوفة .

وحجر بن عدي الكندي (1)..

ص: 101


1- حُجر بن عَدِي بن معاوية الكندي، المعروف بحُجر الخير. من أعلام القرن الأوّل الهجري من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) ، والإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين (علیهم السلام) اشترك مع الإمام علي (علیه السلام) في حروبه كلّها: الجمل وصفّين والنهروان، وكان فيها من قادة الجيش. عيّنه الإمام علي (علیه السلام) أميراً على أربعة آلاف رجلاً؛ لردّ غارة الضحّاك بن قيس الفهري على أطراف العراق. كان أحد الذين اشتركوا في دفن أبي ذر الغِفاري (رضی الله عنه) في الربذة، والذين شهد لهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) بأنّهم عصابة من المؤمنين. قال عنه رسول الله (صلی الله علیه و آله) :[سيُقتل بعذراء أُناس يغضب الله لهم وأهل السماء]( الوافي بالوفيات: 11/248) وقال (صلی الله علیه و آله) : [يُقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات]( تاريخ اليعقوبي: 2/231)وقال عنه الإمام علي (علیه السلام) : {اللّهم نوّر قلبه بالتقى، واهده إلى صراط مستقيم، ليت أنّ في جندي مائة مثلك}( وقعة صفّين: 103) وقال (علیه السلام) أيضاً : {يا أهل العراق، سيُقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود}( مناقب آل أبي طالب 2/107).. يعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، فقد روى أحاديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، والإمام علي (علیه السلام) ..كتب والي الكوفة زياد بن أبيه كتاباً إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر له عدم تحمّله من وجود حُجر في الكوفة، فأمره معاوية أن يرسله إليه موثقاً بالحديد، وعندئذٍ أرسل زياد حُجراً وأصحابه إلى معاوية، ولمّا وصلوا إلى قرية عذراء جاء رسول معاوية إليهم قائلاً: (إنّا قد أُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وأن أبيتم قتلناكم، وإنّ أمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم، غير أنّه قد عفا عن ذلك فابرأوا من هذا الرجل نخلّ سبيلكم.) قال حُجر وجماعة ممّن كان معه: (إنّ الصبر على حَدّ السيف لأيسر علينا ممّا تدعونا إليه، ثمّ القدوم على الله وعلى نبيّه وعلى وصيّه أحبّ إلينا من دخول النار) استُشهد (رضی الله عنه) عام 51ﻫ، وقيل: 53ﻫ، ودُفن في مرج عذراء - وهي قرية تبعد (25 كلم) عن دمشق -

و عمرو بن الحمق الخزاعي (1)..

ص: 102


1- عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي، صحابي جليل من صحابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وأمير المؤمنين (علیه السلام) ، والإمام الحسن (علیه السلام) أسلم بعد الحديبية، وتعلم الأحاديث من النبي (صلی الله علیه و آله) . كان من الصفوة الذين حرسوا حقّ الخلافة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، فوقف إلى جانب أمير المؤمنين (علیه السلام) بإخلاص. اشترك في ثورة المسلمين على عثمان، شهد حروب أمير المؤمنين (علیه السلام) وساهم فيها بكل صلابة وثبات، وكان ولاؤه للإمام (علیه السلام) عظيما ففي وقعة صفّين قال عمرو بن الحمق: (إنّي والله يا أمير المؤمنين، ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا إرادة مال تؤتينيه، ولا التماس سلطان يُرفع ذكري به، ولكن أحببتك لخصال خمس: إنّك إبن عمّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وأوّل من آمن به، وزوج سيّدة نساء الاُمّة فاطمة بنت محمّد (صلی الله علیه و آله) ، وأبو الذرّيّة التي بقيت فينا من رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد، فلو أنّي كُلِّفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي حتى يأتي عليَّ يومي في أمر اُقوِّي به وليّك، واُوهن به عدوّك، ما رأيت أنّي قد أدّيت فيه كلّ الذي يحقّ عليَّ من حقّك. فقال أمير المؤمنين :{اللّهم نوّر قلبه باليقين، واهده إلى صراط مستقيم، ليت في شيعتي مائة مثلك}(الاختصاص- الشيخ المفيد: 14) . عبّر عنه الإمام الحسين (علیه السلام) ب-(العبد الصالح الذي أبْلَتْه العبادة)، قتل سنة 50 ﻫ.، بعد أن سجنوا زوجته بغية استسلامه، واُرسل برأسه إلى معاوية، وهو أوّل رأس في الإسلام يُحمَل من بلد إلى بلد .

و أبي الهيثم بن التيهان (1)، وجعدة بن هبيرة إبن أخت أمير المؤمنين (علیه السلام) (2)..

ص: 103


1- أبو الهيثم، مالك بن التيّهان بن مالك الأنصاري من أعلام القرن الأوّل الهجري. من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) والإمام علي (علیه السلام) كان من النقباء الأثني عشر الذين اختارهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) - ليلة العقبة الثانية بإشارة من جبرائيل (علیه السلام) - نقباء لأُمّته، كعدّة نقباء نبيّ الله موسى (علیه السلام) (الخصال: 492 ح70) اشترك مع النبي (صلی الله علیه و آله) في حروبه كلّها: بدر، وأُحد، والخندق... كان من السابقين الأوّلين الذين رجعوا إلى الإمام علي (علیه السلام) (رجال الكشّي 1/181 ح78) كان هو وعمّار بن ياسر يأخذان البيعة للإمام علي (علیه السلام) ( الأمالي للطوسي: 728 ح1530) اشترك مع الإمام علي (علیه السلام) في حربي الجمل وصفّين، وكان فيهما من قادة الجيش.خاطب أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال: (يا أمير المؤمنين، إن حسد قريش إيّاك على وجهين: أمّا خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعاً في الدرجة، وأمّا أشرارهم فحسدوك حسداً أحبط الله به أعمالهم، وأثقل به أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتّى أرادوا أن يتقدّموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحقّ قريش بقريش، نصرت نبيّهم حيّاً، وقضيت عنه الحقوق ميّتاً، والله ما بغيهم إلّا على أنفسهم، ونحن أنصارك وأعوانك، فمرنا بأمرك) استُشهد (رضی الله عنه) في شهر صفر 37ﻫ بحرب صفّين، ودُفن في منطقة صفّين.
2- جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القريشي فارس شجاع شاعر، إبن أخت أمير المؤمنين (علیه السلام) . وأمه أم هاني بنت أبي طالب. ولد على عهد النبي (صلی الله علیه و آله) وليست له صحبة ونزل الكوفة.وكان له في قريش شرف عظيم وكان له لسان، ومن أحبّ الناس إلى عليّ بن أبي طالب (علیهما السلام) . ولاه خاله على خراسان. وقالوا: كان فقيهاً. تزوج ابنة خاله أم الحسن بنت عليٍّ (علیه السلام) وولدت له: جعفر. علي. الحسن. الحارث. عبدالله. يحيى. ولما دخل عليّ (علیه السلام) الكوفة. بعد انصرافه من حرب الجمل نزل على جعدة، وفي بعض خطب نهج البلاغة: خطبنا عليّ (علیه السلام) وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة. ولما ضرب إبن ملجم علياً (علیه السلام) تأخر عليّ وقدم جعدة يصلِّي بالناس الغداة. وله أخبار في معاجم السير)إتقان المقال : 32. الأخبار الطوال:173، 221. الاستيعاب: 1/240. أسد الغابة: 1/285. الإصابة 1/236. أعيان الشيعة: 4/77. (

و النعمان بن مقرن (1)، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي (2)، و جرير بن عبدالله البجلي (3)..

ص: 104


1- الصحابي الجليل النعمان بن مقرن الذي قدم على النبي (صلی الله علیه و آله) في المدينة مع أربعمائة من قومه مُزَيْنَة، فاهتزت المدينة فرحًا بهم، وقد هداه الله للإسلام، وهدى معه أهله وإخوته السبعة. أول مشاهده الأحزاب وشهد بيعة الرضوان وشارك في في فتح مكة، وفي الجهاد ضد هوازن والطائف وثقيف.. ونزل الكوفة ولي كسكر لعمر ثم صرفه وبعثه على المسلمين يوم وقعة نهاوند فكان يومئذ أول شهيد وللنعمان إخوة سويد أبو عدي وسنان ممن شهد الخندق ومعقل والد عبد الله المحدث وعقيل أبو حكيم وعبد الرحمن وروي عن مجاهد قال البكاؤون بنو مقرن سبعة قال الواقدي: سمعت أنهم شهدوا الخندق وقيل كنية النعمان أبو حكيم وكان إليه لواء مزينة يوم الفتح يروي عنه ولده معاوية ومسلم بن هيصم وجماعة.. استشهد في معركة نهاوند التي كان فيها أحد القادة الكبار.(سير أعلام النبلاء - الذهبي)
2- مرّت ترجمته.
3- جرير، بن عبد الله بن جابر بن مالك، البجلي. أسلم قبل وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) بأربعين يوماً، وزعم أن النبي (صلی الله علیه و آله) بشر المسلمين به قبل أن يصل، وقال إنه خير أهل اليمن، وإن عليه مسحة مَلِك ، وإنه دعا له بالبركة ولذريته، ومسح بيده على رأسه (المعجم الأوسط - الطبراني:6/ 179، ومسند أحمد:4 / 360 )سكن جرير وقومه الكوفة وشارك في معركة القادسية وكان قائد الميمنة ،وكان جرير قائداً في معركة جلولاء تحت إمرة هاشم المرقال (رضی الله عنه) (الفتوح - إبن الأعثم : 1/ 210) ثم تقدم جرير داخل إيران وفتح بعض المدن الصغيرة بدون مقاومة تذكر( فتوح البلدان - البلاذري : 2/ 370 ) ثم أرسله أبو موسى الأشعري إلى رامهرمز ليدعوهم إلى الإسلام فسباهم!(الفتوح - إبن الأعثم : 2/ 276) ثم التحق جرير بجيش المسلمين لمواجهة تجمع جيش الفرس في نهاوند ،ثم عيَّن عمر جريراً والياً على همدان، وبقي والياً عليها في زمن عثمان ( فتوح البلدان - البلاذري : 2/ 394 ) وعندما بايع المسلمون علياً (علیه السلام) دعا جرير المسلمين عنده إلى بيعته ووفد إليه(أعيان الشيعة - السيد الأمين : 4/ 73) وبعثه علي (علیه السلام) إلى معاوية يدعوه أن يدخل فيما دخل فيه المسلمون ويبايعه(الطبري : 3/ 560).. كان عقله مع علي (علیه السلام) وهواه مع معاوية، وذلك لضعف إيمانه، ويظهر أن جريراً كان يحب أن يلتحق بمعاوية ويكون معه في صفين قائداً أو مشاوراً، خاصة أنه كتب له يدعوه للحضور إليه، لكنه اصطدم برأي قبيلته بجيلة التي أجمعت على نصرة علي (علیه السلام) وحرب معاوية، فقرر أن يعتزل الطرفين !مات سنة 51 أو 54

و محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة (1)..

ص: 105


1- محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القريشي العبيسي صحابي من الأمراء ولد في أرض الحبشة في عهد النبوة استشهد أبوه يوم اليمامة فرباه عثمان بن عفان فلما شب رغب في غزو البحر فجهزه عثمان وأرسله الى مصر فغزا غزوة ذات الصواري مع عبد الله بن سعد فلما عاد منها جعل يتألف الناس وأظهر خلاف عثمان فرأسوه عليهم فوثب على والي مصر عقبة بن عامر سنة 35 هجرية وأخرجه من الفسطاط ودعا الى خلع عثمان فكتب إليه عثمان يعاتبه ويذكره تربيته له فلم يزدجر وسير جيشاً الى المدينة فيه ستمائة رجل كانت لهم يد في قتل عثمان أقره علي على أمارة مصر ولما أراد معاوية الخروج الى صفين بدأ بمصر فقاتله محمد بالعرش ثم تصالحا فأطمئن محمد فلم يلبث معاوية أن قبض عليه وسجنه في دمشق ثم أرسل إليه من يقتله في السجن .ولما قتل عثمان عزل علي بن أبي طالب (علیه السلام) إبن سرح عن مصر وولى محمد بن حذيفة عليها وقيل أن محمدا وثب على عامل عثمان عبد الله بن سرح وطرده عن مصر وصلى بالناس وكان محمد بن أبي حذيفة إبن خال معاوية فلم يلتفت الى الرحم المجردة عن الدين حيث أنه آثر دينه على الرحم الماسة اختلفوا في شهادة محمد فقيل: قتل في معركة مع معاوية يقود جيشا ضده ومرة قيل سجنه معاوية فدس إليه السم في السجن(الأخبار الطوال / 157. الأعلام 6/ 308. الاستيعاب 3/ 341..الإصابة 3/ 373. أعيان الشيعة 9/ 61. أنساب الأشراف 2/ 387، 407. البداية والنهاية 7/ 251. بهجة الآمال 2/ 100. تاريخ الطبري 5/ 226 وج 6/ 60. رجال إبن داود / 158، رجال الطوسي / 59. رجال الكشي / 70. شرح إبن أبي الحديد 2/ 64، 70، 143، 159، 6/ 57، 100. الطبقات الكبرى 3/ 84. الغدير 2/ 142، و10/ 293. الغارات 1/ 205، 207، 301، 327 و2/ 747 - 752..الكامل في التأريخ 3/ 118، 158، 161، 181، 265 - 267. معجم رجال الحديث 14/ 235.).

و أبي رافع و أولاده (1)، و المقداد بن عمرو (2)، و واثلة بن الأسقع الكناني (3)..

ص: 106


1- أبو رافع أسلم، غلبت عليه كنيته، واختُلف في اسمه، فقيل: أسلم، وقيل: إبراهيم. من أعلام القرن الأوّل الهجري. من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) ، ومن أصحاب الإمامين علي والحسن (علیهما السلام) كان غلاماً للعباس بن عبد المطّلب، ثمّ وهبه للنبي (صلی الله علیه و آله) ، ولمّا بشّر أبو رافع النبي (صلی الله علیه و آله) بإسلام العباس أعتقه. هاجر الهجرتين - وصلّى إلى القبلتين، وبايع البيعتين - بيعة العقبة وبيعة الرضوان - وشهد مع النبي (صلی الله علیه و آله) أكثر حروبه. كان بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) إلى جانب الإمام علي (علیه السلام) ثابت العقيدة، وهاجر معه إلى الكوفة، واشترك في جميع حروبه، وعيّنه (علیه السلام) مسؤولاً عن بيت المال في الكوفة. رجع مع الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) إلى المدينة المنوّرة بعد شهادة الإمام علي (علیه السلام) ، ولا دار له بها ولا أرض، فمنحه الإمام الحسن (علیه السلام) نصف دار أبيه في المدينة. قال عنه (صلی الله علیه و آله) : ( أيّها الناس! مَن أحبّ أن ينظر إلى أميني على نفسي وأهلي، فهذا أبو رافع، أميني على نفسي)(رجال النجاشي: 5 رقم1) يعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، فقد روى أحاديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، والإمام علي (علیه السلام) ، وأحد رواة حديث الغدير.من أولاده: عبيد الله كاتب أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وأوّل مَن ألّف في الرجال, و علي كاتب أمير المؤمنين (علیه السلام) ، صنّف كتاباً في فنون من الفقه. تُوفّي (رضی الله عنه) بعد عام 40ﻫ.
2- مرّت ترجمته.
3- واثلة بن الأسقع بن عبد العزى الليثي الكناني أسلم والنبي يتجهز إلى تبوك وقيل: إنه خدم النبي ثلاث سنين. وكان من أصحاب الصفة. سكن البصرة. ولاه بهادار، ثم سكن الشام على ثلاثة فراسخ من دمشق بقرية البلاط وشهد فتح دمشق، وشهد المغازي بدمشق وحمص، ثم تحول إلى فلسطين، ونزل البيت المقدس، وقيل: بيت جبرين.. روى عنه أبو إدريس الخولاني، وشداد بن عبد الله أبو عمار، وربيعة بن يزيد القصير، وعبد الرحمن بن أبي قسيمة، ويونس بن ميسرة. توفي سنة ثلاث وثمانين، وهو إبن مائة وخمس وسنين، قاله سعيد بن خالد.وقال أبو مسهر: مات سنة 85، وهو إبن98 سنة. وقيل: توفي بالبيت المقدس، وقيل: بدمشق. وكان قد عمي.

و البراء بن مالك بن النضر (1),و البراء بن عازب (2)..

ص: 107


1- البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الأنصاري الخزرجي أخو أنس بن مالك شهد أحدا والخندق.قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) وقتل (رضی الله عنه) يوم تستر وكان عمر بن الخطاب بعث إليه أبا موسى الأشعري فافتتحها عام 18 ﻫ.. والبراء بن مالك بها، وهي)بضم التاء المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وبعدها راء مهملة) وتسميها العامة ششتر. قال صاحب اللباب): وهي مدينة من كورة الأهواز من خوزستان. قال وبها قبر البراء بن مالك (رضی الله عنه) وقيل إن تستر مدينة ليس على وجه الأرض أقدم منها (الدرجات الرفيعة – السيد علي خان المدني : 400)
2- البَراء بن عازب الأنصاري الخزرجي. من أعلام القرن الأوّل الهجري، كان (رضی الله عنه) من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) ، والإمام علي (علیه السلام) كان (رضی الله عنه) من الصحابة الذين قاموا وشهدوا على صحّة ما نقله الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) لمّا ناشدهم قائلاً: {أنشد الله مَن حفظ ذلك من رسول الله (صلی الله علیه و آله) لما قام فأخبر به}. عن سليمان بن مهران الأعمش قال: شهد عندي عشرة نفر من خيار التابعين أنّ البَراء بن عازب قال: إنّي لأتبرأ ممّن تقدّم على علي بن أبي طالب، وأنا بريء منهم في الدنيا والآخرة(الدرجات الرفيعة- السيد علي خان المدني: 454) يعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، فقد روى أحاديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، والإمام علي (علیه السلام) تُوفّي (رضی الله عنه) حوالي عام 72ﻫ بالكوفة.

وبلال بن رباح مؤذن النبي (صلی الله علیه و آله) (1)،وعدي بن حاتم الطائي (2)، وأبو عبيد بن مسعود الثقفي (3)..

ص: 108


1- بلال بن رباح الحبشي، مولى رسول الله (صلی الله علیه و آله) من أعلام القرن الأوّل الهجري. كان من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) ومن السابقين إلى الإسلام، تحمّل الأذى الكثير في سبيل الله عندما كان في مكّة، شأنه في ذلك شأن الأبرار من الصحابة الذين أسلموا في بداية الدعوة السرّية. اشترك مع النبي (صلی الله علیه و آله) في حروبه كلّها: بدر، وأُحد، والخندق... كان من الاثني عشر رجلاً الذين قاموا في المسجد النبوي بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) ، حينما رقى أبو بكر المنبر في أوّل جمعة له، فوعظوه وخوّفوه من الله سبحانه وتعالى، ودافعوا عن أحقّية الإمام علي (علیه السلام) بالخلافة. يعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، فقد روى أحاديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال الإمام الصادق (علیه السلام) :(رحم الله بلالاً؛ فإنّه كان يُحبّنا أهل البيت((الاختصاص- الشيخ المفيد : 73)تُوفّي ما بين عام 17ﻫ إلى 25ﻫ بالشام.
2- مرّت ترجمته.
3- أبو عبيد بن مسعود الثقفي (ت 13 ﻫ.)هو أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عُمَير بن عَوف الثقَفي. صحابيٌ أسلَم في عهد النبي (صلی الله علیه و آله) ,وهو والِد المختار بن أبي عبيد الثقفي، ووالِد صفيَّة، زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب.وهو أول من انتدب للحرب من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بعد أن دعا عمر لهذه الحرب في اليوم الرابع من خلافته سنة 13 للهجرة، فيهم جماعة من أهل بدر، ثم تتابع الناس معه حتى بلغ ألف رجل من المدينة وما حولها، أكثرهم من ثقيف، وقد خرج أبو عبيد مع أهله في هذا الجمع من المسلمين. وقد هزم جيش الفرس في صحراء ملس التابعة لكسكر، وغنم كثيرا من الغنائم واستولى على خزائن (نرسي) إبن خالة كسرى وأخذ من أهلها الجزية. ثم هزم الجالينوس في بباقسياثا من أعمال باروسما واستولى على تلك البلاد ثم ارتحل حتى قدم الحيرة .كان أمير الجيش في معركة الجسر، بين الحيرة والقادسية، بين الفرس والمسلمين. وكان أبو عبيد قد عبَر الفرات إلى مهران، فقطعوا الجِسر خَلفه، فتوفي يومئذ بعد أن داسه الفيل وبرك عليه، و مات معه من جيش المسلمين ألف وثمانمائة، بين قتيلٍ وغريق.( اختيار معرفة الرجال: 1 / 341 و 340 , الإرشاد: 1 / 325 , اللهوف في قتلى الطفوف : 196 .)

وجارية بن قدامة السعدي (1),و أبي الأسود الدؤلي (2)..

ص: 109


1- جارية بن قدامة السعدي جارية بن قدامة التميمي السعدي. كان من صحابة النبي (صلی الله علیه و آله) ( الطبقات الكبرى: 7/ 56 , مختصر تاريخ دمشق: 5/ 364 , تقريب التهذيب : 137/ 885 , تهذيب التهذيب : 1/ 415/ 1045 , رجال الطوسي : 33 / 157 , ) ومن أنصار علي الأبرار الشجعان ( تهذيب الكمال: 4/ 481/ 886 , مختصر تاريخ دمشق: 5/ 364 , تهذيب التهذيب : 1/ 415/1045/ الغارات : 2/ 401) وكان فتي القلب، عميق الرؤية، ذا شخصية رفيعة جعلته ودودا محبوبا. وكان ثابت القدم في حب علي (علیه السلام) شديدا على أعدائه ( الغارات: 2 / 401) ولما تقلد الإمام (علیه السلام) الخلافة، أخذ له البيعة في البصرة ( تاريخ الطبري: 5 / 112) , وكان من جملة الهائمين بحبه، الذين عرفوا باسم شرطة الخميس. وقد شهد مشاهده كلها بجد وتفان ( الاستيعاب: 1 / 299 / 306، أسد الغابة: 1 / 502 / 664، الإصابة: 1 / 556 / 1052، الوافي بالوفيات: 11 /37) وكان خطيبا مفوها، ويشهد على لباقته وبلاغة لسانه محاوراته في صفين، وكلماته الجريئة، وعباراته القوية الدامغة في قصر معاوية دفاعا عن إمامه (علیه السلام) وتولى قيادة قبيلة سعد و رباب في صفين. توفي بعد حكومة يزيد (الثقات: 3 / 60, أعيان الشيعة: 4 / 58.)
2- ولد في الجاهلية وتوفي سنة (69) ﻫ. واتفق الأكثر على تحديد عمره حين وفاته ب-(85) عاما. ذكر أكثر مترجميه انه من التابعين, ومن المخضرمين لأنه لم يلاق الرسول, بل لاقى صحابته وروى عنهم, وقد اتجه في عقيدته الدينية لأهل البيت (علیهم السلام) , قال الشيخ الطوسي:(وقد روى عن علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين) (علیهم السلام) وهو احد القراء, قرأ القرآن على علي (علیه السلام) وفي الأغاني: (قيل لأبي الاسود: من اين لك هذا العلم ؟ - يعنون النحو - فقال: اخذت حدوده عن علي بن ابي طالب) وقد بقي في المدينة سنوات صاحب فيها الامام علي (علیه السلام) يغترف منه شتى صنوف الثقافة والمعرفة والذي زوده بثقافة واسعة وثروة أدبية ولغوية كبيرة وخبرة في الحياة, ظهرت آثارها في حياته العملية وفي نثره وشعره. ثم هاجر إلى البصرة واستقر فيها, ولما خرج إبن عباس من البصرة استخلف عليها أبا الأسود فأقره علي (علیه السلام) وقد بقي ابو الأسود واليا على البصرة بعد إبن عباس إلى حين مقتل الأمام (علیه السلام) فدعا الناس إلى مبايعة الإمام الحسن (علیه السلام) خليفة للمسلمين.. وعزل في عهد الأمويين وبعد ذلك انقطع للعلم والفتيا وتبصير الناس في أمور دينهم ودنياهم, من خلال دروس القرآن الكريم والرواية واللغة والشعر والامثال والحكم وتعليم العربية ودقائقها والضوابط النحوية التي وضعها, وعقد مجلسا لذلك في جامع البصرة , ولقد عانى بسبب تشيعه من اضطهاد العشيرة وجفاء الأصدقاء وجور الحكام.

و محمد بن أبي بكر (1),والمهاجر بن خالد بن الوليد (2), وأبي برزة الأسلمي (3).. و غيرهم من القادة الميدانيين. ولكل واحد من هؤلاء الأبطال أدوار مهمة، عتَّم

ص: 110


1- مرّت ترجمته.
2- المُهاجر بن خَالِدِ بن الوليد المخزومي. كان غلاما على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) هو وأَخوه عبد الرحمن. وكانا مختلفين: شهد عبد الرحمن صِفِّين مع معاوية، وشهدها المهاجر مع علي (علیه السلام) ، وشهد معه الجمل أَيضا، وفقأت عينه بها، واستشهد بصِفِّين .
3- أبوبرزة الأسلمي صحابي مشهور بكنيته وأختلف في أسمه فقيل نضلة بن عبيد الله بن الحرث وقيل عبد الله بن نضلة وقيل سلمة بن عبيد والصحيح الأول أسلم أبو برزة قبل الفتح وشهد الفتح وغزا سبع غزوات ثم نزل البصرة وغزا خراسان ومات بها سنة 65على الصحيح وكان من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) وأصفيائه وهو القائل في أمير المؤمنين (علیه السلام) كفى بعلي قائدا لذوي النهى *** وحرزا من المكروه والحدثان نروح إليه إن ألمّت ملمة *** علينا ونرضى قوله ببيان يبين إخفاء النفوس التي لها *** من الهلك والوسواس هاجستان( الدرجات الرفيعة- السيد علي خان المدني :418 )

عليها إعلام الخلافة ورواتها، وأبرزوا بدلها أصحاب الأدوار الشكلية أو الثانوية أو المسروقة !.

ص: 111

المرقال (رضی الله عنه) مع أمير المؤمنين (علیه السلام)

بقي هاشم (رضی الله عنه) في الكوفة بعد أن تركها عمه سعد، ثم جاء مع علي (علیه السلام) إلى البصرة، وأرسله الإمام (علیه السلام) من ذي قار (1) برسالة إلى عامله على الكوفة أبي موسى الأشعري ليستنهض المسلمين لموافاته في ذي قار, فأمير المؤمنين (علیه السلام) : (أقرَّ أبا موسى على إمرة الكوفة، فلما خرج من المدينة أرسل هاشم بن عتبة

ص: 112


1- سميت ذي قار(عند مدينة الناصرية في جنوب العراق) لكثرة استعمال القار في أبنيتها، وليس كما يذكر نسبة إلى معركة ذي قار فالمعركة أخذت اسمها من المنطقة وليس العكس فهي بلاد سومر في العصور القديمة، فيها محل مولد أبي الأنبياء إبراهيم الخليل (علیه السلام) وآثار بيته شاهدة لليوم حيث نزلت في أرضها الرسالة الحنفية والتي منها انبثقت رسالات الله للعالم (اليهودية والمسيحية والإسلام)، ويعرف مكان بيت النبي إبراهيم (علیه السلام) في الإنجيل باسم (اور الكلدانيين)، وفي التوراة وُصِف بالمكان الذي رأى النبي إبراهيم (علیه السلام) النور فيه. ولا تزال بقايا بيته قائمة ولليوم في مدينة الناصرية قرب بقايا زقورة أور العملاقة (إينا زيكورات) التي لا تزال شامخة لليوم منذ آلاف السنين وهي بناء حجري متدرج مخصص لآلهة الشمس السومرية (إنانا)، وتحيط بالزقورة مواقع أثرية منها (اريدو) و(العبيد) و(الدحيلة) و(لارسا). هذه الزقورة التي هي من أعلى المباني في مدينة الناصرية اليوم رغم أنها قد شيدت قبل آلاف السنين, وفي ذي قار أول حضارة عرفتها البشرية وعمرها أكثر من (6000) سنة (الحضارة السومرية)وفيها حضارات (سومر) و(اور) و(لكش) و(أريدو) وغيرها من أمجاد لأوائل الحضارات وسوابق الإبداع... وفي ذي قار أول كتابة وخط وتدوين عرفته البشرية (الخط السومري)(الألواح السومرية)... وفيها أول نظام سياسي برلماني (النظام السومري) ,وأول نظام تعليمي (نظام التعليم السومري)... وفي ذي قار اكتشفت الحضارة السومرية أن الشمس مركز تدور حولها كواكب كما هو واضح في لوح سومري موجود في متحف برلين.

بن أبي وقاص إليه أن أنهض من قبلك من المسلمين، وكن من أعواني على الحق، فاستشار أبو موسى السائب بن مالك الأشعري (1) فقال: إتبع ما أمرك به. قال: إني لا أرى ذلك! وأخذ في تخذيل الناس عن النهوض ! فكتب هاشم إلى علي بذلك وبعث بكتابه مع محل بن خليفة الطائي، فبعث على عمار بن ياسر والحسن بن علي، يستنفران الناس ) (2).

وكان موقف الأشعري أن: (أبى ذلك، وحبس الكتاب وبعث إلى هاشم يتوعده ويخوفه. قال السائب: فأتيت هاشماً فأخبرته برأي أبى موسى، فكتب إلى علي (علیه السلام) : لعبد الله على أمير المؤمنين من هاشم بن عتبة أما بعد يا أمير المؤمنين فإني قدمت بكتابك على امرئ مشاق بعيد الود، ظاهر الغل والشنآن، فتهددني بالسجن وخوفني بالقتل، وقد كتبت إليك هذا الكتاب مع المحل بن خليفة أخي

ص: 113


1- السائب بن مالك وفد إلى النبي (صلی الله علیه و آله) وهاجر إلى الكوفة وأقام بها., , وهو ممن بايع المختار رضوان الله عليه وهو في السجن, وعد أحد ولاة الكوفة, فقد كان المختار إذا خرج إلى المدائن جعله واليا بالكوفة( تاريخ الطبري : 4 / 569), وكان أحد قادة جيش المختار, وقد أرسله المختار برؤوس قتلة الإمام الحسين (علیه السلام) إلى السيد محمد بن الحنفية رضوان الله عليه في مكة مع عبدالرحمن بن أبي عمير الثقفي، وعبدالله بن شداد الجشمي ولما حوصر المختار في قصره لأربعة أشهر، ثم أراد من أصحابه أن يخرجوا للقتال معه خارج أسوار القصر، فرفضوا, لم يعد أمام المختار من خيار سوى الخروج من القصر لمقاتلة محاصريه، فاغتسل وتحنط ثم وضع الطيب على رأسه ولحيته وخرج في تسعة عشر رجلاً للقتال، كان منهم السائب بن مالك الأشعري.
2- فتح الباري: 13/48

طيء، وهو من شيعتك وأنصارك، وعنده علم ما قِبلنا فاسأله عما بدا لك، واكتب إلى برأيك. والسلام...فقال علي (علیه السلام) : والله ما كان عندي بمؤتمن ولا ناصح، ولقد أردت عزله، فأتاني الأشتر فسألني أن أُقره، وذكر أن أهل الكوفة به راضون ، فأقررته) (1) .

وقد روي أن (الأشتر ذهب الى الكوفة بعد عمار والإمام الحسن (علیه السلام) فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ويثبطهم، يقول: أيها الناس إن هذه فتنة عمياء صماء تطأ خطامها (2).. النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب.. إنها فتنة باقرة (3) كداء البطن، أتتكم من قبل مأمنكم تدع

ص: 114


1- شرح النهج - إبن أبي الحديد :14/9
2- الخِطامُ : الزِّمام, وما وضع على خَطْم الجمل ليُقاد به. ويقال : وضع الخِطام على أَنف فلانٍ : ملكه واستبدّ به .( المعجم الوسيط ).
3- بقَرَ يَبقر، بَقْرًا، فهو باقِر، والمفعول مَبْقور: بقَر البطْنَ فَتَحَه وشَقَّه ووسَّعه فيقال: بقَر الغزاةُ بطونَ الخَيْل. ومعناه : الذي بقرَ العلومَ، أي توسَّع فيها، وأمعنَ في دقائقها, وبه سُمِّيَ أبو جعفر محمد بن علي زين العابدين بن الحسين (علیهم السلام) ، الباقر. ويعني بأنه تضلَّعَ من العلوم حتى بقرها, والباقر كذلك : الأسد(المعجم الوسيط , معاني الأسماء).

الحليم فيها حيران كابن أمس، إنا معاشر أصحاب محمد أعلم بالفتنة، إنها إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت !.

وعمار (رضی الله عنه) يخاطبه، والإمام الحسن (علیه السلام) يقول له: اعتزل عملنا لا أم لك، وتنح عن منبرنا. وقال له عمار: أنت سمعت هذا من رسول الله (صلی الله علیه و آله) ؟ فقال أبو موسى: هذه يدي بما قلت.. فقال له عمار: إنما قال لك رسول الله (صلی الله علیه و آله) هذا خاصة، فقال: أنت فيها قاعداً خير منك قائماً! ثم قال عمار: غلب الله من غالبه، وجاحده !.

عن أبي مريم الثقفي (1) قال: والله إني لفي المسجد يومئذ وعمار يخاطب أبا موسى ويقول له ذلك القول، إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى يشتدون، ينادون

ص: 115


1- أبو مريم الثقفي المدائني ويقال: الحنفي الكوفي، ويقال: إنهما اثنان.روى عن علي وعمار وأبي الدرداء وأبي موسى. وعنه نعيم وعبد الملك ابنا حكيم المدائني. قال أبو حاتم أبو مريم الثقفي المدائني اسمه قيس. وقال النسائي: قيس أبو مريم الحنفي ثقة. وقال إبن حبان في الثقات قيس أبو مريم الثقفي المدائني. وقال إبن المديني أبو مريم الحنفي اسمه إياس بن صبيح وكذا قال أبو أحمد الحاكم في الكنى الحنفي وقال ولي القضاء بالبصرة استعمله أبو موسى الأشعري وهو أول من وليها وروى عن عثمان وعمر وعنه ابنه عبد الله ومحمد بن سيرين وكذا قال فيه إبن ماكولا ولكن قال ولى القضاء لعمر وقال إبن ماكولا أيضا أبو مريم الكوفي اسمه عبد الله بن سنان روى عن علي وإبن مسعود وضرار بن الأزور وعنه أخوه حصين بن سنان والأعمش وشمر بن عطية.(تهذيب التهذيب - إبن حجر : 12/208)

يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا. فنزل أبو موسى فدخل القصر، فصاح به الأشتر: أخرج من قصرنا لا أم لك، أخرج الله نفسك، فوالله إنك لمن المنافقين قديماً ! قال: أجلني هذه العشية. فقال: هي لك، ولا تبيتن في القصر الليلة. ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر، وأخرجهم من القصر وقال: إني قد أخرجته . فكف الناس عنه) (1).

وافى ألوف المسلمين من الكوفة أمير المؤمنين (علیه السلام) بذي قار، وساروا معه إلى البصرة. ولم يؤثر فيهم تثبيط أبي موسى، فقد واجهه عمار بالتكذيب وفضحه بأنه من أصحاب العقبة الذين أرادوا قتل النبي (صلی الله علیه و آله) فلعنه ليلتها ! فلم ينكر ذلك أبو موسى، بل قال لعمار: إن النبي (صلی الله علیه و آله) استغفر له بعد ذلك ! فأجابه عمار: لقد شهدت اللعن، ولم أشهد الإستغفار ! ثم واجهه الأشتر (رضی الله عنه) بقوته وتأثيره في الكوفة, أما هاشم المرقال (رضی الله عنه) فجرد معه من بنيه من كان منهم قد أنْبت ، وخرج بهم إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى ذي قار ، فكان أول من قدم عليه ) (2).

ص: 116


1- تاريخ الطبري :3/501
2- أخبار الشعراء - المرزباني: 38.

المرقال (رضی الله عنه) في أحاديث أمير المؤمنين (علیه السلام)

عرف عن مولى المتقين الإمام علي (علیه السلام) عرفانه لأصحابه وحواريه, يكيل لهم مديحه بأصدق ما تكون الكلمات انطباقاً على نفوس أولئك البررة الكرام الذين أدوا الأمانة واجتنبوا الخيانة وصدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ فكانوا حقاً من المؤمنين الذين وعدهم ربهم جنات وأنهاراً .

وقد نطق الأمير (علیه السلام) بأحاديث له عن شهيد صفين هاشم المرقال (رضی الله عنه) في مواضع عدة, كما خاطبه وجهاً لوجه في أخرى واصفاً إياه بخير الصفات, موضحاً الدرجة العليا من الثقة بهذا الجندي الأمين الذي نذر سيفه لصولات الجهاد, ومن دلائل مقامه المعلى عند الأمير ما ورد عنه (علیه السلام) من كلام له لما قلد محمد بن أبي بكر (1) مصر فمُلكت عليه، فقُتل: (وقد أردتُ تولية مصر هاشم بن عتبة،

ص: 117


1- محمد بن أبي بكر بن أبي قُحافة. ولد عام 10ﻫ بذي الحُلَيفة، كانت أُمه السيدة أسماء قد تزوجت جعفر بن أبي طالب (رضی الله عنه) ، وهاجرت معه إلى الحبشة، وبعد استشهاده في معركة مؤتة تزوجها أبو بكر، وبعد موته تزوجها الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فانتقلت إلى بيته مع أولادها، وفيهم محمد الذي كان يومئذ إبن ثلاث سنين فنشأ في حِجر الإمام عليّ (علیه السلام) إلى جانب الحسن والحسين (علیهما السلام) ، وامتزجت روحه بهما، وكان الإمام (علیه السلام) يعتبره مثل أبناءه حيث يقول فيه: {مُحَمَّدٌ ابْنِيْ مِنْ صُلْبِ أَبِيْ بَكْرٍ}(شرح نهج البلاغة: 6/53). في أيّام حكومة عثمان كان محمد في مصر، وبدأ انتقاده لحكومة عثمان، واشترك في الثورة عليه، وبعد تصدّي الإمام عليّ (علیه السلام) للخلافة، حمل كتابه إلى أهل الكوفة قبل نشوب حرب الجمل، وكان على الرجّالة فيها. ولاّه الإمام عليّ (علیه السلام) على مصر عام 36ﻫ، وكتب له عهداً بذلك، بعدما عزل قيس بن سعد عنها، وكان الإمام (علیه السلام) يُثني عليه، ويذكره بخير في مناسبات مختلفة. وقال الإمام الصادق (علیه السلام) : (ما من أهل بيتٍ إلاّ ومنهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء منهم: محمّد بن أبي بكر)(روضة الواعظين: 286)استُشهد (رضی الله عنه) في 14 صفر 38ﻫ في مصر، على يد معاوية بن حُدَيج الكندي، الذي أرسله معاوية مع جيش جرّار لاحتلال مصر، وقد أحرقه في جوف جلد حمار ميّت, وحزن الإمام عليّ (علیه السلام) عليه حتّى رُؤي ذلك فيه، وتبيّن في وجهه، وقام في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: { فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيْبَاً، وَكَاْنَ لِيْ رَبِيْباً، فَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً، وَعَامِلاً كَادِحاً، وَسَيْفاً قَاطِعَاً، وَرُكْنَاً دَافِعَاً }.

ولو وليته إياها لما خلى لهم العرصة (1) ولا أنهزهم (2)الفرصة. بلا ذم لمحمد بن أبي بكر، فلقد كان إليَّ حبيباً وكان لي ربيبا..) (3) , وقال سلام الله عليه : (رحم الله محمداً ، كان غلاماً حدثاً . أما والله لقد كنت أردت أن أولي المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مصر. والله لو أنه وليها لما خلى لعمرو بن العاص وأعوانه العرصة، ولما قتل إلا وسيفه في يده بلا ذم لمحمد بن أبي بكر، فلقد أجهد نفسه وقضى ما عليه. فقيل لعلي (علیه السلام) : لقد جزعت على محمد بن أبي بكر

ص: 118


1- عرصة من مادة عرص على وزن غرس كل بقعة واسعة بين الدور، والمراد ما جعل لهم مجالاً للمغالبة، وأراد بالعرصة عرصة مصر، وكان محمد (رضی الله عنه) قد فر من عدوه ظنا منه أنّه ينجو بنفسه، فأدركوه وقتلوه.
2- انهز من مادة نهز على وزن نبض بمعنى القيام والحركة وانتهاز الفرصة إغتنامها.
3- نهج البلاغة: 97/ خطبة 68

جزعاً شديداً يا أمير المؤمنين ! قال: وما يمنعني؟ إنه كان لي ربيباً وكان لبنيَّ أخاً، وكنت له والداً، أُعِدُّه ولداً ) (1).

فالعبارة تفيد أنّ الإمام (علیه السلام) ورغم محبته لمحمد بن أبي بكر (رضی الله عنه) وثقته به وما يتصف به من إيمان وصدق، إلاّ أنه كان يرجح توليه هاشم بن عتبة المعروف بالمرقال (رضی الله عنه) الذي كان أشجع من محمد (رضی الله عنه) وأقوى وأعظم تجربة، ويبدو أن طائفة من أصحاب الإمام (علیه السلام) كانت ترى ضرورة ولاية مصر من قبل محمد (رضی الله عنه) كونه ابن أبي بكر وأكثر معرفة بمصر وأهلها، ومن هنا كان له نحو هيمنة على الرأي العام المصري وقبولاً لديه. أمّا الإمام (علیه السلام) فلم يكن يرى فيه مقومات الصمود المتوفرة في هاشم (رضی الله عنه) بفعل صغر سنه وقلّة تجربته، رغم اتصافه بما لا يخفى من الصفات بيد أنّ تلك الطائفة مارست ضغوطها كتلك التي مارستها بشأن التحكيم فلم يكن من الإمام (علیه السلام) سوى الاستجابة. فالإمام (علیه السلام) وبخ بهذه الكلمات تلك الطائفة، ولو فسحوا المجال ليتصرف كما أراد لما ضاعت مصر بهذه السهولة. ولكن وبغية الحيلولة لما قد يقتدح إلى الأذهان من أنّ كلامه (علیه السلام) يستبطن ذم محمد بن أبي بكر، فقد أردف كلامه بالقول: (بلا ذمّ لمحمّد بن أبي

ص: 119


1- الغارات - الثقفي:1/300 , وشرح نهج البلاغة: 6/94.

بكر، فلقد كان إليّ حبيباً، وكان لي ربيباً) (1)... والواقع أنّ محمداً (رضی الله عنه) لم يقصر في وظيفته وقد بذل كل ما بوسعه ولكن كان هذا أقصى طاقته.

ص: 120


1- شرح نهج البلاغة - إبن أبي الحديد: 2/93

أمير المؤمنين (علیه السلام) في ضمير المرقال (رضی الله عنه)

منذ وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) وهناك إسلامان: إسلام علوي وإسلام أموي, فالقتال الذي حصل بين الإمام علي (علیه السلام) والطليق معاوية: كان على فهم القرآن, وعلى تحديد معنى الإسلام.. وبخذلان المسلمين للإمام علي (علیه السلام) ارتفع فهم الإسلام النبوي من الصدور إلا عند قليل من الناس عقوبة من الله ونكالاً, ولا زال الإسلام الأموي هو الأرفع صوتاً حتى اللحظة, لدرجة أن هناك من خصوم معاوية من يدافع عن ممثليه الرسميين اليوم, وذلك لشدة وطأة الأمر الواقع الموروث جيلاً عن جيل..عن قتال بين إمام وارث وبين شقي قاتل لا زال هناك من يدافع عنه إلى اليوم ولا زالت تلك المعارك الطويلة مستمرة الأحداث.. معارك النبي (صلی الله علیه و آله) الذي قاتل بني أمية على التنزيل, ومعارك الإمام علي (علیه السلام) الذي قاتلهم على التأويل, ولم يكن القتال سياسياً غايته الحكم فقط, بل كان قتالاً على مكانة أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) , وعلى دين سوف يضيع لو حكم معاوية, وقد كان ! ولكن لم يستوعب هذه الحقيقة إلا من كان من تلاميذ الإمام علي (علیه السلام) في حياة النبي (صلی الله علیه و آله) , الذين قال فيهم (صلی الله علیه و آله) [من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، رافقنا جميعا في الجنة، [ ف ] من تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله عزول

ص: 121

من أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله عزوجل] (1)ومن المعروف أن الحق مع علي (علیه السلام) حتى باعتراف بعض أعداء أمير المؤمنين (علیه السلام) , لكن منطق وفكر ذوي الضلالة يوجب عليهم أن يظل معاوية صحابياً .. لكي يظل الإسلام الأموي معترفاً به !.

ص: 122


1- رواه الطوسي في أماليه: 1 / 253، وإبن المغازلي في مناقبه: 23 ح 277 231 ح 278 و 279 من ثلاثة طرق، والطبري في بشارة المصطفى: 120 وص 156 من طريقين وإبن عساكر في تاريخ دمشق: 2 / 92، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 74 (عنه كشف الغمة: 1/ 108)، وإبن حسنويه في درر بحر المناقب: 59 (مخطوط) والمتقي الهندي في كنز العمال: 12/ 209 ح 1193 من طريق الطبراني وإبن عساكر وفي منتخبه (المطبوع بهامش مسند أحمد: 5 / 32) والحمويني في فرائد السمطين: 1 / 291 ح 229 والهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 108 وقال: رواه الطبراني بإسنادين والبد خشى في مفتاح النجاة: 60 (مخطوط) من طريق الطبراني في الكبير وإبن عساكر ثم قال: وفى رواية الطبراني لفظه [اللهم من آمن بي وصدقني فليتول على بن أبى طالب فان ولايته ولايتي وولايتي ولاية الله] والقند وزى في ينابيع المودة: 237، وإبن بكار القرشي الزبيري في الاخبار الموفقيات: 312 من أربعة طرق..جميعا بالأسانيد عن عمار بن ياسر بلفظ (أوصى من آمن بي وصدقني بولاية على بن أبى طالب، فمن تولاه... الحديث).ورواه الخزاعي في أربعينه ح 37 عن عمار بلفظ (أول من آمن بي وصدقني على بن أبى طالب، فمن تولاه... الحديث) وأخرجه في البحار: 38 / 31 ح 8 وج 39 / 280 ح 61 عن بشارة المصطفى أخرج عن بعض المصادر أعلاه في احقاق الحق: 6 / 434 - 436وج 17 / 8 -

وكان هاشم المرقال (رضی الله عنه) (نقيض أبيه وعكس عمه ) (1)من خيار الصحابة الذين وفَوا لله ولرسوله (صلی الله علیه و آله) ، وثبتوا على القول بإمامة أمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) .. بل كان من المقربين للإمام (علیه السلام) ومن خواصه, ومن الحلقة الأولى المحيطة بالإمام (علیه السلام) , كما ورد ذلك في ذكر الإمام الصادق (علیه السلام) له بقوله: كان مع أمير المؤمنين (علیه السلام) من قريش خمسة نفر، وكانت ثلاث عشرة قبيلة مع معاوية, فأمّا الخمسة: فمحمّد بن أبي بكر.. أتته النَّجابة من قِبَل أُمّه أسماء بنت عميس (2).

ص: 123


1- قراءات جديد للفتوحات الإسلامية- الشيخ علي الكوراني: 2 / 248
2- هي الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس بن معد، الشهرانية الخثعمية أسلمت (رضی الله عنها) في بداية الدعوة الإسلامية، ولها من المواقف ما سجله لنا التاريخ بأحرف من نور . كان زوجها الأول ة جعفر بن أبي طالب (علیهما السلام) ، وقد ولدت منه ثلاثة أبناء، وهم : الأول : عبد الله زوج السيدة الحوراء زينب (علیها السلام) ، والثاني : محمد، والثالث : عون . وبعد استشهاد جعفر بن أبي طالب (علیهما السلام) في واقعة مؤتة تزوجها أبي بكر، فولدت منه محمد بن أبي بكر وبعد وفاة أبي بكر تزوجها أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فتربى محمد بن أبي بكر في حجره، فكان ربيبه ، حتى قال فيه : محمد ابني من صلب أبي بكر . .وبعد ذلك ولدت له (علیه السلام) ابناً ، فسماه يحيى . هاجرت أسماء (رضی الله عنها) مع زوجها جعفر (علیه السلام) إلى الحبشة وتحملت الأذى في سبيل الله من القريب والبعيد .وعندما عادت من أرض الحبشة إلى المدينة المنورة قال لها عمر: يا حبشية، سبقناكم بالهجرة، فقالت : أي ، لعمري لقد صدقت، كنتم مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) يطعم جائعكم، ويعلِّم جاهلكم، وكنا البعداء الطرداء، أما والله لآتين رسول الله (صلی الله علیه و آله) فلأذكرنَّ له ذلك .فأتت إلى النبي (صلی الله علیه و آله) ، وأخبرته بمقالة عمر، فقال (صلی الله علیه و آله) لها: للناس هجرة واحدة، ولكم هجرتان، الهجرة الأولى للحبشة، والثانية للمدينة المنورة . وردت كثير من الروايات في منزلة أسماء (رضی الله عنها) وعلو مكانتها في الإسلام ، روي في تزويج فاطمة (علیها السلام) : أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أمر النساء بالخروج فخرجن مسرعات إلا أسماء فقد تأخرت، فدخل النبي (صلی الله علیه و آله) تقول أسماء: فلما خرج رأى سوادي، فقال: مَن أنتِ؟، فقلت: أسماء بنت عميس، قال: ألم آمرك أن تخرجي ؟!!، فقالت: بلى يا رسول الله، وما قصدت خلافك، ولكن كنت حضرت وفاة خديجة فبكت عند وفاتها، فقلت لها: تبكين وأنت سيدة نساء العالمين، وزوجة رسول الله، ومبشرة على لسانه بالجنة ؟!! ، فقالت: ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة، وفاطمة حديثة عهد بصبا ، وأخاف أن لا يكون لها مَن يتولى أمرها فقلت لها: يا سيدتي، لك عهد الله عليّ إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامكِ في ذلك الأمر, فبكى رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال: [فأسأل الله أن يحرسك من فوقك، ومن تحتك، ومن بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك، وعن شمالك، من الشيطان الرجيم ].و توفيت أسماء بنت عميس (رضی الله عنها) في سنة 40 للهجرة .

وكان معه هاشم بن عُتبة بن أبي وقّاص المرقال (1).

وكان في الميسرة يوم الجمل, و صاحب الراية العظمى لمولاه في صفّين, وقد عُدّ المرقال من وجوه الصحابة الذين رووا أنّ عليّاً (علیه السلام) هو أوّل من أسلم (2).

ويوم اجتمع جماعة في مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله) أيّام عثمان وذكروا فضل قريش وسوابقها، وفضل الأنصار ونصرتهم.. تكلّم أمير المؤمنين (علیه السلام) وناشدهم بمناقبه من: المؤاخاة (3)..

ص: 124


1- رجال الكشي: 1 / 281 , الاختصاص للشيخ المفيد: 70
2- مناقب آل أبي طالب - إبن شهر آشوب: 2 / 7
3- مسند أحمد بن حنبل روى عبد الله بن أحمد بن حنبل بالإسناد الى الصباح بن محارب عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي (صلی الله علیه و آله) آخى بين الناس وترك عليا حتى [بقي] أخرهم لا يرى له أخا فقال: يا رسول الله: { آخيت بين الناس وتركتني } قال: [ ولمن تراني تركتك وإنما تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك فإن فاخرك أحد فقل أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يدعيها بعدك إلا كذاب](العمدة: 166 / ح 256، وفي هامشه: فضائل الصحابة لإبن حنبل: 2 / 616 / ح 1055.)

وسد الأبواب غير بابه (1), ويوم الغدير (2)، وحديث المنزلة (3)..

ص: 125


1- حدث سعد بن أبي وقّاص، قال: أمرنا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب عليّ. أخرجه أحمد والنسائي، وإسناده قويّ. وعن إبن عمر، قال: كنّا نقول في زمن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) : رسول اللّه خير الناس، ثمّ أبو بكر، ثمّ عمر. ولقد أُعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال، لأنّ يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم: زوّجه رسول اللّه ابنته وولدت له، وسدّ الأبواب إلاّ بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر. أخرجه أحمد، وإسناده حسن. وعن إبن عباس، قال: أمر رسول اللّه بأبواب المسجد فسُدّت إلاّ باب عليّ. وفي رواية: وأمر بسدّ الأبواب غير باب عليّ، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره. أخرجهما أحمد والنسائي، ورجالهما ثقات.
2- سيمر بنا حديث الغدير في فصل مستقل
3- حديث المنزلة، قوله (صلی الله علیه و آله) لأمير المؤمنين (علیه السلام) : [ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ]، وقوله في بعض الألفاظ : [ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ]، أو [علي منّي بمنزلة هارون من موسى ] .وقد روى هذا الحديث من الصحابة أكثر من ثلاثين، وربّما يبلغون الأربعين رجلا وامرأة .قال إبن عبد البر في الإستيعاب عن هذا الحديث : هو من أثبت الأخبار وأصحّها( الإستيعاب 3/1097 - دار الجيل - بيروت - 1412 ﻫ. .) . وذكر الحافظ إبن عساكر بترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق كثيراً من طرق هذا الحديث وأسانيده من عشرين من الصحابة تقريباً(انظر ترجمة الإمام علي (علیه السلام) 1/306 - 393 .)و قال الحاكم النيسابوري : هذا حديث دخل في حدّ التواتر(كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للحافظ الكنجي : 283 ).

والمباهلة (1)..

ص: 126


1- قوله تعالى(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) سورة آل عمران: 61.) وإذا رجعنا إلى السنّة في تفسير هذه الآية المباركة، وفي شأن من نزلت ومن خرج مع رسول الله، نرى مسلماً والترمذي والنسائي وغيرهم من أرباب الصحاح(صحيح مسلم: 7 / 120، مسند أحمد: 1 / 185، صحيح الترمذي: 5 / 596، خصائص أمير المؤمنين: 48 - 49، المستدرك على الصحيحين: 3 / 150، فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 7 / 60، المرقاة في شرح المشكاة: 5 / 589، أحكام القرآن للجصاص: 2 / 16، تفسير الطبري: 3 / 212، تفسير إبن كثير: 1/319، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور: 2 / 38، الكامل في التاريخ :2 / 293، أسد الغابة في معرفة الصحابة: 4 / 26، وغيرها من كتب التفسير والحديث والتاريخ.) يروون الخبر بأسانيد معتبرة، خرج رسول الله ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، وليس معه أحد غير هؤلاء.و وجه الدلالة في هذه الآية المباركة، يستدلّ علماؤنا بكلمة) وَأَنْفُسَنَا ) على إمامة علي (علیه السلام) لانّ النبي (صلی الله علیه و آله) عندما أُمر أنْ يخرج معه نساءه، فأخرج فاطمة (علیها السلام) فقط، وأبناءه فأخرج الحسن والحسين (علیهما السلام) فقط، وأُمر بأن يخرج معه نفسه، ولم يخرج إلاّ علي (علیه السلام) ، وعلي (علیه السلام) نفس رسول الله (صلی الله علیه و آله) بحسب الروايات الواردة في تفسير الآية.

وفتح خيبر (1)، ونزول آيات شريفة فيه وفي زوجته الطاهرة وابنَيه، وأن رسول الله (صلی الله علیه و آله) ذكره أنّه أوّل الأوصياء (2)، وعدّدهم واحداً بعد واحد، ووصفهم بأنّهم شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه، وخُزّان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله (3).

ص: 127


1- قضية فتح خيبر على يد علي (علیه السلام) قضية مشهورة بل متواترة معنى، ذكرها من علماء السنة البخاري في صحيحه (ج 13 ص 301/ طبع الهند سنة 1282 ﻫ.)، ومسلم في صحيحه (ج 2 ص 102)والبغوي في مصباح السنة (ج 1 ص 201) والترمذي في جامعه (ج 2 ص 461) وأحمد بن حنبل في مسنده في موارد عديدة في (ج 1 ص 99 وص 133) وفي (ج 3 ص 16) وفي (ج 4 ص 128) وفي (ج 5 ص 358) والحاكم النيسابوري في المستدرك (ج 3 ص 108) وأبو نعيم في حلية الاولياء (ج 1 ص 62) وإبن كثير في البداية والنهاية (ج 7 ص 336) و المتقي في كنز العمال وفي منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد (ج 4 ص 130), ففي كنز العمال (ج 6 ص 395) عن إبن عمر عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) وسلم: {لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار يفتح الله عليه، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره} فبات الناس متشوقين فلما أصبح قال: أين علي؟ قالوا يا رسول الله ما يبصر, قال: إيتوني به. أخرجه الدار قطني في سننه والخطيب البغدادي في تاريخه في رواة مالك وإبن عساكر في تاريخه.
2- قال رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله) :[ إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً ووارثاً، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي] (تاريخ دمشق: 42/392/9005 و 9006، الفردوس: 3/336/5009، ذخائر العقبى: 131، المناقب للخوارزمي: 85/74، كفاية الطالب: 260 كلّها عن بريدة، المناقب لإبن المغازلي: 201/238؛ الطرائف: 23/19 كلاهما عن عبداللَّه بن بريدة، المناقب لإبن شهر آشوب: 2/188 عن بريدة، كشف الغمة: 1/114 عن أبي بريدة.)
3- صحيح البخاري: في الجزء الرابع في كتاب الأحكام في باب جعله قبل باب إخراج الخصوم، وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة (صفحة 175 طبعة مصر سنة 1355 ﻫ. )، حدَّثني محمد بن المثنى حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلی الله علیه و آله) يقول: [يكون اثنا عشر أميراً] فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى: انه يقول:[كلهم من قريش].وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : [الائمة من بعدي إثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله - تعالى ذكره - على يديه مشارق الارض و مغاربها]( كمال الدين: 1 / 282 ح 35، عيون أخبار الرضا (ع) : 1 / 53 ح 34، أمالي الصدوق : 97 ح 9، عنها البحار 36 / 226 ح 1.) كما ذكر ذلك الخوارزمي الحنفي في كتابه (مقتل الحسين (علیه السلام) ): بسنده عن أبي سلمى، راعي إبل رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، قال: سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: [ ليلة أسري بي إلى السماء، قال لي الجليل جلّ وعلا:(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ(.[قلت: والمؤمنون].قال: صدقت، قال: يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض إطلاعة فاخترتك منها فشقَقت لك اسماً من أسمائي فلا أذكر في موضع إلاّ ذكرتَ معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطّلعت الثانية فاخترت عليّاً فشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو عليّ. يا محمّد! إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات، وأهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد! لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقرَّ بولايتكم.يا محمّد! أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم، يا ربّ.فقال لي: التفت عن يمين العرش.فالتفت، فإذا أنا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون وهو في وسطهم (يعني المهدي)، كأنّه كوكب درّي.قال: يا محمّد! هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، وعزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي}(مقتل الحسين 1/95). وهذا الحديث أيضاً رواه القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة 3/380))، وفيه: (قال: يا محمّد هؤلاء حججي على عبادي وهم أوصياؤك...) الحديث, وأيضا رواه الشيخ الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين ج2آخر الكتاب)).وهناك كتب أخرى ذكرت فضائل الأئمّة (علیهم السلام) ومناقبهم وأوردتهم فرداً فرداً، كما في (تذكرة الخواص) للسبط بن الجوزي الحنفي. هذا فضلاً عمّا ورد من كتب كثيرة متكاثرة بحقّ أمير المؤمنين (علیه السلام) وفضله ومناقبه والدلائل الكثيرة الدالّة على إمامته وخلافته من كتب أهل السُنّة.

ص: 128

في كلّ تلك المناشدة كان هاشم المرقال حاضراً، وكان يشهد للإمام عليّ (علیه السلام) ويصدّقه، ويُدلي أنّه سمع - فيمن سمعوا - ذلك من رسول الله (صلی الله علیه و آله) أو ممّن حدّثه عنه (1).

ص: 129


1- فرائد السمطين – الجويني: 1 / 312 – 318

المرقال (رضی الله عنه) أحد رواة حديث الغدير

يوم الغدير هو اليوم الذي أعلن فيه رسول الله (صلی الله علیه و آله) للمسلمين, وعلى أوسع نطاق وبأوضح لهجة نبأ دنو أجله, وأنه مفارقهم قريباً, وأن حجه ذاك هو آخر حج, وأنه في مقام الوصية, وتثبيت العهد والولاية من بعده.

وهو اليوم الذي عهد فيه النبي الكريم (صلی الله علیه و آله) العهد لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهما السلام) واستخلفه على أمته من بعده, وأخذ منهم البيعة له, وأمرهم بالتسليم عليه بأمرة المؤمنين , وتهنئته بالتنصيب الإلهي المقدس , وبإكمال الدين وإتمام النعمة.

وهو اليوم الذي نزل فيه قوله تعالى:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (1).

وسمي بيوم الغدير نسبة إلى غدير خم وهو موضع يقع على مفترق الطرق المؤدية إلى مكة المكرمة من أنحاء الوطن الإسلامي أنذاك (في أواخر أيام حياة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) ), حيث خطب النبي (صلی الله علیه و آله) خطبة الوداع , وكانت خطبة مطولة وبموجبها عهد العهد للإمام (علیه السلام) , وهو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام.

ص: 130


1- سورة المائدة – الآية 3

وقد كان في آخر سنة من عمر النبي (صلی الله علیه و آله) , وفي آخر حجة حجها, وبعد فراغه من الحج ورجوعه إلى المدينة, وقبل أن يفترق الحجاج من الآفاق من غير أهل المدينة, وهي أول سنة تتحقق فيها الولاية الكاملة على الحج للرسول (صلی الله علیه و آله) ليكون فيها (صلی الله علیه و آله) أمير الحاج, وهي أول سنة يخلص فيها الحج للأمة الإسلامية فلا يشركهم فيه مشرك, وهي أول سنة يبسط الإسلام نفوذه وسلطانه على معظم أطراف الجزيرة العربية, وهي أول سنة يتم فيها الحج على الصورة الصحيحة؛ لأن صدور الإعلان الإلهي والبيان النبوي وقراءة أمير المؤمنين (علیه السلام) لآيات البراءة (1) وتبليغه أوامر الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) بما جاء فيها كان في السنة التاسعة للهجرة يوم الحج الأكبر (2), وهذا يعني أنها لم تطبق إلا في السنة العاشرة, فلم يطف بالبيت العتيق عريان, ولم تتميز فيه فئة على سائر الناس,

ص: 131


1- الآيات الكريمة التي تبتدأ بها سورة التوبة بقوله عزّ من قائل :(بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ( .
2- في السنة التاسعة للهجرة حج بعض المسلمين ولم يحج رسول الله (صلی الله علیه و آله) , ونزلت سورة براءة , فبعث النبي (صلی الله علیه و آله) الإمام علي (علیه السلام) ليقرأها على الناس في الموسم يوم الحج الأكبر بمنى إذا اجتمعوا وقال: [ أذن في الناس أنه لا يدخل الجنة كافر, و لا يحج بعد هذا العام مشرك, و لا يطوف بالبيت عريان, ومن كان له عند رسول الله (صلی الله علیه و آله) عهد فهو له إلى مدته, وأجل الناس أربعة أشهر من يوم تنادى ليرجع كل قوم إلى مأمنهم , ثم لا عهد لمشرك و لا ذمة], وحمل علياً (علیه السلام) على ناقته العضباء وقام علي (علیه السلام) بمنى على ما أمره رسول الله (صلی الله علیه و آله) . (الغدير والولاية – السيد عبد الأمير علي خان : 49)

ولم تتبع فيه الأهواء, ولم تسيطر الخرافات, وانفرد فيه الإسلام بالتشريع للحج من خلال نبيه الكريم (صلی الله علیه و آله) .

وفي هذه المناسبة رأى عشرات الآلاف من أطراف الجزيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) , وسمعوا صوته, وأنعموا بمحضره المبارك الميمون.

ومن الملاحظات على هذا اليوم المبارك أن النبي (صلی الله علیه و آله) اهتم به اهتماما شديداً, وأعد له العدة مسبقاً, فقد خرج إليه مع نساءه جميعا, واستصحب سيدة نساء العالمين الزهراء فاطمة (علیها السلام) , بعد أن أرسل مبعوثيه إلى أنحاء الجزيرة, والبحرين واليمامة واليمن وغيرها طالباً توجه الناس إلى تلك الحجة؛ لما كان عنده من أمر عظيم, طالبته السماء بإبلاغه بصيغة قاطعة لا تحتمل التأخير أو التردد عبرت عنها الآية الكريمة : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (1).

وقد أمر النبي الكريم (صلی الله علیه و آله) وصيه المبارك (علیه السلام) بالعودة من اليمن, فقد كان الإمام (علیه السلام) حينها هناك فاتحاً, ففارق جيشه عند اقترابهم من مكة المكرمة, ليسارع بلقاء النبي (صلی الله علیه و آله) فيشاركه في هديه وحجه.

ص: 132


1- سورة المائدة – الآية 67

وقد قبض نبي الرحمة (صلی الله علیه و آله) بعد هذا اليوم بأقل من ثلاثة شهور حيث كانت شهادته في أواخر صفر من السنة الحادية عشرة.

وفي غدير خم الموضع الذي هو ليس بموضع نزول لعدم الماء والمرعى وضراوة الحر, نزل رسول الله (صلی الله علیه و آله) بدوحات هناك, وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان ووضع بعضها على بعض, وبعث (صلی الله علیه و آله) على من تقدمه من الركب ليعود به, وعلى من تأخر عنه ليسرع به, وعلى وسطه ليوقفه, ثم أمر مناديه فنادى بالناس الصلاة جامعة, فاجتمعوا إليه, وإن أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الرمضاء, ثم صعد (صلی الله علیه و آله) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها, ودعا علياً (علیه السلام) , فرقى معه حتى قام عن يمينه, ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ونعى إلى الأمة نفسه المقدسة فقال :

[إني دعيت ويوشك أن أجيب, وقد حان مني خفوق من بين أظهركم, وإني مخلف فيكمن ما إن تمسكتم به لن تضلوا, كتاب الله وعترتي أهل بيتي, وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض].. ثم نادى بأعلى صوته:[ألست أولى بكم من أنفسكم ؟], قالوا : اللهم بلى, فقال لهم - على النسق وقد أخذ بضبعي علي فرفعهما حتى رؤي بياض إبطيهما - : [فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه .. اللهم

ص: 133

وال من والاه, وعاد من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله]) (1) .. ثم نزل, وكان وقت الظهيرة, ثم صلّى ركعتين, ثم زالت الشمس, فأذن مؤذنه لصلاة الظهر, فصلى الناس, وجلس في خيمته, وأمر علياً أن يجلس بخيمة له بإزائه, فأمر المسلمين أن يدخلوا على عليٍّ (علیه السلام) فوجاً فوجاً فيهنئوه بالإمامة, ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين, ففعل الناس ذلك اليوم كله.

ومن الواضح أن كلام النبي (صلی الله علیه و آله) ودعاءه وفعله وأمره في هذا اليوم الأغر مثل نصاً على الإمام (علیه السلام) لا يقبل الأخذ والرد, وفيه من الإلزام بالإطاعة ما يدفع أية شبهة في هذا السبيل, وأين مجال التأويل ؟! والنبي (صلی الله علیه و آله) يبدأ أولاً فيأخذ الإقرار له بأنه أولى بهم من أنفسهم, وكأنه يذكرهم بهذا الحق المجعول له بآية :

ص: 134


1- أخرجه احمد وإبن حبان وإبن أبي عاصم والطبراني والضياء قال الشيخ الألباني: وإسناده صحيح على شرط البخاري وقال الهيثمي في المجمع(9/104): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. وأخرجه الحاكم (3/109 - 110) وصححه على شرط الشيخين ولم يوافقه الذهبي ولا الألباني هنا. وأخرجه الحاكم أيضاً (3/110) عن إبن عباس عن بريده وقال: صحيح على شرط مسلم وسكت عنه الذهبي. وقال الألباني عنه: وهذا اسناد صحيح على شرط الشيخين وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده قصور. و لابد أن ننبه على قاعدة وهي أن الحديث الذي يثبت تواتره أو ينص على تواتره لا يبحث فيه عن صحة أسانيده فانه قصور في معرفة أصول علم الحديث واما لو أراد أحد المناقشة فعليه المناقشة أولاً في ثبوت التواتر.

﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ (1), فإن أقروا بذلك, بدأ فأعمل هذا الحق باختياره الأصلح لهم والأقدر على إدارة شؤونهم, ثم إعطاء هذا الحق المجعول له, وأبلغهم ذلك بهذه الصيغة الرائعة .. اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه .. ثم أعقبه بهذا الدعاء الذي لا يليق بغير ولاة الأمور, فهو يدعو لمن والاه وأعانه ونصره وأحبه, بالمولاة والإعانة والنصرة والحب من الله, وعلى من عاداه وخذله وأبغضه بمعاداة الله وخذلانه وبغضه.

وأنشأ حسان بن ثابت شاعر النبي (صلی الله علیه و آله) يقول :

يناديهمُ يوم الغدير نبيهم *** بخمٍّ وأسمع بالرسول مناديا

وقال: فمن مولاكمُ ووليكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت ولينا *** ولن تجد منا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه *** فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه *** وكن للذي عادى علياً معاديا (2)

فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) :[ لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك] , وقبل أن يبرح الرسول (صلی الله علیه و آله) ذلك المكان شاء الله تبارك وتعالى ألاّ يترك ذلك

ص: 135


1- سورة الأحزاب – الآية 6
2- المناقب - الخوارزمي :80

الجمع يتفرق دون أن يباركه بآية من كتابه العزيز تصلح أن تكون مادة دستورية لأعظم عيد يمرّ على المسلمين وذلك بقوله عزّ من قائل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (1) , وقد حدّث أبو سعيد الخدري أن النبي (صلی الله علیه و آله) قال بعد نزول الآية : [الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي ] (2).

وقد تتبع العلامة الأميني (قدس سره) روايات حديث الغدير, وأثبت أسماء مئة وعشرة من الصحابة ممن رووا الحديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) وشهدوا شهادة عيان, وقد أشار الشيخ العلامة إلى مواضع رواياتهم في المصادر, كما ذكر أسماء أربعة وثلاثين من التابعين ممن رووا الحديث عن الصحابة (3).

ص: 136


1- سورة المائدة – الآية 3
2- إعلام الورى – العلامة الطبرسي : 132, ومناقب الخوارزمي : 80
3- وقد روى الحديث في ذلك محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس وسبعين طريقا وافرد له كتابا سماه حديث الولاية, ورواه ايضا أبو عباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بإبن عقده بخبر يوم الغدير من مئة وخمس طرق وأفرد له كتابا سماه حديث الولاية, وقد تقدم تسمية من روى عنهم وذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الاقتصاد وغيره أن قد روى خبر الغدير غير المذكورين من مئة وخمس وعشرين طريقا ورواه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده أكثر من خمسه عشر طريقا ورواه الفقيه إبن المغازلي الشافعي في كتابه اكثر من إثني عشر طريقا ..قال إبن المغازلي الشافعي بعد رواياته خبر يوم الغدير: هذا حديث صحيح عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقد روى حديث غدير خم نحو مئة نفس منهم العشرة وهو حديث ثابت لا اعرف له عله تفرد علي (علیه السلام) بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد(الطرائف - السيد إبن طاووس الحسني ص 139).

وكان هاشم المرقال (رضی الله عنه) من أولئك الصحابة الذين ثبتتدلائل ولائهم وثبات عقيدتهم بإدلائه بالشهادة الحقّة لأمير المؤمنين (علیه السلام) بالكوفة وشهد له بأنّه وصيّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وخليفته من بعده, وكان فيمن رَوَوا حديث الغدير واقعةً ونصوصاً عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) (1), أشهره وأعلنه على مجمع ومرأى الناس, فقد استنطق أمير المؤمنين (علیه السلام) المسلمين في مواضع وأوقات شتى مسائلا إياهم عن حديث يوم الغدير, كانت أولاها في اليوم الثاني للسقيفة حينما أدخل على أبي بكر للبيعة في مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله) (2), ثم احتج به في يوم الشورى (3),

ص: 137


1- الطرائف – إبن طاووس 140 , وكتاب الولاية – إبن عقدة: 241
2- كتاب سليم بن قيس الكوفي : 71
3- الغدير – العلامة الأميني 1: 146, وروى الخوارزمي الحنفي : عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال :كنت على الباب يوم الشورى مع علي (علیه السلام) في البيت ، وسمعته يقول لهم - أي : لعُثمَان بن عَفَّان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف:{لأحتجَّنَّ عليكم بما لا يستطيع عَربيُّكم ولا عَجميُّكم تغيير ذلك} .ثم قال (علیه السلام) :{أُنشِدكُم اللهَ أيُّها النفر جميعاً ، أفيكم أحد وحَّد الله قبلي } ؟.قالوا: لا .فقال (علیه السلام) { :فأُنشِدكم اللهَ ، هل مِنكُم أحد له أخٌ مثل جعفر الطيار، في الجنة مع الملائكة } ؟قالوا : اللهُمَّ لا .فقال (علیه السلام) :{فأُنشِدكم اللهَ، هل فيكم أحد له عم كعمي حمزة، أسد الله ، وأسد رسوله ، سيد الشهداء ، غيري } ؟قالوا : اللهُمَّ لا, فقال (علیه السلام) :{فأُنشِدكم اللهَ ، هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت مُحمَّد (صلی الله علیه و آله) ، سيدة نساء أهل الجنة، غيري} ؟ قالوا: اللهُمَّ لا .فقال (علیه السلام) :{فأُنشِدكم باللهِ ، هل فيكم أحد له سِبطان مثل سِبطَي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، غيري} ؟ قالوا : اللهُمَّ لا .فقال (علیه السلام) :{فأُنشِدكم باللهِ ، هل فيكم أحد ناجَى رسول الله (صلی الله علیه و آله) مرَّات - أي : قدَّم بين يدي نجواه صدقة - قبلي} ؟ قالوا: اللهُمَّ لا .فقال (علیه السلام) :{فأُنشِدكم باللهِ ، هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلی الله علیه و آله) :من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهُمَّ والِ مَنْ والاه، وعادِ من عاداه، وانصُر من نصره، لِيبَلِّغ الشاهدُ الغائبَ ، غيري } ؟ قالوا: اللهُمَّ لا .( المناقب: 2 / 217 )

واحتج به سلام الله عليه في خلافة عثمان (1), كما وفعل ذلك (علیه السلام) في خلافته في رحبة الكوفة (2)...

ص: 138


1- الغدير – العلامة الأميني 1: 150
2- الغدير – العلامة الأميني 1: 153, وقد نص أحمد في مسنده على أن عدة الشهود في ذلك اليوم كانت ثلاثين، وأخرجه الحافظ الهيثمي (مجمع الزوائد : 9 / 104.) وصححه، وذكره سبط إبن الجوزي (تذكرة الخواص : ص 29) ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ( تاريخ الخلفاء : 158) ، والسيرة الحلبية ( تاريخ الخلفاء: 3 / 274.) ، وفي لفظ أبي نعيم - فضل بن دكين - : فقام ناس كثير فشهدوا ، ومن أعلام الذين شهدوا بحديث الغدير: أبو زينب بن عوف الأنصاري .أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري .أبو فضالة الأنصاري: استشهد بصفين مع أمير المؤمنين (علیه السلام) - بدري . أبو قدامة الأنصاري: الشهيد بصفين مع أمير المؤمنين (علیه السلام) .أبو ليلى الأنصاري : يقال : استشهد بصفين . أبو هريرة الدوسي : المتوفى ( 57 ، 58 ، 59) . أبو الهيثم بن التيهان : الشهيد بصفين - بدري. ثابت بن وديعة الأنصاري ، الخزرجي ، المدني .حبشي بن جنادة السلولي : شهد مع علي مشاهده . أبو أيوب خالد الأنصاري : المستشهد غازيا بالروم ( 50 ، 51 ، 52 ) - بدري .خزيمة بن ثابت الأنصاري ، ذو الشهادتين : الشهيد بصفين - بدري . أبو شريح خويلد بن عمرو الخزاعي : المتوفى ( 68) .زيد أو يزيد بن شراحيل الأنصاري .سهل بن حنيف الأنصاري ، الأوسي : المتوفى ( 38 ) - بدري .أبو سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري: المتوفى ( 63 ، 64). أبو العباس سهل بن سعد الأنصاري المتوفى (91) .عامر بن ليلى الغفاري .عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري .عبد الله بن ثابت الأنصاري : خادم رسول الله (صلی الله علیه و آله) .عبيد بن عازب الأنصاري: من العشرة الدعاة إلى الإسلام. أبو طريف عدي بن حاتم: المتوفى ( 68 ) عن ( 100 ) عام .عقبة بن عامر الجهني. ناجية بن عمرو الخزاعي .نعمان بن عجلان الأنصاري: لسان الأنصار وشاعرهم.. .وغيرهم.

وفي يوم الجمل في احتجاجه (1)...

ص: 139


1- الغدير – العلامة الأميني 1: 171,وأخرج الحافظ الحاكم (المستدرك : 2 / 11 )ما لفظه : ثم نادى علي (رضی الله عنه) طلحة - حين رجع الزبير: { يا أبا محمد ما الذي أخرجك ؟}قال : (الطلب بدم عثان( !!قال علي : { قتل الله أولانا بدم عثمان ، أما سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ وأنت أول من بايعني، ثم نكثت، وقد قال الله عز وجل: ( فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه((سورة الفتح- الآية : 10 .)}فقال: أستغفر الله، ثم رجع .ورواه الخطيب الخوارزمي الحنفي ( المناقب : 182 ح 221.) بإسناده من طريق الحافظ أبي عبد الله الحاكم، عن رفاعة، عن أبيه، عن جده قال :كنا مع علي يوم الجمل، فبعث إلى طلحة بن عبيد الله التيمي، فأتاه، فقال :{نشدتك الله هل سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) وآله وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأخذل من خذله، وانصر من نصره؟} .قال :(نعم )، قال: {فلم تقاتلني ؟} قال :(نسيت ولم أذكر). قال: (فانصرف طلحة ولم يرد جوابا(.ورواه إبن عساكر) تاريخ الشام : 7 / 83 ) ، وسبط إبن الجوزي ( تذكرة الخواص: ص 42 )، والحافظ أبو بكر الهيثمي ( مجمع الزوائد: 9 / 107 ) من طريق البزار ، وإبن حجر ( تهذيب التهذيب: 1 / 391 ) بإسناده من طريق النسائي ، والسيوطي( جمع الجوامع كما في كنز العمال : 6 / 83 ) قريبا من لفظ الخوارزمي من طريق إبن عساكر، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف السنوسي ( شرح مسلم : 6 / 236 ) ، وأبو عبد الله محمد بن خليفة الوشتاني المالكي ( شرح مسلم : 6 / 236 )، والشيخ إبراهيم الوصابي في الاكتفاء من طريق إبن عساكر .

على طلحة (1)...

ص: 140


1- طلحة بن عبيد الله التَّيمي القُرشي الكناني (نحو 26 ق.ﻫ.36-ﻫ.(. من الصحابة، قَتَل عثمان بن عفان ثم طالب بدمه! فقتله مروان بن الحكم يوم الجمل.قال عبد الملك بن مروان: لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه قتل طلحة ما تركت أحداً من ولد طلحة إلا قتلته بعثمان( تهذيب التهذيب ، إبن حجر 4 / 114) قال ( هشام بن الكلبي) وتزوج طلحة بعد ذلك في الإسلام بنت أبي سفيان بن حرب، فقال أهل المدينة: إن الحرام لا يحلله الحلال(ولذلك قصة يمكن مراجعتها).ولمّا وصلت عائشة إلى مكّة، وأدّت مناسك الحجّ، بلغها خبر قتل عثمان فاستبشرت وقالت للناعي: قتلته أعماله ، إنّه أحرق كتاب الله، وأمات سنّة رسول الله فقتلوه، ومن بايع الناس ؟ فقال الناعي: لم أبرح من المدينة حتّى أخذ طلحة نعاجاً لعثمان وعمل مفاتيح لأبواب بيت المال، ولا شكّ أنّ الناس بايعوه .فقالت عائشة وهي فرحة : بُعداً لنعثل وسحقاً ! إيه ذا الأصبع ! إيه أبا شبل ! إيه إبنعمّ ! لله أبوك يا طلحة، أما إنّهم وجدوا طلحة لها كفواً، لكأنّي أنظر إلى اصبعه وهو يبايع احتووها لا بل دغدغوها ! وجدوك لها محسناً، ولها كافياً، شدّوا رحلي فقد قضيت عمرتي، لأتوجّه إلى منزلي .سارت عائشة حتّى إذا وصلت إلى موضع يقال له (شرقاء) لقيها رجل يقال له: عبيد بن أُم كلاب، فسألته عائشة: ما الخبر؟ فقال الرجل: قتل عثمان .فقالت عائشة: قتل نعثل !أخبرني عن قصّته وكيف كان أمره ؟فقال الرجل: لمّا أحاط الناس بالدار، رأيت طلحة قد غلب على الأمر، واتّخذ مفاتيح على بيوت الأموال والخزائن، وتهيّأ ليبايع له، فلمّا قتل عثمان مال الناس إلى علي بن أبي طالب (علیهما السلام) ، ولم يعدلوا به طلحة ولا غيره، وخرجوا في طلب علي (علیه السلام) ، يقدمهم الأشتر ومحمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر (رضی الله عنه) ، حتّى إذا أتوا علياً (علیه السلام) وهو في بيت سكن فيه قالوا له: بايعنا على الطاعة لك. وكان علي (علیه السلام) يتفكّر ساعة، فقال الأشتر: يا علي، إنّ الناس لا يعدلون بك غيرك فبايع قبل أن يختلف الناس. وكان في الجماعة طلحة والزبير، فظننت أن سيكون بين طلحة والزبير وعلي بن أبي طالب كلام قبل ذلك، فقام طلحة والزبير فبايعا، وأنا أرى أيديهما على يد علي (علیه السلام) يصفقانهما ببيعته، ثمّ صعد علي بن أبي طالب (علیه السلام) المنبر، فتكلّم بكلام لا أحفظه إلاّ أنّ الناس بايعوه يومئذ على المنبر من الغد، فلمّا كان اليوم الثالث خرجت ولا أعلم .فقالت عائشة: لوددت أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا، أُنظر ماذا تقول ؟!فقال الرجل: هو ما قلت لك يا أُمّ المؤمنين .فقالت عائشة: إنّا لله، أكره والله هذا الرجل، وغصب علي بن أبي طالب أمرهم، وقتل خليفة الله مظلوماً، ردّوا بغالي، ردّوا بغالي .فقال الرجل: ما شأنك يا أُمّ المؤمنين ؟ والله، ما أعرف بين لابتيها أحداً أولى بها من علي ولا أحقّ، ولا أرى له نظيراً فلماذا تكرهينه؟ فسكتت عائشة ولم ترد جواباً، وعزمت على الرجوع إلى مكّة .وفي طريقها رآها قيس بن حازم فقالت عائشة تخاطب نفسها: قتلوا إبن عفّان مظلوماً .فقال قيس : يا أُمّ المؤمنين، ألم أسمعك آنفاً تقولين: أبعده الله; وقد رأيتك قبل أشدّ الناس عليه، وأقبحهم فيه قولا ؟!فقالت عائشة: لقد كان ذلك، ولكن نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتّى إذا تركوه كالفضّة البيضاء أتوه صائماً محرماً في شهر حرام فقتلوه. بعد أن تولى علي (علیه السلام) الخلافة الشرعية وصار المتصرف في شئون الأمة جاء طلحة والزبير لعلي وكانا يريدان أن يتوليا حكم البصرة فرفض علي ذلك، لقد كان طلحة شخصية إسلامية معروفة وكان الزبير بن العوام ممن وقف مع النبي محمد (صلی الله علیه و آله) مدافعا ومكافحا فلطالما كشف الكربات عن وجه النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) في معارك مضت، ولكون الزبير قد وقف مع علي في الشورى فمن هنا أراد مع صاحبه أن يكون لهما منصب في الدولة الإسلامية، فلما أن تم رفضهما استأذنا أمير المؤمنين (علیه السلام) في المضي إلى مكة لأداء العمرة وعرف علي نيتهما ولذا قال ما أردتما العمرة وإنما أردتما الغدرة، ومع ذلك فقد أذن لهما بالخروج ولكنه تعامل معهما بروح الإمام (علیه السلام) واعتبر أن سفرهما من حقوق الإنسان العامة التي لا يحق لأحد أن يقف ضدها أو يمنعها فكان بحق الراعي لحقوق الإنسان، فخرجا إلى مكة واصطحبا معهما عائشة وتمردا على الإمام (علیه السلام) وقادوا معركة الجمل ضد الخليفة الشرعي.وقد سأل أحد الأصحاب الإمام (علیه السلام) عما سيصنعه بهؤلاء الثلاثة إن هم لم يرضخوا للحكم فقال أقاتلهم، فقال أيصدق الناس بأن طلحة والزبير وعائشة على باطل؟فقال علي (علیه السلام) كلمة خالدة كان الأجدر أن تكتب بماء الذهب وتعلق على أستار الكعبة، لأنها الخط المستقيم والعنوان الصحيح الذي ينبغي أن تسير عليه الأمة ويهتدي به المهتدون لقد قال: لا يعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله. قال طه حسين (إنها جملة وأصل لا يمكن لأي لغة من لغات البشر أن تأتي بمثلها) (الإمام علي في محنه الثلاث- طه حسين).

ص: 141

كما فعل ذلك يوم الرُّكبان (1)في الكوفة, وقد شهد له جماعة من الصحابة في ذلك اليوم كان من جملتهم هاشم المرقال (رضی الله عنه) الذي شهد وقص الحديث على

ص: 142


1- أخرج أحمد بن حنبل بالإسناد إلى رياح بن الحارث ، قال : جاء رهط إلى علي بالرحبة ، فقالوا : السلام عليك يا مولانا. قال: ( وكيف أكون مولاكم وأنتم عرب ؟ قالوا: سمعنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه( مسند أحمد : 6 / 583 ح 23051 و 23052( ,وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه( كما في كشف الغمة : 93 ) عن رباح بن الحارث قال :كنت في الرحبة مع أمير المؤمنين إذ أقبل ركب يسيرون ، حتى أناخوا بالرحبة ، ثم أقبلوا يمشون حتى أتوا عليا (علیه السلام) فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال: (من القوم ؟ قالوا :مواليك يا أمير المؤمنين .قال: فنظرت إليه وهو يضحك ويقول: من أين وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم وهو آخذ بعضدك: [أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلنا: بلى يا رسول الله .فقال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وعلي مولى من كنت مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه .] وروى إبن الأثير عن كتاب الموالاة لإبن عقدة بإسناده عن أبي مريم زر بن حبيش ، قال :خرج علي من القصر، فاستقبله ركبان متقلدو السيوف، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مولانا ورحمة الله وبركاته .فقال علي (علیه السلام) : {من ها هنا من أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله) ؟}(فقام اثنا عشر، منهم : قيس بن ثابت بن شماس، وهاشم بن عتبة، وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا أنهم سمعوا النبي (صلی الله علیه و آله) يقول: [من كنت مولاه فعلي مولاه})(أسد الغابة : 1 / 368 ). وأخرجه أبو موسى المديني .ورواه عن كتاب الموالاة لإبن عقدة إبن حجر (الإصابة :1 / 304 ) ، وأسقط صدره إلى قوله: فقال علي ، ولم يذكر من الشهود هاشم بن عتبة ، جريا على عادته.( الغدير – العلامة الأميني 1: 172) .

الناس كما سمعه من رسول الله (صلی الله علیه و آله) تماما في ذلك اليوم القائظ الشديد الحر في رمضاء غدير خم. ولذلك كان المرقال (علیه السلام) من المسارعين والمبادرين إلى بيعة الإمام علي (علیه السلام) ، فقد (قال لمّا قتل عثمان: هذه يميني لعلي وشمالي لي وقد بايعته) ، وكان بالكوفة وقال:

أُبايع غير مكترث علياً

ولا أخشى أميراً أشعريا

أبايعه وأعلم أن سأرضي

بذاك الله حقّاً والنبيا

ودخل على أبي موسى الأشعري، وهو أمير الكوفة يومئذٍ فقال: يا أبا موسى بايع لخير هذه الأُمّة بعد نبيّها علي بن أبي طالب (علیهما السلام) ,فقال: لا تعجل حتّى تنظر ما يصنع الناس، وعلى مَن يكون اجتماعهم، فخرج من عنده وهو واضع يده

ص: 143

اليمنى على اليسرى يقول: هذه بيعتي لخير الأُمّة بعد نبيّها علي بن أبي طالب (علیه السلام) (1).

ولمّا أراد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) المسير إلى أهل الشام دعا إليه مَن كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمد الله وأثنى عليه وقال : {أمّا بعد، فإنّكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدوّنا وعدوّكم فأشيروا علينا برأيكم} فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص (رضی الله عنه) ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد، يا أمير المؤمنين، فأنا بالقوم جد خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمَن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك ومجاهدوك، لا يبقون جهداً مشاحة على الدنيا، وضنا بما في أيديهم منها، وليس لهم إربة غيرها إلّا ما يخدعون به الجهّال من الطلب بدم كذبوا ليسوا بدمه يثأرون، ولكن الدنيا يطلبون، فسر بنا إليهم، فإن أجابوا إلى الحقّ فليس بعد الحقّ إلّا الضلال، وإن أبو إلّا الشقاق فذلك الظنّ بهم، والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممّن يطاع إذا نهي، ولا يسمع إذا أمر (2).

ص: 144


1- مختصر أخبار شعراء الشيعة: 39 رقم4
2- وقعة صفين – المنقري : 92

وفي خبر آخر أنّه قال: (سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلّوا حرامه وحرّموا حلاله، واستولاهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومنّاهم الأماني، حتّى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى، وحبّب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجاز موعود ربّنا..وأنت يا أمير المؤمنين، أقرب الناس من رسول الله (صلی الله علیه و آله) رحماً، وأفضل الناس سبقة وقدماً، وهم يا أمير المؤمنين منك مثل الذي علمنا، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء، وكانوا ظالمين، فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك جذلة على من خالفك، وتولّى الأمر دونك، والله ما أحبّ أن لي ما في الأرض ممّا أقلت، وما تحت السماء ممّا أظلت، وأنّي واليت عدوّاً لك، أو عاديت ولياً لك, فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) {اللّهم أرزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيّك (صلی الله علیه و آله) } (1).

وانشد هاشم القصائد العديدة في ولاءه العلوي ومن ذلك ترديده هذه الابيات في صفين:

قد أكثروا لومي وما أقلا

ص: 145


1- وقعة صفين- المنقري : 112

إني شريت النفس لما اعتلا

أعور يبغى أهله محلا

لا بد أن يَفل أو يُفلا

قد عالج الحياة حتى ملّا

أشلهم بذي الكعوب شلا

معَ ابن عمّ أحمدَ المُعلّى

فيه الرسولُ بالهدى استهلاّ

أوّلُ مَن صدّقه وصلّى

فجاهدَ الكفّارَ حتّى أبلى

ص: 146

صولات المعارك

خاض هاشم المرقال (رضی الله عنه) معارك الجهاد، وقادها لمدة ربع قرن، في فتوح فلسطين، والشام، ومصر، والعراق، وإيران، بإيمان وإخلاص منقطع النظير وهو القائد في معركة أجنادين في فتح فلسطين، ومعركة اليرموك، وهو المنقذ الذي هرع بكتائبه ليشارك في معركة القادسية بعد الانتكاسات التي حصلت في معركة الجسر، وهو الفارس الذي قاد فتح المدائن، وفتح جلولاء، وفتح حلوان، وعدة مناطق من إيران, ثم كان هو الشجاع المجرب والمقاتل الأمين, الراغب فيما زهد فيه غيره من فرصة الفوز بالشهادة بين يدي معلمه ونموذجه الرسالي الإمام علي (علیه السلام) في معركتي الجمل وصفين, وما رافق هاتين المعركتين من ضروف وإجراءات وتماس مع أعداء الله وأعداء رسوله (صلی الله علیه و آله) .

ص: 147

ص: 148

ص: 149

وكان عمه سعد والياً على الكوفة، فاستفاد الشهيد (رضی الله عنه) من علاقة القربى تلك،

ليتبوأ مراكز قيادة جيش المسلمين في المعارك، معمقاً علاقته بعمه الوالي ولما تربطه معه من وشيجة أخرى كونه زوج ابنته أم إسحاق (1), ليستثمر بذكاء القادة هذه العلاقة، مع اختلافه الأساسي مع هذا العم في فكره, بسبب نزعته العلوية, فظل يداري ديمومة الصلة بكياسة, ويعالج بحنكة عقد لوازم الإنتصار من خلال سعد, وكان سعد يفتخر بابن أخيه، لما سطره من ملاحم البطولات في كل مكان احتوته فيه ساحات القتال ، مع علمه بفكر ابن أخيه, وأنه ليس من أعوان الحاكمين, ولا الراضين بما حدث من صرف الأمر عن الوصي (علیه السلام) .

وقد انتصر له سعد عندما أهانه سعيد بن العاص (2)، والي عثمان الكوفة, الذي سأل حضَّاره في أواخر أيام شهر الصيام : (من رأى الهلال منكم؟ ) فقال القوم:

ص: 150


1- المحبر:69
2- سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، ( 2 - 59 ﻫ.)، قتل أبوه مشركاً بيد الإمام علي (علیه السلام) يوم بدر، وهو صبي صغير.. مات النبي محمد (صلی الله علیه و آله) وله تسع سنين أو نحوها, وله ذكر في كتب الحديث، روى الحديث عن عمر بن الخطاب وعائشة بنت أبي بكر، وروى عنه الحديث بنوه عبد الرحمن وعثمان والأشدق، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله وغيرهم، عرض عليه القرآن في خلافة عثمان بن عفان لأن قراءته كانت أشبه بقراءة الرسول. (صلی الله علیه و آله) ولي الكوفة في عهد عثمان بن عفان ما يقارب من خمس سنين، وغزا طبرستان فافتتحها، وعند تمرد معاوية بن أبي سفيان على أمير المؤمنين (علیه السلام) اعتزل وأقام بمكة، وكان معاوية يقدمه من بين رجالات قريش، وولاه المدينة المنورة سنة 42 ﻫ. لأكثر من مرة مناوبة مع مروان بن الحكم.. قيل: بأنه كف عن سب علي على المنابر، وكان يقول: ( لجليسي عليّ ثلاث خصال: إذا دنا رحبت به وإذا جلس أوسعت له وإذا حدث أقبلت عليه. مات سعيد في قصره بالعرصة على بعد ثلاثة أميال من المدينة ودفن في البقيع بناء على وصيته سنة 59ﻫ. .

(ما رأيناه، فقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص: أنا رأيته. فقال له سعيد: بعينك هذه العوراء رأيته من بين القوم ؟فقال هاشم: تعيرني بعيني وإنما فقأت في سبيل الله !) .. وكانت عينه قد أصيبت يوم اليرموك .

ثم أصبح هاشم في داره مفطراً وغدا الناس عنده، فبلغ ذلك سعيد بن العاص فأرسل إليه فضربه وحرق داره، فخرجت أم الحكم بنت عتبة بن أبي وقاص وكانت من المهاجرات، ونافع بن عتبة بن أبي وقاص من الكوفة، حتى قدما المدينة فذكرا لسعد بن أبي وقاص ما صنع سعيد بهاشم، فأتى سعد عثمان فذكر له ذلك، فقال عثمان: (سعيد لكم بهاشم، اضربوه بضربه، ودار سعيد لكم بدار هاشم، فأحرقوها كما حرق داره). فخرج عمر بن سعد بن أبي وقاص (1)، وهو

ص: 151


1- قائد جيش إبن زياد في كربلاء والذي حارب الإمام الحسين (علیه السلام) ، وبعد استشهاده (علیه السلام) أمر أن تطأ الخيل صدره وظهره، وسبى أهل بيته وعياله وساقهم إلى الكوفة، ولد في زمن النبي (صلی الله علیه و آله) ، أو(على عهد عمر حسبما تذكر روايات أخرى). شهد مع أبيه فتح العراق. وكان ممن شهد على حجر بن عدي وأصحابه بإثارة الفتنة، فكان سبباً في استشهاده في مرج عذراء. كان قبيل واقعة الطف على وشك السير إلى ولاية الري بعد تسلمه كتاب تنصيبه والياً عليها. بيد أن إبن زياد والي الكوفة أرسله على رأس جيش لمنع دخول الحسين (علیه السلام) إلى الكوفة وإرغامه على البيعة ليزيد أو محاربته وقتله إذا اقتضى الأمر ذلك وسار إبن سعد لمجابهة الحسين بن علي (علیهما السلام) في كربلاء، وهو الذي ضيّق على الحسين (علیه السلام) منذ اليوم الأول لدخوله أرض كربلاء. وأمر فرسانه بمنع الماء عن الحسين (علیه السلام) وفي كربلاء سعى الإمام الحسين (علیه السلام) وتحدّث معه مراراً لإقناعه بعدم قتاله وتلطيخ يديه بدمه، ولكن لم يصل معه إلى نتيجة. وفي صبيحة يوم عاشوراء كان هو أول من رمى سهماً على مخيم الحسين (علیه السلام) ، وأمر بالهجوم الشامل عليه. ورد اسمه في زيارة عاشوراء ضمن من خصّوا باللعنة . وفي أيام قيام المختار (رضی الله عنه) هرب عمر من الكوفة، ولكنه عاد إليها وتزعّم حركة التمرد فيها، فقبض عليه وجئ به إلى المختار (رضی الله عنه) الذي أمر بقتله وأرسل رأسه إلى محمد بن الحنفية في المدينة عام 66ﻫ.(الفتوح لإبن الأعثم: 6/272(

يومئذ غلام يسعى ، حتى أشعل النار في دار سعيد بالمدينة، فبلغ الخبر عائشة فأرسلت إلى سعد بن أبي وقاص تطلب إليه وتسأله أن يكف ففعل. ورحل من الكوفة) (1).

ومن فضول الكلام الحديث عن شجاعة هاشم, فصيتها ملأ الآفاق, وهو من أبطال الإسلام والتاريخ, بطولته مستلهمة من بطولة أستاذه الإمام علي (علیه السلام) ..كان من المحاربين القدماء ذوي الخبرة والتجربة فلا غرو أن يكون من عيون القادة .. شهد له الأمير (علیه السلام) بالشجاعة, وأنه جدير بحماية مصر البلد الإسلامي

ص: 152


1- تاريخ دمشق- إبن عساكر:21/114

المهم , فقد قال الأمير (علیه السلام) في حقه عندما قتل محمد بن أبي بكر واليه الذي أنفذه إلى مصر: {وقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة, ولو وليته إياها لما خلّى لهم العرصة , ولأنهزهم الفرصة} (1).

وكان أمير المؤمنين (علیه السلام) يمازحه ويلاطفه في أشد مواطن الحرب, مؤذنا بأن الحرب عند علي (علیه السلام) وأصحابه (رضی الله عنه) أهزوجة من الأهازيج, فقال له (علیه السلام) مازحاً قبيل شهادته بفترة يسيرة, وكانت على هاشم درعان: {يا هاشم أما تخشى من نفسك أن تكون أعوراً جبانا!؟}, فقال له هاشم: ستعلم يا أمير المؤمنين, والله لألفنّ بين جماجم القوم لف رجل ينوي الآخرة, فأخذ رمحاً فهزه فانكسر، ثم آخر فوجده جاسياً فألقاه, ثم دعا برمح لين فشد به لواءه) (2).

وقال له الأمير (علیه السلام) تارة أخرى :{ يا هاشم حتى متى تأكل الخبز وتشرب الماء ؟ فقال هاشم: لأجهدن على أن لا أرجع إليك أبدا } (3).

ص: 153


1- نهج البلاغة: 97/ خطبة 68
2- وقعة صفين – المنقري: 326
3- المصدر نفسه: 346

معركة بعلبك

ص: 154

ص: 155

سار هاشم على رأس جيش الخليفة إلى الشام حتى انتهى به المطاف على مدينة بعلبك (1), فوقف جنب أبي عبيدة على أبوابها ضارباً عليها حلقة من الحصار .

ولما طال مكثه حول المدينة, وأصر أهلها على التحصن والإمتناع, ثارت نخوة هاشم الجياشة فتقدم وحده نحو المدينة حتى أشرف عليها, وكان قد بلغه خوف بطريقها (2) وعزمه على الصلح, فهتف فيهم: يا أهل بعلبك حصنوا أنفسكم وأولادكم بالصلح, فإن أبيتم ذلك, فقد وعدنا الله تبارك وتعالى على لسان نبيه

ص: 156


1- تعتبر من المدن القديمة في لبنان، تقع على بعد 45 كلم من زحلة فوق أعلى مرتفعات سهل البقاع وتبعد عن شرق بيروت بمسافة (85) كم, وعلى مفترق عدد من طرق القوافل القديمة التي كانت تصل الساحل المتوسطي بالبر الشمالي وشمال سوريا بشمال فلسطين وبعلبك مكونة من كلمتين:(بعل)و(بك)،وتعني في اللغة السامية :رب سهل البقاع.وقد استفادت عبر تاريخها الطويل من هذا الموقع المميز لتصبح محطة تاريخية هامة ومحاجا دينيا مرموقا. وبعد أن ملك الرومان المنطقة في أواسط القرن الأول ق.م. أنشأ الإمبراطور أوغسطس مستعمرتي بيروت وبعلبك عام 15 ق.م. ونظرا لأهمية المدينة على الصعيدين الاقتصادي والديني, أسس أوغسطس لمشروع عظيم يجعل من بعلبك واجهة دعائية تبرز صورة روما وعظمتها وقدرتها بين صفوف التجار والحجاج الذين يقصدونها فينشرون تلك الصورة في أوطانهم. كان ذلك جزءا من سياسة الدولة في ترسيخ السيطرة الرومانية على المنطقة. وكان من ابرز نتائج تلك السياسة أن ارتفعت معابد بعلبك العملاقة التي يمكن اعتبارها من عجائب العالم القديم لا سيما وان العمل فيها استمر زهاء نيف وثلاثة قرون من الزمن وتعاقب على تحقيقه وتمويله عدد لا يستهان به من كبار أباطرة الرومان.
2- البِطْرِيقُ القائد من قُوّاد الروم . و البِطْرِيقُ رئيس رؤساء الأساقفة .(المعجم الوسيط)

محمد (صلی الله علیه و آله) أن يفتح لنا بلادكم وأمصاركم وغيرها, وإن الله تعالى منجز أمره؛ فارتجت بعلبك من هتافه, وخرجوا صاغرين موافقين على دفع الجزية, فارتحل هاشم عنهم.

ص: 157

معركة حمص الأولى

ص: 158

ص: 159

إرتحل المرقال (رضی الله عنه) عن مدينة بعلبك متجها في جيش أبي عبيدة حتى أشرفوا على مدينة حمص (1),ونزلوا على تخومها, فراسل الجراح زعيم حمص مخيراً إياه بين الإسلام أو الجزية أو الحرب, فاختار الأخير الحرب.

تلقى المرقال خبر الحرب بشوق المقاتلين الأشداء, فقصد بكتيبته باب (الرستق) , وبادر الروم, وأخذ يناوشهم القتال حتى أضجرهم, وحجز بينهم الليل.

وعند الصباح راسل أمير حمص أبا عبيدة, واتفق على أن يمون جيش المسلمين ويزودهم بكل ما يحتاجون إليه من الزاد والطعام على أن يرحلوا عن حمص , فحصلت الموافقة وارتحل الجيش عن حمص.

ص: 160


1- تقع حمص في وسط سوريا يمر فيها نهر العاصي, وهي ثالث أهم المدن السورية تعتبر حمص من أقدم مدن العالم كانت مأهولة بالسكن البشري منذ العصر الحجري، أسسها السلوقيون في القرن الرابع قبل الميلاد، وقد بلغت حمص القديمة أوج ازدهارها خلال الحكم الروماني حيث شهدت تحت حكم السلالة الحمصية للإمبراطورية الرومانية ازدهارًا فنيًا واقتصاديًا وثقافيًا نادرًا . . كانت حمص في عام 635 م مركزًا للإمبراطور هرقل خلال قيادته العمليات العسكرية في بلاد الشام.وقد استقر في حمص حوالي 500 صحابي ، تقع قبور عدد من منهم داخل المدينة.

معركة حمص الثانية

ص: 161

نكث أهل حمص اتفاقهم مع جيش المسلمين ونقضوا عهدهم فيما كان المسلمون يتهيأون لدخول مدينة شيزر (1), بعد عرض الشروط على حكامها, فقرر القادة العودة إلى حمص بعد أن استتب لهم أمر شيزر, وحررها من أيدي البيزنطيين الذين ظلوا يحاولون السيطرة عليها كونها تشكل باب سورية للداخلين من أنطاكية لكنهم لم يستطيعوا الثبات فيها.

كانت حمص مستعدة تماماً للمقاومة قد حصن مقاتلوها أسوارها, واصطفت حول تلك الحصون كراديسهم, ثم خرجوا مندفعين لقتال المسلمين بصلابة وعناد, وكان الهجوم على جيش المسلمين عنيفا جداً شتت قواهم وأزاحهم عن مواقعهم التي اتخذوها حول المدينة واضطرهم للإنسحاب منها, وفر الكثيرون.

لكن البطل المسلم هاشم بن عتبة (رضی الله عنه) كان من الصامدين, فلم يتزحزح وكتيبته عن مواقعهم وامتصوا زخم هجوم العدو بدفاع مستميت, حتى إذا لاحت للبطل ثغرة في صفوف العدو أنتخى قومه بني زهرة ممن هم معه, والآخرين من

ص: 162


1- وهي سيزار القديمة ودعيت لاريسا في العهد الهلنستي, وتقع إلى الشمال الغربي من مدينة حماة السورية وعلى بعد حوالي 25 كيلومتراً عنها , ومن أشهر معالمها قلعة شيزر التي يعود تاريخ بناءها الى نهاية القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، الفترة السلوقية وقد انتقلت إلى الرومان ومن ثم إلى البيزنطيين .

ليوث كتيبته, فانتخوا معه وشن هجوما مضادا تقدمهم فيه بنفسه المتسامية للشهادة دائماً, ليجعل جيش عدوه ناكصاً على الأعقاب مسرعاً في الفرار باتجاه حمص واللواذ بأسوارها.

وفي اليوم التالي بكر أهل حمص بهجوم قوي على كتيبة المرقال (رضی الله عنه) , الفارس الذي خبر أصول المعارك وفنونها, فأظهر لهم الانسحاب والتراجع, ليسحب معظم قوات العدو خارج الأسوار, ثم اندفع بكتيبته في هجوم مباغت فأحاط مقاتلوه بمعظم القوة المهاجمة من كل الجهات, فأبادوا معظم أفرادها, وأسروا الباقين, واندفعوا إلى المدينة فدخلوها.

ص: 163

معركة أجنادين

ص: 164

ص: 165

قام أبو بكر في الناس خطيباً فقال: (أيها الناس، إن إخوانكم من المسلمين الذين أغزيناهم إلى الشام إلى جهاد عدوهم معافون، مدفوع عنهم مصنوع لهم، قد ألقى الله الرعب في قلوب أعدائهم، وقد جاءني كتاب أبي عبيدة يخبرني بهرب هرقل ملك الروم من بين أيديهم ونزوله مدينة أنطاكية (1)، وقد اجتمع عليه خلق

ص: 166


1- تعتبر مدينة أنطاكية إحدى أهم المدن في تاريخ سورية حيث أنها كانت عاصمتها قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع، وما زالت حتى الآن عاصمة للكنائس السورية المسيحية. كانت أنطاكية في العصر الهلنستي عاصمة الإمبراطورية السلوقية وفي العصر الروماني تصاعدت أهميتها حتى صارت ثالث أكبر مدينة في العالم بعد روما والإسكندرية. نقل العرب العاصمة من أنطاكية إلى واحة دمشق لأسباب لوجستية. تعرضت أنطاكية في التاريخ الإسلامي للغزو عدة مرات من الروم والصليبيين، وبعد انتهاء الحروب الصليبية صارت تابعة لحلب كما وقعت تحت النفوذ الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى قبل انتقالها تحت السيطرة التركية سنة 1939.

كثير من النصرانية. وقد رأيت أن أمد إخوانكم بجند منكم فيشد الله عز وجل بكم ظهورهم، ويكبت بكم أعداءهم ويلقى الرعب في قلوبهم، فانتدبوا رحمكم الله مع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، واحتسبوا في ذلك الأجر العظيم فإنكم إن قاتلتم ونصرتم فهو الفلح والغنيمة، وإن هلكتم فهو الشهادة والسعادة. )قال: فانتدب لأبي بكر خلق كثير من همدان وأسلم وغفار ومزينة ومراد والأزد ، وجميع القبائل) (1).

استنفر هرقل قواته، وأدرك أن الأمر جد لا هذر فيه، وأن مستقبل الشام بات في خطر ما لم يواجه المسلمين بكل ما يملك من قوة وعتاد، حتى تسلم الشام وتعود طيعة تحت إمرته، فحشد العديد من القوات الضخمة، وبعث بها إلى بصرى (2) حيث شرحبيل بن حسنة في قواته المحدودة، وفي الوقت نفسه جهّز

ص: 167


1- الفتوحات – إبن الأعثم : 1/85
2- بصرى الشام مدينة صغيرة في جنوبي سورية، تقع في سهل النقرة الخصيب على أطراف اللجا الجنوبية، في أقصى الجنوب الشرقي من حوران، عند تلاقي خط الطول 36 درجة و28دقيقة شرق غرينتش مع خط العرض 32 درجة و31دقيقة شمال خط الاستواء، وتعد مدينة بصرى، أو بصرى الشام، من أهم المدن الأثرية الرومانية في العالم، وقد تعاقبت عليها العديد من الحضارات تاركين فيها أهم المنشآت الأثرية، ومن أسماء المدينة:بوسترا - نياتراجانا وكانت في أكثر من عصر عاصمة هامة ومركز للمقاطعة الرومانية في الشرق وعاصمة دينية وعاصمة تجارية لعدة حضارات وقد اغتنم الرومان فرصة وفاة الملك النبطي أرعبال الثامن ليضموا المدينة والمقاطعة إلى الإمبراطورية الرومانية عام 106م ولتصبح مدينة بصرى عاصمة للولاية العربية التابعة للإمبراطورية الرومانية، ثم غدت المدينة مركزاً للكرسي الأسقفي بعد تبني الإمبراطورية الرومانية الشرقية المسيحية رسمياً.وقد سيطر المسلمون عليها في بدايات معارك الشام

جيشًا ضخماً، ووجّهه إلى أجنادين (1)في جنوب فلسطين، وانضم إليه نصارى العرب والشام..

حج هرقل بعد انتصاره على كسرى ماشياً إلى القدس ، وكان ينوي غزو المدينة المنورة ويجمع قوات العرب في الشام ودومة الجندل (2) مقدمةً لقوات

ص: 168


1- هي مدينة في فلسطين تبعد عن مدينة بيت جبرين بحوالي أحد عشر كيلو مترا، وعن مدينة الرملة حوالي تسع وثلاثين كيلو مترا، وكانت الملتقى في السهول الشمالية الغربية لقرية دير الدبان والغرب من قرية عجور والى الشرق من مدينة الرملة وتشكل محوراً مهمًا للطرق.
2- تقع محافظة دومة الجندل جنوب غرب مدينة سكاكا في الحجاز حيث تقع على صخور تنتمي إلى الدرع العربي وهي من أهم المناطق الجيولوجية بأرض الحجاز ، وتبعد عن مدينة سكاكا 52 كيلومتر وهي من أهم المواقع التاريخية والأثرية والحضارية في المملكة , وبدأت الإشارة الى دومة الجندل في القرن الثالث الميلادي في عهد الملكة العربية الشهيرة(زنوبيا)التي حكمت تدمر ما بين 267-272م وقد غزت هذه الملكة دومة الجندل ولكن قلعة المدينة كانت حصينة بحيث لم تتمكن الملكة من اقتحامها فارتدت خائبة وقالت قولتها الشهيرة (تمرد مارد وعز الأبلق)ومارد هو قصر مارد في دومة الجندل بينما قصر الأبلق هو قصر مشهور في تيماء.

الروم ، فأراد النبي (صلی الله علیه و آله) أن ينقل المعركة الى بلاد الشام، فأرسل جعفر بن أبي طالب (رضی الله عنه) (1), في السنة الثامنة للهجرة بجيش من ثلاثة آلاف مقاتل، فاشتبك مع قوات هرقل في مؤتة .

ص: 169


1- جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب (علیهم السلام) ، المعروف بجعفر الطيّار وكنّاه رسول الله (صلی الله علیه و آله) بأبي المساكين لأنّه كان يعطف عليهم ويتفقّدهم ويجلس معهم. ولد حوالي عام 35 قبل الهجرة بمكّة المكرّمة. وكان من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم بعد إسلام أخيه الإمام عليبقليل، وهو ثاني مَن صلّى مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) من الرجال في أوّل جماعة عُقدت في الإسلام، حيث روي أنّ أبا طالب رأى النبي (صلی الله علیه و آله) وعليّاً (علیه السلام) يُصلّيان، فقال لجعفر (علیه السلام) : صل جناح إبن عمّك، ثمّ قال: إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي *** عند ملمّ الزمان والكرب والله لا أخذل النبي ولا *** يخذله من بَني ذو حسب لا تخذلا وانصرا إبن عمّكما *** أخي لأُمّي من بينهم وأبي(الأمالي- الشيخ الصدوق: 598) هاجر (علیه السلام) في السنة الخامسة من البعثة مع الدفعة الثانية التي هاجرت إلى الحبشة، وكان جعفر على رأس المهاجرين، وقدم على رسول الله (صلی الله علیه و آله) في السنة السابعة من الهجرة، حيث كان فتح خيبر، فاعتنقه الرسول (صلی الله علیه و آله) وقال:[ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحاً، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر](المقنع: 139)، ولُقّب بذي الهجرتين، لأنّه هاجر من مكّة إلى الحبشة، ومنها إلى المدينة. أمّره رسول الله (صلی الله علیه و آله) على جيش المسلمين في غزوة مؤتة، فإن قُتل فزيد بن حارثة، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة، وعند مقاتلته للعدوّ قُطعت يده اليمنى، فقاتل باليسرى حتّى قُطعت، فضرب وسطه، فسقط شهيداً مضرّجاً بدمه في 10 جمادى الثانية 8ﻫ ودُفن بمنطقة مؤتة، وهي قرية من قرى البلقاء في حدود الشام. حزن (صلی الله علیه و آله) لشهادته حزناً شديداً، وبكى عليه وقال: [على مِثلِ جعفرٍ فَلتَبكِ الباكية](الطبقات الكبرى 8/282)و قال (صلی الله علیه و آله) لمّا قُتل جعفر: [إنّ الله عزّ وجل أبدله بيديه جناحين يطيرُ بهما في الجنّة حيث يشاء](الاستيعاب 1/242)ورفع (صلی الله علیه و آله) يديه بالدعاء فقال : [اللّهم إنّ جعفر قد قدم إليك إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذرّيته بخير ما خلّفت عبداً من عبادك الصالحين](المصنّف لإبن أبي شيبة 7/515)

وكانت معركة مؤتة غير متكافئة، وقد استبسل جعفر بن أبي طالب ورفاقه قادة الجيش الإسلامي حتى استشهدوا وانسحب المسلمون ، لكنهم أوصلوا رسالة فكانت رسالة أبلغ، فانسحب هرقل من تبوك (1) الى حمص، وراسله النبي (صلی الله علیه و آله) فأجابه هرقل بجواب ليِّن، ليتفادى المواجهة في تلك المرحلة .

ولم تقع مواجهة بين المسلمين والروم بعد تبوك إلا في أجنادين، وقد انتصر فيها المسلمون وانهزم الروم، وترتب عليها تحرير فلسطين .

وكان بطل أجنادين خالد بن سعيد (2)، فقد ثأر فيها لصديقه الحميم جعفر بن أبي طالب شهيد مؤتة، الذي عاش معه خالد في الحبشة، وعمل معه في دعوة الروم إلى الإسلام ، وحمل رسالة النبي (صلی الله علیه و آله) إلى هرقل .

ص: 170


1- منطقة تبوك تقع في شمال غرب أرض الحجاز بجوار دولة الأردن يحدها من الشرق الجوف و حائل ومن الجنوب المدينة المنورة ومن الغرب خليج العقبة والبحر الأحمر.
2- مرت ترجمته

(ثم سار هاشم بن عتبة في ثلاثة آلاف مجهز، حتى قدم على أبي عبيدة بن الجراح، قال: فَسُرَّ أبو عبيدة وجميع المسلمين بقدوم هاشم بن عتبة ومن معه سروراً شديداً) (1).

وكانت أول مشاركة لهاشم (رضی الله عنه) في معركة أجنادين، وهي المعركة الفاصلة التي فتحت على أثرها فلسطين، وقادها هاشم مع خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنهما، فكان هو قائد الميسرة في معارك فتح فلسطين والشام: أجنادين ومرج الصُّفَّر (2) وفِحل (3)..

ص: 171


1- الفتوحات – إبن الأعثم : 1/95
2- مرج الصفر ، وهو ( كسكر : موضع بالشام ) كان به وقعة للمسلمين مع الروم، وإليه ينسب المرجي، وهو بالقرب من غوطة دمشق، وفيه قال حسان بن ثابت: إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي *** عند ملمّ الزمان والكرب والله لا أخذل النبي ولا *** يخذله من بَني ذو حسب
3- قالوا: وكانت وقعة فحل من الأردن لليلتين بقيتا من ذي القعدة، بعد خلافة عمر.. بخمسة أشهر، وأمير الناس أبو عبيدة إبن الجراح. وكان سبب هذه الوقعة أن هرقل لما صار إلى أنطاكية استنفر الروم وأهل الجزيرة، وبعث رجلا من خاصته وثقاته في نفسه. فلقوا المسلمين بفحل من الأردن، فقاتلوهم أشد قتال وأبرحه حتى أظهرهم الله عليهم. وقتل بطريقهم وزهاء عشرة آلاف معه، وتفرق الباقون في مدن الشام، ولحق بعضهم بهرقل، وتحصن أهل فحل فحصرهم المسلمون حتى سألوا الأمان على أداء الجزية عن رؤوسهم والخراج عن أرضهم، فأمنوهم على أنفسهم وأموالهم، وأن لا تهدم حيطانهم.) (فتوح البلدان - البلاذري)

واليرموك (1)، وكان خالد بن سعيد قائد الخيل كلها، في المعارك الأربعة .

و(عن سهل بن سعد الأنصاري قال: كانت وقعة أجنادين وقعة عظيمة، كانت بالشام وكانت في سنة ثلاث عشرة في جمادى الأولى، فذكر بعض أمرها، ثم ذكر إغاثة الروم لأهل دمشق حين حصارها، قال: فتركوا مرج الصُّفَّر، فصمد المسلمون صمدهم، وخرج إليهم أهل القوة من أهل دمشق وصحبهم ناس كثير من أهل حمص، فالقوم نحو من خمسة عشر ألفاً. فلما نظر إليهم خالد عبأ لهم كتعبئة يوم أجنادين، فجعل على ميمنته معاذ بن جبل، وعلى ميسرته هاشم بن عتبة، وعلى الخيل سعيد بن زيد بن نفيل (2)، وترك أبا عبيدة في الرجال، وزحف إليهم..) (3), و(وقد كان الروم لما بلغهم إقبال أبي عبيدة تحولوا إلى فحل ، فعبأ أبو عبيدة المسلمين فجعل على ميمنته معاذ بن جبل، وعلى ميسرته هاشم بن عتبة، وعلى الرجالة سعد بن زيد، وعلى الخيل خالد بن الوليد (بن سعيد) وأقبلت الروم فكان أول من لقيهم خالد (بن سعيد لأنه في جيش

ص: 172


1- تقع ساحة المعركة في بلاد الشام على مسافة 65 كيلومتر تقريباً جنوب غرب مرتفات الجولان ما بين سوريا والاردن وشرق بحيرة طبريا
2- صحح إبن عساكر اسم سعيد بن زيد ب-(خالد بن سعيد) , وهو الأصح
3- تاريخ دمشق - إبن عساكر:16/66

شرحبيل) فهزم الله الروم وطلبوا الصلح، على أن يؤدوا الجزية، فأجابهم أبو عبيدة إلى ذلك وانصرف، وخلف عمرو بن العاص على باقي الأردن..) (1).

و قد ورد اسم خالد بن الوليد (2) في هذه المعركة جنباً إلى جنب مع هاشم المرقال, فقيل: (ثم حمل خالد بن الوليد وحمل معه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، في زهاء ألف رجل من أهل الصبر واليقين، فنقضوا تعبية الكفار

ص: 173


1- تاريخ اليعقوبي: 2/140
2- خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي) توفي سنة 21 ﻫ. ( صحابي وقائد عسكري.. فقبل إسلامه لعب دورًا حيويًا في انتصار قريش على قوات المسلمين في غزوة أحد، كما شارك ضمن صفوف الأحزاب في غزوة الخندق, قيل: اعتنق الإسلام بعد صلح الحديبية ،واختلفت الاقوال في سنة إسلامه والأكثر انه اسلم عام الفتح فيكون من الطلقاء , والذي جزم به الأكثر أن إسلامه كان سنة الفتح)فتح الباري 9/516( شارك في حملات مختلفة في عهد الرسول (صلی الله علیه و آله) ، أهمها غزوة مؤتة وفتح مكة. وفي عام 638، وهو في أوج انتصاراته العسكرية، عزله الخليفة عمر بن الخطاب من قيادة الجيوش ثم انتقل إلى حمص حيث عاش لأقل من أربع سنوات حتى وفاته ودفنه بها. غضب النبي (صلی الله علیه و آله) على خالد لما بعثه إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً, فقتل خالد بعضهم, فقال النبي (صلی الله علیه و آله) : [اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالدْ]مرتين. (صحيح البخاري : باب بعث النبي خالد بن الوليد, وباب رفع الأيدي في الدعاء, مسند أحمد 2 /150, مشكل الأثار 4/ 254, صحيح النسائي : باب الرد على الحاكم إذا قضى بغير الحق, فتح الباري 8/ 46, تاريخ الطبري 3 /124, اسد الغابة 2 /94, كنز العمال 6 /420).وكان سبب موقف الخليفة منه أن خالداً قتل مالك بن نويرة وهو مسلم ودخل بزوجته. (تاريخ الطبري 2 / 502, الاصابة 1 / القسم الأول / 414, الطبقات الكبرى 7 / ق 2 / 120).

وكسروا صفوفهم بعضها على بعض ) (1), وهي مجانبة للحقيقة, فإن القائد الذي شارك المرقال هو خالد بن سعيد – كما سيمر- .

ص: 174


1- الفتوحات – إبن الأعثم:1/151

معركة اليرموك

ص: 175

ص: 176

ص: 177

ص: 178

كانت معركة اليرموك ضخمة لحجم القوات التي حشدها الروم فإن (المسلمين كانوا أربعة وعشرين ألفا وعليهم أبو عبيدة بن الجراح، والروم عشرون ومائة ألف عليهم ماهان وسقلان) (1), ولبى هاشم المرقال دعوة النجدة بسبعمئة من المقاتلين( فلما وصلوا إلى عين التمر - من ارض العراق - استعجل للنصرة، فترك الجيش وسار في سبعين فارسا، وأتت بقية السبعمائة بعد ذلك، وكان معه قيس بن عبد يغوث وقيس بن أبي حازم وسعيد بن نزار ومالك الأشتر النخعي، فتقدم هاشم - المرقال - وقيس معه في السبعين) (2), وهكذا اشترك الشهيد في معركة اليرموك، وأصيبت إحدى عينيه, فقد (ذهبت يوم اليرموك عين الأشعث بن قيس، وعين هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري، وهو المرقال، وعين قيس بن مكشوح (3), واستشهد عامر بن أبي وقاص الزهري، وهو الذي كان

ص: 179


1- تاريخ دمشق - إبن عساكر: 2 / 143
2- الفتوح – إبن الأعثم: 2 / 192
3- قيس بن مكشوح المرادي، وهو صحابي كتب له النبي (صلی الله علیه و آله) ليساعد في قتل مدعي النبوة الأسود العنسي، وكانت له أدوار بطولية وقيادية في الفتوحات، فقد شارك في معركة اليرموك وسارع مع هاشم المرقال الى العراق، فحضر القادسية وكان قائد ميسرتها، وكان قائداً فيما بعدها من معارك . وهو من كبار أصحاب علي (علیه السلام) ، واستشهد معه في صفين .

قدم الشام بكتاب عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة بولايته الشام) (1). وكانت معركة حامية الوطيس مع هرقل ملك الروم ثبت أن هاشم كان بطلها، فهو الذي صال بين الجيوش بزهو وبعزيمة لا تعرف الملل ولا الكلل، حتّى عرف عنه المسلمون الشيء الكثير، ورأت القيادة الإِسلاميّة البطولة المتجسّمة في المرقال، فسلمت له إمرة المشاة في جيش المسلمين وجيش المشاة أساس الحرب، ومدار القتال.

وما أن تسلّم هاشم مركزه الجديد، حتّى صمّم على أن يضرب مثلاً أعلى للبطولة في ذلك اليوم، وكان ما أراد، فقد زحف بعدّته نحو جيش هرقل، يرقل براية الإسلام، وينتقل بين الصفوف، وصار على مقربة من سرادق قائد الكفّار.. فاضطرب وخرج هارباً مضطرباً، يصيح بالروم، ويشجّع بهم، وكانت لحظات حاسمة، تزأر فيها العقيدة، وتصرخ في وسطها البطولة وزحف المسلمون وراء هاشم، وهو المقدام، وانتفض الروم وهم في حملتهم الأخيرة، ودارت رحى الحرب قاسية وشديدة.

ص: 180


1- فتوح البلدان - البلاذري:1/160

وفي حملة واحدة من الجانبين، وجه جيش الروم نبالهم يرشقون أبطال المسلمين، فما هي إلاّ جولة حتّى أُصيب سبعمائة مسلم، من قائد وزعيم بأعينهم، وشاع في الناس الذعر، حتّى قيل عن ذلك اليوم يوم التعوير.

ص: 181

معركة القادسية

ص: 182

ص: 183

تكبد المسلمون خسائر كبرى في معارك العراق فطلبوا الإمداد (ولما أصبح القوم من الغد أصبحوا على تعبية، وقد وكل سعد رجالاً بنقل الشهداء إلى العذيب، ونقل الرثيث.. فلما استقلت بهم الإبل وتوجهت بهم نحو العذيب، طلعت نواصي الخيل من الشام.. وهم ستة آلاف خمسة آلاف من ربيعة ومضر، وألف من أفناء اليمن ومن أهل الحجاز، وأمَّر عليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص..فقدم على الناس صبيحة يوم أغواث وجعلت خيله ترد قِطعاً ومازالت ترد إلى الليل، وتَنَشَّطَ الناس وكأن لم يكن بالأمس مصيبة...فاجتلدوا بها حتى المساء ، فلم ير أهل فارس في هذا اليوم شيئاً مما يعجبهم ، وأكثر المسلمون فيهم القتل ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فيل! كانت توابيتها تكسرت بالأمس فاستأنفوا علاجها حين أصبحوا) (1).

ص: 184


1- تاريخ الطبري:1/51

ص: 185

و بحنكة عسكرية وقدرات مهارية فذة قسم هاشم رضوان الله عليه صفوف مقاتليه الذين قدم يقودهم لنصرة جيش العراق الذي اقتتل قتالا شديدا وأثخن بالجراح (وإذا بعسكر لجب قد أقبل من ناحية الشام ، فلما نظر المسلمون إليه فزعوا وظنوا أنه كمين للفرس وإذا هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص قد جاء من الشام بكتاب عمر بن الخطاب (رضی الله عنه) وجه به أبو عبيدة بن الجراح في عشرة آلاف. فلما أشرف هاشم بن عتبة على عسكر عمه سعد بن أبي وقاص عبى من كان معه عشرة كراديس، في كل كردوس ألف فارس، وأقبل هاشم في الكردوس الأول وجعلت الكراديس تأتي كردوسا بعد كردوس ويختلطون بالمسلمين، فلما نظرت الفرس إلى ذلك فزعوا وامتلأت قلوبهم خوفا وفزعا ورعبا) (1).

وهكذا سارع هاشم في نخبة من جيش المسلمين من الشام الى العراق بعد اليرموك مباشرة، للمشاركة في معركة القادسية. وكان فيها من قادة الجيش الذي كان بأمرة عمه سعد (2), وكان مع المرقال: (خمسة آلاف من مضر وربيعة

ص: 186


1- الفتوح إبن الأعثم : 1/ 166
2- لم يبرز سعد بن أبي وقاص يوماً لفارس، ولا شارك بجدية في حملة أبداً! وإذا حضر المعركة يحفظ نفسه في الخط الخلفي في مكان آمن. وقد كان قائد معركة القادسية، فوكل بها رجلاً وقعد في قصر العذيب مدعياً أن في فخذه دُمَّلاً، حتى عيرته زوجته والمسلمون ووصفوه بالجُبن.

، وألف من أفناء المسلمين، عليهم المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وكان فتح الشأم قبل القادسية بشهر، فأصبحوا في اليوم الثالث على مواقفهم، وأخرج رستم الفيلة فلما نظرت إليها الكتائب كادت أن تفترق، ثم حمل المسلمون عليها ففقأوا أعينها وقطعوا مشافرها .

ص: 187

ص: 188

وزحف المسلمون وأصبحوا في اليوم الرابع وللمسلمين العلو، وقتل رستم، وقع عليه عدل كان على بغل فقتله، وكان الذي طرح عليه العدل هلال بن علفة، وصعد على سريره وصاح: قتلت رستم ورب الكعبة، إليَّ إلي! وقيل: قتله زهير بن عبد شمس ابن أخ جرير بن عبد الله، وقتل منهم مقتلة عظيمة وانكشفوا مدبرين، وجمعت الأموال والأسلاب وبيع سلب رستم فبلغ سهم الرجل لكل فارس أربعة عشر ألفاً، وسهم الراجل سبعة آلاف ومائة، ورضخ لعيال الشهداء من صلب الفيء، ورضخ للنساء من صلب الفيء، فأما العبيد فإنهم عفواً، وأوفد سعد إلى عمر وفداً فأجازهم عمر ثمانين ديناراً ثمانين ديناراً. وكان بالقادسية من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) من أهل بدر سبعون رجلاً، ومن أهل بيعة الرضوان ومن شهد الفتح مائة وعشرون، ومن أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) مائة. ونفرت جميع الفرس إلى المدائن منهزمين، لا يلوون على شيء، ويزدجرد الملك بها، فاتبعهم هاشم بالمسلمين فحاصرهم شهراً وخمسة عشر يوماً ثم خرج الفرس هاربين ، وفتحت المدائن، وقيل إن ذلك كان في سنة 16 ) (1).

وكان تحرك تلك الجيوش بأمر من عمر بن الخطاب فقد (قدم على أبي عبيدة كتاب عمر بأن اصرف جند العراق إلى العراق وأَمُرهم بالحث، إلى سعد بن

ص: 189


1- تاريخ اليعقوبي:2/144

مالك. فأمَّر على جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمر بن مالك الزهري وربعي بن عامر، وضربوا بعد دمشق نحو سعد، فخرج هاشم نحو العراق في جند أهل العراق، وخرج القواد نحو فحل، وأصحاب هاشم عشرة آلاف، إلا من أصيب منهم، فأتموهم بأناس ممن لم يكن منهم ، منهم قيس (1) والأشتر (2)) (3), وتخير أبو عبيدة قادة الإمداد (بتسعة عشر رجلاً ممن شهد اليرموك، منهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي (4)، وطليحة بن خويلد الأسدي، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري، والأشعث بن قيس الكندي، وقيس بن مكشوح المرادي) (5).

وحين قدم هاشم في أهل العراق من الشام (تعجل في أناس ليس معه أحد من غيرهم إلا نفر، منهم ابن المكشوح، فلما دنا تعجل في ثلاث مائة، فوافق الناس وهم على مواقفهم فدخلوا مع الناس في صفوفهم, وقدم هاشم بن عتبة

ص: 190


1- قيس بن سعد بن عبادة , كان جريحاً فبقي في الشام , ولم يشارك في القادسية.
2- كان الأشتر يطارد جيش الروم ، حتى وصل بهم الى جبال اللكام في تركيا.
3- تأريخ الطبري:2/627
4- عمرو بن معدي كرب الزبيدي، كان قائداً في معركة اليرموك، ثم سارع مع هاشم المرقال الى القادسية وشارك فيها، ثم في معركة جلولاء وحلوان، وتستر واستشهد في فتح تستر .
5- تاريخ دمشق- إبن عساكر:49/496

القادسية يوم عماس، فكان لا يقاتل إلا على فرسن أنثى لا يقاتل على ذكر، فلما وقف في الناس رمى بسهم فأصاب أذن فرسه، فقال: واسوأتاه من هذه، أين ترون سهمي كان بالغاً ولم يصب أذن الفرس؟ قالوا: كذا وكذا . فأجال فنزل وترك فرسه، ثم خرج يضربهم حتى بلغ حيث قالوا) (1).

وتبدو رؤية القائد العسكري الملهم واضحة في إصراره على سرعة الوصول حين (تعجل في سبعين فيهم سعيد بن نمران الهمداني . قال مجالد: وكان قيس بن أبي حازم مع القعقاع في مقدمة هاشم.. فتعجل في أناس ليس معه أحد من غيرهم إلا نفر، منهم ابن المكشوح، فلما دنا تعجل في ثلاث مائة فوافق الناس وهم على مواقفهم فدخلوا مع الناس في صفوفهم.. كان اليوم الثالث يوم عماس ولم يكن في أيام القادسية مثله، خرج الناس منه على السواء كلهم على ما أصابه كان صابرا) (2). فأقبل هاشم المرقال حتى إذا خالط القلب كبَّر فكبر المسلمون، وقد أخذوا مصافهم وقال هاشم: أول القتال المطاردة ثم المراماة فأخذ قوسه فوضع سهماً على كبدها ثم نزع فيها..وأقبلت الفيلة معها الرجالة يحمونها أن تقطع وضنها، ومع الرجالة فرسان يحمونهم، إذا أرادوا كتيبة دلفوا لها بفيل واتباعه لينفروا بهم خيلهم، فلم يكن ذلك منهم كما كان بالأمس لأن

ص: 191


1- تاريخ الطبري:3/60
2- المصدر نفسه :3/60

الفيل إذا كان وحده ليس معه أحد كان أوحش، وإذا أطافوا به كان آنس فكان القتال كذلك، حتى عدل النهار وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديداً، العرب والعجم فيه على السواء، ولا يكون بينهم نقطة إلا تعاورها الرجال بالأصوات، حتى تبلغ يزدجرد فيبعث إليهم أهل النجدات ممن بقى عنده فيقوون بهم.

وفي القادسية (لما ذر قرن الشمس والقعقاع يلاحظ الخيل وطلعت نواصيها كبَّر وكبر الناس وقالوا جاء المدد، وقد كان عاصم بن عمرو (1) أمر أن يصنع مثلها ، فجاؤوا من قبل خفان فتقدم الفرسان وتكتبت الكتائب، فاختلفوا الضرب والطعن ومددهم متتابع، فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى إليهم هاشم وقد طلعوا في سبع مائة، فأخبروه برأي القعقاع وما صنع في يوميه، فعبأ أصحابه سبعين سبعين فلما جاء آخر أصحاب القعقاع خرج هاشم في سبعين معه، فيهم قيس بن هبيرة بن عبد يغوث (2)، ولم يكن من أهل الأيام إنما أتى من

ص: 192


1- عاصم بن عمرو التميمي أحد زعماء بني تميم وفرسانهم.. أرسله سعد بن ابي وقاص مع بعض زعماء العرب لمقابلة كسرى ملك الفرس.. ذكر أنه قائد الكتيبة الخرساء في المعركة.
2- قيس بن المكشوح عبد يغوث بن هبيرة البجلي، حليف مراد، وكان سيد مراد، وابنه قيس كان فارس مذحج، وهو الذي قتل الأسود العنسي قُتل قيس بن مكشوح بصفيّن مع علي -- رضي الله عنه -- وكان يومئذ صاحب راية بجيلة، وكانت فيه نجدة وبسالة، وكان قيس شجاعًا فارسا بطلا شاعرا (الاستيعاب في معرفة الأصحاب)

اليمن اليرموك فانتدب مع هاشم، فأقبل هاشم حتى إذا خالط القلب كبَّر، كبر المسلمون وقد أخذوا مصافهم ..

وقد بات المشركون في علاج توابيتهم حتى أعادوها وأصبحوا على مواقفهم، وأقبلت الفيلة معها الرجالة يحمونها أن تقطع وُضُنُها، ومع الرجالة فرسان يحمونهم، إذا أرادوا كتيبة دلفوا لها بفيل وأتباعه لينفروا بهم خيلهم، فلم يكن ذلك منهم كما كان بالأمس، لأن الفيل إذا كان وحده ليس معه أحد كان أوحش، وإذا أطافوا به كان آنس، فكان القتال كذلك حتى عدل النهار، وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديداً، العرب والعجم فيه على السواء، ولا يكون بينهم نقطة إلا تعاورها الرجال بالأصوات (كالبريد) حتى تبلغ يزدجرد، فيبعث إليهم أهل النجدات، ممن بقى عنده فيقوون بهم، وأصبحت عنده للذي لقى بالأمس الإمداد على البرد، فلولا الذي صنع الله للمسلمين بالذي ألهم القعقاع في اليومين، وأتاح لهم بهاشم لكسر ذلك المسلمين) (1).

وسطر الصحابي الشهيد ملاحم خالدة في معركة القادسية, بحملاته على أعدائه (فانهزموا حتى انتهوا إلى الصراة، فطلبناهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن ، فكان المسلمون بكوثى وكان مسلحة المشركين بدير المسلاخ، فأتاهم المسلمون فالتقوا فهزم المشركون حتى نزلوا بشاطئ دجلة، فمنهم من عبر من

ص: 193


1- تاريخ الطبري:3/59

كلواذى ومنهم من عبر من أسفل المدائن. وعلى مقدمة سعد هاشم بن عتبة) (1).

ص: 194


1- تاريخ الطبري:3/16

معركة الكوفة

ص: 195

وهي معركة حدثت بين جيش المسلمين وبين بقايا الجيوش الفارسية بين الكوفة وبابل (1), بعد معركة القادسية وقبل معركة المدائن (2), وقد أهمل

ص: 196


1- بابل مدينة عراقية كانت عاصمة البابليين أيام حكم حمورابي حيث كان البابليون يحكمون أقاليم ما بين النهرين وحكمت سلالة البابليين الأولى تحت حكم حمورابي (1792-1750) قبل الميلاد في معظم مقاطعات ما بين النهرين، وأصبحت بابل العاصمة التي تقع علي نهر الفرات. التي اشتهرت بحضارتها. وبلغ عدد ملوك سلالة بابل والتي عرفت (بالسلالة الآمورية(العمورية)) 11 ملكا حكموا ثلاثة قرون(1894 ق.م. -1594 ق. م.). في هذه الفترة بلغت حضارة المملكة البابلية أوج عظمتها وازدهارها وانتشرت فيها اللغة البابلية بالمنطقة كلها، حيث ارتقت العلوم والمعارف والفنون وتوسعت التجارة لدرجة لا مثيل لها في تاريخ المنطقة. وكانت الإدارة مركزية والبلاد تحكم بقانون موحد، سُنة الملك حمورابي لجميع شعوبها. وقد دمرها الحيثيون عام 1595 ق.م. حكمها الكاشانيون عام 1517 ق.م. وظلت منتعشة ما بين عامي 626 و539 ق.م. حيث قامت الإمبراطورية البابلية وكانت تضم من البحر الأبيض المتوسط وحتى الخليج العربي. إستولى عليها قورش الفارسي سنة 539 ق.م وقتل اخر ملوكها بلشاصر. وكانت مبانيها من الطوب الأحمر. واشتهرت بالبنايات البرجية (الزيجورات). وكان بها معبد إيزاجيلا للإله الأكبر مردوخ (مردوك).والآن أصيحت أطلالا. عثر بها علي باب عشتار وشارع مزين بنقوش الثيران والتنين والأسود الملونة فوق القرميد الأزرق.
2- (المدائن) تسمية عراقية آرامية تعني (عدة مدن). وهي تقع على نهر دجلة جنوب شرق بغداد حالياً. في البداية حملت اسم (سلوقيا) نسية الى الملك اليوناني (سلوقوس) وريث الاسكندر المقدوني. وقد قرر ان يجلعها عاصمة امبراطوريته الشرقية. وفي عام 129 ق.م. عندما ضم الأرساسيون (البارثيون) بلاد بابل، وجدوا طيسفون مقرا ً مريحا ً للإقامة ومعسكرا ً فأصبحت العاصمة الشتوية للإمبراطورية البارثية. بدأت الاحتلالات الرومانية للمجمع مع الإمبراطور تراجان في 116 م.، وبعد ذلك على الفور قُضي على الثقافة اليونانية المحلية. ومن اندماج الضفتين (سلوقيا) و(طيسفون) تكونت (المدائن)، التي اصبحت ايضا العاصمة الشتوية في أيام الإمبراطورية الساسانية. وهي موقع اشتهر ببقايا قاعةٍ ذات قوس ضخم، هو طاق كسرى، التي اعتبرت تقليديا ً قصرا ً للملك الساساني خسرو الأول (حكم للفترة 531 – 578 م)، بالرغم من أن سابور الأول (حكم للفترة 241 – 272 م) نفذ أيضا ً أعمالا ً في الموقع. وفيما بعد أصبحت سلوقية وطيسفون مدينة واحدة مزدوجة. وفي 637 فتح العرب مجمع المدينة، وفي البداية استخدموا طاق كسرى مسجدا ً مؤقتا ً. وفي 763 عندما أسس الخليفة المنصور بغداد، هُجرت طيسفون.

المؤرخون الحديث عن هذه المعركة, ولكن يمكن الاستدلال عليها من شعر الشهيد المرقال الذي وصف تلك المعركة بالزحف المقدم, بقوله :

يومُ جلولاءٍ ويومُ رستمِ *** ويومُ زحفِ الكوفة المقدم (1)

والذي يبدو من خلاله أن ثقل المعركة كان على الشهيد الكبير رضوان الله تعالى عليه.

ص: 197


1- تاريخ الطبري:3/80

معركة النهر

ص: 198

وهي الأخرى معركة أهملها الرواة, وظهرت في شعر شهيد صفين, وكانت المعركة فيه مع كتائب حرس كسرى الخاصين ويسمون كتيبة بوران، وقد برز قائدهم فبرز اليه هاشم المرقال وقتله, فأشار اليها وسماها يوم النهر الذي يبدو أنه نهر دجلة بقوله رضوان الله تعالى عليه:

يومُ جلولاءٍ ويومُ رستمِ *** ويومُ زحفِ الكوفة المقدم (1)

وبتتبع إشارة المرقال يتوضح لنا تسلسل هذه المعارك وهي يوم جلولاء، ويوم القادسية التي كان قائدها الفارسي رستم، ويوم زحف الكوفة ، ويوم عرض النهر , وهي معارك قاسية شديدة, شاب لها شعره المتدلي من الرأسِ بين العين والأذن بسبب لهيب وقعها, كما أشار الشهيد بقوله :

يومُ جلولاءٍ ويومُ رستمِ *** ويومُ زحفِ الكوفة المقدم

ص: 199


1- تاريخ الطبري:3/80

معركة المدائن

ص: 200

ص: 201

لما فرغ سعد بن أبي وقاص من وقعة القادسية حاصر المسلمون المدائن شهوراً، وقيل تسعة أشهر، وقيل أكثر من ذلك, وكانوا يترامونهم بالمنجنيق والسهام, ويروى أن المدائن كانت سبعة منها بَهُرَ سِير (1), التي ورد أن جيش المسلمين (فتحها وأقام عليها تسعة أشهر وقيل ثمانية، حتى أكلوا الرطب مرتين، ثم عبر دجلة فهرب منهم يزدجرد، وذلك في سنة خمس عشرة وست عشرة) (2) , وكانت هناك معركة كبيرة فقد (نزل المسلمون على بهرسير وعليها خنادقها وحرسها وعدة الحرب فرموهم بالمجانيق والعرادات، فاستصنع سعد شيرزاذ المجانيق فنصب على أهل بهرسير عشرين منجنيقاً ، فشغلوهم بها) (3), و(لما نظر سعد إلى ذلك دعا سرزاد وقال له: إن أهل هذا البلد لم يتركوا للصلح موضعاً، وأريد منكم أن تصنعوا لنا مجانيق ففعل سرزاد وعمل مجانيق، فما مضت ثلاثة أيام حتى صنع له ذلك ونصب له ذلك على نهمشير، أكثر من عشرين منجنيقاً فأشغلوهم بها عن قتال المسلمين، والعرب فرحت بذلك ، فلما

ص: 202


1- بَهُرَ سِير.. إحدى المدائن السبع التي سميت بها المدائن.. كأن معناه خير مدينة أردشير، وهي في غربي دجلة، وقد خربت مدائن كسرى ولم يبق ما فيه عمارة غيرها، وهي تجاه الإيوان، لأن الإيوان في شرقي دجلة وهي في غربيه..( معجم البلدان:1/515)
2- معجم البلدان- ياقوت الحموي:1/515
3- تاريخ الطبري:3/117

طال على البلد الحصار خرجوا يقاتلون المسلمين وتبايعوا على الصبر ، فقاتلهم المسلمون قتالاً شديداً ، وترامت الفرس بنشابها والعرب بنبالها) (1).

وهنا ظهرت شجاعة هاشم وبطولته ، مقتدياً بإمامه ومولاه أمير المؤمنين (علیه السلام) (فلما ترتبت الصفوف كان أول من برز واشتهر وسما وافتخر فيروز ورطن بالفارسية وقال: يا هؤلاء العرب لقد أطمعتم أنفسكم فيما لا تصلون اليه، وساءت ظنونكم وزعمتم أنكم تملكون العراق وتأخذونه من أيدي الأكاسرة، وهذا ظن لا يصير أبداً! ونحن كتيبة كسرى أولوا الشدة والباس والقوة والمراس، وأنا مقدمهم والرئيس فيهم، فليبرز إليَّ مقدمكم ويفعل مثل ما فعلت أنا من بين قومي. قال فما استتم كلامه حتى خرج اليه هاشم بن المرقال يجر قناته من ورائه، وحمل عليه وحصل بينهما حرب يشيب منها الطفل، ثم إن هاشماً طعنه في صدره فأطلع السنان من ظهره! قال: فلما قتله هاشم ورجع إلى المسلمين قبَّله سعد بين عينيه.. فكتب سعد إلى أمير المؤمنين.. وإننا نزلنا على نهمشير بعد ما لقينا فيما بين القادسية ونهمشير عسكراً مع قرط بن فيروز، وظفرنا الله به وبمن معه، وإن فيروز قتله هاشم، وانهزم من بقي معه، ونزلنا

ص: 203


1- فتوح الشام - الواقدي:2/197

بعد ذلك على نهمشير، وبثثنا عساكرنا فأصابوا من الفلاحين ألف نفر فما رأيك فيهم؟) (1).

ثم (صالح أهل الرومية وبهرسير، ثم افتتح المدائن وأخذ أسبانبر وكردبنداذ عنوة ، فأنزلها جنده فاحتووها) (2), واستمر حصار المدائن شهرين، حتى هرب يزدجرد، فدخلوها بدون مقاومة, وأنشد عاصم بن عمر في ذلك:

(شهدنا بعون الله أفضل مشهد *** بأكرم من يقوى على كل موكب

ركبنا على الجرد الجياد سوابحاً *** بكل قناة بل بكل مقضب

وكنا بعون الله لا نرعوي إذا *** تبادر طعن كالغمام المشطب

وكان جهاد قد ملكنا بأمره *** من الملك مستعلى البناء المذهب

ترانا وإنّا في الحروب أسودها *** لنا العزم لا يخفى لكل مجرب

نجول ونحمي والرماح شوارع *** ونطعن يوم الحرب كل مخبب

قدمنا على كسرى بشدة حربنا *** وما حربنا في النائبات بمختبي) (3)

وتفرغ عدد كبير من جيش المسلمين لجمع الغنائم أو الإستحواذ عليها لنفسه, وهي غنائم كان يصعب على أولئك تصورها وتصور قيمتها فقد ضمت كميات

ص: 204


1- فتوح الشام - الواقدي: 2/197
2- فتوح البلدان- البلاذري: 2/338
3- فتوح الشام - الواقدي:2/209

كبيرة من الذهب والفضة والمجوهرات ونوادر الأحجار, فعن عبد الله بن محفَّز عن أبيه قال: (إني لفي أوائل الجمهور مدخلهم ساباط ومظلمها، وإني لفي أوائل الجمهور حين عبروا دجلة ودخلوا المدائن، ولقد أصبت بها تمثالاً لو قسم في بكر بن وائل لسد منهم مسداً، عليه جوهر فأديته، فما لبثنا بالمدائن إلا قليلاً حتى بلغنا أن الأعاجم قد جمعت لنا بجلولاء جمعاً عظيماً، وقدموا عيالاتهم إلى الجبال، وحبسوا الأموال ) (1).

ص: 205


1- تاريخ الطبري:3/134

معركة جلولاء

ص: 206

اتخذ الفرس جلولاء (1) مركزاً لتجميع القوات الآتية من أنحاء إيران لنجدة يزدجرد في المدائن. وعندما انهزم يزدجرد في المدائن هرب الى خانقين مع من بقي من جيشه، ثم هرب في مجموعة قليلة الى حلوان (2) ، ثم الى أصفهان .

وكانت جلولاء تسمى فتح الفتوح إذ تجمَّع في جلولاء جيش الفرس في مئة ألف كما روي، وجاءهم جيش المسلمين وكان اثني عشر ألفاً بقيادة هاشم المرقال، وروي أربع وعشرون ألفاً. قصد هاشم تجمع الفرس في جلولاء وخانقين، بعد قيادته فتح المدائن، فإن(الفرس هربت من دير قرة إلى المدائن يريدون نهاوند، واحتملوا معهم الذهب والفضة والديباج والفرند والحرير والسلاح وثياب كسرى وبناته، وخلوا ما سوى ذلك، وأتبعهم سعد الطلب من المسلمين، فبعث خالد بن عرفطة (3)حليف بني أمية، ووجه معه عياض بن

ص: 207


1- تقع جلولاء في شمال شرق بغداد قرب الحدود العراقية الإيرانية، وتبعد عن بغداد خوالي مئة وثمانين كيلو متراً
2- وتسمى ايضا (ألَوان وهي مدينة أَلْوَنْد في العراق)
3- خالد بن عرفطة بن أبرهة بن سنان الليثي توفي بالكوفة سنة 60 - 61إستخلفه سعد بن أبي وقاص على الكوفة من قبل معاوية (أسد الغابة 2 /87 . الاصابة 1 /409 . الاستيعاب 1 / 413).. وعن أم حكيم بنت عمرو (بنت عمرو بن سفيان الخولية. كانت من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ) قالت: خرجت، وأنا أشتهي أن أسمع كلام علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، فدنوت منه وفي الناس رقة، وهو يخطب على المنبر، حتى سمعت كلامه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين إستغفر لخالد بن عرفطة، فإنه قد مات بأرض تيماء (بليد في أطراف الشام، بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق) فلم يرد عليه، فقال: الثانية فلم يرد عليه، ثم قال: الثالثة، فالتفت إليه فقال: أيها الناعي خالد بن عرفطة كذبت، والله ما مات، ولا يموت حتى يدخل من هذا الباب، يحمل راية ضلالة، قالت: فرأيت خالد بن عرفطة يحمل راية معاوية حتى نزل نخيلة وأدخلها من باب الفيل (خصائص الأئمة :44)

غنم (1) في أصحابه، وجعل على مقدمة الناس هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى ميمنتهم جرير بن عبد الله البجلي (2)، وعلى ميسرتهم زهرة بن حوية التميمي (3)، وتخلف سعد لما به من الوجع، فلما أفرق سعد من وجعه ذلك اتبع الناس بمن بقى معه من المسلمين حتى أدركهم دون دجلة على بهرسير.

فلما وضعوا على دجلة العسكر والأثقال طلبوا المخاضة فلم يهتدوا لها حتى أتى سعداً علج من أهل المدائن فقال: أدلكم على طريق تدركونهم قبل أن يمعنوا

ص: 208


1- عياض بن غنم بن زهير الفهري القرشي صحابي أسلم قبل صلح الحديبية وكان قد شهدها أرسله الخليفة أبو بكر الصديق لغزو العراق وعمل تحت قيادة خالد في العراق وبعدها في الشام ضد الروم. وكان مع أبي عبيدة بن الجراح في فتح شمال سوريا وينسب إليه فتح حلب وإعزاز ، وشهد اليرموك وكان من أمراء الكراديس فيها.
2- مرّت ترجمته.
3- زهرة بن حوية التميمي السعدي: صحابي، من أشراف الكوفة وشجعانها المقدمين. شهد القادسية وكثيرا من الوقائع واشتهر، وعاش إلى أن صار شيخا كبيرا لا يستتم قائما حتى يؤخذ بيده، فانتدبه الحجاج الثقفي لقتال شبيب الخارجي، على أن يكون أميرا لجيش العراق والشام، وعدته خمسون ألفا، فاعتذر بشيخوخته وقال: إنما أكون في ذلك الجيش وأميره غيري، فبعثه مع عتاب بن ورقاء، فانهزم الجيش وقتل عتاب، وثبت زهرة فاقتحمته الخيل فسقط إلى الارض يذب بسيفه ولا يستطيع أن يقوم، فجاءه الفضل بن عامر الشيباني، فقتله.( إبن الأثير 4: 162(

في السير، فخرج بهم على مخاضة بقطربل فكان أول من خاض المخاضة هاشم بن عتبة في رجله فلما جاز اتبعته خيله، ثم أجاز خالد بن عرفطة بخيله، ثم أجاز عياض بن غنم بخيله، ثم تتابع الناس فخاضوا حتى أجازوا، فزعموا أنه لم يهتد لتلك المخاضة بعد .

ثم ساروا حتى انتهوا إلى مظلم ساباط فأشفق الناس أن يكون به كمين للعدو فتردد الناس وجبنوا عنه، فكان أول من دخله بجيشه هاشم بن عتبة، فلما أجاز ألاح للناس بسيفه، فعرف الناس أن ليس به شيء تخافونه، فأجاز بهم خالد بن عرفطة، ثم لحق سعد بالناس حتى انتهوا إلى جلولاء وبها جماعة من الفرس فكانت وقعة جلولاء بها فهزم الله الفرس، وأصاب المسلمون بها من الفيء أفضل مما أصابوا بالقادسية، وأصيب ابنة لكسرى يقال لها منجانة، ويقال بل ابنة ابنه) (1).

وكان هاشم (فَصَل بالناس من المدائن في صفر سنة ست عشرة في اثني عشر ألفاً ، منهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب ، ممن ارتد وممن لم يرتد ، فسار من المدائن إلى جلولاء أربعاً، حتى قدم عليهم وأحاط بهم، فحاصرهم وطاولهم أهل فارس، وجعلوا لا يخرجون عليهم إلا إذا أرادوا وزاحفهم

ص: 209


1- تاريخ الطبري:3/79

المسلمون بجلولاء ثمانين زحفاً، كل ذلك يعطى الله المسلمين عليهم الظفر، وغلبوا المشركين على حسك (1) الخشب، فاتخذوا حسك الحديد) (2).

وقد وهم من ذكر أن سعد بن أبي وقاص كان على الجيش الذي قصد المدائن ف-(سعداً ارتحل بعد الفراغ من أمر القادسية كله.. ثم أتبعهم هاشم بن عتبة وقد ولاه خلافته عمل خالد بن عرفطة، وجعل خالداً على الساقة، ثم أتبعهم وكل المسلمين فارس مؤد، قد نقل الله إليهم ما كان في عسكر فارس من سلاح وكراع ومال، لأيام بقين من شوال ..) (3), وورد أن (سعداً قدَّم زهرة (4) إلى بهرسير فمضى زهرة من كوثي في المقدمات حتى ينزل بهرسير، وقد تلقاه شيرزاذ بساباط بالصلح وتأدية الجزاء، فأمضاه إلى سعد، فأقبل معه وتبعته المجنبات .

ص: 210


1- الحسك ، قطع مسننة من حديد أو خشب ترمى على الأرض لتدوسها الخيل فتعقر أقدامها أو تصاب .
2- تاريخ الطبري:3/134
3- المصدر نفسه:3/113
4- زهرة بن حوية .. مرّت ترجمته

وخرج هاشم وخرج سعد في أثره، وقد فلَّ زهرة كتيبة كسرى بوران حول المظلم (1)، وانتهى هاشم إلى مظلم ساباط (2) ووقف لسعد حتى لحق به، فوافق ذلك رجوع المُقَرَّط أسدٌ كان لكسرى قد ألَّفه وتخيَّره من أسود المظلم (3), وكانت به كتائب كسرى التي تدعى بوران، وكانوا يحلفون بالله كل يوم لا يزول ملك فارس ما عشنا. فبادر المقرط الناس حين انتهى إليهم سعد ، فنزل إليه هاشم فقتله، فقبَّل سعد رأس هاشم) (4), و(قيل نظر هاشم إلى الناس قد أحجموا ووقفوا فقال: ما لهم؟ فقيل له: أسد قد منعهم، ففرج هاشم الناس وقصد له فثاوره الأسد وضربه هاشم فقطع وصليه كأنما احتدم غضباً، ووقعت الضربة في خاصرته) (5).

وهكذا نرى بوضوح أن سعد بن أبي وقاص كان والياً للعراق ، لكنه لم يباشر الحرب بنفسه، بل اعتمد على خالد بن عرفطة العذري وهو كالمراسل عنده فجعله خليفته في معركة القادسية. وقد اتفق الرواة على أن سعداً عندما رأى

ص: 211


1- تشير الروايات إلى أن الذي فلَّ كتيبة كسرى أو كتيبة بوران بقتل قائدها هو هاشم (رضی الله عنه) ، وليس زهرة بن حوية
2- نفق ساباط
3- أسود حماية النفق
4- تاريخ الطبري:3/116
5- الروض المعطار:297

المعركة اقتربت، ذهب من القادسية الى قصر العذيب، وهو يبعد عن القادسية بضع عشرة كيلومتر! وقد فضحت زوجة سعد جبنه، وابتعاده عن المعركة هذه المسافة الكبيرة، وقد زعموا أنه كان يدير المعركة من العذيب، ويصح التساؤل عن الداعي للإبتعاد عنها مسافة ثلاث ساعات مشياً أو ساعة للفارس المُجِدّ ! ( وكانت بسعد علة من خراج في فخذه قد منعه الركوب، فولى أمر الناس خالد بن عرفطة (1)، وولى القلب قيس بن هبيرة (2)، وولى الميمنة شرحبيل بن السمط (3) ، وولى الميسرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وولى الرجالة قيس بن خريم، وأقام هو في قصر القادسية مع الحرم والذرية )وكان عدد جيش المسلمين بضعة وثلاثين ألفاً ، وعلى كل عشرة جنود عريف ، وعلى المقدمة زهرة بن عبد الله بن الحوية (4)..

ص: 212


1- مرّت ترجمته.
2- مرّت ترجمته.
3- شرحبيل بن السمط بن جبلة الكندي صحابي شهد معركة القادسية وافتتح حمص وشهد معركة اليرموك ومعركة صفين إلى جانب معاوية وكان له أثر عظيم فيها( أسد الغابة : 2 / 621) تولى ولاية حمص لعشرين سنة ومات بها سنة 42ﻫ. (الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 2 / 256)
4- مرّت ترجمته.

وعلى الميمنة عبد الله بن المعتم (1)، وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي (2)، وعلى الساقة عاصم بن عمرو التميمي (3)، وعلى الطلائع سواد بن مالك التميمي (4)، وعلى المجردة سلمان بن ربيعة الباهلي (5)، وعلى الرجالة حمال بن مالك (6))..

ص: 213


1- عبد الله بن مالك بن المُعْتَم العَبْسي ذكر الطبري والباوردي أنه أحد التسعة الذين وفدوا على النبي (صلی الله علیه و آله) مِنْ عَبْس..وذكر أَبو عبيدَة أنه كان على إحدى المجنّبتين يوم القادسية. وقال إبن منده: عقد له النبي (صلی الله علیه و آله) لواءً أبيض. وله ذكر بالقادسية، ولا يعرف له رواية (4/ 191)
2- مرّت ترجمته.
3- مرّت ترجمته.
4- ذكره سيف في الفتوح، وأنّ سعد بن أبي وقاص أمَّره على أوّل سريّة خرجت له، وأمَّره مرة أخرى على الطلائع، ثمّ ذكر أنّه أغار لمّا حاصروا القادسية فغنم ثلاثمائة دابة فأوقرها وأتى بها فقسمت بين المسلمين. وروى الطبري عن سيف، قال: أمَّر سواد بن مالك على الطلائع.. ولعله من مئة وخمسين صحابيا مختلقا.
5- سلمان بن ربيعة بن يزيد الباهلي. أدرك النبي (صلی الله علیه و آله) ، وليس له صحبة، وهو أول من قضى بالكوفة، ثم قضى بالمدائن، قاله أبو نعيم. وقال إبن منده: ذكره البخاري في الصحابة، ولا يصح. شهد فتوح الشام مع أبي أمامة الباهلي، واستقضاه عمر على الكوفة، وكان يلي الخيل له، فكان يقال له: سلمان الخيل. وغزا سلمان بن ربيعة أذربيجان ثم غزا بلنجر في أقاصي أران والخزر، وقتل ببلنجر سنة 28 في خلافة عثمان(أسد الغابة : 1 / 461 )
6- حمّال بن مالك بن حمّال الأسدي وقد تفرَّد سيف بذكر تأمير حمَّال على الرّجل يوم القادسيّة, واخترع له أساطير كثيرة, رواها عنه الطبري, وأخذ من الطبري كلُّ من إبن الأثير وإبن كثير وإبن خلدون في تواريخهم، ثمّ جاء بعد هؤلاء بدهر إبن حجر واعتمد روايات سيف.

.. (1)، وكان رائدهم وداعيتهم سلمان الفارسي (رضی الله عنه) وحاول رواة السلطة أن يجعلوا العذيب قرب القادسية، وأن يزيدوا من وجع سعد ودمامله، ليستروا هروبه فقالوا: (وكان سعد يومئذ لا يستطيع أن يركب ولا يجلس، به حبوب فإنما هو على وجهه، في صدره وسادة هو مُكب عليها، مشرفٌ على الناس من القصر، يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عرفطة (2)، وهو أسفل منه ، وكان الصف إلى جنب القصر، وكان خالد كالخليفة لسعد) (3), وعبثوا بالجغرافيا فقالوا إن: (قادس قرية إلى جانب العذيب ، فنزل الناس بها ، ونزل سعد في قصر العذيب) (4), والحقيقة أن المسافة (من القادسية إلى العذيب وهي أول خط البادية، ستة أميال) (5), وأقصر مسافة حددها بعض المؤرخين بين قصر العذيب (وبين القادسية أربعة أميال) (6).

ص: 214


1- الكامل - إبن الأثير: 2 / 452
2- مرّت ترجمته.
3- تاريخ الطبري :3/42
4- المصدر نفسه :3/76
5- نزهة المشتاق - الشريف الإدريسي: 1/383
6- معجم البلدان- ياقوت الحموي:4/92

وحول تقاعس سعد عن المعارك, وانزواءه في قصر العندليب (شهد شاهد من أهلها ) فقد (جعلت امرأته وهي سلمى بنت حفصة من بنى تيم الله بن ثعلبة، امرأة المثنى بن حارثة (1) ، تقول: وامثنياه، ولا مثنى للخيل ! فلطمها، فقالت: يا سعد: أغيرة وجبناً) (2) .

كما أن بعض الإشارات عن جبن سعد رشحت بين روايات التاريخ فورد أنه قد (وقاتل المسلمون يومئذ وسعد في القصر ينظر إليهم ، فنُسب إلى الجبن ) (3),

ص: 215


1- المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان(الإصابة: 5/568 ) عرض المثنى على النبي (صلی الله علیه و آله) أن يحميه من قبائل العرب دون الفرس، فشكره النبي (صلی الله علیه و آله) وقومه ومدح صدقهم وأخلاقهم، وبشرهم بأن الله سيورثهم ملك كسرى .. كان إسلامه وقدومه في وفد قومه على النبي (صلی الله علیه و آله) سنة تسع، وقد قيل سنة عشر. وبعثه أبو بكر سنة 11 ﻫ. في صدر خلافته إلى العراق . كان المثنى شجاعاً شهماً بطلاً ميمون النقيبة ، حسن الرأي والإمارة، أبلى في حروب العراق بلاء لم يبلغه أحد .. هو وإخوته مسعود والمعنى وإبراهيم..و(كان المثنى وعشيرته من شيعة عل (علیه السلام) ، وكان أبناؤه وعشيرته مع علي (علیه السلام) في حرب الجمل، واستشهد فيها ابنه ثمامة( (أنساب الأشراف : 244) خاض المثنى وأبو عبيد معركتين، أبليا فيهما بلاء حسناً: النمارق، والجسر. واصل المثنى جهاده بعد معركة الجسر مباشرة، فأسر قائدين من الفرس وبعد انتصاره في معركة البويب، بسط المثنى غاراته ونفوذه على أكثر العراق، وعزله عمر عن القيادة, بسبب بروزه وفي أوج انتصارات المثنى وقبول جرير بقيادته، جاء سعد بن أبي وقاص وجاء معه أمر عمر المسلمين بالإنسحاب من العراق الى حدود الحجاز، فلم يرتض المثنى ذلك ، ومات فجأة بسبب غير مقنع.
2- فتوح البلدان - البلاذري: 2/316
3- تاريخ الطبري: 3/81 ومعجم البلدان :4/291

ولا ندري ما هي هذه القدرة الخارقة في عين سعد التي استطع أن ينظر بها عبر مسافة تزيد على أربعة أميال على الأقل!.

ولما جاء ابن أخيه هاشم من اليرموك جعله خليفته بدل ابن عرفطة .

ثم ذهب سعد الى المدائن، لكن بعد فتحها أو بعد أن حاصرها المسلمون شهوراً، وظهرت علائم فتحها .

ثم أرسل سعد الجيش بقيادة المرقال إلى جلولاء، فكانت معركة شديدة انتصر فيها المسلمون، وألحوا على سعد بالحضور فحضر. ثم أرسل الجيش إلى حلوان، ورجع هو إلى المدائن، وقسم الغنائم وعاد إلى الكوفة .

وكان هاشم يباشر المعاركة بنفسه ويديرها فلما (نزل هاشم على مهران بجلولاء، حصرهم في خندقهم، فكانوا يزاحفون المسلمين في زهاء (عدد كثير) وأهاويل. وجعل هاشم يقوم في الناس ويقول: إن هذا المنزل منزل له ما بعده، وجعل سعد يمده بالفرسان، حتى إذا كان أخيراً احتفلوا للمسلمين فخرجوا عليهم ، فقام هاشم في الناس فقال: أبلوا الله بلاء حسناً يتم لكم عليه الأجر والمغنم واعملوا لله) (1), و(وثب هاشم بن عتبة فعبأ أصحابه ، فكان على ميمنته جرير بن عبد الله البجلي (2)..

ص: 216


1- تاريخ الطبري: 3/133
2- مرّت ترجمته.

وعلى ميسرته حجر بن عدي الكندي (1)، وعلى الجناح المكشوح المرادي (2)، وجعل عمرو بن معد يكرب (3) على أعنة الخيل، وطليحة بن خويلد الأسدي (4) على الرجالة، وعَبَّت الفرس جيوشها، فكان على ميمنتهم رجل من قواد الأعاجم يقال له خرزاذ بن وهرز، وعلى ميسرتهم فيروز بن خسرو، وفي القلب الهرمزان بن أنو شروان صاحب بلاد الأهواز, ودنا القوم بعضهم من بعض، فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يقتتلوا في موطن بمثله من مواطنهم التي سلفت، وذلك أنهم رموا بالسهام حتى أنفدوها، وتطاعنوا بالرماح حتى قصفوها، ثم صاروا إلى السيوف والعمد فاقتتلوا بها من وقت الضحى إلى أن زالت الشمس، وحضر وقت الصلاة، فلم تكن الصلاة في ذلك اليوم إلا بالتكبير والإيماء نحو القبلة, ونظر هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى رجل من المسلمين يقال له سعد بن

ص: 217


1- مرّت ترجمته.
2- مرّت ترجمته.
3- عمرو بن معد يكرب الزبيدي المذحجي.. أسلم ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام وهو شاعر وفارس وكان له سيف اسمه الصمصامة, وقد شارك في معارك الفتح الإسلامي في عهد أبي بكر في الشام والعراق وشهد معركة اليرموك والقادسية, وقتل في معركة نهاوند(تاريخ مدينة دمشق :46 /372 ,الطبقات الكبرى :6 /526)
4- طليحة بن خويلد الأسدي من قادة حروب الردة بعد وفاة النبي محمد سنة 11ﻫ., وادّعى النبوة في قومه بني أسد وتبعه بعض طيء وغطفان في أرض نجد، وأغار على المدينة.. شارك طليحة في الفتوحات الإسلامية وقتل في معركة نهاوند سنة 21ﻫ.

عبيد الأنصاري (1) وقد فصل من الصف، فقال له: ما وقوفك يا سعد ؟ فقال: أيها الأمير ! وقوفي والله إني أفكر في فعلة فعلتها يوم الجسر يوم قتل أبو عبيد بن مسعود الثقفي (2)، أنا نادم عليها، وذلك أني فررت يومئذ من الزحف وقد عزمت اليوم أن أجعل توبتي من فراري، أن أشتري لله نفسي، فلعله تبارك وتعالى أن يتجاوز عني ما قد مضى, ثم تقدم بسيفه نحو الفرس فقاتل قتالاً عجب منه الفريقان جميعاً، فلم يزل كذلك حتى قتل منهم جماعة، وقُتل رحمة الله عليه .

ثم أقبل جرير بن عبد الله البجلي (3) على بني عمه فقال: يا معشر بجيلة !إعلموا أن لكم في هذه البلاد إن فتحها الله عليكم حظاً سنياً، فاصبروا لقتال هؤلاء الفرس التماساً لإحدى الحسنيين: إما الشهادة فثوابها الجنة، وإما النصر والظفر ففيهما الغنى من العيلة. وانظروا لا تقاتلوا رياء ولا سمعة، فحسب الرجل خزياً أن يكون يريد بجهاده حمد المخلوقين دون الخالق. وبعد فإنكم جربتم هؤلاء القوم ومارستموهم ، وإنما لهم هذه القسي المنحنية وهذه السهام

ص: 218


1- سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس الأوسي الأنصاري, الملقب بسعد القاريء، صحابي شهد غزوة بدر وغزوة أحد والمشاهد كلها, وهو أحد السته الذين قيل: جمعوا القرآن على عهد النبي (صلی الله علیه و آله) قتل يوم القادسية سنة 16ﻫ., وعمره 64 عاما.
2- مرّت ترجمته.
3- مرّت ترجمته.

الطوال، فهي أغنى سلاحهم عندهم، فإذا رموكم بها فتترسوا، والزموا الصبر وصابروهم، فو الله إنكم الأنجاد الأمجاد، الحسان الوجوه في اقتحام الشدائد ! فاصبروا صبراً يا معشر البجيلة ،فوالله إني لأرجو أن يرى المسلمون منكم اليوم ما تقر به عيونهم ! وما ذاك على الله بعزيز. ثم أنشأ جرير في ذلك يقول:

تلكم بجيلة قومي إن سألت بها *** قادوا الجياد وفضوا جمع مهران

وأدركوا الوتر من كسرى ومعشره *** يوم العروبة وتر الحي شيبان

فسائل الجمع جمع الفارسي وقد *** حاولت عند ركوب الحي قحطان

عز الأولى كان عزا من يصول بهم *** ورمية كان فيها هلك شيطان

كان الكفور وبئس الفرس أن له *** آباء صدق نموه غير ثبيان

ثم حمل جرير بن عبد الله على جميع أهل جلولاء ، فلم يزل يطاعن حتى انكسر رمحه، وجرح جراحات كثيرة..

قال: وتقدم رجل من المرازبة يقال له رستم الأصغر، حتى وقف بين الجمعين فجعل يقاتل أشد القتال، قال: وانبرى له رجلان من المسلمين أخوان، أحدهما يقال له عوام والآخر يقال له زهير ابنا عبد شمس، قال: فحملا عليه وحمل عليهما فجاولهما في ميدان الحرب ساعة.. وجعل رستم يجول في ميدان الحرب

ص: 219

، فمرة يحمل على زهير ومرة يحمل على عوام.. ثم اعتوره زهير والعوام وحمل عليه جابر بن طارق النخعي ، فضربه ضربة على تاجه فقدَّ التاج وهامته ، فخر رستم صريعاً، ثم نزلوا إليه فسلبوه، وكانت قيمة سلبه ألف دينار..

قال: فبينما المسلمون كذلك في أشد ما يكون من الحرب وذلك في وقت العصر إذا هم بكتيبة للفرس جامة حسناء قد خرجت إليهم، فكأن الناس هالتهم تلك الكتيبة فاتقوها، فقال عمرو بن معد يكرب (1): يا معشر المسلمين ! لعله قد هالتكم هذه الكتيبة؟ قالوا: نعم والله يا أبا ثور لقد هالتنا! وذلك أنك تعلم أنا نقاتل هؤلاء القوم من وقت بزوغ الشمس إلى وقتنا هذا، فقد تعبنا وكلت أيدينا ودوابنا وكاعت رجالنا، وقد والله خشينا أن نعجز عن هذه الكتيبة، إلا أن يأتينا الله بغياث من عنده، أو نرزق عليهم قوة ونصراً .

قال فقال عمرو: يا هؤلاء ! إنكم إنما تقاتلون عن دينكم، وتذبون عن حريمكم، وتدفعون عن حوزة الإسلام ، فصفوا خيولكم بعضها إلى بعض وانزلوا عنها والزموا الأرض، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإنكم بحمد الله صُبراء في اللقاء، ليوثٌ عند الوغى، وهذا يوم كبعض أيامكم التي سلفت ، ووالله إني لأرجو أن يعز الله بكم دينه ويكبت بكم عدوه .

ص: 220


1- مرّت ترجمته.

قال: ثم نزل عمرو عن فرسه ونزل معه زهاء ألف رجل من قبائل اليمن، ما فيهم إلا فارس مذكور.. قال: ثم تقدم عمرو حتى وقف أمام المسلمين شاهراً صمصامته ، وقد وضعها على عاتقه ، وهو يقول:

لقد علمت أقيال مذحج أنني *** أنا الفارس الحامي إذا القوم أضجروا

صبرت لأهل القادسية معلماُ *** ومثلي إذا لم تصبر الناس يصبر

وطاعنتهم بالرمح حتى تبددوا *** وضاربتهم بالسيف حتى تكسروا

بذلك أوصاني أبي وأبو أبي *** بذلك أوصاه فلست أقصر

حمدت إلهي إذ هداني لدينه *** فلله أسعى ما حييت وأشكر

قال: وحملت تلك الكتيبة الحامَّة، على عمرو بن معد يكرب الزبيدي وأصحابه، فلم يطمعوا منهم في شيء. قال: وحمل جرير بن عبد الله من الميمنة، وحجر بن عدي من الميسرة، والمكشوح المرادي من الجناح، وعمرو بن معد يكرب من القلب، وصدقوهم الحملة لولوا مدبرين، ووضع المسلمون فيهم السيف، فقتل منهم من قتل، وانهزم الباقون حتى صاروا إلى خانقين. وأمسى المسلمون فلم يتبعوهم، لكنهم أقاموا في موضعهم حتى أصبحوا وأقبلوا حتى دخلوا جلولاء، فجعلوا يجمعون الأموال والغنائم، حتى جمعوا شيئاً كثيراً لم

ص: 221

يظنوا أنه يكون هناك. قال: فقال رجل من المسلمين: رحم الله المثنى بن حارثة الشيباني ! أما أنه لو كان حياً لقرت عيناه بهذا الفتح، فإني كنت أسمعه مراراً يقول: وددت أني قد رأيت فتح جلولاء ولو قبل موتي بيوم واحد.

قال: فقال عبيد بن عمرو البجلي (1): نعم فرحم الله المثنى بن حارثة، إنه وإن كان قد مضى لسبيله لم تقر عينه بفتح جلولاء، لقد قرت عيناه بالجنة إن شاء الله ، وقد قدم على ما قدم من الثواب الوافر، ثم أنشأ عبيد بن عمرو البجلي يقول:

بشر مثنى فقد لاقيت مكرمة *** يوم التغابن لما ثَوَّب الداعي

سل أهل ذي الكفر مهراناً وأسرته *** يوم البجيلة إذ خلوا عن القاع

وأسلموا ثم مهراناً ببلقعة *** يوم العروبة مطروحاً بجعجاع

وفي جلولا أثرنا كل ذي بدع *** بكل صاف كلون الملح لماع

في كف كل كريم الجد ذو حسب *** حامى الحقيقة للإواء دفاع

ص: 222


1- من أعلام بجيلة ومن شعرائها.

ثم رجع هاشم بغنائم جلولاء فوجه بها إلى المدائن إلى عمه سعد) (1), و(كان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ستة عشر في أوله. بينها وبين المدائن تسعة أشهر) (2) .

واستمر شهيد صفين في منصبه القيادي حتى بعد أن عزل عمر سعداً عن ولاية الكوفة، وولى عمار بن ياسر، فقد اعتمد عمار على هاشم أيضاً في الإعداد لمعركة نهاوند .

وانشغل سعد بخزائن كسرى في المدائن، وكتب له هاشم والمسلمون يطلبون حضوره اليهم فحضر على مضض، ورجع ولم يذهب معهم الى حلوان! (ورحل المسلمون من جلولاء إلى خانقين فنزلوها يومهم ذلك، ثم رحلوا منها إلى قصر شيرين فنزلوها ، وكتبوا إلى سعد بن أبي وقاص يستأذنونه في التقدم إلى حلوان، ويحثونه على المصير إليهم ليكون لهم ملجأ وسنداً يلجؤون إليه ويشاورونه في أمورهم، وقد كان سعد عليلاً فتباطأ عنهم ولم يصر إليهم، وكتب إليهم يأمرهم بالتقدم إلى حلوان ! .

قال: فغضب المسلمون لقعود سعد عنهم وإبطائه عن نصرتهم ،وقال بشر بن

ص: 223


1- الفتوح – إبن الأعثم :1/210
2- تاريخ الطبري:3/139

ربيعة (1) في ذلك اليوم:

ألمَّ خيال من أميمة موهناً *** وقد جعلت أولى النجوم تغور

ونحن بصحراء العذيب ودوننا *** حجازية ، إن المحل شطير

فزارت غريباً نازحاً جلُّ ماله *** جوادٌ ومفتوقُ الغِرار طرير

وحلَّت بباب القادسية ناقتي *** وسعدٌ بن وقاص عليَّ أمير

تذكر هداك الله وقع سيوفنا *** بباب قُدَيْسٍ والمكر ضرير

عشية ودَّ القوم لو أن بعضهم *** يُعار جناحي طائر فيطير

إذا برزت منهم إلينا كتيبةٌ *** أتونا بأخرى كالجبال تمور

فضاربتهم حتى تفرق جمعهم *** وطاعنتُ إني بالطعان مهير

وعمرو أبو ثور شهيدٌ وهاشمٌ *** وقيس ونعمان الفتى وجرير

ص: 224


1- هو بشر بن أبي رُهْم الجُهَني صاحب جبّانة بِشر بالكوفة وذكر أنه شهد اليمامة، وذكره المرزباني في معجمه كما صدرت به، وقال: كان أحد الفُرْسان(الإصابة في تمييز الصحابة)

ثم أنشأ إبراهيم بن حارثة الشيباني (1) يقول في ذلك:

أما بال سعد خام عن نصر جيشه *** لقد جئت يا سعد بن زهرة منكرا

وأقسم بالله العلي مكانه *** لو أن المثنى كان حياً لأصحرا

وقاتل فيهم جاهدا غير عاجز *** وطاعن حتى يحسب الجون أحمرا

كشداته يوم البجيلة معلما *** يريد بما يبلي الثواب الموفرا

وضارب بالسيف الحسام مقدما *** جموع الأعادي خشية أن يعيرا

ولكن سعدا لم يرد أجر يومه *** ولم يأتنا في يوم بأس فيعذرا

فبلغت سعداً هذه الأبيات فكأنه تحرك للمسير على علته، ثم دعا سلمان الفارسي فاستخلفه على المدائن، وأوصاه بحفظ الغنائم، وصار فيمن معه من أصحابه حتى لحق بالمسلمين، وهم يومئذ نزول بقصر شيرين فنزل معهم يومهم ذلك. فلما كان من غد نادى في الناس بالرحيل إلى حلوان، فرحل ورحل الناس معه، وبلغ ذلك منوشهر بن هرمزدان المقيم بحلوان ، فخرج عن حلوان هارباً حتى لحق بيزدجرد وهو في جمع أصحابه .

وأقبل سعد بن أبي وقاص وعلى مقدمته جرير بن عبد الله البجلي، حتى دخل حلوان، فأنشأ عبد الله بن قيس الأزدي يقول:

فأبلغ أبا حفص بأن خيولنا *** بحلوان أضحت بالكماة تجمجم

ص: 225


1- إبراهيم بن المثنى بن حارثة الشيباني

ونحن دهمناها صباحاً بفيلق *** جرير علينا في الكتيبة معلم

ونحن أبدنا الفرس في كل موطنبجمع كمثل الليل والليل مظلم

نقاتل حتى أنزل الله نصره *** وسعد بباب القادسية معصم

فأبنا وقد أيمت نساء كثيرة *** ونسوة سعد ليس فيهن أيّم

أولئك قومي إن سمعت بمعشريوموضع إيساري إذا نيل مغنم) (1)

وأكد جرير بن عبد الله البجلي تقاعس سعد فأنشد :

أنا جرير وكنيتي أبو عمر *** قد فتح الله وسعدٌ في القَصَر (2)

(وبعد الإنتصارات شكا المسلمون سعداً الى عمر، فأرسل محمد بن مسلمة (3) فسأل عنه في الكوفة فقام رجل يقال له: أبو سعدة أسامة بن قتادة (4) فقال: أما

ص: 226


1- الفتوح - إبن الأعثم:1/216
2- النهاية– إبن كثير :7/53
3- محمد بن مسلمة بن سلمة الأوسي الأنصاري ثم الحارثي، ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة، وشهد بدرا، وأحدا، وهو من اعتزل، وكسر سيفه على صخرة، وبقي في بيته حتى وافته منيته.
4- أبو سعدة العبسي. له إدراك, وقع ذكره في الصحيح، وسماه البخاري في باب وجوبِ القراءة للإمام والمأموم، ودعا عليه سعد بدعاء مشهور استُجيب له فيه. وإذا كان في زَمن عُمر في مقام أن يستشهد اقتضَى أن يكون له إدراك( الإصابة في تمييز الصحابة(

إذ ناشدتنا، فإن سعداً لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السرية) (1), فاضطر عمر لعزله.

ص: 227


1- النهاية– إبن كثير:7/121

معركة حلوان

ص: 228

مرت معركة حلوان (1) في أخبار بعض المؤرخين مروراً عابراً؛ ويبدو أن ذلك للمداراة والتغطية على الموقف الضعيف لقائد الجيش سعد بن أبي وقاص, ونراهم يوهمون بعدم حدوث معركة كبيرة, وأنه ما إن تقدم جيش المسلمين (وبلغ ذلك منوشهر بن هرمزدان المقيم بحلوان، فخرج عن حلوان هارباً حتى لحق بيزدجرد وهو في جمع أصحابه) (2), في حين أن الكثير من الوقائع تشير إلى معركة حقيقية, ونستطيع أن نستدل من أبيات عبد الله بن قيس الأزدي التي مرت بنا على ذلك, فهو يصف فيلق خيول المقاتلين تجمجم (3) تحت فوارسها, وأن القتال جرى في كل موضع من ساحة النزال, وأبيدت به قوة فارسية كبيرة , حتى أنزل الله تعالى على المسلمين النصر المبين, ولكن بتضحيات جمة, فالكثير من المقاتلين استشهدوا, وأضحت نساؤهم أيامى – كما تشير الأبيات –

ومن أحاديث مؤرخين آخرين نستدل أيضا على وقعة كبيرة فالمسلمون لاقوا أعداءهم (وحجر بن عدي الكندي على الميمنة، وعمرو بن معد يكرب على الخيل، وطليحة بن خويلد على الرجال، وعلى الأعاجم يومئذ خرزاد أخو رستم.

ص: 229


1- حلوان بلدة في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد
2- الفتوح - إبن الأعثم:1/216
3- تجمجم : لم يبين كلامه(المعجم: الرائد)

فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يقتتلوا مثله، رمياً بالنبل وطعناً بالرماح حتى تقصفت، وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت.

ثم إن المسلمين حملوا حملة واحدة قلعوا بها الأعاجم عن موقفهم وهزموهم ، فولوا هاربين، وركب المسلمون أكتافهم يقتلونهم قتلاً ذريعاً حتى حال الظلام بينهم، ثم انصرفوا إلى معسكرهم .

وجعل هاشم بن عتبة جرير بن عبد الله بجلولاء في خيل كثيفة ليكون بين المسلمين وبين عدوهم ؛ فارتحل يزدجرد من حلوان، وأقبل المسلمون يغيرون في نواحي السواد، من جانب دجلة الشرقي، فأتوا مهروذ (1)، فصالح دهقانها هاشماً على جريب من دراهم) (2).

ص: 230


1- مهروذ : من طساسيج سواد بغداد بالجانب الشرقي من أستان شاه قباذ: وهو نهر عليه قرى في طريق خراسان.
2- فتوح البلدان - البلاذري:2/324

معركة نهاوند

ص: 231

كان فتح المدائن ضربة موجعة للفرس هرب بسببها ملكهم يزدجرد، واستطاع المسلمون أن يحتلوا بقية العراق، وينتصروا على بقية جيشه في جلولاء وخانقين وحلوان, من جهة بغداد والكوفة، أما من جهة البصرة فقد فتحوا أكثر الأهواز، فاتصلت فتوحاتهم من الجانبين .

لكن الفرس رغم ذلك استعادوا المبادرة، وجمعوا قوات كبيرة في نهاوند بلغت مئة وخمسين ألفاً، واستعادوا كثيراً من المناطق التي فتحها المسلمون داخل إيران وكتب عمار بن ياسر والي الكوفة إلى عمر بن الخطاب أن الفرس(قد اجتمعوا بأرض نهاوند في خمسين ومائة ألف، من فارس وراجل من الكفار، وقد كانوا أمروا عليهم أربعة من ملوك الأعاجم، منهم ذو الحاجب خرزاد بن هرمز، وسنفاد بن حشرو، وخهانيل بن فيروز، وشروميان بن إسفنديار، وإنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا وتحالفوا وتكاتبوا وتواصوا وتواثقوا على أنهم يخرجوننا من أرضنا ويأتونكم من بعدنا. وهم جمع عتيد وبأس شديد ودواب فره وسلاح شاك، ويد الله فوق أيديهم . فإني أخبرك يا أمير المؤمنين أنهم قد قتلوا كل من كان منا في مدنهم، وقد تقاربوا مما كنا فتحناه من أرضهم، وقد عزموا أن

ص: 232

يقصدوا المدائن ويصيروا منها إلى الكوفة، وقد والله هالنا ذلك وما أتانا من أمرهم وخبرهم ) (1).

وكانت موقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين موقعة كبرى فإن (العجم لما قُتلوا بجلولاء، وهرب يزدجرد فصار بقم، ووجه رسله في البلدان يستجيش، فغضب له أهل مملكته، فتحلبت إليه الأعاجم من أقطار البلاد، فأتاه أهل قومس (2), وطبرستان (3), وجرجان (4), ودنباوند (5)..

ص: 233


1- الفتوح - إبن الأعثم: 2/291
2- قومس بلد واسع جليل القدر واسم المدينة الدامغان ، وهي أول مدن خراسان.(اليعقوبي)
3- طبرستان إقليم عرفه العرب والفرس باسمه منذ القرون القديمة، وهو يَقع في شمال دولة إيران اليوم ويَمتد في مُعظمه على الساحل الجنوبي لبحر قزوين عبر سلسلة جبال ضخمة أعطته هيبة عند قدماء العرب، وتسمى هذه السلسلة الآن سلسلة جبال ألبروز وهيَ تمتد عبر أقاليم مازندران وكلستان وشمال سمنان.(معجم البلدان – الحموي:5/ طبرستان)
4- جرجان: (بالفارسية:گرگان), وكانت قديماً تسمّى أستراباذ أو أستراباد , وهي إحدى المدن الشهيرة في إيران وتقع في شمالي إيران حالياً وإليها ينتسب الشريف الجرجاني.وكانت جرجان مركزية منطقة استرآباد ومن ابنائها الميرداماد الحسيني الفيلسوف الكبير والمير فندرسكي والامين الاسترابادي.
5- دنباوند :جبل عظيم يحكى أن ظله في وقت العصر يطول اثني عشر ميلاً وعلى رأسه دخان لا يفتر الدهر كله( نزهة المشتاق- الادريسي: الاقليم الرابع/ ج7)ودنباوند جبل من نواحي الري في الاقليم الرابع، طولها خمس وسبعون درجة ونصف، وعرضها سبع وثلاثون درجة وربع ودنباوند أيضا جبل بكرمان ذكرته في بلد يقال له دمندان( معجم البلدان – الحموي: 2/475).

والري (1),وأصبهان (2), وهمذان (3)..

ص: 234


1- الري: مدينة ري التاريخية التي مازالت آثار ها ماثله للعيان علي بعد 6 كيلومترات جنوب شرقي طهران، من حيث العراقة و القدم من أقدم المدن حيث عاصرت مدينتي نينوى وبابل واول مباني هذه المدينة حول عين ماء تسمي عين علي ( چشمه علي ) و توجد بعض التلال التاريخية الأثرية العريقة جداً بالقرب منها .و حسب التصنيف القديم فأن مدينة ري تقع ضمن الإقليم الرابع الذي كان يعد من اشرف الاقاليم وهي مدينة مساحتها فرسخ و نصف في فرسخ و نصف(المسالك والممالك – الاصطخري)
2- أصبهان: أو أصفهان مرکز محافظة أصفهان على بعد 340 كم جنوب طهران، تقع على نهر زاينده والذي يسمى في إيران زاينده رود, ورود كلمة فارسية تعني النهر. يبلغ عدد سكانها حوالي 3,100,000 ثلاثة ملايين ومائة ألف نسمة. اختارتها اليونسكو كمدينة تراث إنساني. يقال عنها من قبل مواطني إيران بالفارسية):أصفهان نصف جهان)، وتعني (أصفهان نصف العالم)، نظرا لاحتوائها على الكم الهائل من التراث والأسواق التراثية الكبرى المنظمة التي لم يصل إليها العابثون والمستعمرون.
3- همذان : هَمِدان أو همذان )من كلمة هگمتانه) هي مدينة إيرانية وعاصمة محافظة همدان، وتعرف أيضا بأسم (أكبتانا) كما وردت في كتاب (هيروديت أبو التاريخ) وهي مدينة بناها الملك ديوسيس لتعزيز حكمه على الميديين وتوحيد صفوفهم ويذكر أنها كانت ذات أسوار منيعة ،كانت تسمى آقباتان أي فرش بيضاء أو مطلي بالبياض باللغة الآذرية وكانت عاصمة لدولة الميدية في العهد الميدي، فيها قبر العالم الطبيب إبنسينا و الشاعر باباطاهر الهمداني المشهور بالعريان.يقدر عدد سكانها بمليون و 700 ألف نسمة يتكلمون لهجة إيرانية مزيج من الكردية اللكية واللهجة المحلية الملايرية. سكان همدان القدماء كانوا من الكرد الجورقان والبرزيكان اما اليوم تقطن المدينة مزيج من الكرد (اكثرهم من قبائل اللر واللك والزنكنة) والفرس مع الترك الآذر.

والماهين (1)، واجتمعت عنده جموع عظيمة، فولى أمرهم مردان شاه بن هرمز ، ووجههم إلى نهاوند.

وكتب عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب بذلك، فخرج عمر بن الخطاب، وبيده الكتاب حتى صعد المنبر..) (2).

ص: 235


1- (مادين - ماه).. قال إبنعفير: الماهين ماه زند وماه فلق. ماهان هي مدينة في جنوب شرق إيران عاصمة محافظة كرمان تقع المدينة عند سفوح جبال جفار وبلفار..وتعتبر صلة الوصل بين محافظات فارس, هرمزكان, سيستان وبلوشستان, خرسان جنوبي و يزد. يبلغ عدد سكانها 16,787 حسب احصاء عام 2006 م. والماهان: ماه الكوفة وهي الدينور, وماه البصرة وهي نهاوند وهمدان وقم . ( ابن خرداذبه: 20، وإبن رسته- الاعلاق النفيسة : 166، واليعقوبي- البلدان : 272، ومعجم البلدان : 5 / 48)
2- الأخبار الطوال- الدينوري: 133

معارك متفرقة في العراق

ص: 236

خرج هاشم المرقال من جلولاء في ثلة من أصحابه يغير في نواحي السواد من جانب دجلة, فأغار على مهروذ (1), فدخلها وصالح أهلها على جريب (2) من الدراهم, فتركها, وأغار على الدسكرة (3), فقتل زعيمها واستولى عليها, ثم أشرف على البندنجبن (4), واضطر أهلها لأداء الجزية, ثم قفل راجعاً إلى المدائن. ولما استراح أصحابه في المدائن قليلاً خرج بهم للقتال, فمر بالراذانات (5), وأشرف على دقوقاء (6) ..

ص: 237


1- مهروذ آخره ذال معجمة والواو ساكنة من طساسيج سواد بغداد بالجانب الشرقي من أستان شاذقباذ وهو نهر عليه قرى في طريق خراسان(معجم البلدان – الحموي:حرف الميم ) وقيل : مهروذ او مهروت كما يسميها الأهلون اليوم مقاطعة تقع على مسافة 18 كيلومتر من بعقوبا ثم أبدلت الحكومة اسمها الأول باسم (ناحية كنعان . (
2- الجريب : مكيال قدره أربعة أقفزة , والقفيز ثمانية مكاكيك , والمكوك صاع ونصف تقريباً , أو أكثر منه بقليل.
3- الدسكرة : قرية كبيرة بنواحي نهر الملك من غربي بغداد , ولعلها رميلة الدسكرة التي تشير اليها بعض الروايات عن عصر الظهور المبارك.
4- أو بَنْدَنِيجِين, وهي مدينة (مندلي) في العراق.
5- الراذانان: الأعلى والأسفل كورتان بسواد بغداد تشتملان على قرى كثيرة وفيهما يقول عبيد الله بن الحر: أقول لأصحابي بأكفاف جازر *** وراذانها هل تأملون رجوعا
6- مدينة بين أربل وبغداد, وهي مدينة داقوق التي كانت اسمها انذاك (دقوقاء) ثم تحولت (دقوقا) و(دقوق) واخيراً الى (داقوق) وهي كلمة عربية مشتقة من (دق- يدق) ولما سكنها التركمان لم يستطيعوا تلفظها على الشكل المذكور اعلاه فسموها ب-(طاووق) والتي تعني الدجاجة باللغة التركمانية وورد لفظ طاووق على شكل (طائوق) في عديد من المصادر ، وهذا التفسير يورده باسهاب المؤرخ الفارسي (علي اليزدي) في كتابه المشهور ب-(جهان نامه) وقد ذكر هذا الادعاء سياح اجانب مروا من البلدة في فترات تاريخية مختلفة منهم على سبيل المثال وليس الحصر الرحالة الفرنسي اوليفييه عام 1794 والسائح الالماني نيبور عام 1766 والسائحيين البرطانيين نيين ريج عام 1820 وبكنغهام عام 1816 .

وخانيجار (1) , فتغلب على من فيهما. وظل ابن عتبة يتقدم في كل فرصة فيغير ويقاتل حتى فتح جميع كورة باجرمى (2), وتغلغل إلى سن بارما (3), وبوازيج الملك (4), إلى أن انتهى إلى شهرزور (5), ثم عاد بالغنائم إلى المدائن.

ص: 238


1- بلدة صغيرة قرب دقوقاء بين أربل وبغداد, وهي حاليا مدينة(طوز خورماتو), فقد كانت بلدة داقوق مركزاً لمنطقة (بيت كرماي) المشهورة في التاريخ القديم وكانت كرخيني (كركوك) وخانيجار (طوز خورماتو) وغيرهما تدخل ضمن هذه المنطقة وهي منطقة كلدانية بحتة. وفي عام 636م وصلت الفتوحات الاسلامية الى منطقة جلولاء أي (قره غان) القريبة من منطقة داقوق بعض الشيء جنوباً واستمرت الفتوحات حتى وصلت الى منطقة خانيجار ثم داقوق فكرخيني هاشم المرقال.
2- ﻣﻌﻈﻢ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﻀﻢ ﺣﺎﻟﻴﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻛﺮﻛﻮك في العراق ﻋُﺮف آﻧﺬاك ﻣﻊ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ المﻨﺎﻃﻖ المحيطة ﺑﻪ ﺑ-(ﻛﻮرة ﺑﺎﺟﺮﻣﻲ)(فتوح البلدان- البلاذري:2/325 , وتاريخ الأمم والملوك- الطبري: 2/58و9/176)إو (ﻛﻮرة ﺑﺎﺟﺮﻣﻖ)(مختصر كتاب البلدان- إبنالفقيه ::129 ومراصد الاطلاع – إبن عبد الحق : 1/147).
3- قرية في الموصل شرقي دجلة.
4- بلد قريب من تكريت على فم الفرات الأسفل حيث يصب في دجلة
5- كورة واسعة في الجبال بين أربل وهمدان , وأهل هذه النواحي كلهم أكراد.

معركة الرستن

ص: 239

عاد هاشم المرقال بعد معارك العراق ليشارك في فتوح الشام ومصر, ومن تلك المعارك معركة فتح مدينة الرستن (1) المحصنة والتي استعصت على المسلمين طويلا فقسم (الأمير أبو عبيدة عسكر المسلمين أربع فرق، فبعث فرقة مع المسيب بن نجبة الفزاري (2)، فنزل بهم على باب الجبل مما يلي باب الصغير، وبعث فرقة أخرى مع المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فنزل بهم على باب الرستق، وبعث فرقة أخرى مع يزيد بن أبي سفيان (3)، فنزل على باب

ص: 240


1- الرستن مدينة سورية تابعة لمحافظة حمص تقع شمال مدينة حمص (20 كم) وجنوب مدينة حماة (21 كم).. يعتقد بوجود كنيسة مار مارون فيها علماً أن جميع سكانها الحاليون مسلمون. وتقع الرستن في نقطة جغرافية استراتيجية حيث ان جسرها الكبير يربط شمال سوريا بجنوبها وهو يختصر مسافة ساعتين بالسيارة وسهول الرستن تمتد من الحولة غربا إلى البادية شرقا .
2- كان من وجوه أصحاب علي (علیه السلام) . شارك في نهضة التوابين الذين خرجوا للمطالبة بدم الحسين (علیه السلام) وشهداء كربلاء، بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ولما قتل سليمان، أخذ الراية، وقاتل بشجاعة حتى قتل، وكان استشهاده عام 65 في موقعة عين الوردة((مروج الذهب 94:3، تاريخ الإسلام للذهبي 248:5) كان المسيب من أشد الناس حسرة على عدم شهادته بين يدي ريحانة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وقد أعلن ندمه في خطابه الذي ألقاه على جموع التوابين: وقد أسف كثيراً على عدم نصرته له بعدما وصله كتاب الإمام ومبعوثه((حياة الإمام الحسين 362:3).
3- يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية وهو أخو معاوية من أبيه , أسلم يوم الفتح وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم ولما فتحت دمشق أمّره عمر عليها, إلا أنه مات بالطاعون أيضاً عام 18 ﻫ.، ولما احتضر استعمل اخاه معاوية على عمله فأقره عمر على ذلك.

الشام, ونزل الأمير أبو عبيدة وخالد بن الوليد على باب الصغير, وزحف المسلمون إليهم من كل مكان وقاتلوهم بقية يومهم هذا، وسهام الروم تصل إليهم فيتلقونها بالحجف، ونبال العرب تصل إليهم والى من بأعلى السور فأثرت لأجل ذلك ..) (1).

وعن فتح قلعة الرستن قال ثابت بن قيس بن علقمة: (كنت ممن حضر عند أبي عبيدة، فعند ذلك دعا أهل الرأي والمشورة من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال لهم: إن هذا حصن شديد منيع ليس لنا إلى فتحه سبيل إلا بالحيلة والخديعة، وأريد أن أجعل منكم عشرين رجلاً في عشرين صندوقاً، وتكون الأقفال عندهم من باطنها، فإذا صاروا في المدينة فثوروا على اسم الله تعالى، فإنكم تنصرون على من فيها من المشركين. فقال خالد بن الوليد: فإذا عزمت على ذلك فلتكن الأقفال ظاهرة ويكون أسفل الصناديق أنثى في ذكر من غير شيء يمسكها ، فإذا حل أصحابنا في حصن من هؤلاء القوم يخرجون جملة واحدة ويكبرون فإن النصر مقرون بالتكبير، فأجابه أبو عبيدة إلى ذلك، وأخذ صناديق الطعام المنتخبة عند

ص: 241


1- فتوح الشام - الواقدي: 1 / 147

الروم، ففض أسافلها وجعلها ذكراً في أنثى فأول من دخل في الصناديق ضرار بن الأزور (1)، والمسيب بن نجبة (2)، وذو الكلاع الحميري (3)..

ص: 242


1- ضِرَار بن الأَزور -- مالك -- بن أَوس، وقيل: ضرار بن الأَزور بن مرداس، وقيل: عبد بن الأزور بن مرداس الأسدي، وقيل: إنه هو ضرار، وإن اسمه عبد، وضِرَار لقب.. قال أبو موسى: وعَبْد بن الأزور هو الذي قتل مالك بن نُويرة بأَمر خالد بن الوليد. قال الواقدي: وشهد ضرار قتال مسيلمة باليمامة، وأَبلى بلاءً عظيما، حتى قطعت ساقاه جميعًا، فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل، وتطؤه الخيل، حتى غلبه الموت، وقيل: بل بقي باليمامة مجروحا، حتى مات، وقيل: إِنه قتل بأَجنادِين، من الشام، وقيل: تُوفي بالكوفة في خلافة عمر بن الخطاب ، وقيل: إنه ممن نزل حَرَّان، من أرض الجزيرة، وإنه شهد اليرموك، وفتح دمشق، وقيل: إنه كان مع أَبي جندل، وأَصحابه حين شربوا الخمر بالشام وقال البخاري، وأبو حاتِم، وإبن حبان: له صحبة، وقال البغوي: سكن الكوفة. وروى إبن حبان، والدارمِي، والبغوِي، والحاكم، عنه حديثين .
2- مرّت ترجمته.
3- اسمه السميفع ، ويقال : سميفع بن ناكور ، وقيل : اسمه أيفح , أسلم في حياة النبي (صلی الله علیه و آله) , وقيل : له صحبة ..كان سيد قومه ، شهد يوم اليرموك ، وفتح دمشق وكان قائد ميمنة معاوية بصفين وهو قد سمع أيام عمر بن الخطاب حديثاً من عمرو بن العاص عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) حول عمار [يلتقي أهل الشام وأهل العراق وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار بن ياسر] وعندما علم بوجود عمار في صفين مع علي (علیه السلام) هاله ذلك وأثاره مع معاوية وعمرو بن العاص وكبار قادة جيش الشام في تفاصيل ومساجلات وافية هددت بنقض عرى جيش الشام من داخله، ولم يتنفس معاوية الصعداء إلا بعد مقتل ذي الكلاع على ضلاله المشوب بميله للحق وإمام الهدى، وقد عبّر معاوية عن فرحه بهلاكه فقال : لأنا أشد فرحاً بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو فتحتها قال نصر بن مزاحم : لأن ذا الكلاع كان يحجز على معاوية في أشياء كان يأمر بها فقد بلغت شوكة ذي الكلاع إذاً إلى حد تقييد حرية حركة معاوية، كما عبر إبن العاص عن فرحه بمقتله فقال حين قتل ، ثم قتل عمار : والله يا معاوية ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحاً ، والله لو بقي ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه إلى علي ولأفسد علينا جندنا. (وقعة صفين - المنقري: 206, 333 ,303, 341,302)

وعمرو بن معد يكرب الزبيدي (1)،والمرقال هاشم بن عتبة، وقيس بن هبيرة (2)، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (3)، ومالك بن الأشتر (4) .. وعوف بن

ص: 243


1- مرّت ترجمته.
2- مرّت ترجمته.
3- من رجال قريش، وكان شاعرا ،ومن فرسان الجزيرة, وقف ضد المسلمين في بدر ، وكان أحد الذين جندتهم قريش على رأس رماة قريش في غزوة أحد. تأخر إسلامه حتى هدنة الحديبية, وعندما قرر معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد بحد السيف كتب إلى مروان عامله على المدينة كتاب البيعة و أمره أن يقرأه على المسلمين في المسجد و فعل مروان و لم يكد يفرغ حتى نهض عبد الرحمن بن أبي بكر و قال : و الله ما الخيار أردتم لأمة محمد و لكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل. و قد ظل عبد الرحمن يجهر ببطلان هذه البيعة و بعث إليه معاوية من يحمل مائة ألف درهم يريد أن يتألفه بها فألقاها عبد الرحمن و قال لرسول معاوية :إرجع و قل له إن عبد الرحمن لا يبيع دينه بدنياه, وخرج إلى مكة فمات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد ، وكان موته فجأة من نومة نامها بمكان إسمه حبشي ! على نحو عشرة أميال من مكة, والذي يفهم من إشارات أخته عائشة أن معاوية قتله !(ينظر أسد الغابة:3/306 , تاريخ البخاري:1/129, تاريخ الطبري:4/225,تاريخ الخلفاء للسيوطي:1/154)
4- مرّت ترجمته.

سالم (1), وصابر بن كلكل (2)، ومازن بن عامر (3)، والأصيد بن سلمة (4)، وربيعة بن عامر (5), وعكرمة بن أبي جهل (6)، وعتبة بن العاص (7)، ودارم بن فياض العبسي (8)، وسلمة بن حبيب (9)..

ص: 244


1- عوف بن سالم العبسي , من المقاتلين الفرسان, لعله هو وأخوه بشر بن سالم من خرجا مع الشهيد زيد بن علي (علیهما السلام) وكان من فرسانه(موسوعة رجال الزيدية)
2- لم نعثر على ترجمته.
3- لم نعثر على ترجمته.
4- أصيد بن سلمة السلمي :بعث النبي (صلی الله علیه و آله) سريّة فأسروه، فلمّا أتوا به عرض عليه الإسلام فأسلم، فبلغ ذلك أباه، وكتب إليه أبياتاً يعاتبه على تركه، واتّباع دين محمد (صلی الله علیه و آله) فاستأذن النبي (صلی الله علیه و آله) وكتب إليه أبياتاً، ودعاه إلى الإسلام ، فأقبل إلى النبي (صلی الله علیه و آله) ، وأسلم. (تنقيح المقال : 11 / 148)
5- ربيعة بن عامر بن الهادي الأزدي ويقال الأسدي، وقد قيل: إنه ديلي، من رهط ربيعة بن عباد، روي عنه عن النبي (صلی الله علیه و آله) حديث واحد من وجه واحد أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال. ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام.(الاستيعاب – إبن عبد البر :2/492)
6- عكرمة بن أبي جهل رأس الكفر.. نشأ في بيت من بيوت قريش الكبيرة وكان والده أبو جهل عمرو بن هشام حين بُعث محمد (صلی الله علیه و آله) بالرسالة من أشد أعداء النبي (صلی الله علیه و آله) , وكان عكرمة في بداية الأمر يحذو أبيه في عداوة محمد (صلی الله علیه و آله) , وازدادت عداوة عكرمة للإسلام والمسلمين حين قتلوا أباه في غزوة بدر أمام عينيه. روى النسائي أنه يوم فتح مكة أمن الرسول (صلی الله علیه و آله) الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وهو منهم . اسلم بعد ذلك , وقتل في معركة اليرموك.
7- لم نعثر على ترجمته.
8- لم نعثر على ترجمته.
9- عن عروة بن علي السهمي، عَن أبي هريرة: نهى النبي (صلی الله علیه و آله) أن يتنعل وهو قائم. رواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج بن حجاج عنه. قال البخاري: لا يتابع عليه. وذكره العقيلي في ترجمة عروة بن علي وقال: مجهول بالنقل. وذَكَره إبن حبان في الثقات.(لسان الميزان :197/ح 3556 )

والفازع بن حرملة (1)، ونوفل بن جرعل (2)، وجندب بن سيف (3)، وعبد الله بن جعفر الطيار (4)، وجعله أميراً عليهم، وسلموا الصناديق إلى الروم . فلما حطت الصناديق في الرستن ألقاها نقيطاس (5) في قصر إمارته، وارتحل الأمير أبو عبيدة، وسار حتى نزل في قرية يقال لها السودية (6)، فلما أظلم الليل بعث خالد

ص: 245


1- لم نعثر على ترجمته.
2- لم نعثر على ترجمته.
3- لم نعثر على ترجمته.
4- عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، أمُّه أسماء بنت عُمَيس الخَثعمية ،وُلِد في الحبشة، في الهجرة الأولى للمسلمين، استشهد أبوه جعفر في معركة (مُؤْتَة) سنة 8ﻫ.، فتكفّله رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وعندما توفي (صلی الله علیه و آله) كان له من العمر عشر سنين فلازم عَمُّه أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وكان منقطعاً إليه . وَزوَّجه أميرُ المؤمنين (علیه السلام) ابنتَه عقيلة بني هاشم زينب الكبرى (علیها السلام) ، وعَمل كاتباً عند الإمام علي (علیها السلام) أيام خلافته . كما اشترك مع الإمام علي (علیه السلام) في معارك (الجمل ، وصِفِّين ، والنَّهروان)، وكان أحد أُمَراء الجيش في تلك المعارك وقام أيضاً بملازمة الإمامين الحسن والحسين (علیهما السلام) ، بعد وفاة أبيهما أمير المؤمنين (علیه السلام) ، واقتدى بهما وأمر ابْنَيه (عَوناً) و(محمَّداً) بالمَسِير مع الإمام الحسين (علیه السلام) إلى (كربلاء)، وتخلَّف عنه بسبب ذِهاب بَصَره, ولما بَلَغَهُ مقتل الإمام الحسين (علیه السلام) ، ومقتل ولديه (عَون) و(محمَّد) معه، حَزنَ حزناً شديداً، وقال: إلاَّ تَكُن آسَتْ حسيناً يدي ، فقد آساه ولدي.توفي (رضی الله عنه) في المدينة ، وكان عُمره قد ناهز التسعين عاماً ، ودفن في مقبرة البقيع.
5- كبير البطارقة والقائد الأعلى لجيوش الروم.
6- قرية في ريف الرقة الشمالي في سوريا.

بن الوليد (1) بجيش الزحف إلى الرستن ينظر ما يكون من أصحابه، وما فعلت الصحابة، فسار خالد بن الوليد برجاله حتى وصل القنطرة وإذا بالصياح قد علا والتهليل والتكبير من داخل مدينة الرستن..وكان من أمر الصحابة أنه لما تركهم نقيطاس في دار إمارته ركب إلى البيعة مع بطارقته وأهل مدينته ليصلوا صلاة الشكر، لأجل رحيل المسلمين عنهم، وارتفعت أصواتهم بقراءة الإنجيل وسمع أصواتهم أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) فخرجوا من الصناديق وشدوا على أنفسهم وشهروا سلاحهم، وقبضوا على امرأة نقيطاس وحريمه، وقالوا نريد مفاتيح الأبواب فسلمتها إليهم، فلما حصلت المفاتيح في أيديهم رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير والصلاة والسلام على البشير النذير، وكبس القوم على أبواب مدينتهم فلم يجسروا عليهم لأنهم بدون عدة وسلاح، وبعث عبد الله بن جعفر الطيار وربيعة بن عامر والأصيد بن سلمة وعكرمة بن أبي جهل وعتبة بن العاص والفارع بن حرملة، وسلم إليهم المفاتيح وقال: افتحوا الأبواب وارفعوا أصواتكم بالتهليل وإخوانكم المسلمين من حول المدينة كاملون، فتبادر الخمسة إلى الباب القبلي، وهو باب حمص وفتحوه، ورفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير ودخلوا المدينة، وإذا هم بعسكر الزحف وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فأجابوهم بالتهليل والتكبير ودخلوا المدينة، وسمع أهل الرستن أصوات أصحاب

ص: 246


1- مرت ترجمته.

رسول الله (صلی الله علیه و آله) فعلموا أنهم في قبضتهم، وأن مدينتهم قد أخذت من أيديهم فاستسلموا جميعاً.. ) (1).

ورغم أننا آثرنا أن نسوق قصة فتح المدينة فإن الملاحظ لها يجد الكثير من الخيال الخصب في روايتها, والذي قد تكون أسبابه إضفاء هالات المجد على بعض الأسماء التي وردت فيها, ناهيك عن لمحة التخلي عن قيم الإسلام العظيم في كيفية الإستيلاء على القلعة, وأخذ زوجة الحاكم وحريمه رهائنا, ويمكن أيضا الاستدلال على جانب من الوهن فيها بإدراج راويها لأسماء أشخاص, إما أن تكون وهمية, أو أنهم لم يكونوا أصلاً موجودين في معارك الشام, بل إن بعضهم قد توفي قبل ذلك مثل ضرار بن الأزور (2), كما أن تطابقات عاملي التأريخ والجغرافيا يقعان في خلل واضح عند بعض الأحداث في معارك الشام.

ومن المستيقن أن كل مدن الشام سقطت بهزيمة الروم في اليرموك، وتوديع هرقل لسوريا، وانسحابه منها الى القسطنطينية .

ص: 247


1- فتوح الشام - الواقدي:1/151
2- مرّت ترجمته , وفيها تفصيل وفاته.

معركة الجمل

ص: 248

ص: 249

أرسل الإمام علي (علیه السلام) هاشم المرقال من ذي قار برسالة الى عامله على الكوفة أبي موسى الأشعري (1)؛ ليستنهض المسلمين لموافاته في ذي قار, وقد وافى ألوف المسلمين من الكوفة أمير المؤمنين (علیه السلام) هناك، وساروا معه الى البصرة. ولم يؤثر فيهم تثبيط أبي موسى، فقد واجهه عمار بالتكذيب وفضحه بأنه من أصحاب العقبة الذين أرادوا قتل النبي (صلی الله علیه و آله) فلعنه ليلتها! فلم ينكر ذلك أبو موسى، بل قال لعمار: إن النبي (صلی الله علیه و آله) استغفر له بعد ذلك ! فأجابه عمار: لقد شهدت اللعن، ولم أشهد الإستغفار! ثم واجهه الأشتر (رضی الله عنه) بقوته وتأثيره في الكوفة.

ولما قدم هاشم بالكتاب على أبي موسى فأقرأه الكتاب وقال له : ما ترى, فقال له أبو السائب: اتبع ما كتب به إليك, فأبى أبو موسى ذلك (وكسر الكتاب ومحاه , وبعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه ويتوعده بالسجن, فقال السائب بن مالك: فأتيت هاشما فأخبرته بأمر أبي موسى) (2).

فكتب هاشم إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) : ( أما بعد: يا أمير المؤمنين, فإني قدمت بكتابك على أمرئ شاق عاق بعيد الرحم ظاهر الغل والشقاق, وقد بعثت إليك

ص: 250


1- مرت ترجمته.
2- الجمل – الشيخ المفيد :131

بهذا الكتاب مع المحل بن خليفة الطائي, وهو من شيعتك وأنصارك وعنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك واكتب إلي برأيك أتبعه والسلام) (1) .

فلما قدم الكتاب على علي (علیه السلام) , وقرأه دعا الحسن ابنه (علیه السلام) وعمار بن ياسر وقيس بن سعد, وبعثهم إلى أبي موسى, وكتب معهم:

( من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس.

أما بعد: يا ابن الحائك والله إني كنت لا أرى بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا, و لا جعل لك فيه نصيبا, وقد بعثت لك الحسن وعماراً وقيساً, فأخل لهم المصر وأهله, واعتزل عملنا مذموما مدحوراً, فإن فعلت وإلا أمرتهم أن ينابذوك على سواء. إن الله لا يحب الخائنين, فإن أظهروا عليك قطعوك إرباً إرباً والسلام على من شكر النعم ورضي البيعة وعمل لله رجاء العاقبة ) (2) .

وكتب الإمام كتابا آخر أرسله مع مبعوثيه إلى أهل الكوفة يوضح لهم فيها موقفه من مقتل عثمان, وما صار إليه أمر طلحة والزبير ونكثهما لبيعته واستدراجهما عائشة لحربه, طالبا منهم القدوم إليه وإجابة دعوته بقوله: { واخترت السير إليهم معكم, ولعمري إياي تجيبون إنما تجيبون الله ورسوله,

ص: 251


1- شرح نهج البلاغة : 3/291 (عن ابي مخنف).
2- الجمل – الشيخ المفيد :131

والله ما قاتلتهم وفي نفسي شك, وقد بعثت إليكم ولدي الحسن وعماراً وقيساً مستنفرين لكم فكونوا عند ظني بكم والسلام.) (1) .

أما هاشم المرقال(فجرد معه من بنيه من كان منهم قد أنْبت، وخرج بهم إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى ذي قار ، فكان أول من قدم عليه ) (2), وكان في ميسرة جيش الأمير (علیه السلام) خلال المعركة (3), وقد جعله الأمير على خيل قريش وكنانة وعلى رجالتها هاشم بن هاشم (4) .

ص: 252


1- الأمالي- الشيخ الطوسي :78 , نهج البلاغة : 2/ 3
2- أخبار الشعراء - المرزباني: 38
3- الجمل: 321, الاستيعاب: 2729:108:4.
4- الجمل - الشيخ المفيد : 172.

معركة صفين

ص: 253

لمّا استهلّ صفر سنة سبع وثلاثين أمر أمير المؤمنين (علیه السلام) نودي في عسكر الشام بالإعذار والإنذار، ثم عبّأ عسكره فجعل على ميمنة الجيش الحسنين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل (1) (علیهم السلام) ، وعلى ميسرته محمد بن الحنفيّة (2)ومحمد

ص: 254


1- هناك بعض القرائن تدل على ولادة مسلم (علیه السلام) سنة 25 ﻫ., كونه استشهد في الكوفة وكان له من العمر 35 سنة.نشأ السيد الأبي وترعرع في كنف عمه أمير المؤمنين (علیه السلام) وأبيه عقيل بن أبي طالب, ولما وجد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) في مسلم (علیه السلام) بعض المؤهلات التي تجعله في مقدمة الرجال استعدادا للعلم وبطولة وشهامة أعار له اهتماماً وأغدق عليه من علومه وأصبح موضع عنايته وجعله أحد رجال دولته الذين يعتمد عليهم في المهمات, فشارك في معارك الأمير (علیه السلام) إلى جنب بني عمومته, وبعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) آل أمر مسلم (علیه السلام) إلى الإمام الحسن وأخيه الإمام الحسين (علیهما السلام) .وعندما جاءت كتب أهل الكوفة إلى الحسين (علیه السلام) نظر في آل عبد المطلب فرأى أن الاكفأ والأجدر لهذه المهمة مهمة السفارة إبن عمه مسلم بن عقيل (علیه السلام) فوقع اختيار الحسين (علیه السلام) عليه وأرسله إليهم. استشهد (علیه السلام) بعد ما آلت اليه الأمور من انقلاب في الظروف السياسية بدخول عبيد الله بن زياد الكوفة فقتل وهاني بن عروة في يوم عرفة.
2- محمد إبن الإمام علي بن أبي طالب (علیهما السلام) ، معروف ب-(إبن الحنفية)، لأن أمه خولة كانت من بني حنيفة، فغلبت عليه هذه النسبة . ولد حوالي سنة16 ﻫ., وكان من أعقل الناس وأشجعهم ، وكانت راية الإمام علي (علیه السلام) في حرب الجمل بيده, وفي أيام ثورة المختار بالكوفة قام إبن الزبير – أيام حكومته – بحبس محمد بن الحنفية، وجمعا من بني هاشم وأنصارهم، لأنهم رفضوا مبايعته .توفي محمد بن الحنفية (رضی الله عنه) سنة 81 ﻫ. ، أيام خلافة عبد الملك بن مروان، وكان عمره 65 عاماً . واختلف المؤرخون في محل دفنه، فمنهم من قال: دُفن بين مكة والمدينة، ومنهم من قال: دُفن في الطائف وهناك آخرون قالوا: دُفن في مقبرة البقيع، بالمدينة المنورة . .

بن أبي بكر وهاشم بن عتبة المرقال، وعلى القلب عبد الله بن العبّاس (1) والعبّاس بن ربيعة بن الحارث (2) والأشتر والأشعث, وعلى الجناح سعد (سعيد) بن قيس الهمداني, وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي.. ورفاعة بن شدّاد

ص: 255


1- عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب وُلِدَ بمكّة في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، وذهب إلى المدينة سنة 8 ﻫ. ، عام الفتح . حبر الأُمّة وفقيه العصر وإمام التفسير تلميذ الاِمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) ، صحب النبي (صلی الله علیه و آله) نحواً من30 شهراً وحدّث عنه وعن علي (علیه السلام) ولمّا آلت الخلافة إلى الإمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) كان صاحبه ونصيره ومستشاره، وأحد ولاته وأمرائه العسكريّين، وكان على مقدّمة الجيش في معركة الجمل، ثمّ ولي البصرة بعدها . قبل أن تبدأ حرب صفين، استخلف إبن عباس أبا الأسود الدؤلي على البصرة وتوجّه مع الإمام (علیه السلام) لحرب معاوية، وكان أحد أمراء الجيش في الأيام السبعة الأولى من الحرب، كما أنه لازم الإمام (علیه السلام) بثباتٍ على طول الحرب . بايع الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) ، وتوجه إلى البصرة من قِبَله . لم يشترك مع الإمام الحسين (علیه السلام) في كربلاء، وعلّل البعض ذلك بعماه . توفي إبن عباس في منفاه بالطائف سنة 68 ﻫ. وهو إبن إحدى وسبعين سنة.
2- عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف... من التابعين، لازم أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ومات بالمدينة وخلف الفضل. وقتل يوم الحرة. وكان من شجعان قريش، وأبطالها ذا قدرة وجاه. شهد صفين مع عليًّ (علیه السلام) ، وأبلى بها بلاءً حسناً. قال أبو الأغر التميمي: بينا أنا واقف بصفين، مرّ بي العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، مكفهراً بالسلاح، وعيناه تبصان من تحت المغفر، كأنّهما عين أرقم، وبيده صفيحة يمانية يقلبها، وهو على فرس له صعب... (تحفة الأحباب /162. تنقيح المقال 2/126. جامع الرواة 1/431)

البجلي (1)وعديّ بن حاتم (2)، وعلى الكمين عمّار بن ياسر, وعمرو بن الحمق (3), وعامر بن واثلة الكناني (4),وقبيصة بن جابر الأسدي (5).

ص: 256


1- يعد رفاعة بن شداد من التابعين وقد عده الشيخ في رجاله من أصحاب علي و الحسن (علیهما السلام) وكان مع علي أمير المؤمنين (علیه السلام) يوم الجمل وكان في التوابين من رؤسائهم حضر يوم عين الوردة ولم يقتل ولما خرج المختار كان رفاعة ممن قاتل معه ولما اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلوات فكره كل رأس من أهل اليمن أن يتقسمه صاحبه فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف هذا أول الاختلاف قدموا الرضا فيكم سيد القراء رفاعة بن شداد البجلي ففعلوا فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة, فقتل سنة 66ﻫ..
2- مرّت ترجمته.
3- مرّت ترجمته.
4- أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي الكناني. ولد في السنة الثالثة بعد الهجرة فأدرك من حياة النبي محمد (صلی الله علیه و آله) ثمان سنين. عده الشيخ تارة من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وأخرى في أصحاب علي (علیه السلام) ،وثالثة في أصحاب الحسن (علیه السلام) ورابعة في أصحاب السجاد (علیه السلام) وعده البرقي من خواص أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) من مضر، ومن أصحاب السجاد (علیه السلام) أيضا. وعده إبن شهر آشوب في المناقب: الجزء 4، (فصل في المفردات)،من أصحاب الحسن (علیه السلام) الذين هم من خواص أبيه (علیه السلام) .وهو من جملة من أراد الحجاج قتلهم بولائهم لأمير المؤمنين (علیه السلام) ،لكنه نجا. وكان يسكن الكوفة فلما استشهد أمير المؤمنين (علیه السلام) انصرف إلى مكة المكرمة فاستقر بها حتى مات سنة 110 ﻫ.. , فيكون بذلك خاتم من رأى رسول الله (صلی الله علیه و آله) .
5- قبيصة بن جابر الأسدي أسد خزيمة أبو العلاء روى عنه الشعبي وعبد الملك ومحمد بن عبد الله بن قارب هو الكوفي ذكره إبن شهر آشوب في المناقب: الجزء 3، باب مختصر من مغازي أمير المؤمنين (علیه السلام) ، في(فصل في حرب صفين).

وبعث أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى معاوية أن اخرج إليّ اُبارزك، فلم يفعل، وقد جرت بين العسكرين أربعون وقعة تغلّب فيها أهل العراق: أوّلها يوم الأربعاء بين الأشتر وحبيب بن مسلمة (1)، والثانية بين المرقال وأبي الأعور السلمي (2)، والثالثة بين عمّار وعمرو بن العاص، والرابعة بين محمد بن الحنفيّة وعبيد الله بن عمر (3)..

ص: 257


1- حبيب بن مسلمة بن مالك القرشي الفهري له صحبة ورواية يسيرة حدث عنه جنادة بن أبي أمية وزياد بن جارية وقزعة بن يحيى وإبن أبي مليكة ومالك بن شرحبيل. شهد اليرموك أميرا وسكن دمشق وكان مقدم ميسرة معاوية في صفين وولي أرمينية لمعاوية فمات بها سنة 42ﻫ.. له أخبار في تاريخ دمشق.
2- أو الأسلمي , مرت ترجمته.
3- عبيد الله بن عمر بن الخطاب, ولد زمن النبي خرج إلى العراق غازياً في زمن ابيه مع أخيه عبد الله. فلما قُتل عمر ، ظن ابنه عبيد الله أن الهرمزان كان شريكاً لأبي لؤلؤة في قتل والده، والهرمزان أحد ملوك فارس، عقد صلحاً مع المسلمين في السنة السادسة عشرة للهجرة، وما لبث أن نقضه فيما بعد بتحريض من يزدجرد، وعلم المسلمون بذلك فجهزوا جيشاً لمحاربته ومحاربة من تعاقد معه على ذلك. فأسر، وأقبلوا به الى المدينة مكتوفاً وعليه تاجه وحليته، فأراد عمر أن يضرب عنقه، فأعلن إسلامه في قصة طريفة. فخرج عبيد الله مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان وطلب منه أن يصحبه حتى يريه فرساً له، وكان الهرمزان بصيراً بالخيل. فخرج يمشي معه فعلاه عبيد الله بالسيف فلما وجد حر السيف صاح لا إله إلا الله ثم أتى جفينة وكان نصرانياً فقتله ثم أتى بنت أبي لؤلؤة الجارية الصغيرة فقتلها. فكان رأي علي حين إستشاره عثمان ، ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله ، لكن عمرو بن العاص كلم عثمان حتى تركه. فكان علي (علیه السلام) يقول: لو قدرت على عبيد الله بن عمر وليَ سلطانٌ لاقتصصت منه. ولما اكثر الناس التحدث في دم الهرمزان، أمر عثمان عبيد الله بالرحيل إلى الكوفة وأقطعه فيها داراً وأرضاً فسمي ذلك الموضع بكويفية إبن عمر , وحين ولي الإمام علي (علیه السلام) الخلافة ، طلب عبيد الله فهرب إلى معاوية، فقال (علیه السلام) : لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره!.فلما كانت حرب صفين قتل فيها. وقيل: إن علياً هو الذي قتله، ضربه ضربةً فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفُه حشوة جوفه(مروج الذهب 2 / 385 , شرح النهج 12 / 114 , الغدير 8 / 132 .)

والخامسة بين عبد الله بن عبّاس والوليد بن عقبة (1)..

ص: 258


1- هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط، أبو وهب الأموي القرشي. من فتيان قريش وشعرائهم .فيه ظرف ومجون ولهو, وهو أخو عثمان بن عفان لأمه. أسلم يوم فتح مكة, ولاه عمر صدقات بني تغلب, وولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص. وشهد عليه جماعة بشرب الخمر. ( ولا خلاف بين أهل العلم بالتأويل أن قوله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا((الحجرات:6)نزلت في الوليد بن عقبة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقا إلى بني المصطلق فلما وصل إليهم هابهم فانصرف عنهم وأخبر أنهم ارتدوا فبعث إليهم خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت فيهم فاخبروا انهم متمسكون بالإسلام. قال وله أخبار فيها نكارة وشناعة وكان من رجال قريش ظرفا وحلما وشجاعة وأدبا وكان شاعرا شريفا. قال وخبر صلاته بهم وهو سكران وقوله أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من حديث الثقات)(تهذيب التهذيب :11 / 126).( وخبر صلاته بهم وهو سكران وقوله أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعاً مشهور من رواية الثقات من نقل أهل الحديث وأهل الأخبار)(الاستيعاب في معرفة الأصحاب :1 / 493). وفي الروض الباسم لإبن الوزير: ذكر الحافظ الكبير الذّهبي في كتاب (النّبلاء): أنّ الوليد كان يشرب الخمر وحدّ على شربها, وروى من شعره فيها, قال: وهو الذي صلّى بأصحابه الفجر أربعاً وهو سكران, ثمّ التفت إليهم, وقال: أزيدكم, وقال لأمير المؤمنين عليّ– رضي الله عنه –: أنا أحدّ منك سناناً, وأذرب لساناً, وأشجع منك جناناً , فقال له: اسكت, فإنّما أنت فاسق, فنزلت (أَفَمَنْ كَانَ مُؤمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ((السجدة:18). رواه الذّهبيّ, وقال: إسناد قوي. وقال إمام أهل السّنة أحمد بن محمد بن حنبل: إنّ رسول الله امتنع أن يمسّ الوليد أو يدعو له, ومُنع بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسابق علمه فيه, ذكر هذا الإمام أحمد حين روى الآتي ذكره. وذكر الواحدي في (أسباب النّزول) في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا((الحجرات:6). أنّه الوليد ولم يذكر غيره. وروى حديثين في الاستدلال على أنّه الوليد, ومثله ذكره في (وسيط الواحدي),و (عين المعاني), و (تفسير القرطبي) و (تفسير عبد الصّمد الحنفيّ), و (تفسير إبن الجوزي) و (مفاتيح الفخر الرّازيّ) و(سير أعلام النبلاء :3 / 414)لم يذكروا سواه مع توسّع بعضهم في النّقل. أقام بالرقة إلى أن توفي بها ودفن بالبليخ.

والسادسة بين سعد بن قيس وذي الكلاع (1)، إلى تمام الأربعين، وكان آخرها ليلة الهرير (2).

وجال أمير المؤمنين (علیه السلام) في الميدان قائلاً :

أنا علي فاسألوني تخبروا *** ثمّ ابرزوا لي في الوغى وابتدروا

سيفي حسام وسناني يزهرُ *** منّا النبي الطاهر المطّهرُ

وحمزة الخير ومنّا جعفر *** وفاطمُ عرسي وفيها مفخرُ

ص: 259


1- مرت ترجمته.
2- المناقب – إبن شهر آشوب : 3 / 164 - 169.

هذا لهذا وابن هند محجرٌ *** مذبذب مطرد مؤخّر

فاستلحقه عمرو بن الحصين السكوني (1) على أن يطعنه فرآه سعيد بن قيس فطعنه.

وأنشد أمير المؤمنين (علیه السلام) :

فوارس من همدان ليسوا بعزل *** غداة الوغى من شاكر وشبام

يقودهم حامي الحقيقة ماجد *** سعيد بن قيس والكريم محامي

جزى الله همدان الجنان فإنّهم *** سهام العدى في يوم كلّ حمام (2)

وكانت عامة الأنصار مع أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وعامة قريش مع معاوية، ولم يكن مع علي (علیه السلام) منهم إلا خمسة، ولكنهم من الكبار الأعاظم، كما مر بنا عن الإمام الصادق (علیه السلام) حين قال: ( كان مع أمير المؤمنين (علیه السلام) من قريش خمسة نفر، وكانت ثلاثة عشر قبيلة مع معاوية. فأما الخمسة فمحمد بن أبي بكر (3)

ص: 260


1- خرج عمرو بن الحصين السكوني يريد علياً (علیه السلام) بصفة خاصة وكان عمرو من فرسان العرب المعدودين في الحرب فأعترضه سعيد بن قيس قبل أن يصل على أمير المؤمنين (علیه السلام) وطعنه طعنة دق بها صلبة، وقتل معه رجلاً من رعين ثم أنشد قائلاً: لقد فجعت بفارسها رعين *** كما فجعت بفارسها السكون
2- المناقب – إبن شهر آشوب: 3 / 171 - 172.
3- مرت ترجمته.

رحمة الله عليه، أتته النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس (1). وكان معه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال .وكان معه جعدة بن هبيرة المخزومي (2)، وكان أمير المؤمنين (علیه السلام) خاله وهو الذي قال له عتبة بن أبي سفيان (3): إنما لك هذه الشدة في الحرب من قبل خالك, فقال له جعدة: لو كان خالك مثل خالي لنسيت أباك.

ص: 261


1- مرت ترجمتها.
2- مرت ترجمته.
3- هو عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية . تولى إمارة مصر من قبل أخيه معاوية فقدمها في سنة 43ﻫ. . وجعل على شرطته زكريا بن جهم. وأقام أشهراً ثم وفد على أخيه بوفد من أشراف أهل مصر. واستخلف على مصر عبد الله بن قيس بن الحارث بن عياش بن ضبيع التجيبي، أحد بني زميلة، وكانت أمه أخت أبي الأعور السلمي. وكانت فيه شدة على أهل مصر. فكرهوا ولايته عليهم، وامتنعوا منها. وعقد عتبة لعلقمة بن يزيد الغطيفي على الإسكندرية، في اثني عشر ألفاً من أهل الديوان، يكونون بها رابطة. فكتب علقمة يشكو قلة من معه من الجند، وأنه يتخوف على نفسه وعليهم. فخرج عتبة إلى الإسكندرية مرابطاً، سنة 44ﻫ.. فابتنى دار الإمارة التي في الحصن القديم. وتوفي بها، ودفن بمنية الزجاج. واستخلف على مصر عقبة بن عامر الجهني. فكانت ولايته عليها سنة وشهرا. أخرج سبط إبن الجوزي عن كتاب (مثالب العرب) لأبي المنذر هشام الكلبيّ أنَّه قال: وكان الزُّناة - الذين اشتهروا بمَكَّة - جماعةً، منهم : أبو سفيان، وعُتبة بن أبي سفيان أخو مُعاوية(تذكرة خواصّ الأمّة: 117 .)والزنا في الأسرة الأُموية أمر عريق، رافق الكفر والشرك والفِسق، حتى عرفت منها نساء كثيرات كن من ذوات الأعلام والرايات.

ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة (1)، والخامس سِلْفُ أمير المؤمنين إبن أبي العاص بن ربيعة (2) ، وهو صهر النبي (صلی الله علیه و آله) أبو الربيع ) (3).

وكان هاشم صاحب الراية ليلة الهرير (4),أعطاها إياه الإمام علي (علیه السلام) بيده، إذ ورد أنه (لما أصبح عليٌّ غادى أهل الشام القتال، ودفع رايته العظمى إلى هاشم بن عتبة فقاتل بها نهاره كله، فلما كان العشي انكشف أصحابه انكشافة، وثبت هاشم في أهل الحفاظ منهم والنجدة، فحمل عليهم الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه طعنة جائفة، فلم ينته عن القتال.. ووافاه رسول علي (علیه السلام) يأمره أن يقدم رايته، فقال للرسول: أنظر إلى ما بي، فنظر إلى بطنه فرآه منشقاً ! فرجع إلى علي فأخبره، ولم يلبث هاشم أن سقط، وجال أصحابه عنه وتركوه بين القتلى، فلم يلبث أن مات.

ص: 262


1- مرت ترجمته .
2- أبو الربيع بن أبي العاص بن ربيعة. وكان صهر النبيّ (صلی الله علیه و آله) ، وبعد وفاة الرسول (صلی الله علیه و آله) التحق بأمير المؤمنين (علیه السلام) وشهد مشاهده.. وقيل: إنّ كنيته أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس. و ما جاء في بعض المراجع فلا اعتماد عليه(أسد الغابة 5/ 236. الإصابة 4/ 121. أعيان الشيعة 6/ 250. جامع الرواة 2/ 385. جمهرة أنساب العرب / 132. شذرات الذهب 1/ 63)
3- رجال الكشي : 1/281
4- رجال الطوسي: 85 رقم852

وحال الليل بين الناس وبين القتال، فلما أصبح علي (علیه السلام) غَلَّسَ بالصلاة، وزحف بجموعه نحو القوم على التعبية الأولى، ودفع الراية إلى ابنه عبد الله بن هاشم بن عتبة (1)، وتزاحف الفريقان فاقتتلوا. فروي عن القعقاع الظفري (2) أنه قال: لقد سمعت في ذلك اليوم من أصوات السيوف ما الرعد القاصف دونه . وعلي (رضی الله عنه) واقف ينظر إلى ذلك ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والله المستعان، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين .

ثم حمل علي بنفسه على أهل الشام حتى غاب فيهم، فانصرف مخضباً بالدماء، فلم يزالوا كذلك يومهم كله والليل حتى مضى ثلثه، وجرح عليٌّ (علیه السلام) خمس جراحات ، ثلاث في رأسه واثنتان في وجهه .) (3), و( لما كان اليوم الذي قتل فيه عمار والراية يحملها هاشم بن عتبة، وقد قتل أصحاب عليٍّ ذلك اليوم حتى كانت العصر، ثم تقرب عمار من وراء هاشم يقدمه، وقد جنحت الشمس للغروب، ومع عمار ضياح من لبن، فكان وجوب الشمس أن يفطر، فقال حين وجبت الشمس وشرب الضياح: سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: آخر زادك من الدنيا

ص: 263


1- سترد ترجمته في فصل الأبناء.
2- ورد اسم القعقاع في السير لأشخاص عدة منهم: القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي, والقعقاع بن عمرو التميمي, والقعقاع بن معبد بن زرارة التميمي .(الإستيعاب في معرفة الأصحاب: 46/ باب القعقاع) .
3- الأخبارالطوال- الدينوري:183

ضياحٌ من لبن! قال: ثم اقترب فقاتل حتى قتل، وهو يومئذ ابن أربع وتسعين سنة !) (1).

وكان بطل الإسلام عمار بن ياسر متعطشا لنيل الشهادة فعن (الأحنف بن قيس (2) : والله إني إلى جانب عمار بن ياسر بيني وبينه رجل فتقدمنا حتى دنونا من هاشم بن عتبة (المرقال) فقال له عمار: احمل فداك أبي وأمي! فقال له هاشم: يرحمك الله يا أبا اليقظان إنك رجل تأخذك خفة في الحرب.. ) (3) , وهذه لوحة وصف رائعة للدلالة على مدى شجاعة عمار وصبره على القتال سيما إذا عرفنا أن عمره في ذلك الوقت كان يناهز التسعين عاماً.

وإنه لمن ثوابت الرأي الحق أنّ الإمام (علیه السلام) لا يعطي الراية - خصوصاً العظمى - إلّا لمتمحِّض في الإيمان, خالص النية في توخي القربى, نقي الجوانح لا يضمها إلا على حب محمد وآله (صلی الله علیه و آله) , يوضحها قوله حين حمل على القوم هو وأصحابه:

أعور يبغي نفسه خلاصا *** مثل الفنيق (4) لابساً دلاصا (5)

ص: 264


1- الطبقات – إبن سعد: 3/258و362
2- مرت ترجمته.
3- وقعة صفين - المنقري: 229 - 240 - 241.
4- الفَنِيقُ من الإِبل : الفَحل . والجمع : فُنُق .
5- الدِّلاصُ : الَّليِّن البَرَّاقُ الأَمْلَسُ . ودِرْعٌ دِلاَصٌ : ليِّنَة . والجمع : دِلاصٌ ، ودُلُص .

قد جرّب الحرب ولا أناصا (1) *** لا ديّة يخشى ولا قصاصا

كلّ امرئ وإن كبا وحاصا (2) *** ليس يرى من موته مناصا (3)

وإذ لملم عمرو بن العاص مجموعاً من ضئيل الحماقة دفع به نفسه الى الخروج قائلاً:

لا عيش إن لم ألق يوماً هاشماً *** ذاك الذي أجشمني المجاشما

ذاك الذي يشتم عرضي ظالماً *** ذاك الذي أقام فينا المأتما

ذاك الذي إن ينج منّي سالماً *** يكن شجى حتّى الممات لازما

انبرى له المرقال وهو يرتجز ويقول:

لا عيش إن لم ألق يومي عمرا *** ذاك الذي نذرت فيه النذرا

ذاك الذي أعذرت فيه العذرا *** ذاك الذي ما زال ينوي الغدرا

أو يحدث الله لأمر أمرا *** لا تجزعي يا نفس صبراً صبرا

ضرباً إذا شئت وطعناً شزرا *** يا ليت ما تحتي يكون قبرا

(ثمّ حمل هاشم على عمرو بن العاص واختلفا بطعنتين، فطعنه هاشم طعنة

ص: 265


1- ناص ينوص :هرب وفر .
2- كبا : انكب على وجهه . حاص : هرب
3- وقعة صفين- المنقري : 347

جرحه منها جراحة منكرة، فرجع عمرو إلى معاوية وجراحته تشخب دماً) (1).

(وقد كان قال معاوية لعمرو: ويحك، إن اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة، وقد كان من قبل يرقل به إرقالاً، وإنه إن زحف به اليوم زحفاً، إنه لليوم الأطول لأهل الشام، وإن زحف في عنق من أصحابه إني لأطمع أن تقتطع. فلم يزل به عمار حتى حمل، فبصر به معاوية فوجه إليه حماة أصحابه ومن يزن بالبأس والنجدة منهم في ناحيته، وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص (2)، ومعه يومئذ سيفان، قد تقلد واحداً وهو يضرب بالآخر، وأطافت به خيل علي (علیه السلام) فقال عمرو: يا الله، يا رحمن، إبني إبني ! قال: ويقول معاوية: صبراً صبراً فإنه لا بأس عليه. قال عمرو: ولو كان يزيد بن معاوية، إذاً لصبرت ! ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هارباً على فرسه ومن معه، وأصيب هاشم في المعركة) (3).

ص: 266


1- الفتوح – إبن الأعثم: 3/43.
2- أسلم عبد الله بن عمرو وعمره خمسة عشر عاما 16، وفي السنة الثامنة من الهجرة 17، أي قبل وفاة النبي الكريم (صلی الله علیه و آله) بسنتين، ولم يكن من ذوي السابقة في الإسلام، بل كان أبوه وجده من الذين كادوا لرسول الله (صلی الله علیه و آله) ودينه العظيم، وله موقف سلبي عدائي من مناقب علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، كما أن سيرته على العموم تميزت بالسلبية من آل البيت (علیهم السلام) ، وبالايجابية جدا من الأمويين، بما فيهم يزيد بن معاوية قاتل الحسين (علیه السلام) (أسد الغابة في معرفة الصحابة: 3 / 234)
3- وقعة صفين- المنقري: 340

وقتل المرقال في تلك الجولة تسعة نفر أو عشرة، وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط (1).

وعن (أبي سلمة، أن هاشم بن عتبة دعا في الناس عند المساء: ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فليقبل. فأقبل إليه ناس فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مراراً، فقاتل قتالاً شديداً ثم قال لأصحابه: لا يهولنكم ما ترون من صبرهم، فوالله ما ترون منهم إلا حمية العرب وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها، وإنهم لعلى الضلال وإنكم لعلى الحق.

يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا، وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويداً واذكروا الله، ولا يسلمن رجل أخاه، ولا تكثروا الإلتفات، وجالدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين. قال أبو سلمة: فبينا هو وعصابة من القراء يجالدون أهل الشام، إذ خرج عليهم فتى شاب يقول:

أنا ابن أرباب الملوك غسان

والدائن اليوم بدين عثمان

أنبأنا أقوامنا بما كان

أن علياً قتل ابن عفان

ص: 267


1- وقعة صفين- المنقري: 355

ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه ثم يلعن علياً ويشتمه ويسهب في ذمه! فقال له هاشم بن عتبة: إن هذا الكلام بعده الخصام، وإن هذا القتال بعده الحساب. فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به.

قال: فإني أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذُكر لي، وأنكم لا تصلون, وأقاتلكم لأن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله .

فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان؟ إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس، حين أحدث أحداثاً وخالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين، وأولى بالنظر في أمور المسلمين. وما أظن أن أمر هذه الأمة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط !.

قال الفتى: أجل أجل، والله لا أكذب، فإن الكذب يضر ولا ينفع، ويشين ولا يزين. فقال له هاشم: إن هذا الأمر لا علم لك به، فخله وأهل العلم به. قال: أظنك والله قد نصحتني. وقال له هاشم: وأما قولك إن صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلى مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله. وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب، لا ينامون الليل تهجداً. فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون !.

ص: 268

قال الفتى: يا عبد الله إني لأظنك امرأً صالحاً وأظنني مخطئاً آثماً، أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال: نعم ، تب إلى الله يتب عليك، فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ويحب التوابين ويحب المتطهرين.

قال: فذهب الفتى بين الناس راجعاً، فقال له رجل من أهل الشام: خدعك العراقي ! قال: لا ، ولكن نصحني العراقي ) .

وكان عمار (رضی الله عنه) يقول : (تقدم يا هاشم, الجنة تحت ظلال السيوف, والموت تحت أطراف الأسل, وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين, اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه) (1).

(ولما دفع علي الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم: أقدم هاشم، يكررها، ثم قال: مالك يا هاشم قد انتفخ سحرك، أعَوَراً وجُبْناً؟ قال: من هذا ؟ قالوا: فلان . قال: أهلها وخير منها، إذا رأيتني قد صُرعتُ فخذها. ثم قال لأصحابه: شدوا شسوع نعالكم وشدوا أزركم ، فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثاً، فاعلموا أن أحداً منكم لا يسبقني إليها...ثم نظر هاشم إلى عسكر معاوية فرأى جمعاً عظيماً فقال: من أولئك؟ قيل أصحاب ذي الكلاع. .قال: من عند هذه القبة البيضاء؟ قيل: معاوية وجنده. قال: فإني أرى

ص: 269


1- عبد الله بن عباس- السيد محمد تقي الحكيم: 334 عن تأريخ إبن الأثير :3/155

دونهم أسودة؟ قالوا: ذاك عمرو بن العاص وإبناه ومواليه . وأخذ الراية فهزها فقال له رجل من أصحابه: أمكث قليلاً، ولا تعجل. فقال هاشم:

قد أكثروا لومي وما أقلاّ *** إني شريت النفس لن أعتلا

أعور يبغي نفسه محلاّ *** لابد أن يَفلَّ أو يُفلاّ

قد عالج الحياة حتى ملاّ *** أشدهم بذي الكعوب شلاّ

مع ابن عمّ أحمد المعلاّ *** فيه الرسول بالهدى استهلاّ

أول من صدقه وصلّى *** فجاهد الكفار حتى أبلى

و(حمل يومئذ يرقل إرقالاً.. فجعل عمرو بن العاص يقول: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم.. والتقى الزحفان فاقتتل الناس قتالاً شديداً لم يسمع الناس بمثله.. عن أبي السفر قال: لما التقينا بالقوم في ذلك اليوم وجدناهم خمسة صفوف قد قيدوا أنفسهم بالعمائم، فقتلنا صفاً صفاً حتى قتلنا ثلاثة صفوف، وخلصنا إلى الصف الرابع، ما على الأرض شامي، ولا عراقي يولي دبره) (1) .

و(قال المؤيد الخوارزمي: كان عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة وعبد الله بن بديل فرسان العراق، ومردة الحرب، ورجال المعارك، وسيوف الأقران، وأمراء

ص: 270


1- وقعة صفين - المنقري: 327

الأخيار، وأمراء أمير المؤمنين (علیه السلام) وقد أوقعوا بأهل الشام ما بقى ذكره على مرِّ الأحقاب حتى احتالوا لقتلهم. وفيهم يقول الأشتر ذاكراً لهم متأسفاً عليهم:

أبعد عمار وبعد هاشم

وابن بديل فارس الملاحم

أرجو البقاء ضل حلم الحالم) (1)

وقال(رحمه الله): أيها الناس، إني رجل ضخم فلا يهولنكم مسقطي إن أنا سقطت، فإنه لا يفرغ مني أقل من نحر جزور حتى يفرغ الجزار من جزرها) (2) .

ص: 271


1- الدرجات الرفيعة - السيد علي خان المدني:422
2- وقعة صفين - المنقري : 353

إحدى الحسنيين : الشهادة

كان هاشم من خاصة أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) فقد كان يمازحه، وأخبره بيوم شهادته، وبشره بأنه سيأكل هذا اليوم من طعام الجنة, فقد (ثم إن علياً (علیه السلام) دعا في هذا اليوم هاشم بن عتبة ومعه لواؤه، وكان أعورا، فقال له: يا هاشم، حتى متى تأكل الخبز وتشرب الماء؟! فقال هاشم: لأجهدن على ألا أرجع إليك أبداً ! قال علي (علیه السلام) : إن بإزائك ذا الكلاع وعنده الموت الأحمر. فتقدم هاشم ، فلما أقبل قال معاوية: من هذا المقبل؟ فقيل هاشم المرقال . فقال: أعور بني زهرة قاتله الله.. فأقبل هاشم وهو يقول:

أعور يبغي نفسه خلاصا *** مثل الفنيق لابسا دلاصا ) (1).

وحمل صاحب لواء ذي الكلاع وهو من بني عذرة, وهاشم حاسر وهو يقول :

يا أعور العين وما بي من عور*** أثبت فإني لست من فرعي مضر

نحن اليمانون ومافينا خور *** كيف ترى وقع غلام من عذر

ينعى ابن عفان ويلحى من غدر *** سيان عندي من سعى ومن أمر

(وقاتل هاشم هو وأصحابه قتالاً شديداً حتى أتت كتيبة لتنوخ ، فشدوا على الناس فقاتلهم وهو يقول: أعور يبغي أهله محلا.. الخ. حتى قتل تسعة نفر أو

ص: 272


1- وقعة صفين - المنقري: 346

عشرة ) (1)، و(قطعت رجله يومئذ، وجعل يقاتل من دنا منه وهو بارك ويقول: الفحل يحمى شوله معقولا (2).) (3), وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط ) (4).

بعد تاريخ مشرق تليد وضّاء، وبعد هَشْمٍ لأنوف الظلمة والطُّغاة، وبعد بلاء حسَن في حروب شتّى يُستشهَد المرقال هاشم بن عتبة. وكان قد ثبت في أهل الحفاظ والنجدة، ومزّق صفوف الجيش الأُمويّ في ساحة صفّين.. وعلى حين غفلة يحمل عليه الحارث بن المنذر التَّنوخيّ فيطعنه طعنةً تبلغ جوفَه. لكنّه رضوان الله عليه لم يكفّ عن القتال، فقد حمل جراحاته وتقدّم، وقُطعت رِجله فجعل يقاتل مَن دنا منه وهو باركٌ على الأرض قائلا:

الفحلُ يحمي شولَهُ معقولا (5)

استُشهد (رضی الله عنه) في شهر صفر 37ﻫ بحرب صفّين، وكانت معه كوكبة متلألئة من قبيلة (أسلَم) من القراء قد آلَوا ألاّ يرجعوا أو يَفتحوا، فحملوا واجتلدوا, وصلّى على جثمانه الإمام علي (علیه السلام) ، وبكى (علیه السلام) على المرقال وعلى عمّار، ووقف في

ص: 273


1- وقعة صفين - المنقري:155
2- أي الجمل الفحل يدافع عن الناقة التي تخصّه وإن كان باركاً قد ربطت رجلاه.
3- أسد الغابة – إبن الأثير:5/49
4- وقعة صفين –المنقري: 155
5- الوافي بالوفيات – الصفدي: 27:217

النهاية على أجساد عمّار, وهاشم، وأويس القرني (1)وباقي الشهداء البررة من أصحابه, وصلّى عليهم وودعهم بدموعه الحارّة النقيّة، ورثاهم بعواطفه الكبيرة وهو يقول: {رحم الله هاشماً وصحبه، رجال عرفوا الحقَّ فجاهدوا في سبيله، وماتوا دونه}, ودفنهما بثيابهما ولم يغسلهما إذ هما شهيدان، وجعل عمّاراً ممّا

ص: 274


1- الزاهد العابد الجليل المجاهد التابعي الصالح أويس القرني, الذي ذكره رسول الله (صلی الله علیه و آله) دون أن يراه, ووصفه بالصلاح والتقوى، وأنه لو أقسم على الله لأبرّه ...هو أويس بن عامر بن جزء المرادي, ثم القرني, لم تحدد لنا المصادر تاريخ ولادته إلاّ أنّه من أعلام القرن الأول الهجري، وأنه ولد في أحدى مناطق اليمن, وصف سيد الأنبياء محمد (صلی الله علیه و آله) أويسا القرني (رضی الله عنه) دون أن يراه فقال: [ أَشْهَلُ ذُوْ صُهُوْبَةٍ بَعِيْدُ ما بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، مُعْتَدِلُ القَامَةِ، آدِمٌ شَدِيْدُ الأَدَمَةِ، ضَارِبٌ بِذِقْنِهِ إِلى صَدْرِهِ، واضعٌ يَمِيْنَهُ على شِمالِهِ يَتْلُوْ القُرْآنَ ]وقال عنه الأمير علي (علیه السلام) : { اللهُ أَكْبَرُ.. أَخْبَرَنِيْ حَبِيْبِيْ رَسُوْلُ الله (صلی الله علیه و آله) أَنِّيْ أُدْرِكُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِهِ يُقالُ لَهُ: أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ يَكُوْنُ مِنْ حِزْبِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ ، يَمُوْتُ عَلَىْ الْشَهادَةِ ، يَدْخُلُ فِيْ شَفَاعَتِهِ مِثْلُ رَبِيْعَةَ وَمُضَرَ}.. كان حليفاً للقرآن, راوياً للحديث, سيداً في الزهد, بارّاً بأمه , نموذجاً لسمو الإيمان, وتهذيب النفس, من الشاكرين, المتصدقين, العابدين, عافياً عن الناس, مقصداً للمتبركين, آمراً بالمعروف, ناهياً عن المنكر, من حواري أمير المؤمنين (علیه السلام) , ومن أوائل من استشهدوا بين يديه الكريمتين في وقعة صفين .. نظروا إلى حسده الطاهر فإذا عليه نيف وأربعون جراحة، من طعنة رمح ، ورمية سهم ، وضربة سيف ..وتقدّم علي (علیه السلام) عنده فصلى عليه ، ولَحَده بيده، وترحّم عليه وقد خنقته العبرة, بل في رواية أنه (علیه السلام) قال من شدة حزنه: {ولأقتلن بعمار بن ياسر وبأويس القرني ألف قتيل }( الشهيد الخالد أويس القرني – مضر السيد علي خان المدني)

يلي المرقال وهاشماً أمام ذلك مما يلي القبلة، وصلّى عليهما (1),( في منطقة صفّين) (2).

ولمّا قتل هاشم جزع الناس عليه جزعاً شديداً، فمرّ عليهم علي (علیه السلام) وهم قتلى حول أصحابه الذين قتلوا معه فقال:

جزى الله خيراً عصبة أسلمية *** صباح وجوه صرّعوا حول هاشم

يزيد وعبد الله بشر ومعبد *** وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم

وعُروة لا يبعد ثناه وذكره *** إذا اخترطت يوماً خفاف الصوارم (3)

ورثاه أبو الطفيل عامر بن وائلة (4)فقال :

يا هاشم الخير جزيت الجنّه

قاتلت في الله عدوّ السنّه

والتاركي الحق وأهل الظِّنَّه

ص: 275


1- تذكرة خواص الأمة- سبط إبن الجوزي: 94, الطبقات الكبرى - إبن سعد 3: 262, وقرب الاسناد للحميري : 138
2- قرب الإسناد- الحميري: 138 رقم486.
3- مروج الذهب – المسعودي: 2/ 393 , ديوان الامام علي (علیه السلام) : 116 , وقعة صفين :356
4- من الصحابة ، وقيل إنه آخر من بقي من صحب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وشهد مع علي (علیه السلام) صفين ، وكان من مخلصي الشيعة.

صيرني الدهر كأني شنّه (1)

أفلح بما فزت به من منّه

من حَوْبةٍ (2) وعمةٍ وكِنَّه (3)) (4)

وعن أبي إسحاق أن علياً (علیه السلام) صلى على عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة رضي الله تعالى عنهما، فجعل عمار مما يليه وهاشماً أمام ذلك، وكبر عليهما تكبيراً واحداً، خمساً أو ستاً أو سبعاً، والشك في ذلك من أشعث ).

ص: 276


1- الشَّنَّة العجوزُ . و يقال : قوسٌ شَنَّةٌ : عتيقَة . وجهةٌ شَنَّةٌ :مزويَّةُ متقبَّضَةٌ . ويقال : جاءَ بجبهةٍ شَنَّةٍ . عابِسًا متجهِّمًا .والجمع : شِنانٌ .
2- الحُوبةُ القَرَابةُ من قبل الأُمَ .
3- الكَنَّةُ : امرأَةُ الإبن أَو الأخِ . والجمع : كَنائِنُ .
4- الاستيعاب- إبن عبد البر: 4/1547 رقم2700.

المرقال شاعراً

كان هاشم المرقال من شعراء الحروب والفتوح الإسلاميّة، يحمل هموم الجهاد ويهمّه محاكاة الوقائع الحربيّة أكثر من اعتنائه بتصوير موقف آخر. ثمّ هو شاعر رساليّ هادف، يحمل عقيدة يدافع عنها ببدنه وقلبه ولسانه. وقد ظهر ذلك منه واضحاً في عهد خلافة الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، فصوّر في تلك الفترة ما يتعلّق بالأحداث الخطيرة من تاريخ الإسلام والمسلمين.

لقد كان هاشم المرقال من شعراء الفتوح والحروب الإسلامية, وهو بذلك شأنه شأن الشعراء والفرسان, يحمل هموم القتال والنضال, ويهمه محاكاة الواقع العربي والسياسي أكثر من الاعتناء بتصوير ومحاكاة أي موقف آخر.

ولذلك نرى شعره يحتل فيه القتال حيزا كبيراً, ثم يتلوه الحدث والموقف السياسي الذي كان همه المهم وشغله الشاغل. وفي جانب آخر يظهر اهتمامه بالموضوعات الشعرية المتعلقة بزمن خلافة الإمام علي (علیه السلام) , فإن أكثر أشعاره الواصلة إلينا قالها في خلافته (علیه السلام) وما يتعلق بها من أحداث سياسية وحربية خطيرة في تاريخ الإسلام والمسلمين .

وقد تصدّر موضوعا الولاية والبراءة، معظمَ أغراضه الشعرية، وهما المحوران اللذان شَغَلا مساحة واسعة من الفكر الإسلاميّ، فتغنى بمناقب أمير المؤمنين

ص: 277

(علیه السلام) وأمجاده، وانتقد أعداء البيت النبويّ الشريف؛ فنجد له شعراً يتعلق بذكر معاركه في الفتوحات في زمن حكومة عمر بن الخطاب, ومرة نجد شعراً يتعلق بالأحداث التي وقعت في خلافة أمير المؤمنين (علیه السلام) ومن المواضع التي عُني بها المرقال محورا التولي والتبري, وهما المحوران اللذان شغلا مساحة واسعة من الفكر الإسلامي الإمامي, طافحاً على ألسنة عمالقته وأساطينه وشعرائه وخطبائه, ومنهم هاشم الذي تغنى بأمجاد عليّ (علیه السلام) وفضائله, وصبَّ جام غضبه على أعداء الله والرسول (صلی الله علیه و آله) والأئمة (علیهم السلام) , فكانت تلك الظاهرة مظهراً من مظاهر الأدب والشعر الشيعي ولا يفوتنا أن نذكر ضياع قسم من شعر المرقال, وعدم وصوله إلينا, ومما قد يكون كامناً في المخطوطات, فإن ذلك لو وصل إلينا لكان لهذا الشاعر مقام أضخم مما هو عليه في الأدب الإسلامي في تلك المرحلة من الزمن, وفي شعر هاشم المرقال لا نجد تنافراً في حروفه، بل انسجاماً صوتياً أو تآلفاً موسيقياً متأتٍ من اختيار الألفاظ التي تتمتع بوقع يثير في السامع التأثير والانفعال عند سماعه؛ لأنه خرج من نفس صادقة مؤمنة بما تقول سواء في الحرب أم في غيرها, فالناظر إلى شعر المرقال يجد فيه أصواتاً متباعدة المخرج، وأصوات معتدلة المخرج، وأخرى متقاربة وهذا التباين

ص: 278

المخرجي من شأنه ان يؤدي إلى تلاؤم الأصوات وتآلفها, ومثال هذا التآلف في شعر هاشم المرقال قوله في عينيّته الولائيّة:

وسِرْنا إلى خيرِ البريّة كلِّها *** على عِلمنا أنّا إلى الله نَرجِعُ

نُوقِّرهُ في فَضلهِ ونُجِلُّهُ *** وفي الله ما نَرجو وما نَتوقّعُ

دَلَفْنا بجمعٍ آثروا الحقَّ والهدى *** إلى ذي تُقىً في نَصرهِ نتسرّعُ

نُكافحُ عنه والسيوفُ شهيرةٌ *** تُصافحُ أعناقَ الرجالِ فتَقطَعُ (1)

(فنجد في هذا الشعر تآلفا وتلاؤما صوتيا، وذلك يرجع إلى تفاوت بناء الحروف من حيث المخرج، فلو نظرنا إلى مخارج الأصوات نجد انه استعمل جميع المخارج في جهاز النطق، فهناك أصوات الحلق (الهمزة والهاء و العين والقاف) وهناك أصوات الحنك إلى الأصوات الشفوية وقبلها الشفوية الأسنانية ونتيجة لهذا التفاوت والتباين أدى إلى تآلفها وملاءمتها في التركيب وانسيابها من مخارجها بسهولة ويسر مما زاد من جمالية التركيب وعذوبته) (2).

وكان من أشعاره القائلة بالولاية أرجوزته في صفين التي يقول فيها:

قد أكثُروا لَومي وما أقَلَّا

ص: 279


1- شرح نهج البلاغة- إبن أبي الحديد: 2 / 188
2- شعر هاشم المرقال- دراسة لغوية) للباحثين م. م.أحمد كاظم عمّاش , وم. رياض حمود حاتم المالكي)

إني شريت النفس لن اعتلّا

أعور يبغي نفسه محلا

لابدّ أنْ يَفَلّ أو يُفَلّا

معَ ابن عمّ أحمدَ المُعلّى

فيه الرسولُ بالهدى استهلاّ

أوّلُ مَن صدّقه وصلّى

فجاهدَ الكفّارَ حتّى أبلى

وهي الأرجوزة التي تتمتع بفصاحة عالية جدا،(وهذه الفصاحة متأتية من تلاؤم الأصوات وانسجامها فيما بينها؛ لان التآلف قائم في جميع مفردات الأرجوزة وجملها، إذ نجد أصوات أقصى الحلق ك-(العين و الهمزة و الهاء) ويستمر التآلف والانسجام بشكل واضح إلى الأصوات الشفوية كالباء والميم، وهذا التآلف يكاد يكون في كل شطر من الأرجوزة مما أضاف حسناً ورونقاً على جميع الأرجوزة التي اظهر من خلالها عقيدته الراسخة بمبدئه الذي يؤمن به) (1).

ص: 280


1- شعر هاشم المرقال- دراسة لغوية) للباحثين م.أحمد كاظم عمّاش ,وم. رياض حمود حاتم المالكي)

وممّا قاله في الحماسة والشجاعة:

لا تَجزعي يا نفسُ صَبراً صبرا *** ضرباً إذا شئتِ وطعناً شَزْرا

وقوله في يقينه بسلامة عقيدته وصحّة إقدامه:

فإنّ المجدَ للأبطالِ *** إن صَرَعوا وإن صُرِعوا

ويتخذ هاشم المرقال أساليب صوتية متعددة في شعره لتصوير المعنى المراد بيانه، والتكرار من الأساليب الصوتية التي امتاز بها شعره، ولاسيما في أراجيز المعارك، وذلك على سبيل التغليظ والتخويف, (والتكرار هو تكرار اللفظ على المعنى مرددا أو هو تناوب الألفاظ وإعادتها في سياق التعبير بحيث تشكل نغما موسيقياً يتقصده الناظم في شعره أو نثره, والتكرار أسلوب عرفه العرب منذ القدم ويدلل على ذلك ما حفل به شعرهم من تكرار الأسماء والمواضع في مواقف مختلفة, وكذلك هو من العناصر المهمة التي يتمثل فيها الإيقاع الموسيقي الداخلي بحيث يكتسب النص بوساطته هويته النغمية الموسيقية، وهذا التكرار يستفاد منه في تقويم النغم أو قوة معاني الصورة( (1)

ص: 281


1- شعر هاشم المرقال- دراسة لغوية) للباحثين م. م.أحمد كاظم عمّاش ,م. رياض حمود حاتم المالكي)

ومثال ذلك ما فاضت به قريحته، حيث يقول في رائيّة له في صفين يتمنى فيها ملاقاة عمرو بن العاص، كما يتمنّى الشهادة في سبيل الله وقد حظي بها:

لا عيشَ إن لم ألقَ يومي عَمْرا *** ذاك الذي نَذَرتُ فيه النَّذْرا

ذاك الذي أعذَرتُ فيه العُذرا *** ذاك الذي ما زالَ ينَوي الغَدْرا

أو يُحدِثُ اللهُ لأمرٍ أمرا *** يا ليتَ ما تحتي يكون قَبرا (1)

فتكرار المرقال لقوله ( ذاك الذي ) ( إنما هي تقوية الرنة اللفظية ليصل الشاعر بها الكلام ، ويبالغ في جرسه)) وتكون باعثا نفسيا يثيره الشاعر بنغمة تأخذ السامعين بموسيقاها.

ومع حلاوة الألفاظ وجزالة اللفظ يختزل شعر المرقال ملاحم الصولات المباركة التي تكللت بها أيام جهاده المبارك عبر أبيات من الشعر تموسقت على ظلال حروفها إيقاعات الإحساس الفطري بحلاوة الألم عندما يكون العطاء في ساحات الولاء الإلهي اللامحدود في نفسه المتسامية الوالهة للشهادة فيقول وهو يتذكر أربعة من ملاحم جهاده عند فتح العراق :

ص: 282


1- الفتوح - إبن الأعثم: 2/39 , وقعة صفين: 428 , شرح نهج البلاغة: 8 / 70

يومُ جلولاءٍ ويومُ رستمِ *** ويومُ زحفِ الكوفة المقدم

ويومُ عرض النَّهَرِ المحرم *** من بين أيامٍ خلون صُرَّمِ

شَيَّبْنَ أصْداغي فَهَنَّ هَرم *** مثلُ ثُغام البلدِ المحرم

وقال وقد دعا أبا موسى الأشعري إلى مبايعة أمير المؤمنين (علیه السلام) وحاجَجَه:

هذا عليٌّ أميرُ المؤمنين بهِ ال- *** بيعةُ قامت، فإن جاءت فذا الوَطَرُ

فما الذي يا أبا موسى يَردُّكمُ *** عنه، ومِن أولياءِ الله يُنتظَرُ ؟!

وقد أتاك من الآفاقِ أمرُ هدىً *** وصارَ يَكشِفُ بالحقّ العَمى الخَبَرُ

فقُمْ فبايِعْ له إن كنتَ ذا بَصَرٍ *** من الأُمور وما يأتي وما يَذَرُ

واعلَمْ بأنّك إن تَظفِرْ ببيعتهِ *** تَظفِرْ بأُخراكَ والأُولى كما ظَفَروا (1)

وفي إعلان بيعته يقول:

أُبايعُ - غيرَ مكترِثٍ عليّاً *** ولا أخشى أميراً أشْعريّا

أُبايعُه وأعلمُ أنْ سأُرضي *** بداكَ اللهَ حقّاً والنبيّا (2)

فيجد القارئ أن شعره امتاز بالتآلف الصوتي والانسجام السمعي الخالي من التنافر في الحروف وأعطى التكرار في شعره إيقاعا موسيقيا داخليا زاد من قوة

ص: 283


1- الفتوح- إبن الأعثم: 1/ 435- 436
2- الدرجات الرفيعة- السيد علي خان المدني: 376 , الاصابة- إبن حجر: 3/ 594 , واخبار شعراء الشيعة – المرزباني: 38

معاني الصورة الشعريةوإنّ للسياق أثراً في دلالة المصادر في شعره. استعمل هاشم المرقال الصيغ الفعلية لأنها تحمل معاني دلالية واضحة منها الملازمة والتعدية والمبالغة والمشاركة والتكثير وكان لبناء الجملة في شعر المرقال أثر واضح مما أعطى شعره مرونة ودلالة كبيرة.

ص: 284

المرقال خطيباً

إلى جملة ملكاته.. يتمتع المرقال بأدب خطابي رفيع، وخلق إقناعي باهر، حتى أن الزركلي قدم خطابته على فروسيته، فقال: صحابي، خطيب، من الفرسان. (1)وحسبنا دليلاً على براعته الخطابية خطبته التي قالها حين أراد أمير المؤمنين (علیه السلام) المسير إلى أهل الشام، فاستشار (علیه السلام) مَن كان معه.. فقام إليه هاشم المرقال، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد يا أمير المؤمنين، فأنا بالقوم جِدّ خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك ومُجادلوك لا يُبقون جهداً، مشاحّةً على الدنيا، وضَنّاً بما في أيديهم منها، وليس لهم إربة غيرها إلاّ ما يخدعون به الجهّال من الطلب بدم عثمان بن عفان.

كذِبوا.. ليسوا بدمه يثأرون، ولكن الدنيا يطلبون؛ فسِرْ بنا إليهم فإن أجابوا إلى الحقّ.. فليس بعد الحقّ إلاّ الضلال، وإن أبَوا إلاّ الشِّقاق..فذلك الظنّ بهم. واللهِ ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممّن يُطاع إذا نهى، ويُسمَع إذا أمر (2).

وخطب أيضا فقال مجيبا أمير المؤمنين (علیه السلام) : (سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في

ص: 285


1- الأعلام- الزركلي: 9 / 49
2- وقعة صفين- المنقري : 92

عباد الله بغير رضا الله، فأحلّوا حرامه وحرّموا حلاله، واستولاهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومنّاهم الأماني، حتّى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى، وحبّب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجاز موعود ربّنا.. وأنت يا أمير المؤمنين، أقرب الناس من رسول الله (صلی الله علیه و آله) رحماً، وأفضل الناس سبقة وقدماً، وهم يا أمير المؤمنين منك مثل الذي علمنا، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء، وكانوا ظالمين، فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك جذلة على من خالفك، وتولّى الأمر دونك، والله ما أحبّ أن لي ما في الأرض ممّا أقلت، وما تحت السماء ممّا أظلت، وأنّي واليت عدوّاً لك، أو عاديت ولياً لك.)

وفي أجواء الاستعداد لمعركة صفين قال هاشم المرقال لأمير المؤمنين (علیه السلام) : (أيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا بنورك جذلة على مَن خالفك وتولى الأمر دونك. والله ما أحب أن لي ما على الأرض مما أقلّت، وما تحت السماء مما أظلّت، وأني واليت عدواً لك، أو عاديت ولياً لك. فقال (علیه السلام) : اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة لنبيك) (1).

ص: 286


1- وقعة صفين – المنقري: 93

قال أبو مخنف.. وحدّثني أبو سلمة : إنَّ هاشم بن عتبة الزهري دعا الناس عند المساء: ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فإليَّ، فأقبل إليه ناس كثير فشدّ في عصابة من أصحابه على أهل الشام مراراً، فليس من وجه يحمل عليه إلاّ صبر له وقاتل فيه قتالاً شديداً، فقال لأصحابه: لا يهولنّكم ما ترون من صبرهم، فواللهِ ما ترون فيهم إلاّ حميّة العرب وصبراً تحت رايتها، وعند مراكزها، وإنّهم لعلى ضلال، وإنّكم لعلى الحقّ، يا قوم إصبروا وصابروا واجتمعوا، وامشوا بنا إلى عدوّنا على تؤدة رويداً، ثم اثبتوا وتناصروا، واذكروا الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين.

وفي صفين دعا في الناس عند المساء:( ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فليقبل). فأقبل إليه ناس، فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا، فليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له وقوتل فيه قتالا شديدا، فقال لأصحابه : (لا يهولنكم ما ترون من صبرهم، فو الله ما ترون منهم إلا حمية العرب وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها، وإنهم لعلى الضلال وإنكم لعلى الحق. يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا، وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا. ثم تآسوا وتصابروا واذكروا الله، ولا يسلم رجل أخاه، ولا تكثروا الالتفات،

ص: 287

واصمدوا صمدهم، وجالدوهم محتسبين، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ).

وقد مرّ بنا جزء من حديثه في صفين حين خرج من عسكر معاوية أحد الفتيان وهو يقول:

أنا ابن أرباب الملوك غسان *** والدائن اليوم بدين عثمان

أنبأنا أقوامنا بما كان *** إن عليا قتل ابن عفان

ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه، ثم جعل يلعن عليا ويشتمه ويسهب في ذمه، فلجأ المرقال إل محاورته برصانة عالية وقدرة على الإحاطة وبإسلوب مسترسل بليغ بكل ما للكلمات من النفاذ في التأثير على قلب المستمع وكأنها منتقاة حرفاً حرفاً؛ فقال له: إن هذا الكلام بعده الخصام، وإن هذا القتال بعده الحساب فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به، قال: فإني أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي، وإنكم لا تصلون، وأقاتلكم إن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله. فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان؟ إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين، وأولى بالنظر في أمور المسلمين، وما أظن أن أمر هذه الأمة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط. قال الفتى: أجل أجل والله لا أكذب فإن الكذب يضر ولا ينفع ويشين ولا يزين. فقال له هاشم: إن هذا

ص: 288

الأمر لا علم لك به فخله وأهل العلم به. قال: أظنك والله قد نصحتني. وقال له هاشم: وأما قولك: إن صاحبنا لا يصلي, فهو أول من صلى مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله، وأما من ترى معه فكلهم قارئٌ الكتاب، لا ينامون الليل تهجدا، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون.

قال الفتى: يا عبد الله! إني لأظنك امرؤا صالحا، وأظنني مخطئا آثما، أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال: نعم، تب إلى الله يتب عليك فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويحب التوابين ويحب المتطهرين (1).

ص: 289


1- وقعة صفين – المنقري: 402، تاريخ الطبري: 6/ 23، شرح إبن أبي الحديد: 2/ 278، والكامل لإبن الأثير: 3/ 135

إخوة هاشم المرقال

كان لهاشم المرقال إخوة قادة.. ومن إخوته :

1-حمزة بن عتبة، وكان مع علي (علیه السلام) في صفين واستشهد فيها (1).

2-عمر بن عتبة , وكان أيضاً مع أمير المؤمنين (علیه السلام) في صفين فقد جاء (وعبى علي بن أبي طالب (رضی الله عنه) أصحابه ، فكان على خيل ميمنته الحسن والحسين سبطا النبي (صلی الله علیه و آله) وعلى رجالتها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، وعلى خيل الميسرة محمد ابن الحنفية ومحمد بن أبي بكر، وعلى رجالتها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وأخوه عمر بن عتبة، وعلى خيل القلب عبد الله بن عباس والعباس بن ربيعة بن الحارث، وعلى رجالتها مالك بن الحارث الأشتر والأشعث بن قيس، وعلى خيل الجناح سعيد بن قيس وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعلى رجالتها رفاعة بن شداد العجلي وعدي بن حاتم

ص: 290


1- وقعة صفين –المنقري:278

الطائي، وعلى خيل الكمين عمار بن ياسر وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعلى رجالتها عامر بن واثلة الكناني وقبيصة بن جابر الأسدي) (1).

3-نافع بن عتبة : (أخو هاشم المرقال. كان قد شهد أحداً مع أبيه كافراً وعتبة أبوه هو الذي كسر رباعية رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوم أحد ومات عتبة كافراً قبل الفتح وأوصى إلى سعد أخيه ثم أسلم نافع يوم فتح مكة. روى عنه جابر بن سمرة) (2) , وذكر أن له صحبة ورواية , وأنه هو الذي استشهد في صفين (3), حيث روي عنه الحديث الذي مرت روايته عن هاشم نفسه(حدثنا يزيد أخبرنا المسعودي عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) وسلم تقاتلون جزيرة العرب فيفتحها الله وتقاتلون فارس فيفتحهم الله وتقاتلون الروم فيفتحهم الله وتقاتلون الدجال فيفتحه الله) (4), وقيل عن هاشم وعن نافع أن (كلام ابن منده وأَبو نُعَيم يَدُلّ على أَن هاشم بن عتبة يقال له نافع

ص: 291


1- الفتوح – إبن الأعثم: 3 / 24 , تاريخ الطبري: 6 / 6 الاخبار الطوال- الدينوري: 171 - 172 وقعة صفين – المنقري: 205
2- الإستيعاب– إبن عبد البر: 1 / 469,أسد الغابة –إبن الأثير: 3 / 58 والإصابة في معرفة الصحابة –إبن حجر: 3 / 182
3- المسترك- الحاكم:3 /430، وذكره إبن حبان في ثقاته:3/412
4- مسند الإمام أحمد : الحديث 18493

أَيضًا، أَو أَنَّ أَبا هاشم كنية نافع، ولعل ابن منده رأَى في موضع (أَخو هاشم)، فظنها (أَبو) فإِنها تشتبه بها كثيرا، أو أن بعض النسخ كان فيها غلط ولم ينظر فيه، وتبعه أَبو نعيم. أَو لعلهما حيث رويا هذا الحديث عن هاشم، وروياه أَيضًا في كتابيهما عن نافع، ظناهما واحد. وليس كذلك، وإِنما هما أَخوان. وقد روي هذا الحديث عنهما، واختلف العلماءُ فيه كما اختلفوا في غيره، فإِن كثيرا من أهل الحديث يروي الحديث من طريق عن زيد، ويختلفون فيه فيرويه بعضهم عن عمرو. وقد تقدم مثل هذا في الكتاب كثيرا، وقد تقدم ذكر نافع في ترجمته، وقد ذكرهما العلماء أنهما أخوان، والله أعلم. والحديث عن نافع ابن عتبة هو الصحيح) (1).

ص: 292


1- أسد الغابة –إبن الأثير: 5 / 353

أولاد هاشم المرقال

حفلت كتب الرجال بذكر أسماء عدد من أبناء شهيد صفين هاشم المرقال (رضی الله عنه) , ومنهم :

1- هاشم بن هاشم (1).

2-اسحق بن هاشم (2).

3-سليمان بن هاشم (3).

4-حفص بن هاشم (4).

5-عبد الرحمن بن هاشم (5).

6-عبد الملك بن هاشم (6) .

7-عبد الله بن هاشم (7).

ص: 293


1- التاريخ الصغير- البخاري:2/72, وإبن حبان في ثقاته:2/342, والذهبي في سيره:6/206.
2- خليفة: 185
3- الإصابة – إبن حجر:3/201
4- تقريب التهذيب- إبن حجر:1/229
5- تاريخ دمشق- إبن عساكر:33/347
6- المصدر نفسه :33/347
7- تاريخ دمشق- إبن عساكر:33/347

8-عتبة بن هاشم.

9-درة بنت هاشم (1) .

فقد ورد أنه (وَلَدَ هاشمُ بن عتبة: عبدَ الرحمن وعبدَ الله وعبدَ الملك وأمهم أُميمة بنت عوف بن سَخِيرَة بن خُزَيْمة بن عُلاَثَة بن مُرَّة بن جُشَيم بن الأَوْس بن عَامِر بن النَّمِر بن عثمان بن نَضْر بن زهران من الأزْد، وإسحاقَ وأمَّ الحكم. وأمهما أم إسحاق بنت سعد بن أبي وقاص، وَبشِيرًا وأمّهُ السَيِّدة بنت قَيْس بن حَسان بن عَبْد عَمْرو بن مَرثد بن بَشِير بن عَبْد بن مَرثد، وهاشمًا بن هاشم وأمه أم ولد.) (2).

وثبت بعض المؤرخين شهادة اثنين من أبناءه في معركة صفين, أحدهما عتبة؛ لما ورد من أبيات منسوبة لأمير المؤمنين (علیه السلام) حين مر على مصارع هاشم وعصبة القراء فقال:

جزى الله خيراً عصبة أسلمية *** صباح وجوه صرّعوا حول هاشم

يزيد وعبد الله بشر ومعبد *** وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم (3)

ص: 294


1- الإصابة– إبن حجر:4/601
2- الطبقات الكبرى- إبن سعد : 6 / 74
3- مروج الذهب – المسعودي: 2/ 393 , ديوان الامام علي (علیه السلام) : 116 , وقعة صفين- المنقري :356

وورد أنه لما استشهد هاشم المرقالأخذ سفيان بن الثور رايته فقاتل حتى قتل، فأخذها عتبة بن المرقال فقاتل حتى قتل (1).

وأشاروا إلى أن أم أولاده عبد الرحمن وعبد الملك وعبد الله هي أمية بنت عوف.. من الأزد (2) .

ونقلت كتب الرواية أحاديث لحفيد هاشم المرقال وهو هاشم بن هاشم بن عتبة (3) ,فعن (بكر بن سهل الدمياطي، نا جعفر بن مسافر التنيسي، ثنا ابن أبي فديك ، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة : أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر النفس وفي يده تربة حمراء يقلبها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله ؟ فقال : أخبرني جبريل (علیه السلام) أن هذا يقتل بأرض العراق : - للحسين - فقلت لجبريل (علیه السلام) : أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها) (4).

ص: 295


1- تسلية المُجالس وزينة المَجالس - محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري : 1
2- تاريخ دمشق- إبن عساكر:33/347
3- هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المدني المتوفى 144 من رجال الصحاح الست وثقه إبن معين والنسائي والعجلي وغيرهم
4- الحافظ أبو القاسم الطبراني في ( المعجم الكبير )

ومثله عن ( علي بن عبد الرحمن الشيباني بالكوفة ، ثنا أحمد بن حازم الغفاري ، ثنا خالد بن مخلد القطواني قال : حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي أخبرني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال : أخبرتني أم سلمة (رضی الله عنها) : أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر (1) ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله ؟ قال : أخبرني جبريل (عليه الصلاة والسلام) أن هذا يقتل بأرض العراق - للحسين - فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها .) (2) .

و أشهر أبناء المرقال رضوان الله عليه هو عبد الله .

ص: 296


1- كذا في لفظ الحاكم والبيهقي وفي غيرهما من الأصول : خاثر ، وفي النهاية : أصبح رسول الله وهو خاثر النفس أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط.
2- المستدرك - الحاكم: 4 / 398

عبد اللّه بن هاشم المرقال

كبير قريش في البصرة، ورأس الشيعة فيها, فارس من خيرة فرسان العرب, وخطيب ألمعي, ورجل حكمة, وعلم دين, تربى على يدي أبيه النبيل تلميذ أفضل الخلق بعد النبي (صلی الله علیه و آله) أمير المؤمنين علي (علیه السلام) .

سئل يوماً عن الجود وعن النجدة وعن المرؤة فأجاب: ( أما الجود فابتذال الأموال, والعطية قبل السؤال, وأما النجدة فالجرأة على الإقدام, والصبر عند ازورار الأقدام, وأما المرؤة فالصلاح في الدين, والإصلاح للحال, والمحاماة عن الجار).

وبعد شهادة أبيه يوم صفّين ،( قام عبد الله بن هاشم، وأخذ الراية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إن هاشماً كان عبداً من عباد الله، الذين قدر أرزاقهم، وكتب آثارهم، وأحصى أعمالهم، وقضى آجالهم، فدعاه ربه الذي لا يعصى فأجابه، وسلم لأمر لله، وجاهد في طاعة ابن عم رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأول من آمن به، وأفقههم في دين الله، المخالف لأعداء الله المستحلين ما حرم الله، الذين عملوا في البلاد بالجور والفساد، واستحوذ عليهم الشيطان، فزين لهم الإثم والعدوان، فحق عليكم جهاد من خالف سنة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وعطل حدود الله، وخالف أولياء الله. فجودوا بمهج أنفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا،

ص: 297

تصيبوا الآخرة والمنزل الأعلى، والملك الذي لا يبلى. فلو لم يكن ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار، لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية، ابن أكالة الأكباد. فكيف وأنتم ترجون ما لا يرجون) (1),وحين أخذ عبد الله بن هاشم الراية ارتجز وهو يقول :

أهاشم بن عتبة بن مالك *** أعزز بشيخ من قريش هالك

تخبطه الخيلات بالسنابك *** في أسود من نقعهن حالك

أبشر بحور العين في الأرائك *** والروح والريحان عند ذلك (2)

واندفع بالراية في صفوف أعداء الله بوحي من عقيدته وإيمانه ولم يتلكأ في الميدان شعورا بالموقف الدقيق الذي سينال المسلمين لو عرفوا مقتل أبيه لهذا اندفع يرقل بالراية في صفوف الأعداء ليوهم الجيش أن هاشما بالميدان (وجعل معاوية يسأل عن رجل بعد رجل من فرسان أهل الشام فليس يسأل عن أحد إلا قيل قتل، حتى سأل عن الحارث بن المؤمل - وكان الحارث سيدا في أهل الشام - فقيل له قتل، قال: ومن قتله؟ فقيل له عبد الله بن هاشم , فقال معاوية: أليس قد جرح عبد الله جراحات كثيرة؟ قالوا: بلى! ولكنه قاتل على ما

ص: 298


1- وقعة صفين - المنقري: 356
2- المصدر نفسه : 346

به من الجراحات هو الذي قتل الحارث بن المؤمل، فقال معاوية: لئن أمكنني الله من عبد الله بن هاشم لأفعلن به ولأصنعن) (1) .

اشتد معاوية في طلب عبد الله و(لما تم له الأمر بعد وفاة علي (علیه السلام) بعث زياداً على البصرة ونادى منادى معاوية: أمن الأسود والأحمر بأمان الله، إلا عبد الله بن هاشم بن عتبة ! ) (2).

فمكث معاوية يطلبه أشد الطلب ولا يعرف له خبراً، حتى قدم عليه رجل من أهل البصرة فقال له: أنا أدلك على عبد الله بن هاشم بن عتبة، أكتب إلى زياد فإنه عند فلانة المخزومية! فدعا كاتبه فكتب: من معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان، أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فاعمد إلى حي بنى مخزوم ففتشه داراً داراً حتى تأتى إلى دار فلانة المخزومية، فاستخرج عبد الله بن هاشم المرقال منها، فاحلق رأسه وألبسه جبة شعر وقيده وغل يده إلى عنقه واحمله على قتب بعير بغير وطاء ولا غطاء، وانفذ به إليَّ...)؛ فاقتحم الدار واستخرج عبد الله منها، فأنفذه إلى معاوية، فوصل إليه يوم الجمعة وقد لاقى نصباً كثيراً، ومن الهجير ما غير جسمه، وكان معاوية يأمر بطعام، فيتخذ في كل جمعة لأشراف قريش ولأشراف الشام ووفود العراق .

ص: 299


1- الفتوح – إبن الأعثم: 3 / 120
2- شرح النهج- إبن ابي الحديد :8/32، ومروج الذهب- المسعودي:3/8

فلم يشعر معاوية إلا وعبد الله بين يديه وقد ذبل وسَهِمَ وجهه فعرفه ولم يعرفه عمرو بن العاص، فقال معاوية: يا أبا عبد الله، أتعرف هذا الفتى؟ قال لا، قال: هذا ابن الذي كان يقول في صفين:

إني شَرَيْتُ النفس لما اعتلَّا

وأكْثَرَ اللوم وما أقلَّا

أعور يبغي أهله محلَّا

قد عالج الحياة حتى ملَّا

لا بد أن يفُلَّ أو يُفَلا

أشلُّهم بذي الكعوب شلا

لا خير عندي في كريمٍ ولَّى

فقال عمرو متمثلَا:

وقد ينبت المرعى على دمن الثرى *** وتبقى حزازات النفوس كما هيا

واستمر قائلاً: ( يا أمير المؤمنين، هذا المختال (1) ابن المرقال، فدونك الضب المضب (2)، فاشخب أوداجه على أثباجه (3)، ولا ترده الى أهل العراق، فانه لا

ص: 300


1- المختال : المتكبر المعجب بنفسه .
2- المضب : الذي يلزم الشئ لا يفارقه ، وأصل الضب اللصوق بالأرض .
3- أثباجه: جمع ثبج: الوسط وما بين الكاهل إلى الظهر.

يصبر على النفاق، وهم أهل غدر وشقاق وحزب إبليس ليوم هيجاء، وانه له هوى سيرديه، ورأياً سيطغيه، وبطانة ستقويه، وجزاء سيئة مثلها) (1).

وكان مثل هذا المحضر ومثل هذا التحامل على العراق وأهله هو شنشنة عمرو بن العاص المعروفة عنه، ولا نعرف أحداً وصف أهل العراق هذا الوصف المعادي قبله.

أمّا ابن المرقال فلم يكن الرعديد الذي يغلق التهويل عليه قريحته، وهو الشبل الذي تنميه الأسود الضراغم - فقال، وتوجه بكلامه الى ابن العاص: (ما أنا بأول رجل خذله قومه، وأدركه يومه). فقال معاوية: تلك ضغائن صفين وما جنى عليك أبوك. فقال عمرو: أمكني منه فأشخب أوداجه على أثباحه. فقال له ابن هاشم: فهلا كانت هذه الشجاعة منك يابن العاص أيام صفين حين ندعوك إلى النزال، وقد ابتلت أقدام الرجال، من نقيع الجريال (2)، وقد تضايقت بك المسالك ، وأشرفت فيها على المهالك. وأيم الله لولا مكانك منه لنشبت لك مني

ص: 301


1- تاريخ مدينة دمشق – إبن عساكر : 33 / 343
2- النَّقِيعُ شَرَابٌ يُتَّخَذ من زبيبٍ يُنْقَعُ في الماء و النَّقِيعُ البئرُ الكثيرةُ الماءِ .ويقال : ماءٌ نَقِيعٌ ، وسُمٌّ نقيعٌ : ناقعٌ . والجمع : أَنْقِعةٌ . الجِرْيَالُ : صَبْغٌ أَحمر .. فأراد الإشارة إلى مسيل الدماء في المعركة.

خافية (1) أرميك من خلالها أحد من وقع الأشافي (2)، فإنك لا تزال تكثر في هوسك (3) وتخبط في دهشك (4)، وتنشب في مرسك (5), تخبط العشواء (6)، في الليلة الحندس الظلماء .. يا عمرو ! إن أُقتل، فرجل أسلمه قومه، وأدركه يومه. أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال، ونحن ندعوك إلى النزال، وأنت تلوذ بشمال النطاف (7), وعقائق الرصاف (8)كالأمة السوداء، والنعجة القوداء (9)، لا

ص: 302


1- الخافِيَةُ إحدى ريشاتٍ أَربع ، إِذا ضمّ الطائرُ جناحَه خفيَت . والجمع : خَوَافٍ .واستعارها هنا للإشارة الى النبال او الرماح
2- الأشافي : جمع إشفى ، وهو مخصف الإسكاف
3- الهَوَسُ : طَرَفٌ من الجُنون .وهوس : وقع في اضطراب وفساد وحيرة .
4- الدَّهَشُ ذهابُ العقل من الذَّهَلِ والوَلَهِ وقيل من الفزع ونحوه دَهِشَ دهَشاً فهو دَهِشٌ ودُهِشَ فهو مَدْهوش
5- المرس : حبل البكرة : الذي خرج عن مجراه.
6- يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ: يَتَحَرَّكُ دُونَ عَقْلٍ وَلاَ ضَابِطٍ، كَيْفَمَا اتَّفَقَ.
7- النُّطْفَةُ الماء الصافي قلَّ أو كثُر والجمع نِطَافٌ بالكسر و النَّاطِفُ القُبَّيْطِي و نَطَفَانُ الماء بفتح الطاء سيلانه أي بأشأم الجانبين من الماء القليل.
8- العقائق: سهام الاعتذار. كانوا يرمون بها نحو السماء - والرصاف: الحجارة المرصوف بعضها على بعض في مسيل الماء، فكأنه يقول له: انك تلوذ في أرض صلبة عند ماء قليل ترمي بسهام الاعتذار.
9- القَوْدُ نقيض السَّوْق يَقُودُ الدابَّة من أَمامِها ويَسُوقُها من خَلْفِها فالقَوْدُ من أَمام والسَّوْقُ من خَلْف قُدْتُ الفرس وغيره

تدفع يد لامس ؟). فقال عمرو: (أما واللّه لقد وقعت في لهاذم شدقم (1)للأقران ذي لبد (2)، ولا أحسبك منفلتاً من مخالب أمير المؤمنين).

فقال عبد اللّه: (أما واللّه يا ابن العاص انك لبطر في الرخاء، جبان عند اللقاء، غشوم إذا وليت، هياب إذا لقيت، تهدر كما يهدر العود المنكوس المقيد بين مجرى الشوك، لا يستعجل في المدة، ولا يرتجى في الشدة. أفلا كان هذا منك، إذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغاراً، ولم يمرقوا كباراً، لهم أيد شداد، وألسنة حداد، يدعمون العوج، ويذهبون الحرج، يكثرون القليل، ويشفون الغليل، ويعزون الذليل) ؟.

فقال عمرو: (أما واللّه لقد رأيت أباك يومئذ تخقق (3) أحشاؤه، وتبق أمعاؤه، وتضطرب أصلاؤه (4) كما انطبق عليه ضمد).

فقال عبد اللّه: (يا عمرو! إنّا قد بلوناك ومقالتك فوجدنا لسانك كذوباً غادراً، خلوت بأقوام لا يعرفونك، وجند لا يساومونك، ولو رمت المنطق في غير أهل

ص: 303


1- اللَّهْذَمُ : كلُّ شيء قاطع ، من سنانٍ أَو سيفٍ أو نابٍ ..والشَّدْقمُ : الواسع الشِّدقْين .
2- اللِبْدُ: واحد اللُبودِ. واللِبْدَةُ أخصُّ منه. ومنه قيل لزُبْرَةِ الأسد لِبْدَةٌ، وهي الشعر المتراكب بين كتفيه. والأسد ذو لِبْدَةٍ.
3- تشقق.
4- أوساط الظهر.

الشام لجحظ (1) عليك عقلك، ولتلجلج لسانك، ولاضطرب فخذاك اضطراب القعود (2) الذي أثقله حمله).

فقال معاوية: إيهاً عنكما ,وأمر به إلى السجن (3).

فلم يزل عمرو بن العاص يلومه على عدم قتله, ويقول:

(أمرتك أمراً عازماً فعصيتني *** وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

أليس أبوه يا معاوية الذي *** أعان علياً يوم حز الغلاصم ؟

فلم ينثن حتى جرت من دمائنا *** بصفين أمثال البحور الخضارم

وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه *** ويوشك ان تقرع به سن نادم)

وبقي في السجن يتعرّض لأسوأ أنوع التعذيب النفسي والجسدي والإِرهاق حتّى لفظ أنفاسه الأخيرة.

ص: 304


1- جحظ إليه عمله نظر في عمله فرأى سوى ما صنع، وجحظ إليه عقله أي نظر الى رأيه فرأى سوء ما ارتأى.
2- القعود من الجمال : ما يتخذ مركبا في كل حاجة.
3- الفتوح– إبن الأعثم: 3/124 و حياة الامام الحسن- القرشي: 2/392

المصادر

القرآن الكريم

1.الإحكام في أصول الأحكام - علي بن أحمد, المعروف بابن حزم / طبعة محققة على مخطوطتين ومقابلة على النسخة التي حققها الشيخ احمد شاكر/تصوير دار الآفاق الجديدة/ بيروت

2.السنن الكبرى: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي / دار المعرفة/ بيروت/ عشرة مجلدات من القطع الكبيرة .

3.الغارات أو الإستنفار والغارات - إبراهيم بن محمد المعروف بابن هلال الثقفي/ حققه وعلق عليه: السيد عبد الزهراء الحسيني/ الناشر: دار الاضواء للطباعة والنشر والتوزيع/ط1/ 1987

4.المستجاد من كتاب الإرشاد - الحسن بن يوسف المطهر الحلي, الشهير بالعلامة (ت: 726ﻫ.) /منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي/ قم المقدسة/ مطبوع ضمن كتاب المجموعة النفيسة.

5.فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين – إبراهيم بن محمّد بن المؤيد الجويني(ت: 722 ﻫ.)/تقديم وتحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي/المطبعة : مؤسّسة المحمودي للطباعة

والنشر/ بيروت /ط/ 1398ﻫ.

6 . الإِصابة في تمييز الصحابة- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي(852ﻫ.)/ تحقيق: علي محمد البجاوي / بيروت دار الجيل / ط1 / 1412

ص: 305

7.الإحتجاج- الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي(ت:560ﻫ.)/مطبعة النعمان/ النجف الأشرف/1386

8.الإختصاص- الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي(ت:413ﻫ.)/ تحقيق علي الغفاري/ منشورات جماعة المدرسين/ قم

9.الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد – الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي(ت:413ﻫ.)/ تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لتحقيق التراث / دار المفيد للطباعة

والنشر/ 1413 ﻫ.

10.الإستيعاب في معرفة الأصحاب - يوسف بن عبد البر النمري القرطبي/تحقيق علي محمد البجاوي /مكتبة نهضة مصر/القاهرة / 1380ﻫ.

11.الإمام علي بن أبي طالب (ع) -أحمد الرحماني الهمداني/ ط 1/الناشر : المنير للطباعة والنشر/ طهران/ 1417 ﻫ.

12.الإيضاح - الفضل بن شاذان الأزدي /تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث/1363 ش

13.الأخبار الطوال- أحمد بن داوُد الدينوري / تحقيق : عبد المنعم عامر / مراجعة : الدكتور جمال الدين الشيال /الطبعة: الأولى /سنة الطبع: 1960 / منشورات الشريف الرضي / إيران

14.الأربعين - محمد طاهر القمي الشيرازي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / الطبعة: الأولى/ سنة الطبع: 1418 /مطبعة الأمير/قم المقدسة/ ايران

ص: 306

15.الأعلام - خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي/ دار العلم للملايين/ ط15 / 2002 م

16.الأغاني - أبو الفرج الأصفهاني / تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وآخرين / الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر / القاهرة / 1970م.

17.الأمالى( أمالي الطوسي)- الشيخ محمد بن الحسن الطوسي(ت: 460ﻫ.) /مطبعة النعمان/النجف الأشرف/ 1323ﻫ.

18.الأمالي (أمالي الصدوق)– الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي(ت:381 ﻫ.) /مؤسسة البعثة /ط1/ قم 1417ﻫ.

19.التاريخ الصغير - محمد بن إسماعيل البخاري - المحقق: محمود إبراهيم زايد/ الناشر: دار المعرفة / بيروت / الطبعة: الأولى / سنة الطبع: 1406ﻫ.

20.التفسير الكبير- فخر الدين الرازي / الطبعة الأولى / 1357ﻫ./ المطبعة البهية المصرية.

21.الثقات - أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البُسْتي/ الطبعة : الأولى/ / الناشر : مؤسسة الكتب الثقافية / مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية - الهند

22.الجامع الكبير (سنن الترمذي) - محمد بن عيسى الترمذي(ت 279 ﻫ.)/ تحقيق شعيب الأرناؤوط, وعبد اللطيف حرز الله/ الناشر: الرسالة العالمية/ ط 1/ 1430 ﻫ.

ص: 307

23.الخصال – الشيخ الصدوق محمد بن علي القمي(ت:381ﻫ.)/تصحيح علي الغفاري/ نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية/ قم 1403 ﻫ.

24.الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور - جلال الدين السيوطي / تحقيق : عبد الله بن عبد المحسن التركي /دار النشر : مركز هجر للبحوث/ القاهرة /الطبعة : الأولى/سنة الطبع : 1424ﻫ. ، 2003م.

25.الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة - السيد علي خان المدني(ت:1120ﻫ.)/تحقيق, تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم/ ط2/ 1397/ الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي / قم المقدسة/ ايران

26.الروض المعطار في خبر الأقطار - محمد بن عبد المنعم الحِميري / تحقيق إحسان عباس/ الناشر : مؤسسة ناصر للثقافة /بيروت / مطبعة دار السراج /لطبعة : 2 / 1980 م

27.السنة و مكانتها في التشريع الإسلامي - مصطفى بن حسني السباعي/ الناشر: المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان/ الطبعة الثالثة، 1402 ﻫ. - 1982 م (بيروت/

28.السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون - علي بن برهان الدين الحلبي / الناشر: دار المعرفة/بيروت / 1400 ﻫ.

29.السيرة النبوية لابن هشام/ عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري/ تحقيق :طه عبد الرؤوف سعد/الناشر : دار الجيل/ بيروت / 1411 ﻫ.

30.الصحاح - إسماعيل بن حماد الجوهري / دار المعرفة /بيروت /ط 2 / 2007

ص: 308

31.الصحيفة السجادية- الإمام علي بن الحسين (ع) / اصدار أمانة مسجد السهلة المعظم /دار المتقين للثقافة والعلوم والطباعة والنشر/ ط1 /1433ﻫ.

32.الطبقات الكبرى - محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري(ت:230ﻫ.)/ الناشر: دار صادر / بيروت

33.الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف - السيد علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس(ت:664ﻫ.) / الطبعة: الأولى/ مطبعة الخيام / قم المقدسة / ايران/ 1399 ه

34.العقد الفريد - أحمد بن محمد بن عبدربه الأندلسي / تحقيق : الدكتور مفيد محمد قميحة/ دار الطبع : دار الكتب العلمية - بيروت/ الطبعة : الأولى/ سنة الطبع : 1404 ﻫ. - 1983 م

35.الغدير في الكتاب والسنة والأدب – الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني (ت:1392ﻫ.) / دار الكتب الإسلامية/ط2 /طهران 1408 ﻫ.

36.الغدير والولاية – السيد عبد الأمير السيد علي خان/ الناشر: مركز الغدير للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت / لبنان / سنة النشر: 1423ﻫ. - 2002م

37.الفتنة الكبرى(علي وبنوه) (مجموعة إسلاميات طه حسين) - د. طه حسين (ت: 1973 م) / دار العلم للملايين / بيروت

38.الفتوح- أحمد بن الأعثم الكوفي(ت:314ﻫ.) تحقيق:علي الشيري/ط- 1 / بيروت دار الأضواء/1411ﻫ.

ص: 309

39.القاموس المحيط – الفيروز أبادي / تصحيح نصر الهوريني/ دار الجيل - مصورة عن طبعة البابي الحلبي/1371 ﻫ.

40.الكافي(الأصول والفروع)– الشيخ محمد بن يعقوب الكليني(ت:329ﻫ.)/ تحقيق علي الغفاري / منشورات دار الكتب الإسلامية/ط3 /طهران/ 1388 ﻫ. .

41.الكامل في التاريخ -علي بن محمد بن محمد الشيباني, المعروف بإبن الأثير(ت:630ﻫ.)/ تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي/الناشر: دار الكتب العلمية/ سنة النشر: 1407 - 1987

42.الكنى والألقاب - الشيخ عباس بن محمد رضا القمّي(ت:1359ﻫ.) / المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف/ ط3 / 1406 ﻫ. .

43.الكوكب الدري من شعراء الغري/ علي الخاقاني/ اعتنى به وهذبه: محسن عقيل/ الناشر: دار المحجة البيضاء/ ط1

44.اللهوف في قتلى الطفوف - السيد علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس(ت:664ﻫ.)/ مطبعة المكتبة الحيدرية / النجف/ سنة 1385ﻫ.، / مع حكاية المختار

45.المبسوط – محمد بن أبي سهل السرخسي/دراسة وتحقيق: خليل محي الدين الميس/الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان/ط1/ 1421ﻫ. 2000م

46.المحبر - أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي / اعتنى بتصحيحه: د. إيلزة ليختن شتيتر/ دار النشر: الآفاق الجديدة /بيروت / لبنان

ص: 310

47.المختصر في أخبار البشر ( تاريخ أبي الفداء)/إسماعيل بن علي الدويني/تحقيق: محمود ديوب/ط1/ 1417ﻫ./بيروت/دار الكتب العلمية.

48.المستدرك على الصحيحين – محمد بن عبد الله النيسابوري, المعروف بالحاكم(ت:405ﻫ.)/ دار الكتب العلمية /ببيروت/ 1411ﻫ.،

49.المعارف - إبن قتيبة الدينوري(ت:272ﻫ.)/ دار الكتب العلمية/ ط1/ 1407ﻫ.- 1987 م

50.المعجم الأوسط - سليمان بن احمد الطبراني / تحقيق: طارق بن عوض الله- محسن الحسيني/ نشر: دار الحرمين/ط1 / 1415-1995 /

51.المعجم الرائد - جبران مسعود / دار العلم للملايين/ 1992/ ط7

52.المعجم الصغير - سليمان بن أحمد الطبراني/ دار الحرمين/القاهرة 1415

53.المعجم الوسيط - مجمع اللغة العربية / نشر مكتبة الشروق الدولية / القاهرة / ط4 / 2004 م

54.المناقب - الموفق بن احمد بن محمد المكي الخوارزمي / تحقيق مالك المحمودي / نشر مؤسسة النشر الاسلامية/ ط2/ 1411 ﻫ.

ص: 311

55.المنتظم في تاريخ الملوك والأمم -عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي / تحقيق محمد ومصطفى عبد القادر عطا/ نشر دار الكتب العلمية

56.المواعظ والإعتبار في ذكر الخطب والآثار- أحمد بن علي المقريزي57.

(ت: 845ﻫ.) / ط1 / مطبعة الأدب/ القاهرة/ 1968م.

57.الموسوعة العربية العالمية/ الناشر: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع/ الطبعة: 2 / مجلدات: 30

58.النصائح الكافية لمن يتولى معاوية - السيد محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحي العلوي/مطبعة حيدر اباد/ الهند / 1909 م.

59.النهاية في غريب الحديث والأثر- علي بن محمد بن عبدالكريم الشيباني المعروف بإبن الأثير/ نشر دار ابن الجوزي/ السعودية / إشراف وتقديم الأستاذ علي بن حسن بن علي بن عبدالحميد

الحلبي الأثري/ ط1 / 1421 ﻫ.

60.الوافي بالوفيات – خليل بن ايبك الصفدي (ت:764ﻫ.)/تحقيق: أحمد الأرناؤط وتركي مصطفى/ ط1/ دار احياء التراث العربي/بيروت/

61.الولاية - ابن عقدة الكوفي(ت:333ﻫ.)/ نشر مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث/ قم المقدسة

62.إختيار معرفة الرجال المعروف ب- ( رجال الكشّي )- الشيخ أبي جعفر الطوسي محمّد بن الحسن /تحقيق: السيّد مهدي الرجائي/نشر: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث/ 1404

63.إعلام الورى بأعلام الهدى - الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي(ت:548ﻫ.)/ تحقيق: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث/ ط1/ المطبعة: ستارة / الناشر: مؤسسة آل البيت (ع)

لإحياء التراث / قم/ 1417ﻫ.

ص: 312

64.إلزام النواصب – الشيخ مفلح بن الحسين بن راشد بن صلاح البحراني/ تحقيق الشيخ عبد الرضا النجفي/ ط1/ 1430ﻫ./ قم المقدسة

65.إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع - تقي الدين أحمد بن علي المقريزي / تحقيق: محمود محمد شاكر/ نشر: الشؤون الدينية/ قطر/ ط2

66.أحكام القرآن - أحمد بن علي الرازي الجصاص/ تحقيق محمد الصادق قمحاوي / طبع دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ 1405 م.

67.أسد الغابة في معرفة الصحابة - علي بن محمّد بن عبدالكريم الشيباني المعروف بإبن الأثير(630ﻫ.)/ تحقيق : عادل أحمد الرفاعي/ دار إحياء التراث العربي/ط1 /1417 ﻫ.

68.أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين العاملي (1371 ﻫ.)/تحقيق السيد حسن الأمين/ط1 / بيروت / دار التعارف/1403 ﻫ.

69.أنساب الأشراف(تاريخ البلاذري) - أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري(ت:279 ﻫ.)/ تحقيق محمد باقر المحمودي/ط 1 /مؤسسة الأعلمي/ بيروت/ 11394 ﻫ.

70.بحار الأنوار – الشيخ محمد باقر المجلسي(ت:1111 ﻫ.)/ط2 المصححة/مؤسسة الوفاء / بيروت 1403 ﻫ. .

71.بيت الأحزان - الشيخ عباس القمي/ نشر دار الحكمة/ ط1/ مطبعة امير/ قم المقدسة / 1410 ﻫ.

ص: 313

72.تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)- محمد بن جرير الطبري(ت:310ﻫ.)/ نشر دار الكتب العلمية / بيروت/ ط1/ 1407 ﻫ.

73.تاريخ الخلفاء - عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي /تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد/ الناشر : مطبعة السعادة - مصر/ ط1 / 1371ﻫ. - 1952م

74.تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس - حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري المالكي/ طبعة مصر / 1283 ﻫ.

75.تاريخ اليعقوبي - أحمد بن إسحاق اليعقوبي البغدادي(ت: 284ﻫ.)/ تحقيق : خليل المنصور/ الناشر : دار الكتب العلمية بيروت - لبنان/ الطبعة الأُولى/ 1419ﻫ.

76.تأريخ مدينة دمشق-علي بن الحسن المعروف بابن عساكر(ت: 571ﻫ.)/دراسة وتحقيق :علي شيري/دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/1415 ﻫ.

77.تذكرة الخواص - سبط ابن الجوزي /ط النجف الأشرف / 1383ﻫ.

78.تسلية المُجالس وزينة المَجالس - السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري /تحقيق : فارس حسّون كريم/ الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية/ قم

79.تقريب التهذيب - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(ت:852ﻫ.)/تحقيق مصطفى عبد القادر عطا/ دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان / ط2/ 1415 ﻫ..

ص: 314

80.تنقيح المقال في أحوال الرجال (رجال المامقاني)-الشيخ عبد الله المامقاني(ت: 1351ﻫ.)/المطبعة المرتضوية/ النجف الاشرف /1352ﻫ.

81.تهذيب التهذيب– أحمد بن علي بن حجر العسقلاني/دار الفكر/ بيروت1404ﻫ.

82.جامع أحاديث الشيعة - السيد محمّد حسين الطباطبائي البروجردي / باهتمام: إسماعيل المعزّي/ مطبعة مهر/ قم .

83.جمهرة أنساب العرب – علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري /تحقيق: لجنة من العلماء/الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت/ط1/ 1403-1983.

84.حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار (ع)- السيد هاشم البحراني/ تحقيق: الشيخ غلام رضا مولانا البر وجردي/ ط1/ 1411 / قم

85.حياة الحيوان الكبرى - محمد بن موسي بن عيسى الدميري/ تهذيب وتصنيف أسعد الفارس / دار طلاس دمشق / 1992

86.ديوان الامام علي امير المؤمنين وسيد البلغاء والمتكلمين (ع) ويليه القصيدة الكوثرية/ جمع وترتيب: عبد العزيز الكرم/ الناشر: المكتبة الشعبية

87.ديوان السيد الحميري- السيد إسماعيل بن محمد ين يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري/ دار صادر / بيروت / ط1/ 1999 م

ص: 315

88.ديوان هاشم المرقال ,-جمع وتحقيق وشرح : قيس العطار ,/انتشارات دليل /المطبعة عزت / ط1/ 1421ﻫ. .

89.رجال الطوسي- الشيخ محمد بن الحسن بن علي الطوسي(ت:460ﻫ.)/تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني/ط1/ مؤسسة النشر الإسلامي/قم1415ﻫ.

90.رسائل المرتضى- السيد الشريف المرتضى / تقديم : السيد أحمد الحسيني / إعداد : السيد مهدي الرجائي/الناشر: منشورات دار القران الكريم / قم المقدسة / 1405ﻫ.

91.روضة الواعظين وبصيرة المتعظين- محمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري(ت:508ﻫ.)/ تحقيق: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان/ منشورات الشريف الرضي /قم1414 ﻫ.

92.سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار- الشيخ عباس القمي/ط2/دار الأسوة للطباعة والنشر/ 1412ﻫ.

93.سنن الترمذي- محمد بن عيسى بن سورة الترمذي(ت:279ﻫ.)/ مطبعة دار السلام /الرياض 1420ﻫ.

94.سير أعلام النبلاء - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي(ت:748ﻫ.)/مؤسسة الرسالة / بيروت/ 1406ﻫ. وطبعة سنة 1413ﻫ.

95.شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - النعمان بن محمد التميمي المغربي(ت:363ﻫ.)/تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي/مؤسسة النشر الإسلامي/ط1/ قم /1412 ﻫ.

ص: 316

96.شرح أصول الكافي - المازندراني: محمد صالح ت (1081ﻫ.)/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ ط1/ 1421ﻫ. .

97.شرح نهج البلاغة – إبن أبي الحديد المعتزلي(ت:656ﻫ.) / تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم/دار إحياء الكتب العربية/عيسى البابي الحلبي وشركاه/ط1/ 1378 ﻫ.

98.شعر هاشم المرقال- دراسة لغوية للباحثين م. م.أحمد كاظم عمّاش م. رياض حمود حاتم المالكي/ 1430ﻫ. 2009م

99.صحاح الجوهري - إسماعيل بن حماد الجوهري /تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار/ ط4/دار العلم للملايين - بيروت

100.صحيح البخاري- محمد بت إسماعيل البخاري (ت:256ﻫ.)/ طبعة بالأوفست/دار الفكر/ بيروت/1401ﻫ..

101.صحيح مسلم - مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري/ تحقيق: محمد فؤاد

عبد الباقي/ تعليق محمد فؤاد عبد الباقي/دار إحياء التراث العربي / بيروت

102.صحيفة الموجز الأسبوعية المصرية - مقال: أسامة أنور عكاشة/ الشهر 9 / 2004م.

103.ضحى الإسلام - أحمد أمين / الناشر: الأجزاء 1 – 2: الهيئة المصرية العامة للكتاب/ الجزء 3: مكتبة النهضة المصرية/ 1997 م.

104.عبد الله بن عباس – السيد محمد تقي الحكيم/ط1 / دار الفكر المعاصر / بيروت / 2001 م

ص: 317

105.علل الشرائع– الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي(ت:381ﻫ.)/ منشورات المكتبة الحيدري ومطبعتها / ط 1 / النجف 1385 ﻫ.

106.علل إبن أبي حاتم /إبن أبي حاتم الرازي / تحقيق: سعد بن عبد الله الحميد - خالد بن عبد الرحمن الجريسي/ ط1/ 1427 - 2006

107.عيون أخبار الرضا (ع)- الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي(ت:381ﻫ.)/تصحيح وتذييل: السيد مهدي الحسيني اللاجوردي/ نشر رضا المشهدي/ مكتبة قم المقدسة/ط2 / 1983

108.غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام- /الطبعة الحجرية/ مؤسسة بنياد معارف إسلامي

109.فتح الباري - إبن حجر العسقلاني / دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت/ لبنان/ ط1

110.فتوح البلدان – أحمد بن يحيى البلاذري/ طبعة لوكدوني - الهند 1866م

111.فتوح الشام - محمد بن عمر بن واقد السهمي الواقدي (المتوفى: 207ﻫ.) /الناشر: دار الكتب العلمية/ ط1 /1417ﻫ.

112.فضل الكوفة ومساجدها- الشيخ محمد بن جعفر المشهدي/تحقيق د. محمد سعيد الطريحي /دار المرتضى/ بيروت 1980 م.

113.قراءات جديد للفتوحات الإسلامية - الشيخ علي الكوراني العاملي/ ط 1/1432 -2011 /موقع سماحة الشيخ الكوراني

ص: 318

114.قرب الإسناد –الشيخ عبد الله بن جعفر الحميري القمي(ت:300ﻫ.) / مؤسسة آل البيت(ع)/ ط1 / قم 1413 ﻫ.

115.كتاب سليم بن قيس - سليم بن قيس الكوفي الهلالي العامري ا(ت:76ﻫ.)/ دار الفنون/بيروت / مجلد واحد من القطع المتوسط

116.كشف الغمة في معرفة الأئمة – علي بن عيسى بن ابي الفتح الأربلي /دار الاضواء للطباعة والنشر والتوزيع /ط2/ بيروت1985م.

117.كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب - محمد بن يوسف الحافظ الكنجي الشافعي/ 658ﻫ. /المطبعة الحيدرية / النجف الأشرف/ 1390ﻫ..

118.كمال الدين وتمام النعمة – الشيخ الصدوق محمد بن علي القمي(ت:381ﻫ.)/ تحقيق علي الغفاري / مؤسسة النشر الإسلامي/ قم 1405 ﻫ.

119.كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي/ مؤسسة الرسالة / بيروت/ 1409ﻫ..

120.لسان العرب - محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري(ت:711ﻫ.)/نشر أدب الحوزة/ط1/ قم /إيران 1405ﻫ.

121.مثالب العرب - هشام بن السائب الكلبي / تحقيق: الشيخ نجاح الطائي/ ط1 / 1419ﻫ.-1998م/ الناشر: دار الهدى/ بيروت- لندن

ص: 319

122.مجمع الأمثال - أحمد بن محمد الميداني النيسابوري/ 518ﻫ./ مطبعة دار الفكر/ القاهرة/ مصر.

123.مجمع البيان في تفسير القرآن– الشيخ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات /بيروت 1415 ﻫ.

124.مختصر أخبار شعراء الشيعة - محمّد بن عمران المرزباني الخراساني ( ت: 384 ﻫ.) /تحقيق: محمد هادي الأميني/ط2 /1413ﻫ. /نشر شركة الكتبي / بيروت

125.مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - الملا علي القاري/الناشر: دار الفكر/ بيروت / لبنان/ط1/ 1422ﻫ. - 2002م

126.مروج الذهب ومعادن الجوهر-علي بن الحسين بن علي المسعودي(ت:346ﻫ.)/ تحقيق محمد هشام النعسان وعبد المجيد طعمة حلبي/ط1 / دار المعرفة للطباعة والنشر/ 2005

127.مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل- الشيخ حسين النوري الطبرسي(ت:1320ﻫ.)/ تحقيق مؤسسة آل البيت (ع)/ط 1 /بيروت/ 1408 ﻫ.

128.مسند أحمد بن حنبل - أحمد بن حنبل الشيباني(ت:241ﻫ.) /ط 1/ مؤسسة الرسالة/1421 ﻫ.

129.معاني الأخبار- الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي/مكتبة المفيد/ قم - إيران/ و طبعة مؤسسة النشر الإسلامي / 1361ﻫ. وطبعة سنة 1379ﻫ. .

ص: 320

130.معجم البلدان - شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي/ دار صادر /بيروت م 1388ﻫ. و دار إحياء التراث العربي / بيروت / 1399ﻫ. 1979م

131.معجم الشعراء- محمد بن عمران بن موسى المرزباني /تصحيح وتعليق: الأستاذ الدكتور ف. كرنكو/مكتبة القدسي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان/ط2 / 1402 ﻫ.

132.معجم اللغة العربية المعاصرة - أحمد مختار عمر/ الناشر: عالم الكتب / القاهرة/ ط 1/ 1429 - 2008

133.معجم رجال الحديث – السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(ت:1413ﻫ.)/مركز نشر الثقافة الإسلامية/ط5/ 1413 ﻫ.

134.مفاتيح الجنان - الشيخ عباس القمي/ ط2/ إصدار مؤسسة مسجد السهلة المعظم/مطبعة دار المتقين/بيروت 1433ﻫ.

135.مقتل الحسين (ع) - السيد عبد الرزاق المقرم / الناشر: دار الكتاب الإسلامي /بيروت - لبنان/ ط5 /1399ﻫ. -1979م.

136.مناقب أهل البيت (ع) - المولى حيدر الشيرواني(الوفاة: ق 12 )/ تحقيق: الشيخ محمد الحسون/ مطبعة المنشورات الإسلامية/ 1414ﻫ.

137.مناقب آل أبي طالب - محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازنداني (ت:588ﻫ./

ص: 321

تحقيق لجنة من أساتذة النجف/منشورات المكتبة الحيدرية/النجف الأشرف/1376ﻫ..

138.مناقب علي (ع)/ الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي (ت - 568)/ تحقيق: الشيخ مالك المحمودي/مؤسسة النشر الإسلامي/ قم/ ط2/ 1411 ﻫ..

139.مواقف الشيعة - الشيخ علي الأحمدي الميانجي/ ط1/ مؤسسة النشر الاسلامي/ جماعة المدرسين / قم المقدسة/1416ﻫ.

140.ميزان الاعتدال في نقد الرجال - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي(ت:748ﻫ.) / دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت / 1382ﻫ. - 1963م

141.نزهة المشتاق في اختراق الآفاق - محمد بن محمد بن عبد الله الحسني الطالبي, المعروف بالشريف الإدريسي/ نشر عالم الكتب / بيروت/ ط1 / 1409 ﻫ.

142.نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار- السيد علي الميلاني / ط 1 / 1420ﻫ./مطبعة ياران / ايران

143.نهج البلاغة - كلام الإمام علي (ع)/شرح الشيخ محمد عبده /دار المعرفة - بيروت

144.نهج الحق وكشف الصدق -الحسن بن يوسف المطهر الحلي, الشهير

بالعلامة (ت: 726ﻫ.)/ مطبعة ستارة / نشر مؤسسة الطباعة والنشر دار الهجرة/ قم

ص: 322

145.هاشم المرقال- السيد محمد رضا الحكيم / مطبعة الزهراء / النجف الاشرف / 1969م.

146.وقعة صفين – نصر بن مزاحم المنقري(ت: 212ﻫ.)/ تحقيق عبد السلام محمد هارون/ المؤسسة العربية الحديثة/ط2 /1382ﻫ.

ص: 323

الفهارس

اشارة

ص: 324

فهرست الآيات الكريمة

(سورة آل عمران )

-﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

الآية = رقم الصفحة

85 = 79

-﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ ﴾

الآية = رقم الصفحة

127 = 67

-﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾

الآية = رقم الصفحة

154 = 68

(سورة الأنعام)

-﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾

الآية = رقم الصفحة

52 = 75

(سورة الأنفال)

ص: 325

-﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾

الآية = رقم الصفحة

15, 16 = 70

(سورة التوبة)

-﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾

الآية = رقم الصفحة

45 - 47 = 68

-﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

الآية = رقم الصفحة

60 = 70

-﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾

الآية = رقم الصفحة

101 = 67

ص: 326

-﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِم خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾

الآية = رقم الصفحة

102 = 68

(سورة الحج)

-﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

الآية = رقم الصفحة

11 = 69

(سورة النور)

-﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

الآية = رقم الصفحة

11 = 69

(سورة السجدة)

-﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ﴾

الآية = رقم الصفحة

18 = 69

(سورة الأحزاب)

-﴿إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

ص: 327

الآية = رقم الصفحة

10 - 11 = 68

-﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾

الآية = رقم الصفحة

12 = 68

-﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً ﴾

الآية = رقم الصفحة

53 = 70

(سورة الفتح)

-﴿ فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه ﴾

الآية = رقم الصفحة

10 = 139

(سورة الحجرات)

-﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾

الآية = رقم الصفحة

4 = 74

-﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾

الآية = رقم الصفحة

6 = 69

ص: 328

-﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾

الآية = رقم الصفحة

14 = 69

(سورة المجادلة)

-﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾

الآية = رقم الصفحة

5 = 67

(سورة المنافقون)

-﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾

الآية = رقم الصفحة

1 = 67

(سورة الكوثر)

-﴿ إن شانئك هو الأبتر﴾

الآية = رقم الصفحة

3 = 30

ص: 329

فهرست الأحاديث النبوية الشريفة

الحديث الشريف = رقم الصفحة

[إنّ فِرعَون هذهِ الأُمة معاوية بن أبي سفيان] = 30

[إنّ عمّاراً مُلئ إيماناً مِنْ قَرنِهِ إلى قَدَمِهِ ، وَاخْتَلَطَ الإيمان بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ ] = 41

[الحِقُّ مَعَ عَمّار يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُما دارَ] = 41

[إِبْنُ سُمَيَةَ لَمْ يُخَيّرْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطْ إلا أخْتارَ أَرْشَدَهُم] = 41

[إِنَ الجَنّةَ لَتَشْتاقُ إِليكَ - مُخاطباً عَليّاً- وَإِلى عَمّارَ وَسَلْمانَ وَأَبِي ذَرَ وَالمِقْداد] = 41

[دَمُ عَمّارَ وَلَحْمُهُ حَرامٌ عَلى النارِ أَنْ تأكُلَهُ أَوْ تَمَسَّه] = 41

[الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَيْكَ، وَإِلَىْ عَمّارَ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِيْ ذَرَّ، وَالْمِقْدادَ] = 92

[اللّهم إنّ جعفر قد قدم إليك إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذرّيته بخير ما خلّفت عبداً من عبادك الصالحين] = 170

[اللهم العن الراكب والقائد والسائق] = 15

[اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية] = 15

[ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة] = 75

[إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه] = 98

[إنّ الله عزّ وجل أبدله بيديه جناحين يطيرُ بهما في الجنّة حيث يشاء] = 170

[إنّكَ مِنْ أهْلِ الجَنّةِ] = 41

[إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم] = 75

[إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس اتقاء شره] = 75

[إن وجدت أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم. وإن لم تجد أعواناً، فكف يدك، واحقن دمك، حتى تجد على إقامة الدين، وكتاب الله وسنتي أعواناً] = 82

[أَبُوْ ذَرَّ فِيْ أُمَّتِيْ شَبِيْهُ عِيْسىْ بِنْ مَرْيَمَ فِيْ زُهْدِهِ] = 92

[ أَشْهَلُ ذُوْ صُهُوْبَةٍ بَعِيْدُ ما بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، مُعْتَدِلُ القَامَةِ، آدِمٌ شَدِيْدُ الأَدَمَةِ، ضَارِبٌ بِذِقْنِهِ إِلى صَدْرِهِ، واضعٌ يَمِيْنَهُ على شِمالِهِ يَتْلُوْ القُرْآنَ ] = 274

ص: 330

[أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدّموهم، وقدّموهم فهم الولاة من بعدي] = 97

[رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرَّ، يَمْشِيْ وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ] = 93

[ سَلْمانُ مِنِّيْ، وَمَنْ جَفاهُ فَقَدْ جَفانِيْ، وَمَنْ آذاهُ فَقَدْ آذانِيْ] = 89

[سيُقتل بعذراء أُناس يغضب الله لهم وأهل السماء] = 101

[صَبراً آل ياسِرَ، فَإنَّ مَوْعِدكُمْ الجَنَّة] = 40

[على مِثلِ جعفرٍ فَلتَبكِ الباكية] = 170

[فو الذي نفس محمد بيده ليفتحن عليكم فارس و الروم] = 88

[لَوْ كانَ الْدِيْنُ عِنْدَ الثُرَيا لَنا لَهُ سَلْمانُ] = 89

[لا تَغْلّطَنَّ فِيْ سَلْمانَ، فَإِنَ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالىْ أَمَرَنِيْ أَنْ أُطْلِعَهُ عَلى عِلْمِ البَلايا وَالمَنايا وَالأَنْسابِ، وَفَصْلِ الخِطابِ] = 89

[مَا أَظَلّتْ الْخَضْرَاءُ وَمَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةٍ مِنْ أَبِيْ ذَرَ] = 92

[مَنْ عادى عَمّاراً عاداهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ عَمّاراً أَبْغَضَهُ اللهُ ] = 41

[ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحاً، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر] = 169

[من سرّه أن ينظر إلى من يسبقه عضو منه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان] = 99

[يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ، وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى فَارِسَ، وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْرُّومِ، وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَعْورِ الْدَّجَّالِ] = 49

[ يُقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات] = 101

[ يا عَمّارُ تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ وَآخِرُ زادِكَ مِنَ الدُنيا ضَياحٌ (إناء) مَنْ لَبَنٍ] = 41

ص: 331

فهرست الأحاديث العلوية الشريفة

الحديث الشريف = رقم الصفحة

{ أمّا بعد، فإنّكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدوّنا وعدوّكم فأشيروا علينا برأيكم} = 144

{إنا لله وإنا إليه راجعون! والحمد لله رب العالمين. اللهم إني أحتسبُه عندك، فإن موته من مصائب الدهر..رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنتُ لرسولِ الله. لله درّ مالك!. وما مالك!. لو كان جبلاً لكان فنداً، ولو كان صخراً لكان صلداً. على مثل مالك فْلتَبكِ البواكي، وهل موجود كمالِك؟! لقد استكمل أيامه، ولاقى حِمامه، ونحن عنه راضون.. فرضي الله عنه، وضاعف له الثواب، وأحسن له المآب} = 37

{ إنّا لِلهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَاْجِعُوْنَ، إِنَّ أْمْرِئً لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ مُصِيْبَةً مِنْ قَتْلِ عَمَّارَ فَمَا هُوَ مِنَ الإسلام فِيْ شَيءٍ} = 41

{إني قد بعثت عليكم عبداً من عبادِ الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكُلُ عن الأعداء حذر الدوائر, من أشد عباد الله بأساً وأكرمهم حسباً, أضرّ على الفجّار، من حريق النار، وأبعدُ الناس من دنس وعار. وهو مالك بن الحارث الاشتر، فاسمعوا له وأطيعوا أمره في ما طابق الحق، فإنه سيف من سيوف الله } = 37

{خُلِقَتْ الْأَرْضُ لِسَبْعَةٍ بِهِمْ يُرْزَقُوْنَ، وبِهِمْ يُمْطَرُوْنَ، وبِهِمْ ينصرون: أَبُوْ ذَرَّ وَسَلْمَانُ وَالْمِقْدادُ و عَمّارُ وحُذَيْفَةُ وعَبْدُ اللهِ بِنْ مَسْعُوْد... وَأَنَاْ إِمَاْمُهُمْ} = 92

{دع عنك قريشا وخلهم وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق, ألا وإن العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب النبي من قبل اليوم؛ فأصبحوا قد جهلوا حقه وجحدوا فضله, بادروا بالعداوة, ونصبوا له الحرب, وجهدوا عليه كل الجهد, وجروا إليه جيش الأحزاب, اللهم فاجز قريشا عنى الجوازي فقد قطعت رحمي , وتظاهرت علي, ودفعتني عن حقي, وسلبتني سلطان ابن أمي, وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من رسول الله , وسابقتي في الإسلام.. إلا أن يدعى مدعٍ مالا أعرف, ولا أظن الله يعرفه, والحمد لله على كل حال} = 80

{فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها

ص: 332

الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه.. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا} = 82

{لم يمنعني من ذلك الجبن، ولا كراهة للقاء ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها. ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله ، وعهده إلي} = 82

{اللهُ أَكْبَرُ.. أَخْبَرَنِيْ حَبِيْبِيْ رَسُوْلُ الله أَنِّيْ أُدْرِكُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِهِ يُقالُ لَهُ: أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ يَكُوْنُ مِنْ حِزْبِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ ، يَمُوْتُ عَلَىْ الْشَهادَةِ ، يَدْخُلُ فِيْ شَفَاعَتِهِ مِثْلُ رَبِيْعَةَ وَمُضَرَ} = 274

{اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي, وأكفأوا إنائي, واجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري, وقالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه, وفى الحق أن تمنعه, فاصبر مغموما, أًو مت متأسفاً , فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي, فضننت بهم عن الميتة, فأغضيت على القذى, وجرعت ريقي على الشجى, وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم, وآلم للقلب من حز الشفار} = 80

{اللّهم نوّر قلبه بالتقى، واهده إلى صراط مستقيم، ليت أنّ في جندي مائة مثلك} = 101

{اللّهم نوّر قلبه باليقين، واهده إلى صراط مستقيم، ليت في شيعتي مائة مثلك} = 102

{معاوية طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل الله عز وجل ولرسوله وآله وسلم وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين} = 15

{وقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة , ولو وليته إياها لما خلّى لهم العرصة , ولأنهزهم الفرصة} = 117, 153

{ولأقتلن بعمار بن ياسر وبأويس القرني ألف قتيل } = 274

{ولقد كنّا مع رسول اللّه نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً، ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدوّ، ولقد كان الرجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان انفسهما أيّهما يسقي صاحبه كاس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا، ومرّة لعدوّنا منّا. فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت ، وأنزل علينا النصر، حتّى استقرّ الإسلام ملقياً جرانه ومتبوّءاً أوطانه، ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضرّ للإيمان عود } = 66

{يا أهل العراق، سيُقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود} = 101

ص: 333

فهرست الأبيات الشعرية والأراجيز

صدر البيت = الصفحة

إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا28

إذا الله حيا معشراً بفعالهم7

إذا برزت منهم إلينا كتيبةٌ222

إلهك مولانا وأنت ولينا134

إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي168

إن أنت لم تلق من تيمٍ أخا صلفٍ18

إن يصدقوك فلم يعدوا أبا حسنٍ18

إني شَرَيْتُ النفس لما اعتلَّا298

إني شريت النفس لن اعتلّا278

أُبايعُ غيرَ مكترِثٍ عليّاً63,142

أُبايعُه وأعلمُ أنْ سأُرضي63,142

أُمرر على جدث الحسين17

أبشر بحور العين في الأرائك296

أبعد عمار وبعد هاشم296

أرجو البقاء ضل حلم الحالم296

أشلُّهم بذي الكعوب شلا298

أعور يبغى أهله محلا144

أعور يبغي نفسه خلاصا262

أعور يبغي نفسه محلّا268

أفلح بما فزت به من منّه273

ألمَّ خيال من أميمة موهناً 222

أليس أبوه يا معاوية الذي302

أما إنه لو كان غيرك أرقلت28

أما بال سعد خام عن نصر جيشه223

ص: 334

أمرتك أمراً عازماً فعصيتني302

أنا ابن أرباب الملوك غسان265, 286

أنا جرير وكنيتي أبو عمر224

أنا علي فاسألوني تخبروا257

أنبأنا أقوامنا بما كان265, 286

أهاشم بن عتبة بن مالك296

أوّلُ مَن صدّقه وصلّى144, 278

أو رهط سعد وسعد كان قد علموا18

أو من بني عامر أو من بني أسد18

أو يحدث الله لأمر أمرا263, 280

أولئك قومي إن سمعت بمعشري226

بذلك أوصاني أبي وأبو أبي221

بسطت يميناً للنبي محمد7

بشر مثنى فقد لاقيت مكرمةً222

تخبطه الخيلات بالسنابك298

تذكر هداك الله وقع سيوفنا224

ترانا وإنّا في الحروب أسودها204

تلكم بجيلة قومي إن سألت بها219

جزى الله خيراً عصبة أسلمية275, 294

جزى الله همدان الجنان فإنّهم265

حمدت إلهي إذ هداني لدينه221

دَلَفْنا بجمعٍ آثروا الحقَّ والهدى279

ذاك الذي إن ينج منّي سالماً265

ذاك الذي أعذرت فيه العذرا265, 284

ذاك الذي يشتم عرضي ظالماً265

ركبنا على الجرد الجياد سوابحاً204

سائل قريشاً بها إن كنت ذا عمهٍ364

سل أهل ذي الكفر مهراناً وأسرته223

ص: 335

شَيَّبْنَ أصْداغي فَهَنَّ هَرم283

شهدنا بعون الله أفضل مشهد204

صبرت لأهل القادسية معلماُ221

صيرني الدهر كأني شنّه276

ضرباً إذا شئت وطعناً شزرا265, 281

عز الأولى كان عزا من يصول بهم219

عشية ودَّ القوم لو أن بعضهم224

فإنّ المجدَ للأبطالِ281

فأبلغ أبا حفص بأن خيولنا226

فأبنا وقد أيمت نساء كثيرة226

فجاهدَ الكفّارَ حتّى أبلى280

فزارت غريباً نازحاً جلُّ ماله 224

فسائل الجمع جمع الفارسي وقد219

فضاربتهم حتى تفرق جمعهم225

فقُمْ فبايِعْ له إن كنتَ ذا بَصَرٍ283

فقال له قم يا علي فإنني135

فلم ينثن حتى جرت من دمائنا304

فما الذي يا أبا موسى يَردُّكمُ283

فمن عاذري من عبد عذرة بعدما7

فمن كنت مولاه فهذا وليه135

فهدك ربي يا عتيب بن مالك7

فهلاّ ذكرت الله والمنزل الذي7

فوارس من همدان ليسوا بعزل260

في كف كل كريم الجد ذو حسب223

فيه الرسولُ بالهدى استهلاّ146, 286

قاتلت في الله عدوّ السنّه275

قد أكثروا لومي وما أقلا145, 270, 279

قد جرّب الحرب ولا أناصا265

ص: 336

قد عالج الحياة حتى ملَّا300

قدمنا على كسرى بشدة حربنا 204

قوم تداعوا زنيما ثم سادهم18

كان الكفور وبئس الفرس أن له219

كشداته يوم البجيلة معلما225

كلّ امرئ وإن كبا وحاصا265

لا بد أن يفُلَّ أو يُفَلا300

لا تَجزعي يا نفسُ صَبراً صبرا281

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما337

لا خير عندي في كريمٍ ولَّى300

لا عيش إن لم ألق يوماً هاشماً265

لا عيش إن لم ألق يومي عمرا265, 282

لقد علمت أقيال مذحج أنني221

معَ ابن عمّ أحمدَ المُعلّى146, 280

من حَوْبةٍ وعمةٍ وكِنَّه276

من كان أعدلها حكماً وأقسطها18

من كان أقدمها سلماً وأكثرها18

من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا18

من وحّد الله إذ كانت مكذبة18

نُكافحُ عنه والسيوفُ شﻫ.يرةٌ279

نُوقِّرهُ في فَضلهِ ونُجِلُّهُ279

نجول ونحمي والرماح شوارع204

نحن اليمانون وما فينا خور272

نقاتل حتى أنزل الله نصره226

هذا عليٌّ أميرُ المؤمنين بهِ ال283

هناك دعا اللهم وال وليه135

وابن بديل فارس الملاحم271

واعلَمْ بأنّك إن تَظفِرْ ببيعتهِ283

ص: 337

والتاركي الحق وأهل الظِّنَّه275

وأدركوا الوتر من كسرى ومعشره219

وأسلموا ثم مهراناً ببلقعةٍ223

وأقسم بالله العلي مكانه 225

وأكْثَرَ اللوم وما أقلَّا300

وأورث عاراً في الحياة لأهله7

وحلَّت بباب القادسية ناقتي224

وحمزة الخير ومنّا جعفر259

وسِرْنا إلى خيرِ البريّة كلِّها279

وضارب بالسيف الحسام مقدما225

وطاعنتهم بالرمح حتى تبددوا221

وعُروة لا يبعد ثناه وذكره275

وعمرو أبو ثور شهيدٌ وهاشمٌ225

وفي جلولا أثرنا كل ذي بدع223

وقاتل فيهم جاهدا غير عاجز 225

وقال: فمن مولاكمُ ووليكم135

وقد أتاك من الآفاقِ أمرُ هدىً283

وقد ينبت المرعى على دمن الثرى300

وكان جهاد قد ملكنا بأمره204

وكنا بعون الله لا نرعوي إذا204

ولكن سعدا لم يرد أجر يومه 225

ولن يبلغها إلا عذافرة28

ونحن أبدنا الفرس في كل موطن226

ونحن بصحراء العذيب ودوننا224

ونحن دهمناها صباحاً بفيلق226

وﻫ.ذا ابنه والمرء يشبه شيخه304

ويومُ عرض النَّهَرِ المحرم283

يا أعور العين وما بي من عور272

ص: 338

يا هاشم الخير جزيت الجنّه275

يزيد وعبد الله بشر ومعبد275, 295

يقودﻫ.م حامي الحقيقة ماجد260

يناديهمُ يوم الغدير نبيهم135

ينعى ابن عفان ويلحى من غدر 272

يومُ جلولاءٍ ويومُ رستمِ197, 199, 283

مع ابن عمّ أحمد المعلاّ270

ص: 339

فهرست الأعلام

إبراهيم بن حارثة الشيباني 224

إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان 44

إبراهيم(النبي) (ع) 20, 112

إبراهيم, النبي (ع) 20, 112

إبن أبي الحديد 4, 71, 106, 114, 298

إبن أبي حاتم 317,301,9

إبن أبي عروبة

إبن الأثير 20, 57, 71, 73, 142, 207, 212, 268

إبن الجوزي 5, 138, 139, 260

إبن بري 27,

إبن حجر, احمد بن علي

إبن حزم 304,4

إبن شهر آشوب 23, 52, 124, 258

إبن عبد البر , يوسف بن عبد الله بن محمد

إبن عبد ربه 20, 78

إبن عساكر 313,25

إبن قتيبة , عبد الله بن مسلم

إبن معين 43, 46, 294

أبو برزة الأسلمي 110

أبو اسامة , حماد بن زيد

أبو الأسود الدؤلي 109, 254,

أبو الأعور الاسلمي 73,72, 74, 256, 260

أبو الحسن الاصفهاني 56

أبو الربيع إبن أبي العاص بن ربيعة 261

أبو الفرج الأصفهاني 6, 306

أبو القاسم الخوئي 12, 49,

أبو الهيثم بن التيهان 138

أبو أيوب الأنصاري(خالد بن زيد بن كُلَيب الأنصاري ) 39

أبو بكر بن ابي قحافة 30, 57, 73, 76, 78, 81, 84, 85, 93, 94, 95, 96, 108, 117, 150

أبو حية النميري 28

أبو داود الطيالسي 43

أبو ذر الغفاري 12, 15, 30, 41 , 92

أبو زينب بن عوف الأنصاري 138,

ص: 340

أبو سفيان بن حرب 9,5, 15, 16, 30,17, 71, 73, 260,

أبو ضمرة , أنس بن عياض الليثي

أبو طالب (ع) 20, 22 , 103, 169,

أبو عبيد بن مسعود الثقفي 108, 217,

أبو عبيدة بن الجراح 239 , 240, 244,

أبو عبيدة بن الجراح36,10, 57, 58, 156, 160, 166, 171, 172, 179, 180, 186, 189, 190,

أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري 138

أبو فضالة الأنصاري 138

أبو قدامة الأنصاري 138

أبو لهب 30

أبو ليلى الأنصاري 138

أبو مخنف 250, 286

أبو مريم الثقفي 115

أبو موسى الأشعري 25, 63, 81, 105, 107, 112, 115, 143, 282,

أبو هريرة الدوسي 8, 138, 243

أجلح الكندي 46

أحمد إبن الإمام موسى بن جعفر (ع) (الشاه جراغ) 54

أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني 5, 62, 317

أَحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار 45

أحمد بن محمد بن حنبل 124, 127, 136, 142, 257

أحوص بن حكيم الشامي 46

إدريس بن يزيد الأودي 46

أرعبال الثامن 168

أسامة أنور عكاشة 32

أسامة بن زيد الليثي 46

إسحاق بن عبد الله بن زيد بن سهل الأنصاري 45

أسعد بن زرارة 13

أسماء بنت عميس 117, 123, 260,

إسماعيل بن محمد الحميري 17, 314

إسماعيل, النبي (ع)20

أسيد بن حضير 77 , 78

الأشعث بن قيس48, 52, 81, 179, 190, 254, 289,

الأصمعي 16

الأصيد بن سلمة 243, 245

الأقرع بن حابس 74

أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري 75

ص: 341

آمنة بنت وهب 14

أُميّة بن خلف 30

الأميني , عبد الحسين 56, 136, 137, 138, 139, 143,

أنس بن عياض الليثي 47

أوغسطس 156

باذان بن ساسان 90,

البراء بن عازب 107

البراء بن مالك بن النضر 107

البرقي 12 , 255

بريد بن عبد الله بن أبي بردة 46

بريدة الأسلمي 95

بُريدة بن الخضيب 95

البزار, احمد بن عمرو 45, 139

بسر بن أرطأة 28

بشر بن ربيعة 223

بشير الأنصاري 35

بشير بن سعد 57, 77

بلال بن رباح 108

بنت ابي لؤلؤة 256

بهز بن حكيم 46

الترمذي 10, 15, 74, 126, 127

ثابت بن قيس بن علقمة 240

جابر بن سَمُرة 48,

جابر بن طارق النخعي 219

جابر بن عبد الله بن رئاب 13

جارية بن قدامة السعدي 109

جبريل, (الأمين) (ع) 14, 294, 295

جرير بن عبد الله البجلي 224, 225

جعدة بن هبيرة المخزومي 103, 260

جعفر بن أبي طالب 123, 137, 169, 170, 244, 245, 258

جميل بثينة 6

جندب بن سيف 244

الجوهري 27, 64

حاتم بن أبي صغيرة 46

الحارث بن المنذر التنوخي 261, 266, 272

الحارث بن هشام 15

الحاكم النيسابوري, محمد بن عبد الله 47

ص: 342

حامد حسين اللكهنوي 27

الحباب بن المنذر 85

حبشي بن جنادة السلولي 139

حبيب بن الشهيد 46

حبيب بن بديل بن ورقاء 143

حبيب بن مسلمة 256

حجر بن عدي101, 151,

حذيفة بن اليمان41,25, 91

حسان بن ثابت 7, 135, 171

الحسن البصري 29

الحسن بن الحكم النخعي 46

الحسين , الإمام (ع) 5, 11, 12, 17, 29, 30, 39, 53, 81, 93, 101, 102, 109, 113, 115, 117, 126, 128, 129, 138, 151, 152, 239, 244, 253, 254, 265, 289

حسين بن ذكوان المعلم 46

الحكم بن العاص 71

حماد بن أسامة بن زيد 46

حمامة 9

الحمزة بن عبد المطلب16,41, 258

حمنة بنت سفيان بن أمية 5, 8

خالد بن الوليد84, 172, 173, 240, 245

خالد بن زيد بن كُلَيب الأنصاري 96

خالد بن سعيد بن العاص 94, 171

خالد بن عبيد بن سويد 4

خالد بن عرفطة 207,206, 208, 209, 210

خرزاد بن هرمز 231

خهانيل بن فيروز 231

الخوارزمي, الموفق بن احمد53, 58, 59, 128, 135, 136, 137, 139, 269

خويلد بن عمرو الخزاعي 138

الدارقطني 48

دارم بن فياض العبسي 243

دلال(ام اسحق) 21, 150

الدولابي, محمد بن أحمد 62

الذهبي, محمد بن احمد 44 , 45, 60, 61, 63, 104, 134, 257, 292,

ذو الكلاع الحميري 242,241, 258, 268, 271,

رافع بن مالك بن العجلان 13

ربيعة بن عامر 243, 245

رستم 187, 189, 196, 198, 219, 228, 282,

ص: 343

رستم الأصغر 218

الرضا , (الإمام) (ع) 54, 128

رفاعة بن شدّاد البجلي 254

الزبير بن العوام 10, 94, 97, 98, 100, 137, 138, 141, 142, 250

الزركلي, خير الدين بن محمود 64, 284

زنوبيا 168

زهرة بن حوية التميمي 207, 209

زهرة بن عبد الله بن الحوية 211

زهير بن عبد شمس 189

زياد إبن أبيه 29,28, 151,101, 298

زيد أو يزيد بن شراحيل الأنصاري 138

زيد بن حارثة 169

زيد بن صوحان العبدي 99

زيد بن علي (ع) 46 , 53, 243

زينب , الحوراء (ع) 123, 244

السائب بن مالك الأشعري 113, 248

سرزاد 201

سعد بن أبي وقاص8, 9, 11, 12, 14,13, 15, 17, 18, 21, 54, 59, 60, 62, 64, 65, 77, 149, 150, 151, 152, 184, 189, 201, 202, 206, 207, 209, 210, 211, 213, 214, 215 ,217 , 222, 223, 224, 225, 228, 293

سعد بن سعيد الأنصاري 46

سعد بن عبادة 57, 73, 78, 84

سعد بن قيس الهمداني 258

سعد بن مالك الخدري الأنصاري 139

سعد بن معاذ 8

سعيد الجريري 46

سعيد بن العاص 25, 151

سعيد بن المسيب 11, 12

سعيد بن جبير 12

سعيد بن زيد بن نفيل 172

سعيد بن قيس 35, 259, 289

سعيد بن نزار 179

سعيد بن نمران الهمداني 191

سقلان 179

سلمان الفارسي41,11, 75, 89, 92, 213, 224

سلمة بن حبيب 243

سلمى بنت حرملة العنزيّة 30

سلمى بنت حفصة 214

ص: 344

سليمان بن المغيرة 46

سنفاد بن حشرو 231

سهل بن حنيف الأنصاري 98, 138

سهل بن سعد الأنصاري 139, 171

سواد بن مالك التميمي 212

سيحان بن صوحان العبدي 99, 100

السيد المرتضى 50

شجاع بن الوليد 47

شرحبيل بن السمط الكندي 211, 212

شرحبيل بن حسنة 57, 167

شروميان بن إسفنديار 231

شيث , النبي (ع) 20

شيرويه 90

صابر بن كلكل 243

الصادق, الإمام (ع)17, 18, 81, 99, 108, 118, 123, 259

صعصعة بن صوحان العبدي 99 ,

صفوان بن أمية 15

ضرار بن الأزور 115, 240

الطبري 27, 44

طرفة بن العبد 28

طغرلبك 50

طلحة بن عبيد الله التَّيمي10, 140, 250

طلحة بن يحيى 46

طليحة بن خويلد الأسدي 190

الطوسي , محمد بن الحسن بن علي 50, 106, 109, 124, 136, 251, 261

العاص بن وائل 30

عاصم بن عمر بن قتادة 13

عاصم بن عمرو التميمي 192

عامر بن أبي وقاص الزهري 179

عامر بن ليلى الغفاري 139

عامر بن واثلة الكناني137, 255, 290

عائشة بنت ابي بكر58, 71, 75, 97, 101, 140, 141, 142, 152, 242, 250

عائشة بنت سعد بن ابي وقاص 45

عبادة بن الصامت الغفّاري 95, 96

عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري 96

العبّاس بن ربيعة بن الحارث 254

عبد الأعلى بن حماد 45

ص: 345

عبد الحسين الأميني 56, 136, 137, 138, 143

عبد الرحمن بن أبي بكر 242

عبد الرحمن بن الأخنس 10

عبد الرحمن بن سهل الأنصاري 98

عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري 139

عبد الرحمن بن عوف 10

عبد الرحمن بن مهدي 43

عبد الله بن أبي ربيعة 78

عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب 94

عبد الله بن العبّاس8, 14, 36, 110, 125, 134, 254, 257, 289

عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي 104, 254, 270, 289

عبد الله بن ثابت الأنصاري 139

عبد الله بن جعفر الطيار 244, 245, 253, 289

عبد الله بن رواحة 169

عبد الله بن سعد بن أبى السرح 31

عبد الله بن عامر بن كريز25

عبد الله بن عمرو بن العاص 265

عبد الله بن قيس الأزدي 224, 228

عبد الله بن مسعود 8, 41, 86, 92, 115

عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري 61

عبد الله بن معاوية الجمحي 45

عبد المطلب بن هاشم(ع) 20, 21, 244, 253

عبد الملك بن عمير 48, 290

عبيد الله بن العباس 39

عبيد الله بن عمر 256

عبيد الله بن عمر 9, 256

عبيد بن عازب الأنصاري 139

عبيد بن عمرو البجلي 221

عتبة بن ابي وقاص 4, 20, 26

عتبة بن العاص 245

عثمان بن حنيف 97

عثمان بن عفان 8, 71, 75, 76, 284

عدي بن حاتم الطائي 38, 108, 255, 289,

عقبة بن عامر الجهني 139

عقبة بن عامر بن نابي بن زيد 13

عكرمة بن أبي جهل 76, 245

عكرمة بن عمار 45

ص: 346

علي , الإمام (ع) 23 , 35, 49, 50, 55, 60, 61, 63, 65, 70, 72, 73, 81, 87, 91, 112, 113 , 114, 117, 118, 121, 122, 129, 130, 133, 134, 135, 136, 143, 144, 147, 152, 153, 249, 250, 258, 261, 262, 265, 266, 267, 268, 271, 272, 274, 275, 276, 277, 282 , 287, 289, 296, 297, 298, 303

علي بن الحسين , (الإمام )(ع)11, 12, 83, 308

علي خان المدني 4, 53, 55, 80, 81, 82, 84, 94, 107, 110, 270, 273, 282, 307

عمار بن ياسر 40, 49, 55, 58, 92, 113, 114, 115, 116, 222 , 231, 234, 249,

250, 251, 255, 256, 262, 263, 265, 268, 269, 270, 272, 273, 274, 275 , 290

عمارة بن وليد بن المغيرة المخزومي 9

عمر بن الخطاب 14, 25, 65, 71, 76, 180, 186, 189, 231, 234, 277

عمر بن سعد بن أبي وقاص 151

عمر بن مالك الزهري 190

عمران بن حصين 8

عمرو بن الحصين السكوني 259

عمرو بن الحمق الخزاعي 29, 102

عمرو بن العاص 30, 35, 40, 76, 118, 173, 256, 264, 265, 269, 281, 299, 300, 303

عمرو بن معدي كرب الزبيدي 190, 216, 219, 220, 221, 228, 242

عوف بن الحارث بن رفاعة 13

عوف بن سالم 243

عياض بن غنم 208

الفازع بن حرملة 244

فاطمة,الزهراء, سيدة نساء العالمين (ع)40, 41, 57, 73, 76 , 92 , 132

الفضل بن العباس بن عبد المطلب 93

الفضل بن شاذان 12, 73, 95, 107

فضيل بن مرزوق 46

فيروز 202, 216

قبيصة بن جابر الأسدي 255, 290

قطبة بن عامر بن حديدة 13

القعقاع الظفري 262

القعقاع بن عمرو 190, 191, 192, 193,262,

القلقشندي 6

القمي , عباس 55, 56, 59, 99

قيس العطار 19, 315

قيس بن أبي حازم 179, 191

قيس بن ثابت بن شماس 142

قيس بن سعد بن عبادة 38, 250

قيس بن عبد يغوث 179

ص: 347

قيس بن مكشوح 179, 190

قيس بن هبيرة بن عبد يغوث 192

قيصر 88, 89, 90

كسرى 88, 89, 90, 168 , 198, 202, 203, 206, 208, 210, 218, 222

كعب بن زهير 28

مالك الأشتر 36, 98, 114, 116, 179, 190, 242, 249, 254, 256, 270, 289

مالك بن مغول 46

ماهان 179

المثنى بن حارثة 214, 221

مجدي بن عمرو الجهني 16

محل بن خليفة الطائي 113, 114, 250

محمد (ص) , ( النبي الأكرم) 11, 12, 13, 14, 16, 19, 20, 21, 23, 24, 55, 60, 63, 66, 70

71, 74, 78, 79, 80, 82, 83, 88, 91, 108, 116, 121, 130, 131, 132, 134, 135, 136 , 143, 146, 169, 170, 249, 258, 261, 269, 277, 279, 282, 289, 296

محمد أورنك زيب 279

محمد بن ابي بكر 110, 112, 118, 119, 120, 123, 152, 254, 259, 289

محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة 105, 260

محمد بن إسحاق 13

محمد بن الحنفيّة 253, 256

محمد بن امية الساوي 9

محمد بن عبد الله بن نمير 46

محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي 52, 97

محمد بن عمرو 46

محمد بن مسلمة الانصاري 84, 225

محمد بن معمر القيسي 45

محمد بن يحيى بن فياض الزماني 45

محمد رضا الحكيم 26, 321

المختار الثقفي 38, 108, 113, 152, 254

مردان شاه بن هرمز 234

المرزباني, محمد بن عمران بن موسى 63, 318

مروان بن الحكم 71, 97, 140, 151

مروان بن معاوية 46, 47

مسافر بن عمر 9

مساور الوراق 46

مسلم بن عقيل (ع) 253, 289

المسيب بن نجبة الفزاري 239

ص: 348

مضر السيد علي خان المدني 1, 273

المظفر بن الأفطس 59,

معاذ بن جبل 25, 77

معاوية بن أبي سفيان 9, 28, 35, 40, 71, 73, 76, 121, 122, 123, 255, 259, 265, 271,

287, 297, 298, 299, 303

معاوية بن حديج الكندي 118

المغيرة بن شعبة 26, 77, 99

مفلح بن راشد 9

المفيد 50, 103, 108, 125, 249, 250, 251, 305

المقداد بن الأسود 12 ,41, 42, 78, 86, 106

منجانة 208

منوشهر بن هرمزدان224

المهاجر بن خالد بن الوليد 110

المواردي 31

موسى بن يعقوب الزمعي294, 295

الميداني 16

النابغة 28

ناجية بن عمرو الخزاعي 139

النسائي 43, 115, 125, 126, 139, 173, 243, 294,

نعمان بن عجلان الأنصاري 139

النعمان بن مقرن 104

نقيطاس 244, 245

نوحٍ , النبي (ع) 20

نوفل بن جرعل 244

النوفل بن سلمان 9

نوفل بن سليمان الهنائي 9

هاشم بن عبد مَناف 20

هاشم بن عتبة بن ابي وقاص(المرقال) 1, 4, 5, 19, 21, 23, 27, 30, 40, 41, 43, 52, 53, 55 , 56, 58, 62, 63, 64, 71, 91, 95, 112, 113, 116, 117, 118, 119, 123, 124, 129 , 137, 142, 144, 145, 147, 151, 153, 156, 157, 162, 167, 171, 172, 173, 179, 180, 184, 186, 187, 189, 190, 191, 192, 193, 194, 198 , 202, 206, 207, 208 , 209, 210 , 211 , 215, 216, 222, 224, 229, 236, 240, 242, 251, 255, 260, 261 , 262, 263, 264, 265, 266, 267, 268, 269, 271, 272, 274, 275, 276, 277 , 278 , 280, 283, 284, 286, 290 , 291, 292, 294, 295, 296, 297, 298

هاشم بن هاشم الزهري 46

هدبة بن خالد 45

هرقل 167, 168, 169, 170, 180, 246

الهرمزان بن أنو شروان 216, 256

ص: 349

هشام بن عروة 46

هشام بن محمد بن السائب الكلبي9

همام بن يحيى 45

هند 9, 32, 36, 258

واثلة بن الأسقع الكناني 106

الوازع بن نافع 13

وكيع بن الجراح 43

الوليد بن عقبة 257

يزدجرد 189, 192, 193, 201, 203, 206, 224, 229, 231, 232

يزيد بن أبي سفيان 57, 239

يزيد بن معاوية 71, 265

ص: 350

فهرست القبائل والملل والأقوام

الأزد167, 293, 294

أسلم 72, 73, 167, 273

الأكاسرة 202

آل أبي طالب 23, 97, 101

آل جفنة 7

بجيلة 218, 219, 223, 225

بكر بن وائل 205, 260

بنو الأفطس 59

بنو النجار 13

بنو النضير 76

بنو بويه 48

بنو عبد مناف 20, 24

بنو عذرة 9

بنو قريظة 76

بنو كعب 6

بنو كلب 6

بنو ليث 100

بنو مذحج 36, 193, 221

بنو هاشم 4, 10, 46, 71, 72, 86, 245, 254

بنو تميم 192

بنواسد 8, 18, 217

البيزنطيون 162

خندف 8

الروم 30, 49, 88, 93, 94, 97, 138, 156, 157, 160, 163, 166, 167, 168, 169, 170, 171, 172, 173, 179, 180, 181, 190, 207, 239, 240, 244, 246, 290

ص: 351

السامانيين 48

السبابجة 97, 98

السلوقيون 160

شيبان 219

طيّء 38

العبيد 6, 189

الغساسنة(غسان) 7 , 267, 288

غفار 167

فارس 49, 88, 184, 209, 291

فزارة 75

القبط 31

قريش 5, 16, 17, 18, 21, 25, 26, 52, 70, 71, 72, 74, 80, 90, 123, 124, 252, 260, 297, 298, 300

قضاعة 14, 38

كنانة 252

كنانة عذرة 6

مراد 167

المرازبة 220

مزينة 167

المناذرة 7

هذيل 8

هَمْدان 35, 352

ص: 352

فهرست البقاع والأمكنة

أجنادين 93, 94, 147, 164, 168, 170, 171, 172, 242

أحد 7, 73, 74, 291

أذربيجان 34

أربل 237,238

الأردن 173

أستان شاه قباذ 230

الإسكندرية 31, 167, 261

آسيا الوسطى 52

أشبونة 59

أصبهان (أصفهان) 89, 207, 234

ألماهين 235

الأندلس 59

أنطاكية 162, 166

الأهواز 217, 232

باب الجبل 240

باب الرستق 240

باب الشام 353

باب حمص 246

بابل 196, 234

باجرمى 238

البحر الأحمر170

بحيرة طبريا 172

بدر 16, 17, 73, 74, 189

برهان بور 53

البصرة 49, 112, 116, 232, 250, 297, 299

ص: 353

بصرى 167

بطليوس 59

بعلبك 156, 157, 160

بغداد 18, 43, 44, 47, 50, 61, 63, 89, 196, 197, 207, 229, 230, 237

البقيع 6, 87, 151

بلنسية 59

البندنجبن 237

بهرسير 202, 204, 208, 210

بوازيج الملك 238

بوسترا 168

بيروت 156

تبوك 170

تدمر 168

تركيا 190

تستر 40, 107, 190

تكريت 238

الثوية 26

جبال اللكام 190

جرجان 233

الجزيرة 87, 131, 132

جزيرة ابن عمر 60

جلولاء 34, 60, 63, 65, 147, 197, 199, 205, 207, 209, 210, 216, 219, 222, 223, 230, 232, 233, 237, 283

الجوف 170

الجولان 172

حائل 170

الحبشة 170

الحجاز 184

ص: 354

حلوان 34, 147, 207, 216, 223, 224, 225, 226, 229, 230, 232

حماة 162, 240

حمص 160, 162, 163, 170, 172, 246

حنين 15, 42, 94

حوران 84, 176

الحولة 240

حيدرآباد 53

خانقين 207, 222, 223, 232

خانيجار 237

خراسان 43, 48, 50, 53, 95, 103, 110, 230, 233, 237

خوارزم 58

خيبر 27, 125, 127, 169

دار الارقم 8

دانية 59

الدستبي 41

الدسكرة 237

دقوقاء 237

دمشق 60, 172, 190

دنباوند 233

دومة الجندل 168

دير المسلاخ 194

دير قرة 207

الدينور 61, 91, 235

ذي قار 112, 116, 250, 252

الراذانات 237

الربذة 41, 93, 101

الرستق 160, 240

الرستن 239, 240, 241, 245, 246

ص: 355

الرملة 94, 168

الرميلة 18

روما 156, 167

الرومية 204

الري 41, 62, 91, 151, 234

زحلة 156

سامراء 54

السقيفة 73, 74, 87, 137

سكاكا 168

سمرقند 52

سن بارما 238

سهل النقرة 167

السودان 6, 9

السودية 245

سوريا 6, 64, 156, 160, 172, 208, 240, 245, 247

شاطئ دجلة 194

شرقاء 140

شعب أبي طالب 21

شنترين 59

شهرزور 238

شيراز 54

شيزر 162

صفين 28, 33, 34, 35, 49, 55, 56, 58, 60, 61, 63, 65, 73, 87, 117, 124, 145, 199, 223, 273, 275, 278, 280, 285 , 286, 287, 289, 290, 293, 296, 299, 300, 303

الطائف 42, 71, 74, 75, 94, 104, 255, 355

طبرستان 233

الطف 151

ص: 356

طوس 50

طوز خورماتو 237

العذيب 184, 212, 214, 224

العراق 34, 58, 65, 81, 91, 147, 179, 184, 186, 190, 203, 232, 282, 295, 296, 301

عرفة 9

عُسْفَان 9

عسقلان 62

العقبة 74, 116, 250

العقيق 6

عمواس 57, 94

العيص 16

عين التمر 179

غدير خُم 6, 132, 133, 143

غوطة دمشق 94, 171

فِحل 171

فلسطين 147, 168, 170, 171

قادس 214

القادسية 34,55, 65, 189, 191, 192, 199, 203, 212, 214, 224, 226

القدس 30, 43, 64, 94, 168

قرطبة 59

القسطنطينية 7, 96, 247

قطربل 209

قلعة الرستن 241

قومس 233

الكاظمية 54

كبلب 9

كربلاء 29, 54, 151, 152, 240, 245, 255

ص: 357

كسكر104, 108, 171

كَش 52

كلواذى 194

كوثي 210

الكوفة 8, 63, 112, 114, 116, 137, 138, 142, 143, 150, 151, 152, 196, 197, 199, 216, 223, 226, 232, 233, 250, 251, 283, 296

كويفية ابن عمر 258

لاريسا 162

اللجا 167

ما وراء النهر 48

مازندران 53, 233

ماهور 53

المدائن 147, 189, 194, 196, 202, 204, 205, 207, 208, 209, 210, 216, 223, 225, 232, 233, 237, 238

المدينة المنورة 6, 11, 53, 87, 96, 106, 123, 168, 170, 254

مرج الصفر 171, 172

مرج عذراء 29, 101, 102

مصر6, 29, 30, 31, 32, 39, 43, 44, 58, 62, 64, 105, 117, 118, 242, 261

مظلم ساباط 209, 211

مكة المكرمة 21, 22, 70, 71, 88, 90, 130, 132

مهروذ 230, 237

مؤتة 169, 170

مندلي 236

الموصل 60, 238

الناصرية 112

نهاوند 207, 223, 232, 233, 235

نهمشير 202, 203, 204

نياتراجانا 168

ص: 358

نيسابور 47, 48

همذان(همدان) 35, 260

الهند 53, 127

اليمن 132, 184, 193, 221

ص: 359

فهرست المواضيع

الموضوع = رقم الصفحة

الإهداء2

المقدمة3

الإسم والنسب4

ولادته19

فترة الصبا21

إسلام الشهيد23

لقب (المرقال)27

الملامح والصفات34

روايته للحديث43

أقوال عن الشهيد50

المرقال بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) 66

المرقال مع أمير المؤمنين (علیه السلام) 112

المرقال في أحاديث أمير المؤمنين (علیه السلام) 117

أمير المؤمنين (علیه السلام) في ضمير المرقال121

المرقال أحد رواة حديث الغدير130

صولات المعارك147

ص: 360

معركة بعلبك154

معركة حمص الأولى158

معركة حمص الثانية161

معركة أجنادين164

معركة اليرموك175

معركة القادسية182

معركة الكوفة195

معركة النهر198

معركة المدائن200

معركة جلولاء206

معركة حلوان228

معركة نهاوند231

معارك متفرقة في العراق236

معركة الرستن239

معركة الجمل248

معركة صفين253

أحدى الحسنين : الشهادة272

المرقال شاعرا277

المرقال خطيبا285

ص: 361

أخوة هاشم المرقال290

أولاد هاشم المرقال293

عبد الله بن هاشم المرقال297

المصادر305

الفهارس324

فهرست الآيات الكريمة325

فهرست الأحاديث النبوية الشريفة330

فهرست الأحاديث العلوية الشريفة332

فهرست الأبيات الشعرية والأراجيز334

فهرست الأعلام340

فهرست القبائل والملل والأقوام351

فهرست البقاع والأمكنة353

فهرست المواضيع360

ص: 362

نبذة عن المؤلف

السيد مضر السيد عبد الهادي السيد محسن : مهندس وشاعر بارع (1) .. ولد بمدينة النجف الأشرف عام 1379, وتدرج في مراحل الدراسة, و حصل على الشهادة العالية في الهندسة المدنية من جامعة الموصل عام 1982 م.

رعى أساتذته في إعدادية النجف موهبته الأدبية (وفيها اتجه إلى كتابة الشعر حيث حظي بدعم ومتابعة أساتذته وفي مقدمتهم الأديب الراحل السيد هاشم الطالقاني) (2), فكتب القصة والقصيدة, وشارك في العديد من الأماسي و المهرجانات الشعرية في مدينة النجف الأشرف, و منها مهرجانات الإعدادية السنوية, وأمسيات دور الثقافة, ونشاطات جمعية الرابطة الأدبية, وحصل على المرتبة الأولى في مسابقة الجمعية للأدباء الناشئين.

كما شارك في بعض المهرجانات الشعرية في الجامعة, وسمي (شاعر كلية الهندسة) (3), وحصلت أحدى قصائده في الثمانينات على المرتبة الأولى في مهرجان القصيدة القطري, ورشحت للمشاركة في مهرجان الخليج الدولي, ومهرجان القصيدة العربية في الدار البيضاء. كما دعي لإلقاء قصائده في العديد

ص: 363


1- التحف من تراجم أعلام وعلماء الكوفة والنجف - أ.د. صباح نوري المرزوق / ملحق حرف الميم : 173
2- آفاق نجفية / العدد 5 / 2007 / - د. كامل سلمان الجبوري – مطبعة النجف الأشرف / ص 164
3- المستدرك على شعراء الغري - كاظم الفتلاوي : 3 / 285

من الاحتفاليات الخاصة والعامة في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وبغداد والبصرة والديوانية والموصل, ووجهت له الدعوات للمشاركة في مهرجان المربد الشعري.

نشرت له عدة مجلات وجرائد عراقية مختارات من قصائده وكتاباته الأدبية التي كان ينشر بعضها باسم مستعار هو (النجفي العراقي), ومنها جريدة العدل, وجريدة البلاغ , ومجلة الرابطة, ومجلة الجامعة, ومجلة آفاق, ومجلة التراث, ومجلة السهلة (1).

وكان مما حظي به في مراحل من حياته قربه من الأفذاذ من الشخصيات العلمية في أسرته الكريمة كجده لأبيه السيد محسن وجده لأمه السيد عبد الكريم والآخرين ممن كان والده يعاشرهم ويجالسهم وأمثالهم من أعيان العلماء الذين كانت بيوتهم أندية علمية، كما في مجالس أسرته والأسر العلمية لآل الحكيم، وبحر العلوم، والصدر، والقرشي, واختزنت ذاكرته أحاديث وحوارات الكثير من العلماء والأعلام في تلك اللقاءات التي كانت تفيض بالدروس التربوية, والعطاء العلمي الثرّ، والبحوث العميقة المتنوعة، والتي كانت له دروساً عملية في السلوك والتقوى والورع والزهد والصلاح وحب المعرفة، فقد رأى وعاش تلك المثل العليا، والقيم الروحية التي يتحلى بها أعلام الدين وعلماء الأمة, والتي كان لها أبلغ الأثر في تربيته وسلوكه, وتطوير قدراته الأدبية التي أظهرت بعض ملامحها

ص: 364


1- معجم الشعراء - د. كامل سلمان الجبوري :5 / 408

مؤلفاته الرصينة, والتي أكدت تنوع معارفه وقدرته على الكتابة بمواضيع شتى بإسلوب أخاذ ممتع وبلغة علمية رصينة.

وفي مجال العمل المهني, وبعد تخرجه, تولى الأشراف على العديد من المشاريع الرئيسة في بغداد والبصرة وصلاح الدين والثرثار والنجف الأشرف.

تعرض للإعتقال في فترة دراسته الجامعية بمدينة الموصل, ضمن الحملة التي استهدفت طلبة الجامعات في الثمانينيات, وعاد للدراسة بعد أن خسر سنة من حياته الدراسية. كما أعتقل إبان الإنتفاضة الشعبانية المباركة في النجف الأشرف؛ ليلاقي مع آلاف المعتقلين صنوف التعذيب, ولهو سياط الجلادين في معتقلات الحارثية والرضوانية, وشاءت إرادة الله أن يطلق سراحه (1) .

تشرف بالإشراف على إعادة بناء (مسجد السهلة المعظم) في الكوفة المقدسة بتوجيه مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظله) الذي رعى حملة الإعمار الكبرى للمكان المقدس, وأخيرا تشرف بتوجيه السيد الحكيم (دام ظله) بتولي الأمانة العامة لمسجد السهلة المعظم يوم الأحد الأول من شهر رمضان المبارك سنة 1426 ﻫ. (2).

من مؤلفاته: مسجد السهلة تأريخه وأعماله(م), تأثير العقيدة في بناء شخصية الطفل(م), مفكرة السهلة(م), دليل مسجد السهلة المعظم ( باللغات العربية

ص: 365


1- السيد علي خان المدني وآثاره العلمية – د. عادل عباس النصراوي : 35
2- دليل مسجد السهلة المعظم / دار المتقين للثقافة والعلوم والطباعة والنشر/ ط2 / 1433 / ص 104

والفارسية والانكليزية) (م), الدليل المصور لمسجد السهلة المعظم(خ), الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) بين مسجدين(م), الشهيد الخالد أويس القرني (رضی الله عنه) (م), واجهات الإطلالة المرتقبة(خ), شهيد صفين هاشم المرقال (رضی الله عنه) (خ), يا ابنتي هذا هو الدين(خ), قدرات الأحجار الكريمة(خ) , شهداء على طريق كربلاء(خ), حقائق تنهض من بين الأقبية(خ), قتلى الحجاج(خ), الإسلوب التمثيلي في الأداء المعرفي(خ), الطريقة الإستقرائية في تناول الحديث النبوي(خ), المشهد السياسي(خ), النجف الأشرف.. رؤى للتطوير(خ), سعيد بن جبير (رضی الله عنه) جرح الزمان الدائم(خ) , ثروات الصحابة(خ), والي علي (علیه السلام) عثمان بن مظعون (رضی الله عنه) (خ), الصورة الشعرية في القرآن الكريم(خ), آداب التلاوة(م), المجاهدون الثلاثة أبناء صوحان العبدي(خ), أسرتي كما قرأت عن أبي(خ), ديوان شعر(خ) (1).

مؤسسة مسجد السهلة المعظم الكوفة المقدسة – 1435 ﻫ.

ص: 366


1- الشهيد الخالد أويس القرني - مطبوعات مؤسسة مسجد السهلة المعظم- / دار المجتبى / ط1 / 1434 / ص229

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.